بقلم:  الشيخ محمد عبد اللطيف السبكي

الإرهاص قبل الوحي:

         لم تكن نبوة الأنبياء، ولا رسالات الرسل – عليهم جميعًا صلاة الله وسلامه – من قبيل الوحي المفاجئ كما يتوهم البعض.

         بل كانت بعد مقدمات من جانب الله – تعالى – تتعلق بالإنسان الذي سيختاره الله لنبوته، أو لرسالته.

         فتكون هذه المقدمات أمارات سابقة، تدل الناس – في حينها – على ما سيكون لهذا الإنسان من شأن خاص.. ثم يحقق الله تلك الأمارات بالوحي من عنده، إلى عبده الذي اختاره وأرهص له.

         وليكن حديثنا – أولا – عن الإرهاص حتى نفرغ منه ثم يكون الحديث عن الوحي.

(أ) الإرهاص:

         1- قال في القاموس المحيط: أرهص الله عبده: جعله معدنا للخير.. وقد اصطلح العلماء قديما على تسمية الملامح التي تبدو في جانب هذا العبد «إرهاصات».

         والمعنى المقصود: أنها أمارات من الله على أن هذا الإنسان معدن الخير، كما هو المدلول اللغوي..

         وقد حدثنا القرآن الكريم، والسنة النبوية والتاريخ عن جملة – من الإرهاصات بالنسبة لفريق من الأنبياء والرسل، من غير استيعاب للجميع.

         ولم يتوسع القرآن الكريم، ولا السنة في هذا الشأن عن الجميع؛ لأنه شيء يطول.. والله – تعالى – يريد أن يبين لنا في تخفيف عنا دون أن يشق علينا ما لا نطيقه ﴿يُرِيدُ ‌ٱللَّهُ ‌أَن ‌يُخَفِّفَ ‌عَنكُمۡۚ وَخُلِقَ ٱلۡإِنسَٰنُ ضَعِيفٗا﴾.

         ﴿وَرُسُلٗا ‌قَدۡ ‌قَصَصۡنَٰهُمۡ عَلَيۡكَ مِن قَبۡلُ وَرُسُلٗا لَّمۡ نَقۡصُصۡهُمۡ عَلَيۡكَۚ﴾.

         وأما التاريخ فلم نجعله عمدا تنافي هذا، لما عسى أن يقال فيه.

         هذا وقد ذكر الإمام القرطبي – في تفسيره – ما روي عن أبي ذر الغفاري -رضي الله عنه- أنه قال: «قلت: يا رسول الله.. كم كانت الأنبياء.. وكم كان المرسلون؟؟ قال ﷺ- كانت الأنبياء مئة ألف، وأربعة وعشرين ألف نبي.. وكان المرسلون ثلاث مئة وثلاثة عشر رسولا».

         ثم قال القرطبي: هذا أصح ما روي في ذلك.. وهذا كلام بين، وفيه الكفاية لأن ما روي في ذلك كثير، وليس كله راجحا، كما صرح الإمام القرطبي.

         والقرآن الكريم لم يتعرض لهذا العدد كله، كما نوهنا: تخفيفًا، وتيسيرًا.

         وحينما نستعرض ما ورد موجزًا في القرآن الكريم، والسنة من تلك الإرهاصات، أو الملامح: سنراها تأخذ في القلب نصيبها من الروعة، وتثير في النفس مباهج الإعجاب، وتنبه الإنسان: رويدًا، رويدا من غفلة إلى يقظة.. ومن جهالة إلى معرفة.. ومن إنكار إلى إيمان يوم كانت تلك الإرهاصات في عصرها، أو بعد عصرها لمن لا يزالون في شقاق عن بعض الأنبياء، والرسل.

         وحينما يفقه الإنسان، ويصيب الحق يتأكد أن تلك الإرهاصات كانت وسيلة رحيمة بالإنسان الذي تعلقت به إذ جعله الله معدنا للخير؛ لأنها تمهيد له، وتوجيه للأنظار نحوه.. فلا يكون ظهوره بالوحي فيهم بعد ذلك: بعيدا كل البعد عن مألوفهم، وما عهدوا فيه من الخير ولا يستوحشون منه كما يستوحشون من غريب دخيل عليهم، فيتجهمون له جميعًا، أو يتهجمون عليه.

         وكذلك يتأكد من يفقه، ويصيب الحق: أن تلك الإرهاصات كانت وسيلة رحيمة بالقوم.. لأنها تخلق فيهم وعيًا سابقًا وتثير بينهم تفكيرًا في شأنه، ومناجاة فيما عهدوا من ملامحه التي لم تكن لغيره من جمهرة الناس في محيطهم.

         وذلك التمهيد يقرب الساعة العقلية بينهم وبينه، ويدنيهم أو يدني فريقًا منهم إلى الاستئناس به، ويكون هذا التمهيد سبيل التجاوب بين الداعي، والمدعوين، وأيسر على الجانبين كثيرًا مما لو فاجأهم بالوحي من الله، دون إرهاصات تتقدمه، توقظهم من غفلاتهم.

         ويوضح قولنا هذا أن الله – تعالى – جرت سنته على أن يختار نبيه أو رسوله من بين قومه، ليكونوا على معرفة بشخصيته، وعلى علم بسيرته، وعلى خبرة بأصوله، وبكل ما يدور حوله فيهم.

         فلا يكون مريبًا.. ولا مسترابًا فيه .. ولا يكون مغمورًا في نفسه، ولا مغموزًا فيه.

         وإذا سفهوا في شأنه كان مردودًا عليهم بالواقع الذي يعلمونه حقا دون أن ينزل قدره عن مكانته التي هيأها له ربه، ولا عن كرامته التي أقامه الله عليها..

         وإن تناولوه من ناحية تمسه من هذا القبيل أو من قبيل دعوته: فالله كفيل بحمايته، ويظل بتكريم الله من المصطفين الأخيار، لم يمسسه سوء القالة.

         وإن أزهقوا روحه وسفكوا دمه: فإنما هو الاستشهاد في سبيل الله: يذهب ضحيته الأخيار من عباد الرحمن.. ويبوء بإثمهم الأشرار من جنود الشيطان.

         وكان المفروض بعد أن تحصل الإرهاصات لمن جعلهم الله معدن الخير أن يكون للعقول رشاد، وللقلوب تبصر، فلا تتخلف الاستجابة المرموقة عن المقدمات المشهودة بما أرهص الله به لعبده..

         ولكن الناس يختلفون في فطرتهم، وفي ميولهم.. فمن حسنت فطرتهم واستقامت ميولهم كانوا مهتدين، وقليل ما هم، ومن عميت بصائرهم وانحرفت ميولهم ضلوا عن الرشد، واستحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله ﴿وَلَوۡ ‌شَآءَ ‌رَبُّكَ ‌لَجَعَلَ ٱلنَّاسَ أُمَّةٗ وَٰحِدَةٗۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخۡتَلِفِينَ ١١٨ إِلَّا مَن رَّحِمَ رَبُّكَۚ…﴾.

الإرهاص لآدم Mعليه السلامL:

         1- كان الإرهاص من فجر الحياة الدنيا.. فحينما أراد الله أن يلقي الأضواء حول عبده آدم قبل أن يكون له شأن معروف أخبر الملائكة بقوله – سبحانه – ﴿إِنِّي ‌جَاعِلٞ ‌فِي ‌ٱلۡأَرۡضِ خَلِيفَةٗۖ﴾ فأدرك الملائكة من هذا، أو من أمارات بجانب هذا النبأ: أن ذلك تنويه بما سيكون لآدم في هذا العالم من قدر خطير؛ لأن آدم هو الوافد عليهم، فليس لديهم من مخلوق يتجه إليه الفكر سوى هذا الإنسان الأرضي الذي كرمه ربه، فذلك إرهاص مبكر، تنبه له الملائكة، وعلقوا عليه بالاستفهامات، والتعاجب، وسبق إلى ذهنهم أنهم خير وأولى بالخلافة في الأرض من هذا الإنسان الذي لم يكن مستخلصا مثلهم من عالم النور، ولا مطبوعا مثلهم على تسبيح الله، والتقديس.. ولكن الله رجع بهم إلى حكمته، وعلمه الرباني فقال لهم ﴿إِنِّيٓ ‌أَعۡلَمُ ‌مَا ‌لَا ‌تَعۡلَمُونَ﴾.

         2- ثم كان إرهاص آخر: بما أفاض الله على آدم من علم لم تتهيأ له طبيعة الملائكة ﴿وَعَلَّمَ ‌ءَادَمَ ‌ٱلۡأَسۡمَآءَ ‌كُلَّهَا﴾ أسماء المخلوقات من بحار، وأشجار، وجبال، ونجوم، وكائنات أخرى.. مما له ارتباط بحياة آدم في الأرض، التي سيكون خليفة فيها.. هو وذريته إلى يوم القيامة، يعبدون الله فيها، ويستثمرونها بجهودهم.

         3- وكان إرهاص ثالث: بتلك المناظرة التي امتحن الله فيها الملائكة إذ عرض عليهم أن يجيبوا عن تلك المسميات، فلم يكن لهم الإمداد الذي ظفر به آدم. وهذا لعدم الأهلية لذلك العلم.. ولكن كان بطبيعته متأهلا، وكان بإمداد الله له عالما، ومجيبا عما سئل..

         4- ثم كان إرهاص رابع: بتكليف الله للملائكة أن يعظموا آدم تعظيما يناسب مقامه بعد أن تبين لهم ما كان خافيًا عليهم من حكمة الله في صنعه، واختباره للإنسان دون الملائكة…

         5- ويكون الإرهاص الخامس بتوبيخ الله لإبليس على امتناعه من تعظيم آدم تعظيمًا أشاد الله به، حتى سماه سجودًا، وإن لم يكن سجودًا على الجبهة كما نعهد .. فإن هذا النوع لم يشرع لغير الله.

         6- وينتهي ذلك الإرهاص في هذه القضية بطرد إبليس من الجنة، رجيما مسخوطا بلعنة الله إلى يوم الدين بسبب عصيانه لله فيما أمره من تعظيم آدم، ويلعنه الناس على وجه الأرض دائمًا.

         لم يكن آدم أثناء هذا نبيا، ولا رسولا، وإنما هي تمهيدات لما يصادفه بعد ذلك من الوحي.. فأي إرهاص يكون أبلغ من هذا في مطلع التاريخ البشري؟.

         ثم يقال: هل كان هذا الإرهاص تمهيدًا لنبوة آدم، أو لرسالته كذلك؟.

         ويختلف العلماء في تحقيق هذا.. ففريق يقرر أنه نبي فقط، لعدم وجود قوم يحتاجون إلى رسول فيهم.. وآخرون يعتبرونه رسولا إلى ذريته الذين عاش فيهم أزمانا وعلَّمهم مما أوحى إليه ربه.. وكيفما كان الرأي الأرجح.. فآدم نبي على أقرب الوجوه، ورسول على قول راجح.

         وتلك إرهاصات له – عليه السلام – وهذا ما أثبتناه من نصوص القرآن الكريم – وكفى.

الإرهاص لإسماعيل عليه السلام:

         1- قدم إبراهيم – عليه السلام – على مكة وهي خلاء من السكان، ومعه زوجته هاجر المصرية وولده إسماعيل، ثم تركها في رعاية الله حيث لا أنيس، ولا جليس، ولا زرع، ولا ضرع، وإنما هو تنفيذه لأمر الله، واستئناس منه برعاية الله وقال: ﴿رَّبَّنَآ ‌إِنِّيٓ ‌أَسۡكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيۡرِ ذِي زَرۡعٍ عِندَ بَيۡتِكَ ٱلۡمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُواْ ٱلصَّلَوٰةَ فَٱجۡعَلۡ أَفۡـِٔدَةٗ مِّنَ ٱلنَّاسِ تَهۡوِيٓ إِلَيۡهِمۡ وَٱرۡزُقۡهُم مِّنَ ٱلثَّمَرَٰتِ لَعَلَّهُمۡ يَشۡكُرُونَ﴾ (سورة إبراهيم:37).

         فهذه الدعوات التي جرت على لسان إبراهيم حين مبارحته لتلك البقعة الجرداء التي اختارها الله مقاما لزوجته، ولولده الوحيد الذي رزق به على كبر من السن، وبعد تشوق ورجاء – تعتبر إرهاصة لإسماعيل، وفي طيها أسرار علوية ستبدو على الأيام.

         ثم يخلق الله الماء – بعد ذلك – بجانب إسماعيل، ويجمع حوله السكان، ويعمر الوادي بأهله الذين استوطنوه من العرب، ويشب إسماعيل فيهم، وترعرع جسمه على خير ما كان يرجو أبوه، وعلى خير ما كان يطمع إبراهيم في تأهيل المكان بأفئدة من الناس تهوي إليه.

         2- وبعد ذلك أذن الله بإرهاصة ثانية لإسماعيل، وهي موقفه من أبيه حينما أخبره إبراهيم بما أوحى إليه من ذبحه قربانا إلى الله ﴿فَلَمَّا ‌بَلَغَ ‌مَعَهُ ‌ٱلسَّعۡيَ قَالَ يَٰبُنَيَّ إِنِّيٓ أَرَىٰ فِي ٱلۡمَنَامِ أَنِّيٓ أَذۡبَحُكَ فَٱنظُرۡ مَاذَا تَرَىٰۚ﴾.

         وكان إبراهيم لا بد منفذا لرؤياه؛ لأنها وحي كما هو الشأن في منامات الأنبياء.

         وهذا موقف ليس هينا على والد مع ولده: وخاصة إبراهيم في شيخوخته مع وحيده إسماعيل الفتى.. ولكنها عزيمة الرسالة، وصدق العهد مع الله من أنبيائه فوق عاطفة الأبوة والرفق بالبنوة.

         بل كانت عاطفة إبراهيم برؤياه إلى ولده، حتى لايكون التنفيذ على غرة من إسماعيل مع التصميم على التنفيذ فإن الغرة ليست من صنائع المؤمنين فضلا عن النبيين ثم كان بالاستفهام، ولم يكن بالأسلوب الخبري؛ لأن إبراهيم كما يشهد الله له رقيق القلب، كثير الضراعة والاسترحام، ﴿إِنَّ ‌إِبۡرَٰهِيمَ ‌لَحَلِيمٌ ‌أَوَّـٰهٞ ‌مُّنِيبٞ﴾ فهو يترفــــــــــــــــــق بولده فيما يسوق إليه من تنفيذ ذبحه: طاعة لربه، ويكل الأمر ظاهرا إلى رأيه بهذه الاستشارة.

         وكان إسماعيل يدرك أن أباه فاعل ولا محالة، فماذا أجاب في طاعة أبيه؟؟ قال: ﴿يَـٰٓأَبَتِ ‌ٱفۡعَلۡ مَا تُؤۡمَرُۖ سَتَجِدُنِيٓ إِن شَآءَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلصَّـٰبِرِينَ﴾ وكان هذا وعدًا صادقًا حقًّا، واستسلامًا طيعًا.

         ثم ما كاد إبراهيم يتناول سكينه، ويلقي ولده على وجهه ليذبحه من الخلف، ويتفادى النظر إلى وجهه، لتخفيف الهول عن نفسه: حتى كانت رعاية الله أرفق من أبوة إبراهيم، وأسرع من وضع السكين على مقتل إسماعيل.. إذ هتف هاتف السماء برحمة الله: ﴿يَـٰٓإِبۡرَٰهِيمُ ١٠٤ قَدۡ صَدَّقۡتَ ٱلرُّءۡيَآۚ إِنَّا كَذَٰلِكَ نَجۡزِي ٱلۡمُحۡسِنِينَ ١٠٥ إِنَّ هَٰذَا لَهُوَ ٱلۡبَلَـٰٓؤُاْ ٱلۡمُبِينُ ١٠٦ ‌وَفَدَيۡنَٰهُ ‌بِذِبۡحٍ ‌عَظِيمٖ﴾ – أي كبش كان ضحية إسماعيل – فهذه إرهاصة ثانية غير هينة الشأن، وقعت لإسماعيل وكانت مقرونة بالثناء من الله على إبراهيم وولده بما أثنى من الخير حتى كرر وصفهما بالمحسنين في القصة بسورة الصافات (آية 102-110) كما تحدث القرآن بعد ذلك عن صدق إسماعيل في قوله تعالى: ﴿‌وَٱذۡكُرۡ ‌فِي ‌ٱلۡكِتَٰبِ ‌إِسۡمَٰعِيلَۚ إِنَّهُۥ كَانَ صَادِقَ ٱلۡوَعۡدِ وَكَانَ رَسُولٗا نَّبِيّٗا﴾ (سورة مريم:55).

         3- ثم كانت إرهاصة ثالثة مذكورة في قوله تعالى ﴿.. وَعَهِدۡنَآ ‌إِلَىٰٓ ‌إِبۡرَٰهِـۧمَ وَإِسۡمَٰعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيۡتِيَ لِلطَّآئِفِينَ وَٱلۡعَٰكِفِينَ وَٱلرُّكَّعِ ٱلسُّجُودِ﴾ (سورة البقرة:125).

         فتطهير مكان الكعبة داخل المسجد الحرام مما يكون به من أقذار وآثار تراكمت على طول الزمن، وإعداده لما تهيأ له من طواف الطائفين، وعبادة العاكفين والقائمين والركع السجود لا يعتبر هذا كله شأنا عاديا يعهد الله به إلى مطلق إنسان، وإنما هو قضاء رباني يعهد الله به إلى رسوله إبراهيم ليقوم بتنفيذه مع ولده اسماعيل.

         وقد كان ذلك التعاون، وتحقق العهد، وأقيم بناء البيت في البقعة المطهرة على يد رسول الله إبراهيم، وولده إسماعيل، وهما يجأران إلى الله بأطيب الدعوات ﴿وَإِذۡ ‌يَرۡفَعُ ‌إِبۡرَٰهِـۧمُ ‌ٱلۡقَوَاعِدَ مِنَ ٱلۡبَيۡتِ وَإِسۡمَٰعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلۡ مِنَّآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡعَلِيمُ ١٢٧ رَبَّنَا وَٱجۡعَلۡنَا مُسۡلِمَيۡنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَآ أُمَّةٗ مُّسۡلِمَةٗ لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبۡ عَلَيۡنَآۖ إِنَّكَ أَنتَ ٱلتَّوَّابُ ٱلرَّحِيمُ﴾ (سورة البقرة: 127-128).

         وعلى ذلك تم البناء، وتحقق الدعاء، وشرع الحج، وصار البيت ملتقى جامعا للمسلمين من كل فج، ومناطا لهديهم، وجمعًا بين قلوبهم على توحيد الله، وعصمة لهم بدين الله وتنظيما لصفوفهم حول من يصطفيه الله لدعوته ﴿جَعَلَ ‌ٱللَّهُ ‌ٱلۡكَعۡبَةَ ٱلۡبَيۡتَ ٱلۡحَرَامَ قِيَٰمٗا لِّلنَّاسِ﴾ تقويما لهم آية (المائدة:97).

         فإن يكن تطهير مكان البيت الحرام، وإقامة بنائه عهدًا من الله تعالى إلى إبراهيم، وهو نبي مبعوث: فإن هذا بالنسبة لإسماعيل إرهاص واضح من جانب الله بما سيكون له من شأن بعد ذلك.. وقد كان، وتحققت رسالته بعد تلك الملامح السالفة.

         وهي باكورة الرسالات في العرب، من نسل إسماعيل بصفة أخص.. ثم لم تعقبها رسالة فيهم: إلا أخيرًا، برسالة خاتم الأنبياء محمد عليه الصلاة والسلام.          وإنما تحولت الرسالة من بعد إسماعيل إلى إسحاق أخيه لأبيه ثم استرسلت في يعقوب وبنيه من أنبياء بني إسرائيل – يعقوب – وعلى أي حال فقد ظلت في ذرية إبراهيم: مبدأ، ونهاية ﴿‌وَجَعَلۡنَا ‌فِي ‌ذُرِّيَّتِهِ ‌ٱلنُّبُوَّةَ وَٱلۡكِتَٰبَ﴾.

مجلة الداعي، المحرم – صفر 1445هـ = يوليو – سبتمبر 2023م، العدد: 1-2، السنة: 48

Related Posts