إلى رحمة الله
بقلم: رئيس التحرير
nooralamamini@gmail.com
عن عمر يناهز 94 عامًا تُوُفِّيَ العالم الهندي الكبير فضيلة الشيخ محمد سالم القاسمي المعروف بـ«خطيب الإسلام» أستاذ الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند سابقًا، والرئيس المشرف على دارالعلوم وقف بديوبند حاليًّا، في الساعة الثانية والدقيقة السابعة عشرة ظهرًا من يوم السبت: 26/رجب 1439هـ الموافق 14/أبريل 2018م. وذلك في منزله المتصل بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند، إثر معاناة مع المرض الناتج عن الضعف وتبعات الشيخوخة الزائدة دامت نحو سنتين؛ فإنّا لله وإنا إليه راجعون.
ولضناه البالغ كان يواجه منذ أيام صعوبات شديدةً في التنفس، فأُدْخِلَ مستشفى محليًّا لأحد الأطباء في المدينة؛ حيث مكث يومًا كاملًا يتلقى فيه العلاج، وقد أجرى الطبيبُ فحوصات طبية لازمة، ومن خلال دراستها توصّل إلى أنه ليس به مرض سوى الضنى والضعف الذي أدى إليه طعنه في السن، فأشار على أهله أن يعودوا به إلى البيت، ويوفروا له جهازًا ضابطًا لحركات القلب Cardiac Monitor (كاردياك مونيطور)، فعملوا بمشورته واستجابوا لوصفته؛ ولكن أجل الله إذا جاء لا يؤخر، فاستأثرت به رحمةُ الله رغم العناية المركزة بالعلاج والأدوية والتدابير اللازمة.
وانتشر نعيُه انتشار النار في الهشيم في أرجاء الهند وخارجها، فهرع الناس إلى بيته ليشاهدوا جثمانه بعد الموت، ليستعيضوا ما فاتهم من رؤيته في حياته، حتى يجدوا نوعًا من السلوة عن الأحزان التي ألمت بهم بموته.
أقيمت الصلاة عليه في محيط «مولسري» بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند في الساعة العاشرة تمامًا من الليلة المتخللة بين السبت والأحد: 26-27/رجب 1439هـ = 14-15/أبريل 2018م. أَمَّ الصلاةَ عليه نجله الأكبر الشيخ محمد سفيان القاسمي مديرُ جامعة دارالعلوم وقف بديوبند، وحضرها آلافٌ من العلماء وطلاب علوم الدين والصلحاء وعامة أهالي المدينة من المسلمين إلى جانب مئات من الناس توافدوا من خارج المدينة إليها ليشاركوا في الصلاة عليه وتورية جثمانه في المقبرة القاسمية الجامعية التي انتهوا منها في نحو الساعة الثانية عشرة والنصف ليلًا.
لقد كان مصاب المسلمين عوامَّ وخواصَّ عظيمًا بموت الشيخ محمد سالم القاسمي، فكان حزنهم شديدًا عليهم، رغم أنه كانت وفاته في الشيخوخة البالغة وبعد حياة حافلة بخدمة العلم والدين والدعوة عاشها متنقلًا بين مدن وقرى العالم إلى جانب أرجاء الهند التي وَطِئَتْ قدماه مُعْظَمَها خطيبًا في الحفلات، مترئسًا للمؤتمرات، متحدثًا إلى المناسبات.
وقد سَعِدَ كاتب السطور بعيادته في بيته وهو طريح الفراش قبل وفاته بيومين يوم الخميس: 24/رجب = 12/أبريل، فرأيتُه يتنفس بصعوبة بالغة عن طريق فمه بدل أنفه، وكان سلسلةٌ مُكَثَّفَةٌ من الأسلاك الماكينية منتشرة حول جسمه وهو مُسْتَلْقٍ على الفراش لاحراك به، فألقيتُ عليه نظرة توديع؛ لأني شعرتُ بقوة كأن المسافر إلى رحمة ربه يترقب طريقَه وينتظر رفاقه من الملائكة، فيقضي اللحظات الأخيرة من حياته بقلق بالغ وفي كيفية لا شيء فيها من اللذة.
وسَعِدَت الأوساطُ العلميّةُ والدينيّةُ والمنظمات والجمعيّات الإسلامية بإهداء الثواب إلى روحه عن طريق تلاوة القرآن الكريم والأدعية التي صدرت من أعماق القلوب، كما أقامت المدارسُ والجامعاتُ الإسلامية حفلات تأبين في أرجاء الهند أشادت فيها بإنجازاته الدينية والدعوية والتعليمية، وبمكانته الكبيرة بالنسبة إلى كونه داعيًا كبيرًا، وخطيبًا، مُفَوَّهًا، وعالمًا ذاغَنَاء لا يكثر مثالُه.
وكان الشيخ محمد سالم القاسمي عظيمًا في النسب الطيني والديني معًا؛ كان نسبه يتسامى عن طريق 48 شخصًا إلى سيدنا أبي بكر الصديق رفيق رسول الله –صلى الله عليه وسلم- في الغار وخليفته من بعده مباشرة – رضي الله عنه – كما تؤكد شجرة نسبه المثبتة كما يلي:
محمد سالم بن محمد طيب بن محمد أحمد بن محمد قاسم بن أسد علي بن غلام شاه بن محمد بخش بن علاء الدين بن محمد فتح بن محمد مفتي بن عبد السميع بن محمد هاشم بن الشيخ شاه محمد بن القاضي طه بن الشيخ المفتي مبارك بن أمان الله بن جمال الدين بن القاضي الشيخ ميران بڑے بن القاضي مظهر الدين بن نجم الدين الثاني بن نور الدين الرابع بن قيام الدين بن ضياء الدين بن نور الدين الثالث بن نجم الدين بن نور الدين الثاني بن ركن الدين بن رفيع الدين بن بهاء الدين بن شهاب الدين بن الخواجه يوسف بن الشيخ خليل بن صدر الدين بن الشيخ ركن الدين السمرقندي بن صدر الدين الحاج بن إسماعيل الشهيد بن نورالدين القتال بن الشيخ محمود بن بهاء الدين بن عبد الله بن زكريا بن الشيخ نور بن الشيخ سراج بن الشيخ شادي الصديقي بن وحيد الدين بن مسعود بن عبد الرزاق بن قاسم بن محمد بن أبي بكر بن أبي قحافة. («نسب نامه» (شجرة النسب) تأليف الشيخ المفتي محمود الصديقي النانوتوي عضو مجلس شورى الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند، ط: مطبعة الجمعية بدهلي، حسب توجيه رئيس الجامعة فضيلة الشيخ المقرئ محمد طيب رحمه الله).
وأوّل من وَرَدَ الهندَ من أفراد هذه الأسرة العظيمة هو الشيخ القاضي «ميران بڑے» الذي نَزَحَ إلى الهند عام 878هـ/1473م على عهد السلطان «بهلول اللودهي» الذي حَكَمَ الهندَ في الفترة ما بين 855-894هـ = 1451-1489م، فهو الجد الأكبر للأسرة الصديقية ببلدة «نانوته» إحدى بلدات مديرية «سهارنفور» بغربي ولاية «أترابراديش» الهندية. و«ميران» كان الاسم المُتَدَاوَل كثيرًا في البيوتات الأرستقراطية في منطقة «خراسان» التي نَزَحَ منها القاضي «ميران» المذكور إلى الهند. وكان القاضي «ميران» من كبار العلماء وأجلة الصلحاء في زمانه، ونظرًا لمكانته العلمية والدينية، عَيَّنَه السلطانُ «بهلول اللودهي» عام 864هـ/1460م قاضيًا ببلدة «نانوته» عن طريق مرسومه السلطاني المكتوب، وأقره من بعده في منصبه ابنُه السلطان «سكندر اللودهي» الذي حكم الهندَ في الفترة ما بين 894-923هـ = 1488-1517م؛ حيث اسْتَدْعَىٰ الشيخ «ميران» من «نانوته» إلى «دهلي» العاصمة وَجَدَّدَ المرسومَ السلطانيَّ الذي كتبه والده السلطان «بهلول اللودهي» و وَقَّعَ عليه. وُلِدَ الشيخ القاضي «ميران» عام 805هـ/1402م وتوفي، في 14/رجب 902هـ الموافق 11/أبريل 1497م، فكان عمره بالنسبة إلى السنوات الهجرية 97 سنةً، وبالنسبة إلى الأعوام الميلادية 95 عامًا.
أمّا نسبه الشيخ محمد سالم القاسمي – الديني العلمي فينتهي إلى مُؤَسِّس الجامعة الإسلامية: دارالعلوم/ديوبند الإمام محمد قاسم النانوتوي – رحمه الله – (1248-1297هـ = 1832-1880م) الذي يرجــــع نسبـــــــه العلمي الـــــديني إلى الإمـــام الشاه ولي الله أحمد بن عبد الرحيم الدهلوي رحمه الله (1114-1176هـ = 1703-1762م) والذي كان حارسَ الإسلام في الهند في عهده، حيث قمع كل فتنة ثارت ضدَّ الإسلام في هذه القارة بعلمه الغزير المُحْكَم وحزمه البالغ ودهائه الذي لم يوجد في غيره في عصره، وأنشأ لمواجهة الغزو الثقافي الحضاري الاستعماري الغربي المُمَدِّ بكل نوع من السلاح والعتاد والمُخَطَّط تخطيطًا شاملًا من قبل الحكومة الاستعمارية المُوَطَّدَة الأركان حصنًا حصينًا منيعًا متمثلًا في الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند، لا يزال واقفًا في شموخ وقوة لا تُغَالَب ضد كل عاصفة تهبّ باستمرار لتجرف معها كل ما لدى المسلمين من دين وعقيدة، وشريعة وأخلاق، وتقاليد حميدة، وعادات كريمة، لا يوجد نظيره في تاريخ المسلمين الهنود الممتد على نحو قرنين. ولو لم يُنْشَأْ هذا الملاذ الديني التعليمي التربوي القوي الضخم المهيب المتمثل في الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند، لما كان هناك حيلة لمواجهة المحاولات المتصلة، المُدْهِشَة للألباب، المُحَطِّمَة للعزائم، الرامية إلى محو الإسلام من هذه الديار محوَ الحروف المغلوط فيها، وإلى استئصال شافة الدين الإسلامي والمسلمين في هذه القارة. إن هذه الجامعة هي التي جعلت المسلمين في هذه البلاد يعيشون بهويتهم الدينية الكاملة، وقد نبعت – ولا تزال – من بحرها الزاخر آلافُ آلاف من الأنهار مُتَمَثِّلَةً في المدارس والمنظمات والجمعيات التي لا تُحْصَىٰ، التي تسقي جميعَ أنحاء هذه المناطق الساسعة وتؤدي دورها الفعال في إبقائها مخضرة صالحة للإنبات والإغلال.
إن هذه المأثرة الفريدة قام بها جدُّ الشيخ محمد سالم القاسمي الأكبر: السيد الإمام محمد قاسم النانوتوي رحمه الله. لقد وُلِدَ الشيخ محمد سالم ونشأ في هذه البيئة الدينية في هذا البيت العلمي المعمور بالصلاح والتدين والتقوى والزهد في الدنيا والرغبة في الآخرة، الذي كان يمتاز بالتعليم الديني والتربية الإسلامية، وكان ذلك هو شعاره ودثاره. كان جد الشيخ محمد سالم من الأب الشيخ الحافظ محمد أحمد بن محمد قاسم النانوتوي رحمه الله (1279-1347هـ = 1862-1928م) توارث العظمة العلمية والمكانة الدينية عن والده العظيم السيد الإمام محمد قاسم النانوتوي، فكانت العظمتان قد حظي بهما توارثًا أكثر من أن يحظى بهما اكتسابًا، فلم يكن يسعه إلّا أن يكون عالمًا صالحًا، وقد أتيح له أن يقود سفينةَ دارالعلوم/ديوبند لكونه وارثًا مستحقًّا لهذا الإرث العلمي الديني. ولم تكن هذه القيادة أمرًا سهلًا ميسورًا، وإنما كانت تقتضي أهليات شاملة. ومن خلال إدارته للجامعة على مدى أربعين عامًا، أثبت أنه كان مؤهلًا لذلك بكل معنى الكلمة.
أما والد الشيخ محمد سالم: سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب المعروف في شبه القارة الهندية بـ«حكيم الإسلام» فقد كان الابن الأكبر للشيخ الحافظ محمد أحمد بن محمد قاسم النانوتوي، وحفيدًا للسيد الإمام محمد قاسم النانوتوي رحمه الله. وقد شغل منصب نائب رئيس جامعة دارالعلوم/ديوبند تسعة أعوام في الفترة ما بين 1341 و 1348هـ، وعمل رئيسًا لها على مدى 54 عامًا في الفترة ما بين 1348 و 1402هـ. وقد نالت الجامعة على عهده ازدهارًا على جميع الأصعدة لم يكن مُتَصَوَّرًا فوقه في إطار ذلك الزمن الذي كان يشكو بشدة قلةَ الوسائل والإمكانيات. وذلك بشخصيته الجذّابة، وجماله الرجالي، وفضله العلمي، وخطابه الحكيم، وحديثه الفريد، وكونه في عصره لسان حال الإسلام الصادق، وكونه الناطقَ بالجامعة نطقًا ساحرًا في كل مكان بكيانه العلمي كله.
إن الشيخ محمد سالم القاسمي، كان المجالُ مُهَيَّأً والأرضيّةُ مُمَهَّدَةً لكونه عظيمًا على المستويين العلمي والديني؛ لأنه كان حلقة جميلة في السلسلة الذهبية المزدانة بجده الأكبر السيد الإمام محمد قاسم النانوتوي رحمه الله وجده من الأب الشيخ الحافظ محمد أحمد بن محمد قاسم النانوتوي رحمه الله و والده سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب رحمه الله المعروف بـ«حكيم الإسلام».
وكانت والدته «حنيفه خاتون» عظيمةَ المكانة من حيث نسبها الطيني ونسبتها الدينية، فكان ينتهي نسبها إلى مضيف رسول الله ﷺ: الصحابي الجليل أبي أيوب الأنصاري رضي الله عنه؛ وكان قد سَمَتْ منزلتُها بتزوجها مع العالم الهندي الأكبر سمعةً، الأطبق صيتًا في وقته: سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب رحمه الله رئيس جامعة ديوبند العريقة الكبرى على مدى ستين عامًا، وعَزَّتْ مكانتُها لكونها امرأةً وَفَّقَها الله لتقضي أيامَ حياتها في عبادة الله، وتواظب على الصلوات في أوقاتها، وتتقيد بأحكام دينها تقيدًا قد لايقوى عليه الرجال، وقد ماتت في حياة زوجها في 10/محرم 1394هـ الموافق 15/فبراير 1974م، فأشاد بمحاسنها في بعض كتاباته التي أعرب فيها عن أشدّ حنينه إليها، والتي قال فيها: إنه ظل يغبطها على قيامها بالعبادات، وقد يحسب أنها قد تكون إن شاء الله ذريعةَ نجاةٍ له كذلك يوم القيامة.
إن السعيد الذي أتيح له أن يتربّى في حضن مثل هذه الوالدة الصالحة، من يشك في كونه مجدودًا؛ ولذلك نشأ الشيخ محمد سالم مزدانًا بمحاسن الأخلاق، ومُنَزَّهًا من سيء العادات التي قد لا يتنزه منها الخواصّ فضلًا عن العوامّ؛ فكان لايغتاب ولا يستمع للغيبة، ولا يسيء إلى أحد، ولا يستمع لمساوئه التي يتحدث بها أحد، ولا يحب لأحد سوءًا ولايتمنى له مكروهًا، ومهما اشتاط غضبًا على أحد من الصغار أو خدمه لا يزيد عن أن يقول له: «أنت أحمق». وكان مجلسه مجلس علم ودين ودعوة، وكان يواسي أتباعَه وخدمه، وكان يهتمّ براحتهم أكثر من اهتمامه براحته، فكان دأبه حتى في شيخوخته البالغة والأعذار الناتجة عنها أنه كان يستيقظ وقت السحر وحده، ويقضي حوائجه البشرية ويتوضأ ويصلي، ثم إذا أُذِّنَ للفجر بعد طلوع الصبح الصادق فإنه كان يجلس في مُصَلَّاه ثم كان يوقظ الخادم الموكل بخدمته في مثل هذا الوقت وغيره من أوقات الحاجة.
وكانت طينته معجونةً بالكرم والمروءة المتوارثة أبًا عن جدّ، وكان يتواضع مع كل أحد، ويتعامل مع خدمه وصغاره بعفوية وبغير تصنع. وكان لايبدأ بتناول الطعام على المائدة ما لم يجلس إليها خادمه، وكان في شؤون الحياة كلها يتعامل بالشفّافيّة، وكان يعتمد في العمل بالأمور الشرعية الاجتماعية بـ«تعاشروا كالإخوان وتعاملوا كالأجانب» وكان مرجعه فيما يتعلق بأمور الدين إلى «وأشدّهم في أمر الله عمر». أما في إطار الشريعة فكان لكل أحد مهما كان صغيرًا أن يضغط عليه ليجعله يشاطر رأيَه.
وهذه الصفاتُ كلُّها تَشِفُّ عن كونه حاملًا للقدر الكبير من المروءة والكرم والشرف، كما تؤكد كونه صالحًا بمعنى الكلمة. وقد جَرَّبَ كاتب السطور مروءتَه وكرمَه في رحلته إلى مصر في أواسط ربيع الأول 1420هـ الموافق أواخر يونيو 1999م بمناسبة حضوره المؤتمر السنوي الذي تعقده وزارة الأوقاف المصرية، والذي كان الشيخ كذلك مدعوًّا لحضوره. فسافرنا معًا من دهلي إلى القاهرة. وكان كاتب السطور يصحبه في كل من حضور جلسات المؤتمر، وحضور قاعة الطعام التي يكون فيها أكيله وقعيده، ومجاوره في فندق الخيّام؛ حيث كانت غرفته متصلة بغرفتي. وكان كاتب السطور رفيقه كذلك في رحلة العودة من القاهرة إلى دهلي، التي اضطررنا فيها حسب البرنامج المُعَدّ من قبل الطيران المصري أن نقيم في «دبي» لوقت لاباس به، امتدّ على يوم وليلة. ومن حسن الحظ أنه نما الخبر بمكثنا على مطار دبي طوال هذه المدة، إلى أحد معارف الشيخ محمد سالم القاسمي السيد «مظفر كولا» الذي كان يمارس مهنة مبادلات العملات، وكانت له علاقة مع مسؤولي حكومة «دبي» ولاسيما مسؤولي المطار، فحضر بسيارته الفارهة إلى المطار، وتحدث مع المسؤولين عن سماحهم لنا بدخول مدينة «دبي» وقضائنا الفترة المذكورة فيها في منزله، فرَخَّصُوا لنا بذلك، وأتاحوا لنا فرصةَ الإقامة بالمدينة. وبما أن الشيخ له شعبية كبيرة في عيون الشعب المسلم الهندي بمن فيه الجالية الإسلامية المقيمة للتوظف وممارسة أعمال لقمة العيش في «دبي» والإمارات المتحدة، كان كاتب السطور يتوقع أن الشيخ سينهال عليه الزوّار من المحبين الذين مُعْظَمُهم سيتقدمون إليه بهدايا كثيرة متنوعة سيصعب حملها عبر الطائرة في شنطة اليد أو عفشًا في حقائب السفر؛ لأن العفش كان عندنا أزيد من ذي قبل عن الوزن المسموح به؛ فقد همس في أذنه لدى جلوسه على مقعد السيارة التي أَقَلَّتْنا إلى منزل السيد «مظفركولا» أن لايقبل من الزوّار والمحبين الهدايا، ويعتذر إليهم عن قبولها بالحجة الصحيحة بأن العفش عندنا يزيد عن القدر المسموح به، فإن أَصَرُّوا على تقديمهم إيّاها له، يجوز له أن يقول: يمكنهم أن يرسلوا هذه الهدايا إليه عن طريق البريد الخصوصي.
ولكن الزوار حسب المُتَوَقَّع عندما بدأوا يقدمون إليه الهدايا، لم ينبس ببنت شفة لكي يمنعهم من تقديمها، أو يستعد نفسيًّا ليرفض هو ما يقدمونه إليه. ولما وصل إلى المطار جمع الهدايا كلها وجعلها في العفش وقدم إلى الموظفين المعنيين مبلغًا كبيرًا مقابلَ الوزن الزائد عن المسموح به، فقال له كاتب السطور عندما دَخَلَ الطائرةَ وتَبَوَّأَ مَقْعَدَه بجنب مقعده: سيدي! أنتم لم تعيروا التفاتًا ما قلتُ لكم: أن لا تقبلوا من أحد أي شيء من الهدايا، وقدمتم هذا المبلغ الباهظ مقابلَ الوزن الزائد، فكأنكم قد اشتريتموها بدفع الثمن من عندكم؟. فقال: إنهم قدموا إلينا ما قدموه مدفوعين بالحب، والحبُّ لا يُثَمَّن، فما قدمناه من المبلغ لاحاجة لنا أن نعدّه شيئًا، فنتأسّف عليه.
وإلى جانب ذلك كان مثالاً للوقار الذي ينبغي أن يتمتع به العالم الديني والجدية التي ينبغي أن يزدان بها الصالح التقي، وكان يشابه والدَه في الوعظ والخطابة، وكانت مواعظُه وخطاباتُه فائضةً بالنكات العلمية، والإشارات الحكيمة، والاستنباطات العلمية. فكانت تفوق أفهامَ العوام وجماهير الناس الذين لا يُلِمَّون بعلم ومبادئ قراءة، وإنما كان يُسِيغها المتعلمون والأذكياء من عامة الناس والأميين.
وكلما كان يتحدث إلى الناس في الحفلات، وإلى الطلاب في الفصول الدراسية أو إلى الحضور في المناسبات، كان المستمعون يَتَمَلَّؤُون ثقةً بأنهم يستمعون للعالم الديني المُتْقِن، المُفَوَّه البليغ، العارف بأسرار الشريعة، وحكم الأحكام الدينية، فما يَتَلَقَّوْنَه منه إنما هو مُحْكَم كنقش على الحجر.
وما تركه والده العظيم سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب – رحمه الله – من الفراغ الهائل، لم يُمْلَأْ من بعده؛ ولكنه – الشيخ محمد سالم القاسمي – بأهليته الخطابية والعلمية، وخبرته القيادية، ودهائه التفكيري، كان خليفتَه لحد كبير. أما في أواخر عمره فقد صار نسخةً منه طبق الأصل في كل من ملامح الوجه والهندام، والقعود والقيام، والتعامل وعامة الأخلاق، والسيرة والصـورة، فكأن سماحـة حكيــم الإسلام قد بُعِثَ ومثل أمامَ الناس.
وقد أكرمه الله بطول العمر الذي أنفقه عاكفًا على خدمة الدين والعلم والدعوة والتعليم والتربية، فحَظِيَ بالسمعة الواسعة والصيت المُطْبِق والذكر الحسن. وطولُ العمر مع الصلاح نعمةٌ من الله عظيمةٌ مغبوطةٌ، لايكرم الله بها إلا عبادَه المحظوظين الذين يريد أن يخصّهم بفضله الخاصّ ومنّه الكبير.
وإلى طول العمر أكرمه الله بالصحة والعافية، فلم يُصَبْ طوالَ حياته بأي من سَيِّء الأسقام التي يَصْعُبُ علاجُها والتخلص منها، فيحول طويلاً دون أداء الدور المُنْتَظَر في مجال الدين والدعوة والخدمة الاجتماعية العامة؛ فكان – رحمه الله – لا يحتاج إلى ممارسة الحمية في أي من الأكل والشرب حتى آخر لحظة من حياته، كما يحتاج أمثاله من المسنين إلى التزام الحمية في كل من المأكولات والمشروبات، حتى يحتفظوا بالبقية الباقية من صحتهم المنهارة.
أَشْقَىٰ حادثٍ في حياته وأَسْعَدُه
عقدت الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند احتفالًا عالميًّا باسم «الاحتفال المئوي» في أيام الجمعة والسبت والأحد 3-5/جمادى الأولى 1400هـ الموافق 21-23/مارس 1980م قد حضره من أعلام المسلمين ومُفكريهم ودعاتهم وجماهيرهم عدد لا يُحْصَىٰ من داخل الهند وخارجها، ودَلَّ بوضوح أن المسلمين يُحِبُّونها – الجامعة – حبًّا لايوجد نظيره في العالم بالنسبة إلى الجامعات التعليمية والمعاهد التربوية.
إثر انتهاء الاحتفال حدث في الجامعة اضطراب وصراع لم يكن بحسبان أحد من مسؤولي ومنسوبي وأساتذة ومحبي الجامعة. وذلك لأن مجلس شورى الجامعة حاول معالجة الأخطاء والمفاسد التي تسرّبت إلى الإدارة الجامعية التي كان يقودها رئيس الجامعة أيامئذ سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب – رحمه الله – وبقي الصراع والخلاف قائمًا حتى سيطر مجلس الشورى عن طريق العدد الكبير من الأساتذة والموظفين والطلاب على معظم مباني الجامعة في الساعة الثالثة إلا ربعًا من الليلة المتخللة بين 25-26/جمادى الآخرة 1402هـ الموافق 24-25/مارس 1982م؛ لكنه اشتد أواره والتهبت ناره بشدة أكثر على أصعدة أخرى، حيث تواصلت المحاكمات بين الفريقين في المحاكم الحكومية، وحدث كل ما يحدث في ملابسات الخلافات والاضطرابات من تكاثر الشائعات، وتبادل التهم والافتراءات، وإساءة الظن والتشامت، حتى الاحتراز عن تبادل السلام والكلام ومواجهة كل فريق للآخر.
وكان هذا الخلاف أصلًا بين أنصار سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب رحمه الله الذين كانوامسؤولين في إدارة الجامعة بقيادته – وعلى رأسهم نجله الأكبر الشيخ محمـــــد سالم القاسمي رحمه الله – وبين مجلس شورى الجامعة، الذي هو في الواقع يُشكّل هيئةً حاكمةً للجامعة؛ ولكن فضيلة الشيخ السيد أسعد المدني – رحمه الله – (1346-1427هـ = 1928-2006م) رئيس جمعية علماء الهند بما أنه برز كمحام عن الجامعة محقق لفعّاليتها على أرض الواقع، وقد كان في ذلك ساعده الأيمن فضيلة الشيخ وحيد الزمان القاسمي الكيرانوي رحمه الله (1349-1415هـ = 1930-1995م) مما جعل الناس يظنون أن الخلاف هو بين سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب رحمه الله وبين فضيلة الشيخ السيد أسعد المدني رحمه الله.
وقد كان من سماحة نفس الشيخ محمد سالم القاسمي ومروءته أنه بادر إلى إنهاء الخلاف كليًّا بين أفراد الجماعة. وذلك مستغلًّا المناسبة التي حصلت من تعرض الشيخ أسعد المدني لوعكة صحية شديدة إثر أداء الحج لعام 1425هـ/2005م وإقامته بالمدينة المنورة؛ حيث ظل يتلقى العلاج في مستشفى الملك فهد. وعَمَّ الخبرُ بإصابته بالمرض وعلاجه عبر وسائل الإعلام، فاتصل به الشيخ محمد سالم القاسمي تلفونيًّا وعاده، ودعا له بالشفاء العاجل، والصحة الموفورة، وطول العمر.
وقد عاد الشيخ المدني إلى الهند مُعَافًى في 19/ذوالحجة 1425هـ الموافق 30/يناير 2005م، فكتب في اليوم التالي: 20/ذوالحجة = 31/يناير من مقر جمعية علماء الهند بدهلي إلى الشيخ محمد سالم القاسمي يشكره على عيادته له وعواطف الحب والأخوة التي أبداها نحوه؛ كما صَرَّح في خطابه بأن الشيخ الإمام محمد قاسم النانوتوي هو رأس الجماعة، وأنه لن يرتفع إلى التراب اللاصق بقدميه، وأن ما حدث في الماضي من خلاف وتبادل غير لائق لما جرح الثقة البَيْنِيَّة ينبغي تناسيه من الجانبين، ولا يجوز أن يُؤَجَّل ليوم الآخرة.
وكتب الشيخ القاسمي ردًّا على خطابه إليه رسالة مُضَمَّخَة بريّا الودّ، أبدى فيها نيته نحو إنهاء الخلاف كليًّا، وأنه لا يجوز أن نورثه الجيل اللاحق، وإنما ينبغي أن نورثه الاتحاد والتوافق.
كما كتب الشيخ القاسمي رسالة مماثلة إلى رئيس جامعة ديوبند فضيلة الشيخ مرغوب الرحمن رحمه الله (1332-1432هـ = 1914-2010م) وذكر فيها أنه أصدر الأمر بالتنازل عن المبلغ الكبير المُجَمَّد في البنك لصالح الجامعة، وبرفع دعواه عنها كليًّا. وذلك لتمهيد أرضيّة أكثر صلابة نحو إنهاء النزاع والقضاء على جميع ما بين الجماعة من الخلاف.
كما تبادل الفريقان اللقاءَ والزيارةَ في جو الأخوة والمودة، وإقامة مآدب متبادلة من قبل رؤوس الفريقين، وعلى رأسهم الشيخ المدني والشيخ القاسمي والشيخ السيد محمد أنظر شاه الكشميري رحمه الله (1347-1429هـ = 1928-2008م) دُعِيَ إليها أعظاء مجلس شورى الجامعة وكبار أساتذة جامعة ديوبند وخيرة أهالي مدينة ديوبند والنخبة من أنصار الفريقين.
إنّ هذه المصالحة التي تحققت بين الفريقين بمساعي كل من الشيخ القاسمي والشيخ المدني، تُعَدُّ من مآثرهما الجليلة؛ حيث قضت على كثير من التعقيدات، وعالجت كثيرًا من القضايا، ومحت الشِّيَة التي لصقت بجبين تاريخ الجامعة، وأتاحت للتاريخ أن يُسَجِّل أن الكبار قد يختلفون فيما بينهم؛ ولكنهم يتفقون عندما يتجلّى لهم وجهُ الصواب، ولا يؤجلون الخلاف والنزاع لما بعد الموت، وإنما يُبَرِّؤُون ساحتَهم قبل أن يَلْقَوْا ربَّهم.
وقد كان الشيخ محمد سالم القاسمي كبير النفس واسع القلب شأن العلماء الصلحاء الذين عايشنا عددًا منهم فوجدناهم كبارًا في العلم والعمل معًا، فكانوا يشيدون بألفاظ قيمة بأعمال الصغار التي أنجزوها في مجال العلم والكتابة.
فقد ألف كاتب السطور باللغة العربية عام 1422هـ/2001م «العالم الهندي الفريد الشيخ المقرئ محمد طيب» الذي كان أول محاولة لترجمة حياة الشيخ المقرئ محمد طيب بأي لغة، كما عَرَّبَ كتابه بالأردية في بيان مذهب علماء ديوبند، باسم «علماء ديوبند .. اتجاههم الديني ومزاجهم المذهبي» فقدم إلى الشيخ القاسمي نسخة نسخة من الكتابين لكي يَطَّلِعَ عليهما، فقرأهما من أمكنة شتى رغم ضعفه وانحرافه الصحي الناشئ عن الشيخوخة الزائدة، وهاتف كاتب السطور وتكلم معه نحو عشر دقائق أبدى خلالها إعجابه البالغ بالكتابين، وقال: إنه عمل جليل فريد، وسيسجله التاريخ بحروف من نور، ويدين له تاريخ الجامعة، ولقد بذلتم حقًّا جهودًا مضنية في دراسة المواد المعنية وعصرتموها في صورة الكتابين.
سطور عن ترجمة حياته
وُلِدَ الشيخ محمد سالم القاسمي بمدينة «ديوبند» بمديرية «سهارنفور» بولاية «أترابراديش» بالهند فجر يوم الجمعة: 22/جمادى الآخرة 1344هـ الموافق 8/يناير 1926م، وبدأ قراءة مبادئ القراءة في بداية العام السادس من عمره عام 1351هـ/1932م. وحضر المناسبة كبار العلماء والمشايخ بالجامعة، ودعوا له بالبركة.
وأنهى المراحل الدراسية كلها في ا لجامعة بما فيها مرحلة حفظ القرآن الكريم كاملًا، ومرحلة مبادئ الفارسية والأردية والعربية ثم المراحل الابتدائية والثانوية والمتوسطة والعالية. وتخرج عالمًا دينيًّا عام 1367هـ/1948م. وقرأ كتابًا في علم الصرف اسمه «ميزان الصرف» على الشيخ الكبير والعلّامة الجيل أشرف علي التهانوي رحمه الله (1280-1362هـ = 1863-1943م). وقرأ صحيح البخاري في الجامعة على الشيخ الكبير المجاهد المناضل الكبير ضدالاستعمار الإنجليزي السيد حسين أحمد المدني رحمه الله (1295-1377هـ = 1879-1957م).
وبعد تخرجه في الجامعة عُيِّن أستاذًا بها في 29/صفر 1369هـ الموافق 23/نوفمبر 1949م، وثُبِّتَ في الوظيفة يوم 9/شوال 1371هـ الموافق 15/يونيو 1952م، وبقي يقوم بمهنة التدريس فيها حتى عام 1402هـ الموافق 1982م، وقام بتدريس جميع المواد الدراسيّة من البداية إلى النهاية. وإثر تولي الإدارة الجديدة في دارالعلوم ترك العمل بها يوم 15/رمضان 1402هـ الموافق 8/يونيو 1982م.
ويوم 10/رجب 1402هـ الموافق 5/مايو 1982م أسس جامعة دارالعلوم وقف بديوبند، حيث تولى رئاسة هذه الجامعة إلى جانب تدريسه لصحيح البخاري. وفي أواخر عمره أسند منصب الرئاسة إلى نجله الأكبر الأستاذ محمد سفيان القاسمي، واحتفظ عنده بمنصب الإشراف على الجامعة.
إلى جانب عمله في مجال التدريس والإدارة قام بالخطابة والوعظ والدعوة والإرشاد في أرجاء الهند وخارجها، كما زار أكثر من 36 دولة من دول العالم حضر فيها المؤتمرات، وتحدث فيها إلى الحفلات، ورأس فيها الاجتماعات، ورعى فيها المناسبات، وكان في كثير من هذه الرحلات رفيق والده العظيم سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب رحمه الله، وكانت المناسبات التي يجتمع فيها القمران تزدان بوجودهما وتتجمل بحديثهما، وينهال عليهما الناس لإلقاء نظرة عليهما وسعادة برؤية محياهما.
وإلى ذلك مارس الكتابة. وكانت كتاباته هي الأخرى سلسلة وجارية مع الطبع مثل خطاباته. ورغم أنه ظل جدَّ مشغول بالأعمال الإدارية والتدريسية والخطابية والدعوية؛ ولكنه عاش حياته مُنَظَّمَةً فصدر عن قلمه عدد من الكتب والرسائل التي تدل على مدى نضجه الفكري ودراسته الواعية الدقيقة وعلمه الغزير، وكونه كاتبًا مترسلًا. وتتوزّع كتاباته بين كلمات رئاسية وكلمات افتتاحية ومقدمات على الكتب وكتب ورسائل مستقلة.
وإلى جانب مساهمته في النثر، ساهم في النظم مثل والده العظيم سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب رحمه الله، فقال قصائد شتى في مناسبات شتى. ولو أنه عُنِيَ بهذا الجانب، لكان شاعرًا مشارًا إليه؛ ولكنه لم يُعِرْه التفاتًا؛ لأن الأعمال الجِدِّيَّة لم تدعه يلتفت إلى قرض الشعر قاضيًا فيه الشيءَ الكثيرَ من وقته الثمين. وما تركه من نماذج شعرية يُؤَكِّد أنه كان يتمتع بقريحة شعرية طبيعية لو اهتم بتطويرها، لنجح شاعرًا منتجًا.
المناصب والجوائز
أقام رحمه الله معهدًا باسم «جامعه دينيات» لكي يسهل على الطلاب المسلمين – المتعلمين في المدارس والجامعات العصرية – تلقي التعليم الديني. وذلك عام 1966م/1386هـ.
كما أسس في يناير 1949م (ربيع الآخر 1368هـ) مؤسسةً باسم «إدارة تاج المعارف» لكي يُصْدِرَ عنها على المستوى العصري مؤلفات علماء ديوبند العلمية والفكرية. وظلت المؤسسة نشيطة حسب الوسائل المتاحة سنوات عديدة، وأصدرت كتبًا عديدة استفاد منها العلماء والطلاب كثيرًا.
ولكونه عالمًا جليل المكانة في الهند، انهالت عليه المناصب والجوائز؛ ولكنه ظل زاهدًا فيها مثل سلفه الصالحين الكرام الذين كانوا زاهدين فيها. ورغم ذلك أَصَرَّت عليه عدد من المؤسسات أن يقبل العضوية فيها، فكان عضوًا في المجلس الاستشاري لجامعة دارالعلوم لندوة العلماء بلكناؤ، وجامعة مظاهر العلوم وقف بمدينة «سهارنفور» ونائب رئيس هيئة الأحوال الشخصيّة لمسلمي الهند، ورئيسًا لمجلس التشاور الإسلامي لعموم الهند، وغير ذلك من المؤسسات والجمعيات.
وظلت وزارة الأوقاف المصرية تدعوه على مدى سنوات لحضور مؤتمرها السنوي الذي تعقده في شهر ربيع الأول من كل عام، وفي أحد هذه المؤتمرات أكرمته بجائزه «نوط الامتياز» كما أكرمته مؤسسة جائزة الإمام محمد قاسم النانوتوي العالمية في فبراير 2014م (ربيع الآخر 1435هـ) بجائزة الإمام محمد قاسم النانوتوي في مدينة «جوهانسبرغ» بإفريقيا الجنوبية. وأكرم مجلس التشاور الإسلامي لعموم الهند بمدينة دهلي يوم 31/أغسطس 2015م (15/شوال 1436هـ) بمناسبة عقده لذكراه الذهبية بمناسبة مرور خمسين عامًا على تأسيسه بجائزته اعترافًا بخدماته في مجال ا لتنسيق الوطني، والحقوق الإنسانية، والخدمات العلمية.
تخرجه في التزكية والإحسان
في عام 1948م (1367هـ) بايع الشيخ الكبير عبد القادر الرائفوري رحمه الله (نحو 1290-1382هـ = 1873-1962م) في زاويته ببلدة «رائفور» بمديرية «سهارنفور» بولاية «أترابراديش» الهندية، وأقام عنده أسابيع يتلقى منه تعليمات في التزكية والإحسان، ويواظب على العبادات، ثم رجع إلى ديوبند يتقيد بتلك التعليمات، ويواظب الحضور إليه أسبوعيًّا يوم الخميس ويعود من عنده يوم الجمعة. وبقي على ذلك حتى توفى الله شيخه يوم 14/ربيع الأول 1382هـ الموافق 16/أغسطس 1962م، فرجع إلى والده؛ حيث بايعه عام 1383هـ/1963م، وتلقى منه إجازة التخرج في التزكية والإحسان عام 1387هـ/ 1967م. وقد اتصل به كثير من العلماء لايقل عددهم عن مئة عالم، فتخرجوا عليه هو الآخر في التزكية.
أولاده وأحفاده
تزوّج الشيخ محمد سالم القاسمي في أسرة كريمة تسكن ديوبند وتتوطن موقتًا مدينة «سهارنفور» للتجارة. وذلك مع بنت السيد محمد أختر العثماني السيدة «أمة الإكرام». تَمَّ عقدُ نكاحه معها يوم الجمعة 26/مارس 1948م (14/جمادى الآخرة 1367هـ) وتَمَّ زفُّها إليه يوم 26/ديسمبر 1948م (23/ربيع الأول 1368هـ) وقد ولدت له أربعة بنين وبنتين، وهم كما يلي:
1- محمد سلمان القاسمي. تاريخ ولادته 13/سبتمبر 1950م (28/ذوالحجة 1369هـ) تعلم في الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند إلى مرحلة كتاب «شرح الجامي» في النحو وفلسفته، وتلقى شهادة الصف الثاني عشر من الجامعة الملية الإسلامية بدهلي، وشهادة M.A. من جامعة المسلمين بـ«عليجراه». وتم زواجه في الأسرة الأجميرية المعروفة ببلدة «كنكوه» بمديرية «سهارنفور» بولاية «أترابراديش» واسم زوجته «طلعة فاطمة» بنت السيدالحكيم سعد رشيد بن السيد الحكيم سعيد أحمد الكنكوهي.
في عام 1986م/1406هـ نزح إلى باكستان وتوطن بها، ولايزال من سكانها، وعمل موظفًا في P.I.A. ثم أحيل إلى المعاش. وقد وُلِدَ له ثلاثة أولاد: ابنًا وبنتين. أما الابن فهو أسامة القاسمي الذي يقيم حاليًّا بجنوبي إفريقيا. وأما البنتان: فهما السيدة مريم القاسمية التي تقيم بـ«كراتشي» وقد تم زواجها مع الحافظ محمد طلحة بن الشيخ أسعد التهانوي؛ والسيدة هبة القاسمية التي تقيم كذلك في «كراتشي» واسم زوجها السيد محمد نعمان.
2- الأستاذ الشيخ محمد سفيان القاسمي. تاريخ ولادته 26/سبتمبر 1954م (27/محرم 1374هـ) التحق بدارالعلوم/ ديوبند في الخامسة من عمره وتخرج منها عالميًا دينيًّا عام 1976م/1396هـ. ثم انتسب إلى جامعة الأزهر المصرية وتلقى منها شهادة الماجستير 1400هـ/ 1979م. وتزوج عام 1982م/1402هـ في بلدة «بُرْقَاضي»مع بنت السيد الحافظ سلطان أحمد الفاطمي المسماة بـ«صفية».
وقد وُلِدَ للشيخ محمد سفيان القاسمي ابنان، هما:
أ – محمد صهيب القاسمي: ولد يوم 9/مارس 1984م (5/رجب 1404هـ) وتلقى التعليم الابتدائ في مدرسة عصرية في «ديوبند» وتلقى شهادة B.A. من «ممباي» والآن يعمـل موظفًا في «لندن» وتم زواجه في 2009م (1430هـ).
ب- الأستاذ محمد شكيب القاسمي. ولد يوم 8/مارس 1988م (17/شعبان 1408هـ) تلقى التعليم الابتدائي في مدرسة عصرية في «ديوبند» ثم توجه إلى التعليم الديني فالتحق عام 2000م (1421هـ) بالجامعة الإسلامية دارالعلوم/ديوبند، وتخرج منها عام 2009م (1430هـ) ثم التحق عام 2010م (1431هـ) بالجامعة الإسلامية العالمية بـ«ماليزيا» وتلقى منها شهادة الماجستير وشهادة الدكتوراه في 2013م (1434هـ). وُلِدَت له بنت اسمها «حفصة».
3- السيدة أسماء القاسمية، ولدت يوم 26/يناير 1952م (28/جمادى الأولى 1371هـ) تلقت التعليم العصري والديني في «ديوبند» وتلقت شهادة B. A. من جامعة المسلمين بـ«عليجراه» حسب برنامج التعليم عن بعد. ولها أربعة أولاد: ثلاثة بنين وبنت. وأولادها كلهم مقيمون بـ«أستراليا» إلّا ولده حافظ أحمد ياسر الذي يقيم للعمل بـ«اليابان».
4- السيد محمد عدنان القاسمي، ولد يوم 11/أبريل 1957م (10/شوال 1376هـ) تلقى التعيم الابتدائي في دارالعلوم/ ديوبند والتعليم الثانوي في الجامعة الملية الإسلامية بدهلي، وتلقى شهادة M.A. من جامعة المسلمين بـ«علي جراه». وتزوج في 1986م (1406هـ) في ديوبند مع ابنة الشيخ المفتي فضيل الرحمن هلال العثماني الديوبندي السيدة «رومة».
و ولد له ابن وبنت. أما البنت فهي «يسرى القاسمية» التي تقيم بولديها وزوجها في «كندا».
أما الابن فهو ياسر القاسمي الذي يتعلم بدهلي.
5- السيدة «عظمى ناهيد» ولدت 12/ديسمبر 1960م (22/رجب 1380هـ) وتم زواجها عام 1977م (1397هـ) مع السيد سلمان منصور غازي بن الشيخ حامد الأنصاري غازي، وتلقت التعليم من جامعة المسلمين بـ«علي جراه» حسب برنامج التعليم عن بعد، وحصلت منها على شهادة M. A. ولها ابن وابنة. أما الابن فهو «محمد علي غازي» ولد عام 1982م (1402هـ) ويعمل بسلطنة عمان. وأما البنت فهي «ثناء غازي» تقيم بـ«ألمانيا» وتعمل أستاذة في جامعة محلية.
6- حافظ محمد عاصم القاسمي: ولد 7/يناير 1967م (23/شوال 1386هـ) تلقى التعيم الثانوي من الجامعة الملية الإسلامية وتلقى شهادة M.A. في أمريكا، ويعمل بها موظفًا، ويقوم بإدارة مؤسسة باسم «طيب تروست» بمدينة «ديوبند» كذلك. وله ابنان: محمد طيب القاسمي ومحمد عمر القاسمي وكلاهما يتعلمان في بعض الجامعات.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1439 هـ = أغسطس – سبتمبر 2018م ، العدد : 12 ، السنة : 42