شرع الله تعالى الشرائع والأحكام، و وضع لها أهدافًا نبيلةً وأغراضًا ساميةً، يحققها المسلم إذا قام بها، وأداها حق أدائها. فمن هذه الشرائع والأحكام حج بيت الله تعالى، الذي يدخل في العبادات المالية والبدنية معًا؛ فإن المرء يضحي بماله، وبنفسه ووقته في سبيل الحج، ويفارق أهله وأحبته وذويه. كما أنه يشكل أعظم تجمع إسلامي، وأكبر مهرجان للأمة الإسلامية التي تتجمع على أرض واحدة من شرق الأرض وغربها، وشمالها وجنوبها، في لباس مماثل، يحملون أولادهم وأزوادهم، ويقطعون مسافات تقدر بالآلاف من الأميال، شعثًا غبرًا، وعلى ألسنتهم كلمة واحدة: لبيك، اللهم لبيك….
ونبَّهت عدد من آيات القرآن على أهداف الحج وغاياته السامية. فيقول الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿وَأَذِّن فِي ٱلنَّاسِ بِٱلۡحَجِّ يَأۡتُوكَ رِجَالٗا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٖ يَأۡتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٖ ٢٧ لِّيَشۡهَدُواْ مَنَٰفِعَ لَهُمۡ وَيَذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ فِيٓ أَيَّامٖ مَّعۡلُومَٰتٍ عَلَىٰ مَا رَزَقَهُم مِّنۢ بَهِيمَةِ ٱلۡأَنۡعَٰمِۖ فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡبَآئِسَ ٱلۡفَقِيرَ﴾ [الحج:27-28]. وأهم هذه المنافع ما وعده الله تعالى على لسان نبيه إبراهم عليه السلام، ثم أعظم ذلك كله تجمع الأمة الإسلامية على صعيد واحد، فيستفيد بعضهم من بعض ما يكمل به إيمانهم، ويقوى به يقينهم. ويحسون كأن قد حل عنهم قيد الزمان والمكان، واجتمع فيه الزمان كله والمكان كله، فالهند هنا، والسند والعراق، وفارس، والروم و إفريقية، والمغرب الأقصى والأدنى هنا، فيشعرون بأن موطنهم الحق هنا، لا البلد الذي شهد ولادتهم، ومدارج صباهم، وملاعب طفولتهم.
والمنافع التي ينالها الحاج في الحج أنواع متنوعة، و وجوه مختلفة: منافع دينية ومنافع دنيوية، فالحج مؤتمر عالمي، وموسم عبادة وتجارة، وموعد اجتماع وتلاقٍ وتعارفٍ، وتعاون وتناغم وتنسيق. والحج فريضة يجتمع فيها الدين والدنيا، ويلاقي فيها ذكريات الماضي القريب والبعيد، ويتوافد إليه أصحاب الأعمال والتجارات، فيجدون لبضاعتهم سوقًا قائمة، سوقًا يجبى إليها ثمرات كل شيء، من أقصى الأرض وأدناها، ويتقاطر إليها الحجيج من كل بلد وقطر، يحملون إليها من خيرات بلادهم ونتاجهم ما تفرق في أرجاء العالم، وفي الأراضي المختلفة. يقول الله تعالى: ﴿لَيۡسَ عَلَيۡكُمۡ جُنَاحٌ أَن تَبۡتَغُواْ فَضۡلٗا مِّن رَّبِّكُمۡۚ فَإِذَآ أَفَضۡتُم مِّنۡ عَرَفَٰتٖ فَٱذۡكُرُواْ ٱللَّهَ عِندَ ٱلۡمَشۡعَرِ ٱلۡحَرَامِۖ وَٱذۡكُرُوهُ كَمَا هَدَىٰكُمۡ وَإِن كُنتُم مِّن قَبۡلِهِۦ لَمِنَ ٱلضَّآلِّينَ﴾ [البقرة:198].
فالحج موسم تجارة، ومعرض نتاج العالم بنوعيه الطبيعي والصناعي. وقبل ذلك كله الحج موسم عبادة تتزكى فيه النفوس، وتطهر فيه القلوب، ويزداد الحاج فيه شعورا بالقرب إلى الله تعالى، وصفاء لروحه.
فالمنافع تشمل النوعين: المنافع الدنيوية والمنافع الدينية. ومن الأول ما يصيبونه من البدن و الذبائح، قال تعالى: ﴿وَٱلۡبُدۡنَ جَعَلۡنَٰهَا لَكُم مِّن شَعَـٰٓئِرِ ٱللَّهِ لَكُمۡ فِيهَا خَيۡرٞۖ فَٱذۡكُرُواْ ٱسۡمَ ٱللَّهِ عَلَيۡهَا صَوَآفَّۖ فَإِذَا وَجَبَتۡ جُنُوبُهَا فَكُلُواْ مِنۡهَا وَأَطۡعِمُواْ ٱلۡقَانِعَ وَٱلۡمُعۡتَرَّۚ كَذَٰلِكَ سَخَّرۡنَٰهَا لَكُمۡ لَعَلَّكُمۡ تَشۡكُرُونَ﴾ [الحج:36]. وقال تعالى: ﴿لَكُمۡ فِيهَا مَنَٰفِعُ إِلَىٰٓ أَجَلٖ مُّسَمّٗى ثُمَّ مَحِلُّهَآ إِلَى ٱلۡبَيۡتِ ٱلۡعَتِيقِ﴾ [الحج: 33].
وأما المنافع الدينية فلاتكاد تحصى، وأعظمها وأجلها: غفران الذنوب؛ فإنه يعود كيوم ولدته أمه، نقيًّا طاهرًا من الذنوب، إذا ما اتقى الله تعالى وخافه في حجه، فامتثل أوامره، واجتنب نواهيه. عن أبي هريرة، قال: قال رسول الله ﷺ: «من أتى هذا البيت، فلم يرفث، ولم يفسق، رجع كما ولدته أمه»[صحيح مسلم:1350]. [التحرير] (تحريرًا في الساعة التاسعة إلا الربع من الليلة المتخللة بين يومي الجمعة والسبت:21-22 /شوال 1444هـ=12-13/مايو2023م)
مجلة الداعي، ذوالحجة 1444هـ = يونيو – يوليو 2023م، العدد: 12، السنة: 47