بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه اللّه-  (المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

تراجم خريجي دارالعلوم/ديوبند:

106- الشيخ المقرئ محمد طيب:

         هو حفيد الإمام محمد قاسم النانوتوي، ولد عام 1315هـ/1897م، وأرخوا لاسمه بـ«مظفر الدين»، والتحق بدارالعلوم/ديوبند وهو ابن سبع سنوات، وحفظ القرآن الكريم في مدة قليلة جدًّا عامين بالتجويد والقراءات. وقضى خمس سنوات في صفوف الفارسية والرياضيات، ثم بدأ المنهج الدراسي العربي. وتخرج فيه عام1337هـ/1918م، وحصل على شهادة الفضيلة. وساهم مشايخه أيام دراسته في تعليمه وتربيته على مستوى عالٍ وبصفة خاصة لانتمائه العائلي. ونال شهادة خاصة في الحديث من مشاهير العلماء والمشايخ. وكان علامة العصر الشيخ محمد أنور الشاه الكشميري من أخص مشايخه في الحديث. وبايع شيخَ الهند محمود حسن الديوبندي عام 1339هـ، ثم رجع إلى العلامة الكشميري بعد وفاة شيخ الهند رحمه الله، وتربى عليه. ومنحه العلامة أشرف علي التهانوي الخلافة عام 1350هـ.

         وبعد ما أكمل دراسته بدأ التدريس والإفادة في دارالعلوم/ديوبند، ونال الحب والقبول سريعًا في أوساط الطلبة لما كان عليه من العلم والفضل والفطنة والذكاء، والنسبة والجاه العائلي، وعُيِّنَ نائبًا لرئيس الجامعة في أوائل عام 1343هـ/1924م، فساهم حتى أوئل عام 1348هـ/1929م في الشؤون الإدارية بإشراف كل من والده وكذلك الشيخ حبيب الرحمن، وتوفي الشيخ حبيب الرحمن في أواسط عام 1348هـ/1929م فعُيِّن رئيسًا للجامعة. وشهدت دارالعلوم/ديوبند كثيرًا من الرقي والازدهار أيام إدارته لها. ولما تولى مسؤولية إدارة دارالعلوم عام 1348هـ/1929م لم يتجاوز أقسامه الإدراية ثمانية أقسام، فارتفعت إلى أربعة وعشرين قسمًا إداريا. وكانت ميزانية دارالعلوم/ ديوبند يومئذ (50262) روبية هندية، فارتفعت في عهده إلى مليونين وست مئة ألف. وكان الطاقم الإداري في دارالعلوم/ديوبند عام 1348هـ/ 1929م يتكون من (45) نفرًا، وقد بلغ عدده اليوم مئة وخمسة وسبعين نفرًا. وكان عدد الأساتذة (18)، واليوم(59). وعدد الطلاب(450)، واليوم أكثر من ألف وخمس مئة. كما شهدت الأبنية زيادات ملحوظة. فشهد عهده بناء وإكمال عدد من المباني منها: دارالتفسير، ودارالإفتاء، ودارالقرآن، والمطبخ الجديد، ودارالحديث الفوقانية، والدور الثاني من المسجد، وباب الظاهر، والجامعة الطبية، وسكن طلابي جيد ذو طابقين، ودار الضيوف، وصالتان جديدتان في المكتبة وغيرها من الأبنية الشامخة التي تخلد ذكره.

         وفي الناحية العلمية علاوة على التدريس والإفادة وهب الله تعالى له ملكة وقدرة بيانية خاصة في الوعظ والخطابة. وكان الأوساط العلمية تستمع إلى خطبه منذ أيام دراسته. ولايمل إلقاء خطب تستمر ساعتين أو ثلاث ساعات متواصلة حول المسائل المهمة. وكانت له قدرة فائقة على شرح أسرار الشريعة، وإيجاز المواد. وكانت الأوساط العلمية المثقفة الجديدة تتمتع بأسلوبه العلمي الحكيم بصفة خاصة. ولقيت خطبه في كل من جامعة المسلمين في علي كره، وغيرها من الجامعات بصفة خاصة. ونشرت جامعة علي كره بعض خطبه القيمة. فلاتخلو ولاية أو منطقة في الهند لاتدوي فيها خطبه وكلماته.

         وقام بالرحلات إلى خارج البلاد أمثال: أفغانستان، وبورما، وجنوب إفريقية، وشرق إفريقية، وزنجبار، وكينيا، وروديشيا، وري يونين، والحجاز، والمدغاسكر، والحبشة، ومصر، وإنكلترا، وفرنسا، وألمانيا. واشتهر مقال الشيخ أحمد سعيد-الأمين العام لجمعية علماء الهند- فيه: كان مدراء دارالعلوم/ديوبند إلى يومنا هذا ثوابت، وأما الشيخ محمد طيب فسيارة. وقدموا له في كل مكان كلمات الترحيب، واستأنس الناس بدرالعلوم/ ديوبند، وعرفوا مذهبها.

         وكان يولع- علاوة على الشؤون الإدراية في دارالعلوم/ديوبند- بالتعليم والتدريس والدعوة والتبليغ، واحتل مكانة بارزة نظرا إلى هذه الكمالات والصفات. وكانت هوايته مطالعة الكتب والتصنيف والتأليف. وكان يواصل ذلك في كل وقت خارج أوقات الشؤون الإدارية والتدريس والإفادة في دارالعلوم/ديوبند، وخاصة الأوقات الفارغة خلال الرحلات فكان ينفقها في ذلك. وكان يعقد المجلس في الجزء الخاص بالرجال من بيته من العصر إلى المغرب خلال تواجده في ديوبند. ويتطرق فيه عامة إلى الشؤون العلمية. وكان على مناسبة مع الشعر وقرض الأبيات، ونشر ديوان شعره باسم «عرفان عارف»، الذي يتضمن أبياته الأردية والفارسية والعربية.

         وبجانب هذه الأشغال المتنوعة كان يواصل أعمال البيعة والإرشاد خلال السفر والحضر. واتسع نطاق مريديه وأصحابه كثيرًا، وينتشرون في أنحاء الهند وخارجها.

         وبلغ عدد مؤلفاته وأعماله العلمية نحو مئة، تتناول مختلف الموضوعات الإسلامية. وقد نشر خمسون منها. وأشهرها: «الإسلام والعلم الحديث»، و«التشبه في الإسلام»، و«خاتم النبيين»، و«النظام الأخلاقي في الإسلام»، و«الحكومة الفطرية»، و«الإسلام والأمم النصرانية»، و«مكانة السنة في القرآن»، و«الكلمة الطيبة» وغيرها.

         وكان يلقي كلمة في جامع ديوبند منذ عام 1336هـ، واستمر عليه نحو عشرين أو اثنين وعشرين عامًا. ثم تخلف عنه لكثرة رحلاته وأسفاره. وامتدت خطبته في طول البلاد. وتعرض الملك ابن سعود عام 1362هـ للهجوم المباغت عليه، ولكن الله تعالى سلمه، وعقد علماء وعيون الهند حفلة تهنئة ومباركة له على ذلك في فندق مكة، برئاسة الشيخ محمد طيب رحمه الله. فقدم علماء الهند التهانئ إلى الملك ابن سعود. وقام الشيخ محمد طيب بهذه المناسبة بإلقاء كلمة وجيزة إلى الحضور، وتلا القرارات الصادرة عن هذه الحفلة.

         واختارته هيئة الأحوال الشخصية الإسلامية لعموم الهند – التي ساهم فيها علماء جميع الفرق والأحزاب الإسلامية، والمنظمات ذات النفوذ والتأثير- رئيسا لها في مومبائ. واستدعته في ذلك مرتين رئيسة الوزراء السيدة إنديرا غاندي، وتحدثت معه حول الأحوال الشخصية. فكان الشيخ يحتل مكانة علمية هامة في البلاد والأمة. وتقوم عدد من الأكاديميات بنشر مؤلفاته. وحضر الشيخ رحمه الله مرات إلى كل من المؤتمر الإسلامي/ القاهرة، ورابطة العالم الإسلامي/ مكة المكرمة.

107- الشيخ محمد جراغ الكوجرانوالوي رحمه الله:

         تخرج من دارالعلوم/ديوبند عام 1337هـ، وقام بترتيب أمالي شيخه الجليل العلامة الكشميري المسمى بـ«العرف الشذي» أيام دراسته. وكان له نظرة واسعة على العلوم الأخرى علاوة على علم الحديث. ولي رئاسة التدريس أولا في مدرسة الشيخ عبد العزيز الكوجرانوالوي، ثم أسس مدرسة في بلده «كوجرانواله».

         وكان خط الشيخ جراغ محمد الأردي على منتهى الوضوح والجودة، ونشط في حركة تحرير الهند، وتعرض للسجن مرات.

108- الشيخ محمد إدريس الكاندهلوي رحمه الله:

         ولد عام 1318هـ، وتلقى مبادئ العلم في الخانقاه الأشرفية/تهانه بهون، ثم في مظاهر علوم/ سهارن فور. وأكمل بها دورة الحديث الشريف، ثم حدا به الشوق إلى دارالعلوم/ديوبند، و أعاد دراسة دورة الحديث الشريف. وتخرج منها عام 1337هـ. وبدت فيه معالم الصلاح والتقوى. وهو من كبار وأجلة تلامذة العلامة محمد أنور الشاه الكشميري. وكان له شغف كبير بالتفسير والحديث والكلام والأدب العربي. وكان له ملكة كبيرة وقدرة فائقة على نسج الأشعار بالعربية والفارسية بصورة ارتجالية. وكان على منزلة عالية في الزهد والتقوى، واتباع السلف. وكان يتجلى في وجهه آثار التقوى والخشية الإلهية بكل وضوح. ويعيش حياته بمنتهى البساطة. وكان على جرأة كبيرة في قول الحق، فيقول الحق من غير خوف لومة لائم، ولم يتردد فيه أبدًا. ولا يجامل فيه أحدًا. وكان نموذج السلف الصالح في العلم والعمل. وبلغ من اشتغاله في العلم أنه كان يستحضر جميع العلوم والفنون. وكان يعد من العلماء الأجلة، والمدرسين الفائقين. وكان له ولع كبير بالتصنيف والتأليف بجانب التدريس والإفادة. وعمل شرحًا على مشكاة المصابيح في ثمانية مجلدات سماه «التعليق الصبيح». وقد نشرت أربعة مجلدات أولى منه في دمشق. وله كتاب آخر في الحديث اسمه «تحفة القارئ في حل مشكلات البخاري». وله تفسير للقرآن الكريم في عدد من المجلدات سماه «معارف القرآن». يُذكر أن مؤلفاته يبلغ عددها نحو مئة. وكان يكب على التدريس والإفادة والتصنيف والتأليف كل وقت. وبالغ في هذا المذاق حتى استغنى عن متاع الدنيا دائمًا.

         وله تعليقات على «المقامات الحريرية»، لقيت قبولًا واسعًا في أوساط العلماء المدرسين والطلاب كثيرًا. ومن أبرز أعماله في العقائد «عقائد الإسلام»، وفي السيرة النبوية «سيرة المصطفى». وله عدد من المؤلفات العلمية القيمة في الرد على النصرانية والقاديانية.

         بدأ حياته التدريسية من المدرسة الأمينية/ دهلي، ثم استدعته دارالعلوم بعد أشهر معدودات. وتوفرت له فرصة تدريس مختلف العلوم والفنون. وظل مدرسًا فيها 1338-1346هـ/1919-1927م، ثم تحول إلى حيدر آباد، ونزل بها نحو عشرة أو اثني عشر عاما يواصل التدريس و الإفادة. ثم استدعته دارالعلوم/ ديوبند إليها عام 1358هـ، وأسند إليه دروس الحديث والتفسير. ولقيت دروسه في الحديث والتفسير قبولا عاما بين العلماء. واستمر على ذلك 18 عامًا، وتحول عام 1368هـ إلى لاهور، وعين شيخا للجامعة العباسية /بهاولفور. ثم شغل منصب شيخ الحديث في الجامعة الأشرفية /لاهور إلى أواخر عام 1352هـ. وكان يعظ الناس ويذكرهم كل جمعة في لاهور، ويحضر الناس خطبه بشوق ونهم كبيرين. وكان من العلماء البارزين ذوي المكانة السامية في باكستان.

         وخلف وراءه أولاده بالإضافة إلى مكتبة كبيرة. وتوفي في رجب 1394هـ/1974م في لاهور، وبها دفن.

109- الشيخ المفتي محمود أحمد النانوتوي رحمه الله:

         ينتمي إلى العائلة الصديقية من الشيوخ في «نانوته»، ولد في 14/ذي الحجة عام 1310هـ في «نانوته». وتلقى مبادئ العلم في بلده. ثم تخرج من دارالعلوم/ديوبند عام 1337هـ، وقضى معظم حياته في «معسكر مهوه» في «مالوه». وأنشأ بها دارا للإفتاء، وقام بخدمة المسلمين العلمية والدينية. واحتلت فتاواه أهمية قصوى في «مالوه»، و«راجبوتانه». وكان له يد طولى في التفسير والفقه والإفتاء بجانب ولعه بالسياسة وقضايا الأمة. ولقد نفع الله تعالى به هذه المنطقة  نفعًا علميًّا كثيرًا. واشتهر بــمفتي «مالوه»، وكان يحتل مكانة سامية وبساطة كبيرة. ويشكل تواجده في «ماديا براديش» معلمًا في طريق العلم والهداية.

         وله كتاب في السيرة النبوية اسمه «السيرة الطيبة»، شرح فيه السيرة النبوية بأسلوب مبسط لايعجز معه من الاستفادة حتى أصحاب الكفاءة القليلة. وحاول الكتابُ عرض نواحٍ أكثر من السيرة النبوية بعبارات أوجز. كما يتمضن الكتاب ما لايجمعه كتاب آخر.

         ظل على عضوية المجلس الاستشاري لدارالعلوم/ديوبند منذ عام 1373هـ إلى آخر نفس من حياته. توفي في 14/شوال عام 1388هـ (4/يناير1969م) عن عمر يبلغ 78 عامًا. ودفن في «مهوه».

110- الشيخ أطهر علي البنغالي رحمه الله:

         أصله من «بنغال»، تخرج من دارالعلوم/ ديوبند عام 1338هـ. وهو من الخلفاء المجازين للشيخ التهانوي رحمه الله. وقام بالخدمات العلمية والتدريسية والقومية على مستوى عالٍ في باكستان الشرقية قبل تقسيم باكستان. وبعد تقسيم البلد ظل رئيسا لجمعية علماء الإسلام وعضوا في البرلمان الباكستاني. وهو من كبار علماء بنغلاديش. وشكل أخيرًا حزب النظام الإسلامي. وواجه تحول الوزارات وخاصة متاعب السجن والاعتقال بعد تشكيل بنغلا ديش. وكان له صيت خاص وميزة كبيرة في بنغلاديش. وكان نموذج العلماء المحقين في الاستقامة. وأنشأ مدرسة واسعة في «كشوركنج»، وتعتبر هذه المدرسة «دارالعلوم /ديوبند» في بنغال. وكان الشيخ أطهر علي بدوره يدرس في المدرسة. وكانت لغة التدريس في هذه المدرسة هي الأردية على شاكلة دارالعلوم/ديوبند.          ولد الشيخ أطهر علي في «سلهت» عام 1309هـ/1891م، وينتمي إلى عائلة كريمة دينية في بنغال. وتوفي في 9/شوال عام 1396هـ/1976م إثر مرض الفالج.


(*)    أستاذ الحديث واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

مجلة الداعي، المحرم – صفر 1445هـ = يوليو – سبتمبر 2023م، العدد: 1-2، السنة: 48

Related Posts