من كبار علماء ديوبند

الشيخ الإمام محمد قاسم النانوتوي

هو الشيخ الإمام حجة الإسلام في الهند، العالم الكبير محمد قاسم بن أسد علي الصديقي النانوتوي أحد العلماء الربانيين . وُلِدَ عام 1248هـ ببلدة «نانوتة» بمديرية «سهارنفور» بولاية أترابراديش، الهند، وتوفي سنة 1297هـ ببلدة «ديوبند» ودفن بها. تلمذ على الشيخ مملوك علي النانوتوي (المتوفى عام 1267هـ ) وقرأ عليه سائر الكتب الدراسية، وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الغني المجددي الدهلوي (المتوفى سنة 1296هـ).

كان أزهد الناس وأكثرهم عبادة و ذكراً ، وأبعدهم عن زي العلماء، ولبس المتفقهة من العمامة، والطيلسان وغيرها . له مشاهد عظيمة في المباحثة مع النصارى، وعلماء الديانة الآرية. أشهرها المباحثة التي وقعت ببلدة «تشاند بور» بمديرية «شاه جهانبور» بولاية أترابراديش؛ فناظر أحبار النصارى ، وأساقفهم ، وعلماء الهنادك غير مرة ، فغلبهم و أقام الحجة عليهم. وله مصنفات علمية دقيقة تبلغ زهاء ثلاثين ، تدل على سعة علمه، و عمق تفكيره، و دقة نظره في دقائق العلوم، ومعارف الكتاب والسنة، وحكمته البالغة في الجمع بين خيري الدين والدنيا.

قاد حركة التحرير، والثورة على الاستعمار البريطاني في مستهل عام 1857م ؛ فكان قائد قوات المسلمين في ساحة «تهانه بهون» و «شاملي» وقد أبلى فيها بلاءً حسناً، سجّله التأريخ بحروف ذهبية، ولما أخفقت هذه الثورة لأسباب مؤسفة ترجع إلى بعض المنافقين من صف المسلمين ، ولم يعد للمسلمين طريق يضمن لهم الثبات على دينهم، بدأ العلماء، وعلى رأسهم الإمام النانوتوي بحركة شاملة لنشر التعليم الديني ، والثقافة الإسلامية في المسلمين، وفعلاً قام هو، وأصدقاؤه بتأسيس مدرسة إسلامية في «ديوبند» لتكون معقل المسلمين، ومركز توجيه الشعب المسلم . وبارك الله في هذه المدرسة كثيراً ، فأصبحت أم المدارس، وكبرى الجامعات الإسلامية العربية الأهلية في شبه القارة الهندية، أنجبت كثيراً من العلماء ، ورجال الفكر الإسلامي، والدعاة المخلصين، والكتاب المتحمسين ، والخطباء المصاقع.

وجملة القول فيه إن له مآثر نبيلة في بناء مستقبل المسلمين الديني في هذه البلاد، وأيادي بيضاء على الشعب المسلم.

(تاريخ جامعة ديوبند الإسلامية (بالأردية)، وجريدة «الداعي» الصادرة في الجامعة بمناسبة الاحتفال المئوي عام 1400هـ «العدد الخاص» ، و نزهة الخواطر ج7، ص 320-322. ط: لكناؤ 1993م)

الشيخ الفقيه رشيد أحمد الكنكوهي

ولد الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي سنة 1244هـ ببلدة «كنكوه» بمديرية «سهارنفور» بالهند، وتوفي ودفن بها سنة 1323هـ . قرأ على كبار العلماء في عصره، ومن أشهرهم الشيخ مملوك علي النانوتوي (المتوفى 1267هـ) والمفتي صدر الدين آزرده (المتوفى 1285هـ) بدهلي، والحديث على الشيخ عبد الغني المجددي (المتوفى 1296هـ) حتى برع وفاق أقرانه في المعقول والمنقول، وتصدر للتدريس والإفادة ، فتهافت عليه كبار العلماء بدرسهم في الفقه، والحديث ، والتفسير، واقتصر في آخر عمره على تدريس الصحاح الستة. ولما كُفَّ بصره، ترك التدريس، وتوسع في الإرشاد، والتحقيق.

أسهم إسهاماً لا يستهان به في ثورة عام 1857م ، وحارب ضد الإنجليز ، إنقاذاً للشعب الهندي والمسلمين من جحيم العبودية. ولما هدأت عاصفة الثورة ، ألقت الحكومة الإنجليزية القبض عليه، و زجّت به في السجن، إلا أنها لم تنجح في إثبات دعواها، فاضطرت إلى الإفراج عنه. واتّخذ الشيخ في السجن أسوة يوسف عليه السلام ، فاهتدى به عدد كبير من السجناء، وأنابوا إلى الله.

كان شديد الغيرة على الدين، لم يكن مثله في زمانه في الصدق والعفاف، والتفقه، والشهامة ، والإقدام في المخاطر، والصلابة في الدين . وكان آية في التقوى، واتباع السنة، والعمل بالعزيمة، والاستقامة على الشريعة، و رفض البدع ومحدثات الأمور، ومحاربتها بكل طريق، والحرص على نشر السنة لا يقبل تحريفاً، ولا يتحمل منكراً، انتهت إليه الإمامة في العلم والعمل و تزكية النفوس، وإحياء السنة وإماتة البدع.

(نزهة الخواطر ج8: ص163-166. ط: لكناؤ 1993م؛ تاريخ جامعة ديوبند (بالأردية) ج1- ص:125-129.)

الشيخ المحدث محمد يعقوب النانوتوي

هو العالم الكبير المحدث محمد يعقوب ابن الشيخ مملوك علي النانوتوي (المتوفى 1267هـ) أحد الأساتذة المشهورين في الهند. ولد سنة 1249هـ الموافق عام 1833م ببلدة «نانوتة» بمديرية «سهارنبور» بولاية «يو،بي» بالهند، وتوفي بها سنة 1302هـ الموافق 1884م.

قرأ الكتب الدارسية معقولاً و منقولاً على أبيه الشيخ مملوك علي بمدينة دهلي، حيث كان رئيس هيئة التدريس في «كلية دهلي» العربية، ثم درس و أفاد بــ «أجمير» . وبعد مدة وُلي التدريس بالجامعة الإسلامية دارالعلوم / ديوبند، فدرس بها مدة ، و أخذ عنه خلق لا يحصون ، وشغل بها كذلك منصب رئيس التدريس .

كان من كبار الأساتذة ، ظهر تقدمه في فنون، منها الفقه، والأصول، والحديث النبوي، والأدب العربي، وكان يميل إلى الشعر أحياناً. رحمه الله رحمة واسعة.

(تاريخ جامعة ديوبند (بالأردية) 2/171-177؛ نزهة الخواطر 8/550-551، ط:لكناؤ 1993م)

الشيخ العلاّمة محمود حسن الديوبندي

هو الشيخ العلاّمة محمود حسن الديوبندي ابن الشيخ العالم الأديب شاعر العربية ذو الفقار علي الديوبندي المتوفى 1322هـ الموافق 1904م . تخرج عليه كبار العلماء في الهند ، ولد عام 1268هـ الموافق 1851م ، وكان على رأس الدفعة الأولى من الطلاب التي التحقت بالجامعة الإسلامية دار العلوم / ديوبند ؛ حيث كان لدى تأسيسها يوم الخميس 15/ محرم 1283هـ الموافق 30/ مايو 1866/ يجتاز المراحل الثانوية من تعليمه ؛ فالتحق بها وتخرّج منها عام 1290هـ الموافق 1873م. و وُلّي التدريس بالجامعة عام 1291هـ / 1874م، ثم مُنِح الترقية و بات رئيس هيئة التدريس بها عام 1308هـ / 1890م.

كان آية باهرة في علوم الهمة وبعد النظر، والأخذ بالعزيمة ، وحب الجهاد في سبيل الله ، شديد البغض لأعداء الإسلام، كثير التواضع، دائم الابتهال، ثابت الجأش، جيد المشاركة في جميع العلوم العقلية والنقلية ، ومطلعًا على التاريخ ، كثير المحفوظ للشعر، كثير الأدب مع المحدثين والأئمة المجتهدين، تلوح على محياه أمارات التواضع والحلم، وتشرق أنوار العبادة والمجاهدة في وقار وهيبة.

وكان أعلم العلماء في العلوم النافعة’ وأحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأصوله وأعرفهم بنصوصه وقواعده.

وضع خطة محكمة لتحرير الهند من مخالب الاستعمار الإنجليزيّ عام 1323هـ / 1905م، وكان يودّ أن يستعين فيها بالحكومة الأفغانية والخلافة العثمانية . وقد هيّأ لذلك جماعة من تلاميذه تمتاز بالإيمان القوي، والطموح، والثقة بالنفس، والتوكل على الله، والحزم وثقوب النظر. وكان من بينها الشيخ عبيد الله السنديّ (المتوفى 1363هـ / 1944م) والشيخ محمد ميان منصور الأنصاري (المتوفى 1365هـ / 1946م) وكان الاتصال يتم بينه وبين تلاميذه وأصحابه المناضلين عن طريق الرسائل التي كانت تُكْتَب على الحرير الأصفر، ومن هنا عُرِفَ نضاله ضدّ الاستعمار بـ «حركة الرسائل الحريرية» . ولتنفيذ خطته سافر رغم كبر سنه إلى الحجاز عام 1333هـ / 1915م , وقابل في المدينة المنورة كبار المسؤولين عن الخلافة العثمانية؛ ولكن من سوء الحظّ اطلعت حكومة الاستعمار الإنجليلزي على الرسائل الحريرية عام 1334هـ / 1916م، وألقت عليه القبض عن طريق الشريف حسين أمير مكة – الذي كان قد خرج على الدولة العثمانية – في صفر 1335هـ / نوفمبر 1916م و معه عدد من تلاميذه وأصحابه ، من بينهم الشيخ السيد حسين أحمد المدني المتوفى 1377هـ / 1957م، وسُفِّروا إلى «مالطه» وسُجِنُوا بها؛ حيث لبثوا فيها نحو 3 سنوات وشهرين، وأطلق سراحهم في جمادى الأخرى 1338هـ / يناير 1920م، و وصل الشيخ الهند يوم 20/ رمضان 1338 هـ الموافق 9/ مايو 1920م وتلقّاه الناس بحفاوة غير عاديّة، وغلب عليه لقب «شيخ الهند» واستُقْبل في كل مكان استقبالاً لم يعهد الناس مثله .

ورغم كبر سنه وضعفه ومرضه وكونه مُحَطَّمًا لطول الأسر في الغربة، لم ير أن يستجم في وطنه ديوبند، وإنما ظل يزور ويجول في أرجاء البلاد يدعو الشعب إلى النضال ضد الإنجليز ومقاطعتهم ، من خلال خطبه و محاضراته . وفي هذه الحالة سافر إلى «عليجراه» و وضع حجر الأساس للجامعة الملية الإسلامية يوم 29/ أكتوبر 1920م (16 صفر 1339هـ) وقد انتقلت فيما بعد إلى دهلي.

ثم اشتد به المرض والضنى حتى استأثرت به رحمة الله تعالى في صباح يوم 18/ ربيع الأول 1339هـ الموافق 30/ نوفمبر 1920م ؛ وذلك في دهلي حيث كان يتلقى العلاج. ونقل جثمانه في اليوم التالي إلى ديوبند، ودفن بجوار أستاذه العظيم الإمام محمد قاسم النانوتوي المتوفى 1297/ 1880م في المقبرة الجامعية التي عرفت بـ «المقبرة القاسمية» .

وقد تشرف رحمه الله بنقل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية وهي من أحسن التراجم الأردية وأكثرها قبولاً و رواجاً، وأضاف إليه تلميذه العلامة شبير أحمد العثماني المتوفى 1369هـ 1989م تعليقات مفيدة عُرِفتْ بـ «التفسير العثماني» . وقد قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بطباعة هذه الترجمة مع التفسير عام 1409هـ الموافق 1989م بعدد مئات الآلاف و توزيعها على المسلمين في العالم.

انظر للتوسّع في ترجمته كتب «حياة شيخ الهند» للشيخ ميان أصغر حسين الديوبندي و «نقش حياة» و «أسير مالطة» للشيخ السيد حسين أحمد المدني و «تذكرة شيخ الهند» للشيخ عزيز الرحمن البجنوري و «حركة شيخ الهند» للشيخ السيد محمد ميان الديوبندي الدهلوي و «أسيران مالطة» له أيضاً و «نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر» للشيخ الشريف عبد الحي الحسني ، ج8’ و «تأريخ دار العلوم/ ديوبند» لمؤلّفه الشيخ السيّد محبوب رضوي، ج2.

الشيخ العلامة أشرف علي التهانوي

هو الشيخ العلامة الفقيه «أشرف علي» بن عبد الحق التهانويّ المعروف في شبه القارة الهندية بـ «حكيم الأمة» أحد كبار العلماء والمشايخ الديوبنديين ، والعلماء الفقهاء الأذكياء الربّانيين الذي نفع الله الخلق بمؤلفاتهم ومواعظهم وتربيتهم نفعاً كبيراً. يبلغ عدد مؤلفاته نحو ثمانمائة ، منها نحو اثني عشر كتابًا بالعربية. كان مثالاً في ضبط الأوقات وحسن توزيعها بين الله وبين العباد وبين شؤونه الشخصية والعائليّة ؛ فكان لا يخلّ بها ولا يستثني فيها إلا اضطرارًا. وكان لكتبه ومواعظه ومجالسه دور كبير يُذكرُ ويُشكرُ في إصلاح العقيدة والعمل، ومحاربة البدع والخرافات والعادات والتقاليد الجاهلية، التي تسربّت إلى المجتمع الإسلامي وتغلغلت في حياة المسلمين وأفراحهم وأتراحهم، بسبب الاختلاط الطويل بالكفار والمبتدعين المستعبدين للأهواء. وبلغ عددُ مجالس وعظه التي دوِّنت في الرسائل أربع مائة مجلس. وأضفى الله عزّ و جل على جميع مؤلفاته ومجاميع مواعظه مسحة من القبول عجيبة، أما كتابه «بهشتي زيور» (حلية الجنة) الذي ألّفه أساسًا لتعليم البنات ما يحتجن إليه في الدين والدنيا، وأودعه المسائل الفقهية والأداب الإسلامية وكثيرا من المعلومات العامّة ، فقد نال من القبول والذيوع ما لم ينله كتاب ديني في هذه الديار، وصدرت له طبعات لا تحصى.

وُلِدَ لدى الصبح الصادق من الأربعاء 5/ ربيع الثاني 1280هـ الموافق 10/ سبتمبر 1863م. في بلدة «تهانَهْ بَهوَنْ» في مديرية «مظفر نكر» بولاية «أترا براديش». وتخرج من الجامعة الإسلامية دار العلوم ديوبند عام 1299هـ / 1882م. وتوفي بـ «تهانه بهون» يوم 16/ رجب 1362هـ الموافق 14/ يوليو 1943م.

للاستزادة من ترجمته اُنظر «أشرف السوانح» في ثلاثة أجزاء للشيخ الخواجه عزيز الحسن المجذوب . و «تأريخ دار العلوم / ديوبند» ج2، و «نزهة الخواطر» ج:8

الشيخ العلاّمة أنور شاه الكشميري

هو العلامة المحدث الكبير أنوَرْ شاه الحسيني الحنفي ابن الشيخ محمد معظّم شاه الكشميري. انتهت إليه رئاسة تدريس الحديث في الهند. كان دقيق النظر في طبقات المحدثين والفقهاء، نادرة عصره في قوة الحفظ، وسعة الاطّلاع على كتب المتقدمين، والتضلّع من الفقه والحديث وأصولها والتفسير وأصوله، والرسوخ في العلوم الإسلامية والعربية، يسرد ما قرأه في ريعان شبابه بنصوصه دون إخلال بمعنى. شغوفًا بالقراءة والاطلاع على كل جديد، شديد الغيرة على الإسلام، كثير الحماية لعقيدة أهل السنة والجماعة، شديد العداء والمحاربة للقاديانية، متوفّرًا على الردّ عليهم بالكتابات والخطابات، كثير الترغيب لتلاميذه وأصحابه في مقاومتها بالقلم واللسان.

وُلِدَ صباحَ السبت 27/ شوال 1292هـ الموافق 16/ أكتوبر 1875م. اجتاز المراحل الابتدائية والثانوية في وطنه كشمير وغيرها، متعلمًا على والده وغيره، والتحق بالجامعة الإسلامية دار العلوم / ديوبند عام 1310هـ / 1892م، وتلقّى فيها الدراسات العليا في علوم الشريعة و ما يتعلق بها طوال أربع سنوات، على الشيخ العلامة محمود حسن الديوبندي شيخ الهند (المتوفى 1239هـ / 1920م) والشيخ خليل أحمد السهارنبوري (المتوفى 1346هـ / 1927م) وغيرهما، وتخرّج منها عام 1314هـ / 1896م وهو في 21 من عمره. وبدأ يعمل رئيسًا لهيئة التدريس بالمدرسة الأمينية الإسلامية بدهلي منذ تأسيسها عام 1315هـ / 1897م، وبقي بها لمدة أربع سنوات ونصف، وعاد عام 1320هـ 1903م إلى وطنه كشمير؛ حيث أسس بها مدرسة باسم «فيض عام» . وعام 1323هـ / 1905م سافر إلى الحجاز للحج والزيارة، واستغل الفرصة فأسند الحديث عن الشيخ حسين بن محمد بن مصطفى الجسر الطرابلسي (المتوفى 1327هـ / 1909م) صاحب «الرسالة الحميديّة في حقيقة الديانة الإسلامية» ثم عاد إلى الهند عام 1327هـ / 1909م وأقام بالجامعة الإسلامية دار العلوم /ديوبند على أمر من أستاذه شيخ الهند يدرس بها ابتغاءً لوجه الله. وذلك لغاية عام 1333هـ / 1915م، إذ سافر فيه العلامة شيخ الهند محمود حسن إلى الحجاز ينوي الإقامة الطويلة فيه؛ فاستخلفه في تدريس الحديث و ولاّه رئاسة التدريس في الجامعة، وبقي في منصبه هذا طوال 12 عاما لعام 1346هـ / 1927م الذي في أوائله انتقل إلى الجامعة الإسلامية بـ «دابهيل» بـ «غجرات» وبقي يدرس بها الحديث لعام 1351هـ / 1932م حتى أضناه داء البواسير: فعاد إلى «ديوبند» حيث استأثرت به رحمة الله تعالى يوم 3/ صفر 1352هـ الموافق 30/ أبريل 1933م.

من مؤلّفاته تعليقات على «فتح القدير» لابن الهمام إلى كتاب الحج، وتعليقات على «الأشباه والنظائر» وتعليقات على صحيح مسلم، وكتاب «عقيدة الإسلام في حياة عيسى عليه السلام» و «إكفار الملحدين في ضروريات الدين» و «مشكلات القرآن» و التصريح بما تواتر في نزول المسيح» . وما إلى ذلك.

للاستزادة من ترجمته يراجع «نفحة العنبر في حياة إمام العصر الشيخ أنور» للشيخ محمد يوسف البنوري و «نزهة الخواطر» ج8، تأريخ دار العلوم / ديوبند ج2، «الأنور» للأستاذ عبد الرحمن كوندو، «حياة أنور» للأستاذ أزهر شاه قيصر، «نقش دوام» للشيخ أنظر شاه الكشميري، «نكارستان كشمير» للقاضي ظهور الحسن ، «علماءِ هند كا شاندار ماضي» للشيخ الفقيه محمد ميان الدهلوي، «تأريخ أقوام كشمير» للأستاذ محمد دين فوق، «مولانا أنور شاه كشميري: حياة اور ان كـا علمي كارنامه» للدكتور رضوان الله، «تراجم ستة من فقهاء العالم الإسلامي في القرن الرابع عشر» للعلامة المحدث الشيخ عبد الفتاح أبوغدة رحمه الله .

الشيخ المحدث السيد حسين أحمد المدني

هو الشيخ العالم الجليل، المحدث الكبير، البطل الجرئ السيد حسين أحمد المدني، ابن حبيب الله المعروف في ديار الهند ب: «شيخ الإسلام». أصله من مدرية «فيض آباد» بولاية يو،بي (الهند). وُلِدَ سنة 1296هـ ببلدة «باكر مئو» بمديرية «أناؤ» بـ «أترابراديش» ، وتوفي سنة 1377هـ بمدينة «ديوبند» ودفن بها.

تلقى مبادئ العلوم في بلدة «تاندة» بمديرية «فيض آباد» ثم التحق بجامعة ديوبند الإسلامية ، وتعلم على أساتذتها البارعين ، أمثال الشيخ الأديب ذوالفقار علي الديوبندي، والشيخ المحدث خليل أحمد السهارنبوري، والشيخ المفتي عزيز الرحمن الديوبندي، وأخذ الفقه والحديث عن الشيخ العلامة محمود حسن الديوبندي، ولازمه مدة طويلة إلى أن تخرج في الجامعة.

هاجر مع أسرته إلى الحجاز سنة 1316هـ ، وأقام بالمدينة المنورة يدرّسُ في المسجد النبوي الشريف إلى أن عاد إلى الهند عام 1333هـ وقد أسر الشريف حسين أمير مكة الشيخ محمود حسن وأصحابه ومنهم الشيخ ؛ في مكة المكرمة، على إيعاز من الحكومة الهندية الإنجليزية ، حين سافروا إليها للحج، وأسلمهم إليها، فنقلتهم إلى مصر، ثم إلى «مالطا» حيث مكث سجيناً نحو ثلاث سنوات. ولماحمي وطيس حركة تحرير البلاد ، خاضه بقوة و ثبات. وألقى خطباً مثيرة حماسية ضد الاستعمار ، يجول في البلاد والأمصار، فحُبِس مراراً.

وبالرغم من هذه الخدمات الوطنية والسياسية ، اعتزل الشيخ بعد الاستقلال ولم يأخذ منصباً ، ولا وظيفة في الحكومة ، وعكلف على الدرس، والدعوة إلى الله ، وقد أنعم عليه رئيس الجمهورية بلقب فخري يسمى بــ «بدم بهوشن» فرفضه قائلاً : إنه لا ينسجم وطريقةَ أسلافه.

كان رحمه الله عالماً ربانياً، محدثاً جليلاً، زعيماً بارزاً، جامعاً لمحاسن الإنسانية ومزاياها، تتمثل في حياته النموذجية حياة الصحابة رضي الله عنهم. وكان قليل التصنيف لأجل نشاطاته الساسية ، والدعوية ، والتدريسية. له «نقش حيات» ، و «الشهاب الثاقب: وجمع بعض تلاميذه دروسه لسنن الترمذي، وهي مطبوعة لم تتم. (تاريخ جامعة دارالعلوم / ديوبند (بالأردية) 2/82-84؛ نزهة الخواطر 8/126-132. ط: لكناؤ 1993م)

الشيخ العلامة شبير أحمد العثماني

((2)) هو العلامة شبر أحمد العثماني ابن الشيخ فضل الرحمن العثماني الديوبندي ولد عام 1305هـ / 1887م ، والتحق بالروضة في 7 من عمره. وتخرج من جامعة ديوبند عام 1325هـ / 1907م. وكان من أبرز تلاميذه العلامة شيخ الهند محمود حسن الديوبندي. درّس أولاً في «المدرسة العالية فتح بوري» بدهلي، ثم عين أستاذاً بجامعة ديوبند عام 1328هـ / 1910م. وكان تدريسه لصحيح مسلم معروفا و مقبولاً في أوساط العلماء والتلاميذ.

وفي عام 1352هـ / 1933م عين شيخ الحديث بالجامعة الإسلامية تعليم الدين بمدينة «دابهيل» بــ «غوجرات» وعلى إلحاح من الشيخ أشرف علي التهانوي وغيره من المشايخ الكبار تولّى منصب الرئيس العام للجامعة الإسلامية دارالعلوم / ديوبند عام 1362هـ / 1944م، إلى جانب توليه شياخة الحديث في جامعة «دابهيل».

كان العلامة شبير أحمد العثماني أحد الخطباء المصاقع والأدباء المترسلين المبرزين باللغة الأردية، ألّف عدداً من الكتب تنمّ عن عميق علمه ، وسعة اطلاعه، و طول باعه في العلوم الإسلامية إلى جانب تحركاته و نشاطاته السياسية وبلائه الحسن في تحرير البلاد.

وتولّى منصب عضو بارز في حركة الخلافة عام 1333هـ / 1914م . وكان من كبار قادة جمعية علماء الهند، ورأسها لمدة ، انضمّ عام 1365هـ / 1946م إلى العصبة الإسلاميّة . وقبل تقسيم الهند بعام واحد، وفي عام 1366هـ / 1947م انتقل إلى باكستان، واحتفي فيها احتفاءً كبيراً، وعرف بـ «شيخ الإسلام» وعين عضواً في لجنة وضع الدستور ورئيساً للجنة أيضاً.

وله حواش و تعليقات مفيدة جدّاً على ترجمة أردية للقرآن الكريم للعلامة محمود حسن الديوبندي، وقد قام بطبعها و توزيعها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة منذ سنوات، بكميات كبيرة.

توفي رحمه الله في 21/ صفر 1369هـ الموافق 13/ ديسمبر 1949م بمديرية بهاول بور» بباكستان ودفن بكراتشي. [المترجم] (تاريخ دارالعلوم / ديوبند بالأردية ج2، ص98-102).

الشيخ المفتي عزير الرحمن العثماني

هو الشيخ العالم الرباني الحنفي، المفتي عزيز الرحمن العثماني الديوبندي، ابن الشيخ فضل الرحمن العثماني، الشقيق الأكبر لكل من العلامة شبير أحمد العثماني، والشيخ حبيب الرحمن العثماني، الرئيس الأسبق لجامعة ديوبند.

كان أمة في عصره في الفقه، والفتوى، ودقة النظر ، وسعة الدراسة لكتب الأصول، والاستحضار لمتون الفقه، وجزئياته، يكتب الجواب عن الاستفتاء عفو الساعة، ولا يحتاج إلى المراجعة في أغلب الأحيان، مع تحرّ للصواب ، وإلمام بالحوادث والنوازل، واطّلاع على مقتضيات العصر واتجاهات الفكر، ورؤى الزمان.

تولّى الإفتاء في الجامعة الإسلامية دار العلوم / ديوبند نحو أربعين سنة، ورغم أن سجل فتاواه التي أفتى بها في الفترة ما بين 1310هـ و 1329هـ مفقود، فإن عدد فتاواه في الفترة ما بين 1330هـ و 1346هـ حسب ما هو مسجّل لدى دار العلوم / ديوبند ، يبلغ (37561) فتوى، ولكن سماحة الشيخ المقرئ محمد طيب الرئيس السابق للجامعة ، قد صرح في مقدمة الجزء الأول من مجموع فتاواه، أن عدد فتاواه (118000) على الأقل.

وكان غاية في إنكار الذات، والتواضع، وستر الحال، والاجتهاد لإسداء الخير، والنفع للخلق، حتى كان دائب التطواف بعد صلاة العصر على البيوت حتى يطلع على حوائج الأرامل والعجائز، والعفيفات من النساء اللاتي يفقدن كفلاء الأمر، فيحقق لهن حاجاتهن من السوق وغيرها ويحملها إليهن بنفسه . كما كان يتابع سطوح بيوت الفقراء أيام المطر، فيرممها بنفسه .

وُلدَ رحمه الله في 1275هـ الموافق عام 1858م. وتخرج من جامعة ديوبند عام 1298هـ . وتوفي 17/ جمادى الآخرة 1347هـ بديوبند . و دفن بالمقبرة القاسمية.

الشيخ المفتي محمد كفاية الله الدهلوي

هو الشيخ العلاّمة المفتي الأكبر العالم الصالح محمد كفاية الله بن عناية الله الشاه جهانبوري، ثم الدهلوي أحد كبار العلماء. ولد بمدينة «شاهجهانبور» بولاية يوبي (الهند) عام 1292هـ وتوفي بمدينة دهلي ، ودفن بها عام 1372هـ . قرأ على جهابذة العلم في عصره من الشيخ عبد العلي الميروتي (المتوفى عام 1347هـ) في «مدرسة شاهي» بمراد آباد. والشيخ المحدث خليل أحمد السهارنبوري (المتوفى 1346هـ) ، والشيخ العلامة محمود حسن الديوبندي (المتوفى عام 1339هـ) المعروف بشيخ الهند؛ في «جامعة ديوبند» الإسلامية.

دَرَّس في مدرسة «عين العلم» بـ «شاه جهانبور» خمس سنوات، ثم توجه إلى دهلي على طلب متواصل من صديقه الشيخ أمين الدين الدهلوي مؤسس المدرسة الأمينية بدهلي ومديرها. حيث تولّى منصب رئاسة التدريس، واستقام على ذلك 34 سنة ، يدرِّس، ويفتي. ويفيد ، وقد توسعت في عهده المدرسة ، وبلغت أوجها من بين مدارس البلاد.

كان من مؤسسي جميعة علماء الهند التي جاء تأسيسها عام 1338هـ ، ومن كبار أنصار الحركة الوطنية التحريرية، وسُجِنَ مرتين. سافر رئيساً لوفد جميعة العلماء لحضور المؤتمر الإسلامي الذي عُقِدَ بدعوة الملك عبد العزيز بن سعود عام 1344هـ، كما سافر لحضور مؤتمر فلسطين المنعقد في القاهرة عام 1357هـ ، ولقي حفاوة بالغة، وتلقاه العلماء والزعماء بصفته المفتي الأكبر للديار الهندية ، ومن كبار علمائها وقادتها.

كان المفتي محمد كفاية الله رحمه الله فقيهاً، محدثاً ، عظيم المنزلة في الإفتاء ، بارعاً في الحساب، والعلوم الرياضية ، دقيق النظر في الحوادث والنوازل، وله ذوق في الأدب العربي، وقدرة على قرض الشعر . من أشهر مؤلفاته «تعليم الإسلام» للأطفال في أربعة أجزاء ، قلما يُدانيه كتاب في التداول وفي كثرة الطبعات، و «كفاية المفتي» مجموع فتاواه في تسعة مجلدات ضخمة . جمعها نجله الأكبر الشيخ حفيظ الرحمن واصف رحمه الله.

(نزهة الخواطر 8/398 ط: لكناؤ 1993م؛ تاريخ جامعة دارالعلوم / ديوبند . (بالأردية) 2/79-81)

الشيخ المحدث فخر الدين احمد المرادآبادي

وُلِدَ الشيخ فخر الدين أحمد الحسيني، المراد آبادي سنة 1307هـ الموافق سنة 1889م بمدينة «أجمير» بولاية راجستهان بالهند، حيث كان جده ضابط الشرطة في مصلحة البوليس. و تُوفي في الليلة المتخللة بين 20-21 صفر 1392هـ الموافق 5-6/ أبريل 1972، ودُفن بمدينة «مرادآباد» بولاية يوبي، الهند. تعلم النحو، والصرف على الشيخ خالد أحد علماء أسرته ، ثم التحق بمدرسة «منبع العلوم» ببلدة «كلاوتهي» بــ «يوبي» ، ثم بالجامعة الإسلامية دارالعلوم / ديوبند، وتعلم فيها على الشيخ العلامة محمود حسن الديوبندي، والشيخ المحدث أنور شاه الكشميري، كما قرأ بعض الكتب في المعقول في «دهلي».

تخرج من الجامعة عام 1328هـ، وعُين فيها للتدريس، ثم انتقل إلى مدرسة «شاهي» بمدينة «مرادآباد» ، ومكث بها 48 سنة . ولما توفي الشيخ حسين أحمد المدني شيخ الحديث آنذاك بجامعة «ديوبند» ، عاد إلى ديوبند، وتولّى منصبه . وكانت دروسه مستوعبة وناجحة للغاية. نفع الله بها خلقًا كبيراً ، وكان له ميل إلى السياسة، وعناية بقضايا الأمة بجانب نشاطاته العلمية، فذاق مرارة السجن كأسلافه . وشغل منصب رئيس جميعة علماء الهند. كان عالما جليلاً، ومحدثا كبيراً، مولعاً بالمطالعة والدراسة، له القول الفصيح في الحديث، ومجموعة من أماليه باسم «إيضاح البخاري».

( تاريخ جامعة دارالعلوم/ ديوبند. (بالأردية) 2/212-215).

الشيخ المفتي عتيق الرحمن العثماني

وُلِدَ الشيخ المفتي عتيق الرحمان العثماني بمدنية «ديوبند» عام 1319هـ . وتوفي عام 1984م. أخذ جميع العلوم من أساتذة الجامعة الإسلامية دار العلوم «ديوبند» ، وتخرج فيها عام 1241هـ . تقلب في مناصب تدريسية في شتى المدارس ، فعُيِّن أستاذاً مساعداً في جامعة ديوبند، ثم ارتحل إلى الجامعة الإسلامية بــ «دابيل» من أعمال «سورت» بولاية «غجرات» ، ومكث بها خمس سنين، يدرس ويفتي، ثم اعتزلها لاهتماماته السياسية ؛ وسافر إلى مدينة «كالكوتا» حيث درَّسَ ، وأفتى وأفاد، لمدة غير قصيرة.

أسَّسَ مجمعاً علمياً باسم «ندوة المصنفين» للصحافة والنشر في دهلي عام 1357هـ الموافق عام 1938م، وقام بإصدار كتب قيمة تبلغ مائتين ، وتمس جميع الموضوعات الإسلامية من الحديث ، والتفسير والتأريخ، والأدب ، والسياسة ، والأخلاق.

كان من أعضاء الهيئة المشرفة على «جامعة علي جراه» الإسلامية ، ورئيساً للمجلس التنفيذي لجمعية علماء الهند، كما كان رئيسا لمجلس التشاور الإسلامي. (حزب سياسي للمسلمين في الهند) الذي يدل على غاية اهتمامه بقضايا البلاد والعباد.

كان عالماً جليلاً ،مفرط الذكاء، أبيّ النفس ، بصيراً بالأمور، كان لا يهاب أحداً في قول الحق وكلمة الصدق .وله مقدرة كبيرة في الكتابة والخطابة على السواء.

(تاريخ جامعة دارالعلوم / ديوبند، (بالأردية) 2/ 146-147)

الشيخ المقري محمد طيب القاسمي

هو العالم الهنديّ الكبير الذي انتهت إليه رئاسة الخطابة الدينية في العهد الأخير، والّذي جمع بين الشرف في النسب الديني والنسب الطينيّ معًا ، وتمتّع بالشعبيّة غير العادية عبر شبه القارة الهندية.

فهو حفيد الإمام محمد قاسم النانوتويّ المتوفى 1297هـ / 1880م الّذي كان رئيس الطائفة المؤمنة والكتيبة الربّانية الّتي أسّسَت جامعة ديوبند الشهيرة ، والّضي ينتهي نسبه إلى سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه.

وهو النجل الأكبر للشيخ الحافظ محمد أحمد ابن الإمام النانوتويّ المتوفى 1347هـ / 1928م الذي راس جامعة ديوبند مدة أربعين عامًا في الفترة ما بين 1313هـ / 1895م و 1347هـ / 1928م.

في هذا البيت العلمي والوسط الديني وُلِدَ سماحة الشيخ محمد طيب رحمه الله تعالى في محرم 1315هـ / مايو 1897م، وذلك في مدينة «ديوبند» بمديرية «سهارنفور» بولاية «أترَا برَاديش» بالهند. وسُلِّمَ للكتّاب وهوابن سبع سنين، وانتهى من حفظ القرآن الكريم مع إتقان التجويد والقراءات في ظرف سنتين، وانتسب إلى القسم الفارسيّ والأرديّ بجامعة ديوبند؛ ثم انتسب فيها لتلقي الدراسات العليا إلى القسم العربي المخصص للشريعة الإسلامية ، فتخرّج منه عالمًا متضلّعاً عام 1337هـ / 1919م وهو ابن نحو (22) سنة فقط.

وكان من بين الشيوخ الأجلاء الّذين قرأ عليهم في جامعة ديوبند الشيخ محمود حسن الديوبندي المعروف بــ «شيخ الهند» المتوفى 1339هـ / 1920م الّذي أسس لتحرير الهند من مخالب الاستعمار البريطاني «حركة الرسائل الحريرية» المعروفة جدًّا في تأريخ تحرير الهند: والشيخ خليل أحمد السهارنفوري المدني المتوفى 1346هـ /1927م صاحب «بذل المهجهود في حلّ سنن أبي داؤد» في مجلدات كبيرة؛ والمفتي الأكبر بجامعة ديوبند الشيخ عزيز الرحمن العثماني الديوبنديّ المتوفى 1347هـ / 1928م ؛ والمحدث الكبير الشيخ العلاّمة أنور شاه الكشميري المتوفى 1352هـ / 1933م الّذي انتهت إليه رئاسة الحديث في عصره؛ والشيخ حبيب الرحمن العثماني الديوبنديّ نائب الرئيس والرئيس الأسبق لجامعة ديوبند المتوفى 1348هـ / 1929م؛ والعلامة شبير أحمد العثماني الديوبند ثم الباكستاني صاحب التفسير الشهير للقرآن الكريم باللغة الأردية (المطبوع أخيراً من قبل مجمّع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة) المتوفى 1369هـ / 1949م؛ والعالم الربّاني الشيخ السيد أصغر حسين الديوبندي المتوفى 1364هـ / 1944؛ والشيخ إعزاز علي الأمروهويّ المعروف بــ «شيخ الأدب» المتوفى 1374هـ / 1954م ؛ والشيخ محمد إبراهم البَلْيَاويّ المتوفى 1387هـ / 1967م.

وتخرّج في التزكية والإحسان على الشيخ محمود حسن (شيخ الهند) الديوبندي المذكور، والشيخ الكبير العلامة أشرف علي التهانوي المعروف بــ «حكيم الأمة» المتوفى 1362هـ / 1943م.

وإلى جانب هذا التقدم الهائل الّذي شهدته الجامعة على عهد رئاسته على كافّة الأصعدة البنائية والإدارية والتعليمية وعلى صعيد السمعة المطبّقة والصيت الذائع؛ إلى الوقار والاعتبار الذين جعلاها جامعة شعبية فريدة منقطعة النظير في الشرق الإسلامي هذا ؛ إلى جانب ذلك كان دوره طليعيّاً كذلك في «الدفاع عن الإسلام والمسلمين».

وذلك انطلاقًا من أسوة مشايخ الجامعة : مؤسسيها و أبنائها الّذين ظلّوا يحاربون الاستعمار الإنجليزيّ بكافة الأسلحة، ثم ظلّوا في طليعة المحاربين للفرق الضالّة والطوائف المنحرفة، بما فيها القاديانية، والبريلوية، والحركات المستهدفة للإسلام من قبل الإحيائية الهندوسيّة والتبشير المسيحيّ.

أما بالنسبة للقاديانية فقد شارك مع مشايخه و زملائه في كثير من المناظرات والمقاومات، كما كتب وخطب طويلاً في هذا الموضوع.

وبالنسبة للبريلويّة فقد كان لساناً ناطقاً ضدها بخطاباته التي لا تُحْصى ، والتي قلّما بقيت مدينة أو قرية في شبه القارة الهندية لم تستمع لها. وكانت معظم خطاباته تدور حول غرس الحقائق الأصيلة للإسلام في قلوب الجماهير.

والمطّلع على أحوال الهند يعرف جيداً أن قضية الحفاظ على الشرائع الإسلامية لم تقلَّ أهميّة في الهند المستقلّة، بل ربما أخذت أهميّة متزايدةً من أجل المآسي التي شهدها الشعب المسلم ولا يزال يشهدها في هذا الخصوص بشكل لم يكن ليتصوّره في الهند المستعبدة التي كان هو في مقدمة المضحين بالنفس والنفيس في سبيل تحريرها ، وذاق في هذا السبيل ويلات لم يذقها بالتأكيد أي من طوائف البلاد.

ونحمد الله عز و جلّ أن الجامعة ظلّت بقيادة الشيخ محمد طيب الحكيمة ملاذاً للشعب المسلم الهنديّ بالنسبة لكّل محاولةٍ رامية لدينه وعقيدته ، و قامت بالجهد المشكور في تحطيم المحاولة في مهدها أو ظلّت تلاحقها لآخر مرحلة .

في الثمانينات من القرن الميلاديّ الحاليّ، ولا سيما عام 1392هـ / 1972م قامت محاولات للتدخّل في قانون الأحوال الشخصيّة لمسلمي الهند بشدةٍ غير عادية، وقيل : إن الشرائع الإسلامية عادت لا تفي بمطالب العصر.

فأمر رئيس الجامعة اليشخ محمد طيب بتكوين لجنة من كبار أساتذة الجامعة لتقوم بتفنيد شبهات المشككين والمعترضين. ثم عَقَدَ رحمه الله في رحاب الجامعة يوم 26/ صفر 1392هـ الموافق 14/ مارس 1972م اجتماعاً دعا إليه كبارَ علماء ديوبند و آخرين من العلماء والمفكرين والمثقفين المسلمين؛ حتى يتّخذوا موقفًا موحّدًا فيما يتعلق بالأحوال الشخصية للمسلمين والدفاع عنها. و تدارس المجتمعون جميعَ نواحي القضيّة ، وأعدّوا مذكرة تتضمن أسئلة وُجِّهَتْ للعلماء و رجال الإفتاء لشتى مدارس الفكر الإسلامية في الهند، وطُلِبَ إليهم أن يوافوا الجامعة بأجوبتهم في أواخر يوليو 1972م الموافق أوائل رجب 1392هـ.

كما اتفق المجتمعون على عقد مؤتمر موسّع لعموم الهند حول الموضوع. واتّخذ رئيس الجامعة لهذا الاجتماع الموسّع لجاناً عديدةً تتضمّن رجالَ القانون ورجالَ الدعوة والفكر إلى رجال العلم والإفتاء.

واللجنة المحليّة في هذا الشأن عقدتْ اجتماعها في الجامعة يوم 2/ جمادى الأخرى 1392هـ / الموافق 16/ يونيو 1972م ، وقرّر أن يُعْقَدَ اجتماع كبير في الجامعة في 5-6 رجب 1392هـ الموافق 17-18 يوليو 1972م لدارسة أجوبة العلماء حول الأسئلة المشار إليها.

وحسب المقرر عُقِدَ المؤتمر الموسّع لعموم الهند في مدينة بومباي في 20-21 ذو القعدة 1392هـ الموافق 28-29 نوفمبر 1972م. ونظراً لأهمية الموضوع ارتأى العلماء أن تكون الدعوة مُوَجَّهَةً من قبل رؤساء وقادة شتى المنظّمات الإسلامية المعروفة. وكان كذلك ؛ فقد اجتهدت جميع المنظمات والجمعيّات الإسلامية في عقد المؤتمر، وقد تكلّل بالنجاح من جميع الاعتبارات بشكل غير عاديّ. وبإجماع ممثلي جميع المنظّمات المُساهِمَةِ في الدعوة لعقد هذا المؤتمر بما فيها أهل السنّة والشيعة والديوبنديّة والبريلويّة وأهل الحديث والجماعة الإسلامية وكل من الطّوائف التي تنتمي إلى الإسلام ويعتبرها الدستور الهندي مسلمةً، أسْنِدَتْ رئاسةُ المؤتمر إلى سماحة الشيخ محمد طيب رحمه الله تعالى.

ومن على منبر هذا المؤتمر التأريخي المشهود أعلن الشعب المسلم بجميع طوائفه و مذاهبه أنه لن يتحمّلَ أيَّ تدخّل للتغيير في أحواله الشخصية . وتمخّض المؤتمر عن قيام هيئة للأحوال الشخصية لعموم الهند تُمَثَّل جميع المذاهب والمدارس الفكرية للمسلمين ؛ وأجمع المؤتمرون على انتخاب الشيخ محمد طيّب رئيسا للهيئة، والشيخ منت الله الرحماني أمير الشريعة لولايتَي بيهار و أريسه سابقاً (المتوفى 1411هـ / 1991م) أميناً عاماً للهيئة. وقد ظلاّ يتولّيان مسؤوليتهما نحو الهيئة لآخر لحظة من حياتهما.

وبشهادة التأريخ يُسَجّلُ أن الهند المستقلّة لم تشهد منبراً موحّدًا للدفاع عن الشريعة الإسلامية خصوصًا، وقضايا الإسلام والمسلمين عموماً ، أقوى من منبر هيئة الأحوال الشخصية لعموم الهند.

بما أنّه رحمه الله تعالي كان يجمع بين المؤهّلات والاهتمامات الكثيرة ، وبين العلوّ في النسب الدينيّ والنسب الطينيّ، وبين الوجاهة، والجمال الرجاليّ، والوقار العلمي، واللسان العذب.

وبما أنّ الجامعة الإسلامية دارالعلوم / ديوبند مهوى أفئدة الشعب المسلم في شبه القارة الهنديّة وأكبر وأقدم جامعة خاصة بالمسلمين في هذه الديار، إليها يفزعون في كل ما يحزبهم من مشكلة دينية، ومنها يستنيرون في كلّ ظلام قاتم، وبها يلوذون في كل ما يمسّ الدين والعقيدة في هذه البلاد.

وقد أتيح له رحمه الله تعالى أن يخدم مثل هذه الجامعة عبر هذه المدة المديدة، التي تقارب ستّين عاماً؛ فأكسبه ذلك من الشعبيّة والإعجاب والتقدير ما لم أعرفه في حياتي أنا لأحد من علماء الدين ورجال الأوساط الإسلاميه الذين عايشتُهم ، إلا القلائل الذين عرفوا بإخلاصهم وربّانيتهم وتعمقهم في الكتاب والسنّة مثل العلامة المحدّث الشيخ زكريا بن يحيى الكاندهلوي الذي وافته المنية في المدينة المنورة في 1/ شعبان 1402هـ / 27/أبريل 1982م.

فمن أجل ذلك كلّه انساقت إليه مناصب متنوعة ولاسيّما منصب الرئاسة والإشراف العامّ على عدد من المؤسسات والهيئات الإسلامية التي تضمّ مختلف القطاعات الدينية والمذاهب الفكرية والجماعات والمنظمات الإسلامية.

في الساعة الحادية عشرة والدقيقة الخامسة تماماً من 6/ شوال 1403هـ الموافق 17/ يوليو 1983م: يوم الأحد، استأثرت به رحمة الله تعالى.