من خصائص الجامعة

  • إنها أول جامعة إسلامية أهلية في تأريخ المسلمين في الهند ، قامت بتبرعات شعبية وسارت ولا تزال وستظل تسير بتبرعات الشعب المسلم وحده .
  • الاعتدال والتوازن في اتباع المذهب واحترام جميع المذاهب الفقهية المعروفة لدى أهل السنة والجماعة ومدارس الفكر الإسلامية المختلفة ، وعدم الإثارة للخلافات الفرعية إلا إذا مست الحاجة إلى ذلك بشكل ملحٍّ لإيضاح حقيقة من الحقائق .
  • مكافحة البدع والخرافات حتى سُمِّي علماء ديوبند بـ «الوهابيين» من قبل أولي الأهواء وعباد الأضرحة المعتقدين في الأولياء والصلحاء والأنبياء اعتقادًا محرمًا في الشرع الإسلامي المطهَّر .
  • نشر العقيدة الصحيحة المتوارثة عن النبي صلى الله عليه وسلم عن طريق الرعيل الإسلامي الأول من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان من بعد .
  • التوكل على الله ، والبساطة في العيش ، والجهاد للحق ، والتقيد بآداب الشرع الإسلامي ، والتقاليد الإسلامية ، والتزي بزي العلماء ، والاتسام بسمة الصلحاء .
  • المحافظة الكاملة الدقيقة على الشرائع الإسلامية ، ولا سيما الصلاة بالجماعة في مواقيتها ، فالجامعة تُقَيِّدُ طلابَها والعاملين فيها بذلك أولاً وقبل كل شيء ؛ لأنه كما قال سيدنا عمر رضي الله عنه : إن أهمَّ شيء عندي الصلاة ؛ فمن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع .
  • إنها لا تهتم بالشكل والمظهر اهتمامَها بالحقيقة والمخبر ، وتحترز من الدعاية ، وتؤثر العمل في صمت ، وتعمل كثيرًا وتتكلم – إذا مست الحاجة إلى ذلك – قليلاً ، وتمتنع امتناعًا كليًا عن إطلاق الدعاوي العريضة والأقاويل الفارغة ، ولا تحب أن تُحْمَدَ بما لم تفعل ، على عكس عادة معظم المعاهد والحركات الإسلامية المعاصرة .
  • إن روح الإخلاص والاحتساب هي التي تسري في جميع أعمالها ؛ لأنها تعلم أنه ما كان لله دام واتصل ، وما كان لغيره انقطع وانفصل . وهذا شيء يلمسه في جميع جنبات الجامعة كلُّ زائر مهما كان رجلاً عاديًا .

سِرُّ شعبية دار العلوم/ ديوبند المنقطعة النظير

وقد لمس ذلك علامة العالم الإسلامي في عصره الشيخ رشيد رضا المصري صاحب تفسير «المنار» لدى زيارته للجامعة فسجل عنها انطباعات رائعة للغاية نبعت من قلبه ، قال فيها فيما قال : «ما قرَّت عيني بشيء في الهند بمثل ما قرَّت برؤية مدرسة ديوبند . . وإني رأيتُ في مدرسة ديوبند التي تُلَقَّبُ بـ «أزهر الهند» نهضة دينية وعلمية جديدة أرجو أن يكون لها نفع عظيم» .

وروحُ الإخلاص هي التي جعلت جميعَ زائريها من العلماء الكبار وعامة المسلمين يُعْجَبُوْن بها إعجابًا يجعلهم يُؤْخَذُوْن بما يجدونه في جنباتها من السحر الديني العجيب والمظهر الجذّاب من الجمع بين العلم العميق والعمل السديد بأحكام الدين بحذافيرها الذي يمتاز به كل من الأساتذة والطلاب والمنسوبين والمُوَظَّفِين ، الأمر الذي لا يجدونه في أيّ مدرسة ودار علم بهذه الصورة .

وقد لمس ذلك الأستاذ إبراهيم محمد سرسيق مُمَثِّلُ جريدة «المدينة» اليوميّة السعوديّة ؛ إذ كَتَبَ بعددها الصادر بيوم السبت 19/ جمادى الأولى 1400هـ في تقريره الطويل النفس عن الاحتفال المئوي الذي عقدته الجامعة عام 1400هـ / 1980م ، وانطباعاته عنه وعن الجامعة . .

« . . . إنّ ما رأيتُه من احتفاء الناس بهذه الجامعة ، قد أثلج صدري حقًّا ؛ فمن الصعب أن يوجد هذا التعاطفُ بين الناس ومُؤَسَّسَاتهم العلميّة بهذه الدرجة من الحب والتلاحم والذوبان الروحيّ والتعلق القلبيّ .

«التعاطف هو الذي ساعدني أن أرى مشهدًا ما شَهِدْتُه قطُّ إلا في الحجّ الأكبر في عرفات الله . . .

إن الشعب المسلم يثق بهذه الجامعة ثقةً لا يثقها بأيـّة مدرسة أو جامعة في الهند فيما يتعلق بأمور الدين ، ويعتبرها حقًّا الملاذ الروحيَّ الأكبر في كل ما يداهمه فيما يتصل بالدين والعقيدة والعمل بأحكام الدين في هذه البلاد .

وقد جاء ذكرُ الأهداف التي من أجل تحقيقها أُسِّسَتْ دار العلوم / ديوبند في الدستور الأساسي القديم بما يلي :

  1. تعليم الكتاب والسنة ، والتفسير والعقائد وعلم الكلام ، والعلوم الأخرى التي لابدّ منها لكونها وسيلة إلى تلك العلوم العالية ، وتوعية المسلمين بأحكام الدين ، والتوجيه الديني ، وخدمة الدين عن طريق الدعوة والتبليغ .
  2. تربية الطلاب على الأعمال والأخلاق الإسلامية وإثارة روح الدين في حياتهم .
  3. القيام بتبليغ الدين ، وصيانته والدفاع عنه ، عن طريق الخطابة والكتابة ، وإثارة الأعمال والأخلاق والعواطف في المسلمين مثل التي كان عليها السلف الصالح .
  4. اجتناب تدخّل الحكومة والحفاظ على حريّة العلم والفكر .
  5. إقامة مدارس وكتاتيب دينية عربية في شتى الأمكنة لنشر العلوم الدينية وإلحاقها بدار العلوم .

إن مدرسة ديوبند صدورًا عن هذه الأهداف والمنطلقات التي وَضَعَتْها نصب عينيها نفخت روح الإخلاص والعمل في المسلمين ، وأبقت على الكيان الإسلامي في الهند ، وخدمت علوم الكتاب والسنة خدمة مشكورة ، وخَرّجت نوابغ في فن الحديث ، والتفسير والفقه ، وعلوم الشريعة ، وصنعت رجالاً مطلوبين لدحض الأباطيل والبدع والخرافات ، والقيام بتبليغ العقيدة الصحيحة ، وأنجبت أبطالاً في كل من مجالات الكتابة والتأليف والتدريس ، والدعوة والتبليغ ، والصحافة والسياسة والوعظ والخطابة ، وقادت الشعب المسلم في شبه القارة الهندية هذه المدة الطويلة – عبر قرن ونصف قرن – عن جدارة واستحقاق ، وعن مقدرة وأهلية ، وفي توفيق أيّ توفيق ، قيادة دينية وعلمية ، وثقافية وفكرية ، وصارت رمز قوة الإسلام وشوكة الدين ، وعزّ المسلمين ، وانتصار الحق في هذه الديار التي تموج بالديانات ، وتتصارع فيها الثقافات ، وتتزاحم فيها الحضارات والدعوات ، والأفكار والأنظمة .

والوثنيةُ فيها ذاهبةٌ في أعماق التاريخ المجهولة ، و أوجدت رجالاً أكفاء تقتضيهم الساعةُ للصمود في وجهِ دولة الاستعمار الموطدة الأركان والشامخة البنيان ، التي كانت لا تغرب عنها الشمس ، والتي كانت قد قررت أن تثأر لصليبيتها الحاقدة من الإسلام في هذه البلاد ، مقابل الصفعة المذلة التي صَفَعَها بها صقرُ الإسلام وبطلُ حِطِّين صلاحُ الدين في الحرب الدائرة بين الإسلام والصليبية ، الصفعةِ التي كانت لا تزال هي وستظل من أجلها تشعر بألم مُمِضّ يحز في القلب ويشوك في النفس .

رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، وما بدّلوا تبديلاً ، رجالٌ حاولوا وسعَهم أن يتفقوا والمقياسَ الذي قاسَ به فقيهُ هذه الأمةِ الصحابيُّ الجليلُ عبدُ الله بنُ مسعودٍ رضي الله عنه خيارَ الإنسانية وخلاصةَ البشرية الذين اختارهم الله لصحبة نبيه الأعظم محمد صلى الله عليه وسلم : إنهم كانوا أبرّ الناس قلوبًا ، وأعمقهم علمًا ، وأقلَّهم تكلفًا .

رجالٌ شادوا بسلوكهم وعملهم وعلمهم منارةَ الإخلاص ، وكان الإيمانُ والاحتسابُ شعارَهم ودثارَهم ، أعرضوا عن الدنيا ومباهجها وتَفَادَوْا من المادية وإغراءاتها ، وتَسَامَوْا عن كلِّ ما يطمع فيه الطامعون ويتنافس فيه المتنافسون ، من سمعة زائفة ، وصيتٍ يطبق الآفاقَ ، وتَحَاشَوْا بكل حيلة عن أن يتسامع الناسُ بما يعملونه لذات الله وحده مخافَةَ أن ينهار بناءُ الإخلاصِ ، وكانوا يخافون أن يكون الرب الشكور قد عَجَّلَ لهم الجزاءَ في هذه الدنيا العاجلة .

كانوا – جلهم – في بساطة في المأكل والملبس والمظهر بحيث إذا رآهم المرءُ ظن أنهم بدوٌ لم يتحضّروا بعدُ ، وأميّون لا عهدَ لهم بالثقافة ، فيهم سذاجةُ المؤمن حقًّا الذي إذا رآه المرءُ بادئ ذي بدءٍ خاله مُغَفَّلاً لا يعرف الحياةَ ولا جرب الحلو والمرّ اللذين تنطوي عليهما الحياة .

ولقّنوا الناسَ درسَ القناعة والاكتفاء بالكفاف ، بعدما كانوا قد جعلوا حطام الدنيا كلّ شيء ، و وضعوا الوصول إلى وسائل مادية نصب أعينهم .

إذا رآهم المرء أيقن أن الدنيا ظل زائل ، ونعيم حائل ، يعيشون في الدنيا للآخرة ، ويعملون في العاجلة للباقية .

وفيما أن الناس يبكون «لقتلاهم» المتنوعين الذين فقدوهم من جاه عزّ عليهم ، أو مال تنكّر لهم ، أو ثقافة عصرية ينالون بها حظوة لدى الحكام الإنجليز ، أو معارف وآداب يرثون للقوم الحرمان منها . . إذًا كانوا (هؤلاء العلماء) لا يبكون إلا للإسلام وضياعه ، ويقولون بلسان الحال والمقال والفعال «ولكن حمزة لا بواكي له» .

لا أعرف في تأريخ الإسلام في الهند – وظلت غنيةً دائمًا بأبناء الإسلام الأوفياء المخلصين بعدد لا يحصيه إلا الله – أن مؤسسة تعليمة أُسست مثل جامعة ديوبند بدموع الإخلاص الزكية التي سكبها خلاصةُ عباد الله الصالحين في عصرهم في خلوات الليالي الهادئة . . وعُمِرَت جنباتُها بسجود وركوع ، وقيام وقعود ، وذكر وتلاوة ، وتسبيح وعبادة ، بالقدر الذي حظيت به هذه الجامعة ، وجمعت في رحابها مثلَ هذه الجامعة دائمًا عددًا وجيهًا من المخلصين المحتسبين يشعلون جمرةَ القلوب وينفخون روحَ الحياة في الضمائر ، إذا رآهم الإنسان ذكر الله ، وإذا جلس إليهم اتجه قلبه عفوًا إلى الله ، وإذا صاحبهم زهد في الدنيا ، ورغب في الآخرة .

التبرعات الشعبيّة هي موردها المالي الوحيد

وقد كانت المدارسُ الإسلاميةُ أو غيرُ الإسلامية على عهد الحكم الإسلامي في الهند ، تسير على حساب الحكومة توًّا ، أو ترصد لها الحكومةُ من العقارات والأوقاف والضيعات ما يكفيها ؛ ولكن بسقوط الحكم الإسلامي ورسوخ قدم الاستعمار البريطاني في أرض الهند ، قد تغيّر الوضع تمامًا ، ولم يَعُدْ أملٌ في هذه الموارد من أجل تسيير المدارس التي لا تُعَلِّم إلا الدينَ وعلومَ الشريعة ، ولم تنشأ إلا للإبقاء على الوجود الإسلامي على هذه الأرض التي بدأ فيه الاستعمارُ يُبَيِّض ويُفَرِّخ ويستهدف الكيانَ الإسلاميَّ رأسًا ، قبل أن يستهدف أيَّ ديانة فيها من المرونة والنعومة والميوعة ما يمكنها من الهبِّ حيثما هبَّت ريحُ الأوضاع والملابسات ؛ ولكن الإسلام كان ولا يزال وسيظلّ هو المُسْتَهْدَف الأولَ لكل نوع من قوى الإلحاد والاستعمار ، والمنظمات والحركات ، والدعوات والديانات .

أدرك المنشؤون لهذه الجامعة المباركة – وكانوا أولى ألمعيّة وفراسة ربانية – أن المدارس الدينية لابدّ أن تُؤَسَّس اليوم على ركيزة تبرعات يتبرّع بها الشعبُ المسلمُ مما كسبه من كدّ يمينه وعرق جبينه ، وكانت هذه الفكرةُ ذاتَ بُعْدٍ صحيحٍ صَدَّقَتْ صحتَه الأوضاعُ التي مَرَّ بها الشعبُ المسلمُ حتى بعد جلاء الاستعمار وتوزّع الهند بين دولتين : الهند وباكستان وقيام حكومة علمانية في الهند لا تنحاز دستوريًّا لديانة دون ديانة ، وإنما تقف من جميع الديانات موقفَ الحياد . ويحتم ذلك على كل أبناء ديانة أن يحتظفوا بها بدورهم ، ويتّخذوا التدابيرَ لتعليمها وتبليغها على حسابهم ، ولم يكن أمام المسلمين طريقٌ إلا طريق هاتي المدارس والجامعات التي وَضَعَ لبنتَها الأولى مُؤَسِّس جامعة «ديوبند» وليس لسيرها وبقائها طريق إلا طريق التبرع من الشعب المسلم الذي يريد البقاء على الإسلام مهما كَلَّف من الجهود وتَطَلَّبَ من الثمن والتضحية .

وقد تَجَلَّى وفاءُ هذا الشعب العجيب و ولاؤه الشديد للإسلام من خلال تقديم كل عون احتاجت إليه المدارسُ والجامعاتُ ، بصفتها معاقلَ إسلاميّةً وحيدةً .

حيث ابتـثَّت شبكتُها في أرجاء الهند ، وقد توجد في مدينة واحدة وقرية واحدة من القرى الجامعة عدةُ مدارسُ وكتاتيب تُعَلِّم الدينَ وعلومَ الإسلام ، وتُرَبَّى النشءَ المسلم على هدي الكتاب والسنة .

آلافُ المدارس والمعاهد تسير بتبرعات الشعب المسلم وحدَها ، ومن بينها بعض المدارس التي تبلغ مستوى أضخم جامعة عصريّة تسير على حساب الحكومة .

ولذلك فإن مؤسس جامعة ديوبند الإسلامية – وهي الجامعة الإسلاميّة الأم – لم يضع في اعتباره فيما يتّصل بالموارد المالية إلا تبرعات المسلمين ، وفَضَّلَ تبرعات الفقراء على تبرعات الأثرياء ، وتبرّعات الطبقة القليلة الدخل على الطبقة الكثيرة الدخل ؛ لأنه رأى أن الفقيرَ دخلُه الذي كسبه بعرقه أكثر نورًا وبركة من الثري الذي قد يرافق تبرعَه الرياءُ وحبُّ السمعة .

خدمات علماء دار العلوم/ ديوبند

والعلماء المتخرجون من دار العلوم / ديوبند يقومون بنشاطات متنوعة في الريادة الدينية والمجالات الاجتماعية والسياسية ، ويؤدون خدمات متعددة الجوانب كالتدريس ، والإفتاء ، والقضاء والدعوة والإرشاد ، والخطابة ، والإمامة ، والصحافة ، والتأليف ، والبحث العلمي ، والقيادة العامة .

كما يشتغل البعض بأعمال حرة أخرى كالتجارة والزراعة والصناعة ، ويمكن تلخيص بعض النواحي لخدمات علماء دار العلوم / ديوبند في سطور بما يلي :

  • نشروا الثقافة الإسلامية والعقيدة الصافية في بيئات المسلمين عن طريق التعليم والصحافة والتأليف والإرشاد .
  • أيقظوا المسلمين بعد ما كانوا في سبات عميق ، وأحدثوا فيهم الروح العلمية والغيرة الإسلامية وذكَّروهم بواجبهم و وظيفتهم في هذه الحياة .
  • عرّفوا الناس بتعاليم الإسلام الصحيحة الخالية من شوائب الوثنية والبدع والخرافات ، وزوّدوهم بالأفكار الإسلامية النيرة المغذية للقلوب المنعشة للعقول .
  • حضّوهم على التمسك بالدين النقي والقيام بالواجب وهجر العادات والتقاليد الجاهلية التي زينها لهم الشيطان .
  • أقاموا شبكة المدارس الإسلامية العربية وحوّلوها إلى قلاع منيعة يذودون بها عن حمى الإسلام ويحافظون على تراث الإسلام .
  • عارضوا الحملات الفكرية الصليبية وهجمات المستشرقين ودحّضوا شبهات المشككين حول الإسلام .
  • قاوموا كل دعوة هدّامة ملحدة وحركة طاغية ، كالقاديانية والبهائية وما شابهها .
  • استأصلوا البدع والخرافات التي قامت باسم الإسلام .
  • أبطلوا محاولة الاستعمار البريطاني لتلوين أفكار المسلمين وإبعادهم عن روح الدين و وضع موازين جديدة وقيم حديثة في نفوسهم .
  • كافحوا ضد الاستعمار حتى استخلصوا من براثنه الوطن ؛ فاستقلالُ الهند وتحرره من الاستعمار الإنجليزي يرجع فيه الفضل بشكل طليعيّ إلى جهود علماء ديوبند ومشايخهم .
  • اسْتَرْعَوْا انتباهَ المسلمين إلى قوله تعالى «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» ( البقرة / 143) وأثبتوا في أذهانهم أنهم أمة أُخْرِجَتْ للناس تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر .
  • ساهموا مساهمةً فعالة في كل دعوة وحركة ذات ملامح إسلامية قامت في العالم لخدمة الإسلام وصالح المسلمين .
  • أيّدوا القضايا الإسلامية والعربية التي ثارت في بلاد المسلمين أو في أقطار أخرى تأييدًا قوليًّا وعمليًّا بكل ما لديهم من الوسائل والإمكانيات ، ولا سيّما قضيّة فلسطين .
  • قاموا بالتأليف والترجمة والتحقيق والتحشية والتعليق في الموضوعات العلمية والدينية ، حتى اكتسب كثيرٌ منهم شهرةً عالميةً بخدماتهم في الحديث خاصةً والعلوم الأخرى عامة .
  • حرصوا دائمًا على التمسك الشديد بالكتاب والسنة ، وتَفَانَوا في نشر علومهما على المستويات كافّةً وفي شتى الميادين ، صامتين جادين مخلصين لله بعيدين عن التظاهر والتفاخر .

نظرة عُجْلَى على إنجازات دار العلوم/ ديوبند

ونظرةٌ عُجْلَى عَلى إنجازات دار العلوم / ديوبند تُبَيِّن أنّها لم تقتصر خدماتُها على نشر علوم الكتاب والسنة ، وإن كان ذلك واسطةَ العِقْد في خدماتها ؛ بل قامت – إلى ذلك – بدور طليعيّ في مجال الدفاع عن الدين بأوسع معانيه وأشمل دلالاته ، فبينما هي أقامت سدًّا منيعًا دون الهجمات المكثفة التي قامت بها الديانات الباطلة والحركات والدعوات الهدَّامة من الآريّة الهندوكيّة ، والشيعة والقاديانيّة وغيرها ، إذ هي طَهَّرَتِ المجتمع الإسلامي من التقاليد والخرافات والبدع التي تسرّبت إليه من جرّاء الجوار : جوار الهندوس الوثنيين ؛ حيث أخذ المسلمون – ولا سيّما الجهال – كثيرًا من عاداتهم في الآلام والأحلام ومناسبات الزواج والموت والتأبين .

إنّ كثيرًا من علماء دار العلوم / ديوبند تفرّغوا للكتابة والخِطابة في موضوع فتنة من هذه الفتن المشار إليها ، و وقفوا حياتَهم كلَّها على إنقاذ الأمّة من ويلاتها .

فالقاديانيّة التي زَرَعَها الاستعمارُ الإنجليزيّ تَفَرَّغَ لها كبارُ علماء ديوبند وعلى رأسهم العلاّمة المحدّث العبقري الشيخ محمد أنور شاه الكشميري رحمه الله (1292-1352هـ = 1875-1933م) وتلاميذه ، فأَلَّفُوا عشرات الكتب ، ولاحقوا علماءَها في الميدان ، ولم يقعدوا حتى أعلنت باكستانُ ورابطةُ العالم الإسلاميّ بمكة المكرمة بكفرها . ولا تزال دار العلوم / ديوبند تحاربها على جميع المستويات ، وقد أقامت في محيطها قسمًا مستقلاً باسم «قسم صيانة ختم النبوة» يلتحق به الطلاب المُتَخَرِّجُون في علوم الشريعة ، ويَتَأَهَّلُون لمحاربتها عن طريق الكتابة والتأليف ، والمناظرة في الميدان ، وإقامة مُخَيَّمات في شتى الأمكنة ، لتوعية المسلمين بأخطارها وأساليب خداعها واصطيادها للسذّج من المسلمين ولاسيّما الأميين .

كما قاومت دار العلوم البدعَ والخرافاتِ ، حتى امتازت بذلك واشتهرت ، وتَخَصَّصَ كثيرٌ من علمائها وتَفَرَّغُوا لملاحقة المبتدعين عن طريق التأليف والخطاب وبكل أسلوب من أساليب الإصلاح والتوعية ، حتى صارت دار العلوم / ديوبند مدرسةً مستقلّةً ، وصارت «الديوبندية» عنوانًا على محاربة البدع والتقاليد الخراقيّة التي لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة . وأَلَّفَ علماءُ ديوبند مئاتٍ من الكتب في هذا الموضوع .

وكذلك فتنةُ الشيعة تَصدَّى لها علماءُ ديوبند وأَلَّفُوا في هذا الموضوع كتبًا قيّمة ، كما كافحوا التقاليد التي رَوَّجَها الشيعة بين المسلمين ، وناظروا الشيعة في الحفلات العلنيّة ، وقد أبلى الإمام محمد قاسم النانوتوي مؤسسُ دار العلوم / ديوبند في ذلك بلاءً حسنًا ، وتلاه خلفاؤه وتلاميذه وعلماء ديوبند الآخرون ، وكان للشيخ عبد الشكور اللكنوي (1293-1381هـ = 1876-1962م) في ذلك القِدْحُ المُعَلَّى ، حيث قام بجهاد كبير ، وبذل جهودًا مضنية ، و وقف حياتَه على مكافحة التشيّع ، وأَلَّفَ عشرات الكتب ، منها تنبيهُ الحائرين ، والنصرة الغيبية ، وقاطعُ اللسان ، والقولُ المحكم ، والآيات المحكمات ، و”فحص بيوت قاتلي الحسين» وغير ذلك .

وكذلك قاومت دار العلوم كلَّ دعوة هدَّامة ، وفكرة متطرفة ؛ لأنها لازمت منذ اليوم الأوّل أسلوبَ الاعتدال والتوازن ، فتصادمت معها كلُّ نظرية متطرفة .

إن دار العلوم / ديوبند تحترم جميعَ السلف الصالحين والعلماء المجتهدين ، والأئمةَ من الفقهاء والمحدثين ، وإن كانت تُقَلِّد في المذهب الفقهيّ الإمامَ الأعظم أبا حنيفة رحمه الله تعالى ؛ ولكنها تحترم الأئمة الآخرين احترامَها للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى .

وهي لا تؤمن بالتسرّع إلى تكفير المسلمين وتبديعهم وتفسيقهم ، ما لم يقم دليل صريح لا يقبل تأويلاً على كفر أحد أو ابتداعه أو فسقه ؛ لأن ذلك قضيّة خطيرة فلا يجوز التسرُّع في ذلك ، كما يصنع كثير من طوائف المسلمين ومدارس الفكر المتنمية إلى الإسلام .

وإنّ دار العلوم رَكّزت جهودَها كذلك على نشر الدين الصحيح ، والدعوة إلى الله ، والرجوع بالمسلمين إلى الكتاب والسنة ، والاتيان بهم إلى المساجد ، وجعلهم يُصَحِّحُون صلتهم بالله ، ويؤمنون من جديد ، فنهض أحد علمائها وهو الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي رحمه الله (1303-1363هـ = 1885-1943م) فأسس «جماعة الدعوة والتبليغ» وحَرَّكَ وفود الدعوة وجعل عامَّة المسلمين يتصلون بالمساجد ، ويَطَّرِحُون على عتبة الله ، ويتعلّمون الدين بأسلوب سهل ، وحَوَّلها حركة دعوية كبرى عالميّة لا نظيرَ لها في العالم ، وبذلك أَوْجَدَ طرِيقَ التواصل بين المسلمين في العالم لأوّل مرة ، وتَعَرَّف المسلمون على إخوانهم في الدنيا ، وعَلِمُوا بقضاياهم ومشكلاتهم ، وعَمِلُوا على المساهمة في مشاركة الأحلام والآلام ، وأيقنوا أنهم إخوةٌ متحابّون في الله لا فضل لعربيّ على عجميّ ولا لأسودَ على أحمرَ .

وذلك كلُّه بفضل الله وحده ، الذي يخلق لكل عمل رجالاً ، ويقيض لكل قضية من يَتَصَدَّى للعمل على حلّها .

هذا ،وإنّ دار العلوم / ديوبند لا تزال على مستوى الشعور بالمسؤوليّة ، فهي تعيش على اتّصال دائم بالشعب المسلم الهنديّ ، ويُوَجِّهه في قضاياه ومشكلاته ، وتوجد لها حلاًّ في حدود مستطاعها ، وتزيل كلَّ عائق يعترض سبيلَ العمل بالدين والشريعة في البلاد التي تمسّكت بالعلمانيّة بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني ، فمنذ سنوات طويلة أقدمت على تأسيس هيئة لعموم الهند باسم «هيئة الأحوال الشخصية لمسلمي عموم الهند» عندما رأت أنه كثر التطاولُ من قبل المتطرفين الهندوس على قانون الأحوال الشخصيّة وبدأوا يزروعون حواجزَ في سبيل العمل بكثير من أحكام الدين وعيش المسلمين بهويتهم الإسلاميّة . وهي اليوم أكبرُ وأقوى مَنَصَّةٍ إسلاميّة متحدة للشعب المسلم الهندي ، ينضمّ إلى عضويتها ممثلون عن جميع مدارس الفكر الإسلامي وطوائف المسلمين في الهند ، وهي فعّالة سباقة إلى حلّ كل مشكلة يتعرض لها الشعب المسلم الهندي فيما يتعلق بدينه وعقيدته وشريعته .

وإذا كان لعلماء ديوبند الدورُ القياديُّ في مُحَارَبة الاستعمار الإنجليزيّ وتحرير الهند ، فإنّ لهم اليوم أيضًا مساهمةً فعالةً في القيادة السياسيّة للبلاد ، فالحكومات المتعاقبة في الهند بعد الاستقلال ظلّت تقيم لقيادتهم السياسيّة وزنًا خاصًّا ، وظلّت كلمتُهم مسموعةً في المحافل الحكوميّة فيما يتعلق بقضايا الشعب المسلم الهنديّ .

وإلى ذلك كلّه وغيره ، أَلَّفَ علماءُ ديوبند في شتّى الموضوعات الإسلاميّة الأساسيّة وغير الأساسيّة ، وفي موضوعات الدفاع عن الدين ، من الكتب ما كَوَّن مكتبةً غنيّةً منقطعة النظير ، وهي باللغة العربيّة والأرديّة والفارسيّة ، ولو تمّ نقلها إلى اللغات الحيّة العالميّة لدُهِشَ العالم كلُّه من علمهم الغزير ، وفكرهم الثاقب ، وذكائهم العجيب ، وعبقريتهم الفريدة ، كما احتار من إخلاصهم الذي ضمن لدار العلوم ديوبند هذه الشعبيّة والمحبوبيّة اللتين لا يوجد نظيرهما بالنسبة لأيِّ دارِ علمٍ في الدنيا كلّها .