بقلم: العلامة الشيخ شبير أحمد العثماني رحمه الله (1305-1369هـ/1887-1949م)
تعريب: أبو عائض القاسمي المباركفوري(*)
قُلۡ يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ لَا تَغۡلُواْ فِي دِينِكُمۡ غَيۡرَ ٱلۡحَقِّ وَلَا تَتَّبِعُوٓاْ أَهۡوَآءَ قَوۡمٖ قَدۡ ضَلُّواْ مِن قَبۡلُ وَأَضَلُّواْ كَثِيرٗا وَضَلُّواْ عَن سَوَآءِ ٱلسَّبِيلِ ٧٧
الغلو في العقيدة هو أنهم اتخذوا بشرًا مولودًا إلهًا. والغلو في العمل هو ما يسمى بالرهبانية (وَرَهۡبَانِيَّةً ٱبۡتَدَعُوهَا مَا كَتَبۡنَٰهَا عَلَيۡهِمۡ) [الحديد:27). وما ذُكِرَ من قبائح اليهود يتجلى منه أنهم كانوا لايقيمون للدين والديانة وزنا؛ لأنهم كانوا غارقين في حب الدنيا حتى صار النيل من الأنبياء عليهم السلام وازدراؤهم وقتلهم شعارًا وديدنًا لهم. وأما النصارى فقد غلوا في تعظيم الأنبياء غلوًّا جعلهم يعتبرون بعضهم إلهًا أو ابن الله، وتخلوا عن الدنيا واختاروا الرهبانية.
فائدة: أي أن هذه العقيدة الشركية ليس لها وجود في أصل الإنجيل وغيره من الكتب السماوية، وإنما اخترعها بولس فيما بعدُ اقتفاءً لآثار اليونانيين من عبدة الأصنام. وساروا عليه جميعًا. ولايليق بعاقل أن يرجو التخلص من مثل هذا التقليد الأعمى.
لُعِنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ مِنۢ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُۥدَ وَعِيسَى ٱبۡنِ مَرۡيَمَۚ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعۡتَدُونَ ٧٨
ورغم أن الكتب السماوية كلها لعنت الكفرة، إلا أن كفرة بني إسرائيل-لما غلوا في العصيان والتمرد بحيث لم يكن يرعوي الجاني عن جرائمه، ولا كان غير الجاني ينهى الجاني عنها؛ بل صاروا على قلب رجلٍ واحدٍ، و يؤاكل بعضهم بعضًا ويشارب بعضهم بعضا بكل بساطة، ولاكانوا يعبسون للضالعين في الفواحش و المنكرات، ولايقطبون في وجوههم، لعنهم الله تعالى على لسان داود وعيسى ابن مريم. كما أنهم تجاوزوا في التجرؤ على المعاصي، وكذلك جاءت هذه اللعنة على ألسنة الأنبياء مهلكةً لهم بصورة غير عادية. ولعل مسخ كثير منهم إلى القرد والخنازير ظاهرًا وباطنًا مرده إلى هذه اللعنة. وتوسع نطاقُ مسخهم باطنًا حتى تجد كثيرًا منهم يُعرضون عن المسلمين – الذين يؤمنون بجميع الكتب السماوية، ويصدقون جميع الأنبياء عليهم السلام ويعظمونهم- ويتولون من دون المؤمنين مشركي مكة الذين هم عبدة الأصنام ومنكرو النبوة وغيرها وجهلة على الإطلاق. ولو أن أهل الكتاب هؤلاء آمنوا حقًّا بالله تعالى، وبالنبي وبالوحي الإلهي، لم يَسَعْهم أن يوالوا عبدة الأصنام من دون القوم الذين يؤمنون بهذا كله؟ وقلة الشعور، وسوء المذاق، والفرار من عباد الله تعالى إلى موالاة عبدة الأصنام، ليس كل ذلك إلا من تداعيات هذه اللعنة التي أبعدتهم من رحمة الله تعالى الواسعة كل البعد.
ساقت الآيات الماضية كفرهم وجريمتهم السابقة، والتحذيرَ من الغلو في الدين وتقليدهم الأعمى، ليتوب هؤلاء الملعونون من فعلاتهم، ويحاولوا السير على طريق الصدق والصواب. وهذا الشطر من السورة ينبه على حالهم الحاضرة، في إشارة إلى أن اللعنة التي وقعت عليهم على لسان داود والمسيح عليهما السلام لازالت آثارها باقية قائمة. فالاشمئزاز من أهل الله والعارفين وعداؤهم، وحب المشركين الجهلة كل ذلك دليل بين على أن قلوبهم قد مُسخت كل المسخ من جراء اللعنة الإلهية عليها. فإن لم يتداركوا حالهم، ولم يرجعوا إلى الحق؛ فإنهم يتعرضون للعنة شديدة يلعنها الله تعالى على لسان سيد الأنبياء وخاتم الرسل ﷺ.
كَانُواْ لَا يَتَنَاهَوۡنَ عَن مُّنكَرٖ فَعَلُوهُۚ لَبِئۡسَ مَا كَانُواْ يَفۡعَلُونَ ٧٩
وقوله: (لَا يَتَنَاهَوْنَ) يحتمل معنيين:
(1) لايمتنعون، كما في روح المعاني.
(2) لاينهى بعضهم عن بعض، كما هو المشهور، فإن المنكر إذا شاع في قوم، ولم ينه بعضهم بعضا، لم يؤمنْ نزول العذاب العام.
تَرَىٰ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ يَتَوَلَّوۡنَ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْۚ لَبِئۡسَ مَا قَدَّمَتۡ لَهُمۡ أَنفُسُهُمۡ أَن سَخِطَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمۡ وَفِي ٱلۡعَذَابِ هُمۡ خَٰلِدُونَ ٨٠
المراد بـــ(الَّذِيْنَ كَفَرُوْا) المشركون. وماصدق هذه الآيات يهود المدينة، الذين استعدوا لقتال المسلمين بالممالأة مع كفار مكة.
فائدة: أي ما يقدمونه من الأعمال للآخرة قبل موتهم، مما يجعلهم يستحقون غضب الله تعالى وعذابه الأبدي.
وَلَوۡ كَانُواْ يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلنَّبِيِّ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيۡهِ مَا ٱتَّخَذُوهُمۡ أَوۡلِيَآءَ وَلَٰكِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ٨١
حمل بعض المفسرين (النَّبِيِّ) على موسى عليه السلام، وحمله بعضهم على محمد ﷺ. والمعنى: لوكان هؤلاء اليهود حقًّا يوقنون بصدق موسى عليه السلام وتوجيهاته لم يكن لهم أن يتخذوا من دون نبي آخر الزمان-الذي بشر به موسى عليه السلام- هؤلاء المشركين، أو المعنى: لو آمنوا مخلصين بالنبي محمد ﷺ لم يصدر منهم هذه الفعلات من المؤامرة مع المشركين. وعلى هذا التقدير الثاني تنظر الآية الكريمة إلى المنافقين من اليهود.
فائدة: قد بلغ بهم معصية الله تعالى ومعصية الرسول الذي اعترفوا به- أن عادوا يؤثرون المشركين على أهل التوحيد. ويا للأسف، قد بلغ بكثير منا – نحن أدعياء الإسلام-الأمرُ أننا نتخذ الكفار أولياء، ونقوم بجانبهم وندافع عنهم من دون المؤمنين. اللهم احْفَظْنَا مِنْ شُرُوْرِ اَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ اَعْمَالِنَا.
لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ ٱلنَّاسِ عَدَٰوَةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلۡيَهُودَ وَٱلَّذِينَ أَشۡرَكُواْۖ وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُم مَّوَدَّةٗ لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱلَّذِينَ قَالُوٓاْ إِنَّا نَصَٰرَىٰۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانٗا وَأَنَّهُمۡ لَا يَسۡتَكۡبِرُونَ ٨٢ وَإِذَا سَمِعُواْ مَآ أُنزِلَ إِلَى ٱلرَّسُولِ تَرَىٰٓ أَعۡيُنَهُمۡ تَفِيضُ مِنَ ٱلدَّمۡعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ ٱلۡحَقِّۖ يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَٱكۡتُبۡنَا مَعَ ٱلشَّـٰهِدِينَ ٨٣ وَمَا لَنَا لَا نُؤۡمِنُ بِٱللَّهِ وَمَا جَآءَنَا مِنَ ٱلۡحَقِّ وَنَطۡمَعُ أَن يُدۡخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلصَّـٰلِحِينَ ٨٤ فَأَثَٰبَهُمُ ٱللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ جَزَآءُ ٱلۡمُحۡسِنِينَ ٨٥ وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ وَكَذَّبُواْ بِـَٔايَٰتِنَآ أُوْلَـٰٓئِكَ أَصۡحَٰبُ ٱلۡجَحِيمِ ٨٦
أفادت هذه الآيات أن موالاة اليهود للمشركين لاترجع إلا إلى عداء المسلمين وبغضهم. والأمم التي واجههم الرسول ﷺ كان المشركون واليهود أشدها – على الترتيب- عداء للمسلمين. وأذى مشركي مكة أظهر من الشمس في رائعة النهار. وأما اليهود الملعونون فلم يقصروا في ممارسة أفظع وأشنع الفعلات. فقد حاولوا قتل الرسول ﷺ بإلقاء صخرة عليه على غرة، وسعوا في تسميم طعامه، وسحروه، فواصلوا استحقاق غضب الله على غضب، واللعنة تلو الأخرى. وبإزاء ذلك كان النصارى رغم كفرهم وحسدهم للإسلام، ولايقر لهم عين على مايرون من رقي المسلمين وازدهارهم، إلا أن استعداد قبول الحق كان أكثر فيهم من غيرهم من الأحزاب. وكانت قلوبهم أسرع ميلًا إلى الإسلام وحب المسلمين من غيرهم. ويرجع ذلك إلى أن النصارى كان يسودهم علم الدين حينئذ أكثر من غيرهم من الأمم، وكان كثير منهم من زهد في الدنيا وترهب على الطريقة السائدة فيهم. ورقة القلب والتواضع من خاصة صفاتهم، والأمة التي تكثر فيها هذه الخصال تؤدي بها حتمًا إلى أن تحمل مادة قبول الحق وسلوك الطريق السوي أكثر من غيرها من الأمم؛ لأن قبول الحق لايحول دونه في العادة إلا ثلاث خصال: الجهل، وحب الدنيا أو الحسد ونحوه. و يقلل وجودُ القسسين في النصارى من الجهل، وكثرةُ الرهبان تقلل من حب الدنيا، ورقةُ القلب والتواضع مما يقلل من الكبر والنخوة ونحوهما. فموقف قيصر الروم، ومقوقس مصر، ونجاشي الحبشة من كتاب محمد ﷺ يشهد بأن النصارى كانوا يحملون كفاءة قبول الحق ومودة المسلمين أكثر من غيرهم من الأمم. وحين ضاقت جماعة من الصحابة ذرعًا من اضطهاد المشركين وظلمهم وهاجرت إلى الحبشة، ولم يمل المشركون البلوغَ بدعاياتهم حتى إلى بلاط ملك الحبشة، وطلب الملك المسلمين ذات يوم، ووجه إليهم بعض الأسئلة، وسألهم عن عقيدتهم في عيسى عليه السلام أيضًا، فتلا عليهم جعفر رضي الله عنه سورة مريم، وكشف عن عقيدة الإسلام بكل وضوح، فتفاعل الملك كثيرا معهم، وأقر بأن ما ذكره القرآن الكريم من العقيدة في عيسى هو الصحيح الصواب من غير شطط ولا وكس. واعترف بأن النبي ﷺ هو نبي آخر الزمان كما بشرته به الكتب السابقة. وله قصة طويلة. وبالتالي وجَّه وفدًا قوامه سبعون من أحداث الإسلام من النصارى بعد الهجرة إلى النبي ﷺ. فلما بلغوا المدينة وتمتعوا بسماع القرآن الكريم أجهشوا بالبكاء، وفاضت عيونهم بالدمع، وانطلقت ألسنتهم بـ (رَبَّنَا آمنَّا) الآية.
وهذه الآيات تتحدث عن هذه الجماعة، وليس فيه إخبار أن موقف النصارى واليهود والمشركين من الإسلام والمسلمين سيستمر على مثله إلى يوم القيامة. فالذين يسمون أنفسهم نصارى اليوم كم منهم قسيسون ورهبان، ومتواضعون، يسمعون آيات الله تعالى فتذرف عيونهم الدموع؟ فإذا كان (أقربهم مودة) معلولا بـ(ذٰلِكَ بِاَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيْسِيْنَ وَرُهْبَانًا وَّاَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُوْنَ) [المائدة:82]، وهذه العلة متلاشية فأنى يتحقق المعلول وهو قرب المودة؟ وعلى كلٍ ما وصِفَ به النصارى واليهود والمشركون المعاصرون للنبي ﷺ من الصفات، نحكم عليهم بمودة الإسلام والمسلمين أو عداوتهم نظرا إلى الوقت والمكان والقدر التي تتحقق هذه الصفات فيها.
يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ لَا تُحَرِّمُواْ طَيِّبَٰتِ مَآ أَحَلَّ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَعۡتَدُوٓاْۚ إِنَّ ٱللَّهَ لَا يُحِبُّ ٱلۡمُعۡتَدِينَ ٨٧ وَكُلُواْ مِمَّا رَزَقَكُمُ ٱللَّهُ حَلَٰلٗا طَيِّبٗاۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِيٓ أَنتُم بِهِۦ مُؤۡمِنُونَ ٨٨ أول السورة أكدت على إيفاء العهود ثم بينت الحلال والحرام، وتخلل ذلك مَعَانٍ أخرى مفيدة حسب المناسبات الخاصة التي أشرنا إليها، والحديث جرّ إلى الحديث، وأكمل المعاني الاستطرادية كلها ثم عاد إلى أصل الموضوع ابتداء من الركوع الأول من هذا الجزء. وما أروع أن مضمون هذا الركوع؛ فإنه على الارتباط الكامل بما سبق في الركوع المتصل بهذا الركوع، فإن ما جاء ذكره من فضائح اليهود والنصارى في الركوع السابق يتلخص لمن يدركها إلى أمرين: انهماك اليهود في ملذات الدنيا وشهواتها، وأكل الحرام مما تسبب في تقصيرهم في الدين. وغلو النصارى وتفريطهم في الدين مما أدى بهم إلى الرهبانية وغيرها. ولاشك أن الرهبانية التي تستحق أن نطلق عليها «كوليرا التدين أو الروحانية» كانت محمودة بالنظر إلى النية وأصل الداعي إليها في الجملة، ولذلك ساق قوله: (ذٰلِكَ بِاَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيْسِيْنَ وَرُهْبَانًا وَّاَنَّهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُوْنَ) [المائدة:82] في معرض الثناء والمدح من وجه من الوجوه؛ ولكن لما كان مثل هذا التجرد والزهد في الدنيا مما يحول دون الهدف الأعظم والقانون الإلهي، الذي راعاه خالق الكون في خلق العالم فالدين العالمي الذي جاء كفيلًا أبديًّا لفلاح الدارين وإصلاح المعاش والمعاد لجميع بني البشرية كان لابد أن ينتقد بشدة هذه الوجوه المبتدعَة من العبادة. ولايسع كتابًا من الكتب السماوية أن يأتي بتوجيه جامع شامل معتدل يخص جميع نواحي الرقي الإنساني، ما قدمه هاتان الآيتان. فقد حذر الله تعالى المسلمين في هذه الآيات تحذيرًا واضحًا من أن يحرموا على أنفسهم عقيدةً أو عملًا ما لذَّ وحلَّ وطاب؛ بل رغَّبهم في التمتع بما خلق الله تعالى من النعم المباحة الطيبة إلا أنه قيده بشرطين إيجابي وسلبي: الأول: عدم الاعتداء أي عدم تجاوز الحد. و الثاني: اتقاء الله تعالى. والاعتداء يحتمل وجهين: أن يعاملوا الحلال معاملة الحرام، ويقعوا في الرهبانية شأن النصارى، أو يعتدوا في التمتع باللذائذ والطيبات فينهمكوا في اللذات والشهوات حتى يجعلوا الدنيا أكبر همهم شأن اليهود. والحاصل: يجب أن يسلكوا طريقا وسطًا بين الغلو والجفاء، وبين الإفراط والتفريط. فلايسمح بالإكباب على لذائذ الدنيا، ولاالتخلي عن المباحات والطيبات انطلاقًا من الرهبانية. وإنما قيدنا بـ(انطلاقًا من الرهبانية) لأنه لايمنع الحذر من بعض المباحات في بعض الأوقات لعلاج بدني أو نفسي بصورة موقتة. كما أن المسلمين مأمورون بالتقوى أي اجتناب الممنوعات خوفًا من الله تعالى. وتشهد التجارب أن استعمال بعض المباحات يؤدي أحيانًا إلى ارتكاب الحرام أو الممنوع. فلو ترك البعض هذه المباحات-لا على سبيل العهد واليمين أو التقرب إلى الله- بل على سبيل الحذر والحيطة مع اعتقاد إباحته لم يدخل ذلك في الرهبانية؛ بل هو ورع وتقوى. وفي الحديث: «لا يبلغ العبد أن يکون من المتقين حتّى يَدَعَ مَالَا بَاسَ به حذرا مما به بأس». (رواه الترمذي). والحاصل أنه يجوز للمرء أن يستفيد من جميع أنواع الطيبات مع مراعاة ترك الاعتداء واختيار تقوى الله تعالى. والرقي في جميع نواحي الحياة مفتوح أبوابه.
(*) أستاذ الحديث والأدب العربي بالجامعة.
مجلة الداعي، ذوالحجة 1444هـ = يونيو – يوليو 2023م، العدد: 12، السنة: 47