بقلم: الأستاذ محمد الفايز – الكويت
سأحكي لكم قصة يقتدى
بها عن زمان قديم مضى
زمان به الناس مثل السوام
تنام وتصحو بأم القرى
ج
إلههم حجر بالمزاد
يباع ببخس كما يشترى
وليس بمكة من يرعوي
عن الغي أو كاشف للعمى
ج
تشد العقول بأوتادها
ويسرح في اللهو أهل النهى
وتشهق قافية من هوان
بسوق عكاظ وما قد حوى
وعود حزين إلى قينة
وعشاقها في ليالي الهوى
تغني لمجد ملوك القيان
بليل الندامى ورشف اللمى
وفي الغار قد وكنت نجمة
وأوراق فجر عظيم البها
به يبدأ الدهر من أول…
وفي الفكر يسهل ما يعتصى
به تفهم الأرض حكم السما
ويفهم ما في السما من سها
هو العقل أعظم ما ينطوي
عليه الوجود وما قد حوى
وفي الغار زيتونة عرشت
ليأوي إليها التقى والهدى
وفي الغار تسبيحة الكائنات
ويقظتها من هزيع الكرى
بنى العنكبوت به عشه
ليهدم قصرا لمن قد طغى
هناك تجلت إلى العالمين
خفايا الحياة وسر البقا
وربة عوسجة في الفلا
حوت ألف سر بعيد المدى
تجل السماء بأن يرتقى
لأقمارها عنكب قد قعى
وأن تخضع الأرض مهما يطل
ظلام السنين لأهل الهوى
فلم تشرق الشمس كي يستضئ
عليها أبو لهب في منى
ولم ترتفع نجمة في السما
ليسري عليها لصوص الدجى
جج
فكل له دورة في الوجود
كأن الفناء وريث البقا
وقالو له: أين مأوى الذي
تراه وتزعم أن لا نرى
فقال لهم: ملء هذا الزمان
وملء المكان وملء الرؤى
أراه. ولكنني لا أراه
ويسري بعرقي مسرى الدما
وقالوا له: خل عنك الخيال
وأحلام معتزل ما ارعوى
فقال لهم: ليتكم تفهمون
ويا ليتكم تسمعون الهدى
وقالوا له: أنت ذو جنة
تخبط في ليلها وانزوى
فكيف نصدق ما يدعى
خيالك هذا البعيد المدى
فقال لهم: لست ذا جنة
ولكنني ملهم قد سما
ولا أكذبنكم أنه
رأى من تعسفهم ما رأى
وكانت رسالته كالضياء
بتلك الزوايا وتلك الهوى
وكانت رسالته كالحياة
ومثل الدواء ومثل الغذا
ففيها الرغيف إلى الجائعين
وفيها الملاذ وفيها الذرى
وفيها الطريق إلى التائهين
بصحراء مكة حيث العرا
ج
وما هي إلا مرور الغمام
وغمضة جفن وطيف سرى
وتهويمة الفجر في خاطر
تخامره خطوات الكرى
أتاهم مشعا كدفق السنا
فتى يعربي سريع الخطى
وأوقد في ليلهم نجمة
إلى الآن في هديها يهتدى
وفي الأرض روح الإله العظيم
وروح الحياة وكل القوى
تتابع موكب هذا الزمان
وتدرى بأي الشواطي رسا
وليس العظيم الذي من يقيم
كيانا ويترك كهفا سجا
ولكنه من يهز الحياة
بأعظم ما في القوى من قوى
ويهوي بمعوله هادما
ويبني جديدا إذا ما انتهى
مجلة الداعي، المحرم – صفر 1445هـ = يوليو – سبتمبر 2023م، العدد: 1-2، السنة: 48