دراسة تحليلية أصولية

إعداد: د/إبراهيم محمد موسى محمد(*)

مقدمة:

         الاجتهاد بالرأي من أنواع الاجتهاد الذي لا نص فيه، وظهر هذا المصطلح في عصر الإمام أبي حنيفة، وهو أحد الأئمة الأربعة والذي اشتهر بالاجتهاد بالرأي، وذلك من كثرة اجتهاده من هذا النوع، وأن الاجتهاد بالرأي حاصل في زمن الصحابة؛ بل كانوا يجتهدون بكل أنواع الاجتهاد في حياة النبي ﷺ وبعد وفاته، ومن أشهر المجتهدين بالرأي من الصحابة رضي الله عنهم عمر بن الخطاب وعائشة وعلي بن أبي طالب وغيرهم.

         وعليه فإن الاجتهاد بالرأي مشروع في الشريعة الإسلامية بل أمر الله سبحاته وتعالى بإعمال العقل والاجتهاد في قوله تعالى: ﴿فَٱعۡتَبِرُواْ ‌يَـٰٓأُوْلِي ‌ٱلۡأَبۡصَٰرِ﴾ (سورة الحشر:2)

         وأما عن مشروعية الاجتهاد فوردت آيات كثيرة منها: قوله تعالى: ﴿وَمَا ‌كَانَ ‌ٱلۡمُؤۡمِنُونَ ‌لِيَنفِرُواْ كَآفَّةٗۚ فَلَوۡلَا نَفَرَ مِن كُلِّ فِرۡقَةٖ مِّنۡهُمۡ طَآئِفَةٞ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي ٱلدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوۡمَهُمۡ إِذَا رَجَعُوٓاْ إِلَيۡهِمۡ لَعَلَّهُمۡ يَحۡذَرُونَ﴾ (سورة التوبة:122).

         وقوله سبحانه: ﴿وَإِذَا ‌جَآءَهُمۡ ‌أَمۡرٞ ‌مِّنَ ٱلۡأَمۡنِ أَوِ ٱلۡخَوۡفِ أَذَاعُواْ بِهِۦۖ وَلَوۡ رَدُّوهُ إِلَى ٱلرَّسُولِ وَإِلَىٰٓ أُوْلِي ٱلۡأَمۡرِ مِنۡهُمۡ لَعَلِمَهُ ٱلَّذِينَ يَسۡتَنۢبِطُونَهُۥ مِنۡهُمۡۗ وَلَوۡلَا فَضۡلُ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ وَرَحۡمَتُهُۥ لَٱتَّبَعۡتُمُ ٱلشَّيۡطَٰنَ إِلَّا قَلِيلٗا﴾ (سورة النساء:83).

         وقوله عليه الصلاة والسلام عن عمرو بن العاص – رضي الله عنه – أنه سمع رسول الله -ﷺ- يقول: «إِذَا حَكَمَ الحَاكِمُ فَاجْتَهَدَ ثم أَصابَ فله أَجْرَان، وإِذا حَكَمَ فَاجْتَهَدَ ثم أَخْطَأَ فله أَجْرٌ». وهذا دعوة لعدم تعطيل الاجتهاد في أي عصر من العصور؛ لأن لكل عصر متغيراته ومستجداته والتي تختلف عن غيرها، لذا فإن الاجتهاد بالرأي بضوابطه وشروطه ضرورة من ضرورات عصرنا الحديث.

تعريف الاجتهاد لغة واصطلاحًا

أولاً: تعريف الاجتهاد لغةً:

         الاجتهاد افتعال من الجهد(1)، (الجيم والهاء والدال أصله المشقَّة، ثم يحمل عليه ما يقاربه، يقال: جهدت نفسي واجتهدت، والجهد: الطاقة)(2). (الجهد بالضم في الحجاز، وبالفتح غيرهم: الوسع والطاقة، وقيل: المضموم الطاقة، والمفتوح المشقة، والجهد بالفتح لا غير: النهاية والغاية، وهو مصدر من: جَهَد في الأمر جهدًا، من باب نفع: إذا طلب حتى بلغ غايته في الطلب… واجتهد في الأمر: بذل وسعه وطاقته في طلبه ليبلغ مجهوده ويصل إلى نهايته)(3).

         والتاء في (اجتهد) لفرط المعاناة، وهي -أبدًا- تدل على تعاطي الشيء بعلاج وإقبال شديد، نحو: اقتلع واقترع واكتسب وما شابه ذلك.

         ولذا لا يستعمل الاجتهاد إلا فيما فيه جهد، أي: مشقة؛ يقال: اجتهد في حمل الرحا، ولا يقال: اجتهد في حمل النواة(4).

         وتأسيسًا على ما تقدم، فالاجتهاد في اللغة هو: استفراغ ما في الوسع والطاقة من قول أو فعل.

ثانيًا: تعريف الاجتهاد اصطلاحًا:

         تعددت تعريفات الأصوليين والفقهاء للاجتهاد، وهي، وإن كانت متنوعة الألفاظ، إلا أنَّها – في الجملة – متقاربة المعاني. وعليه، نورد بعضًا من تلك التعريفات مما نحتاج إليه في تعريف الاجتهاد الجماعي، ومن ذلك(5):

         1- عرف الاجتهاد بأنه: بذل الطاقة من الفقيه في تحصيل حكم شرعي، عقليًّا كان أم نقليًّا، قطعيًّا كان أم ظنيًّا(6).

         2- وعرفه القرافي(7) بأنه: استفراغ الوسع في النظر فيما يلحق فيه لوم شرعي(8).

         3- وعرفه الآمدي(9) بأنه: استفراغ الوسع في طلب الظن بشيء من الأحكام الشرعية على وجه يحس من النفس بالعجز عن المزيد فيه(10).

         4- وعرفه الطوفي(11) بأنه: بذل الجهد في تعرف الحكم الشرعي(12).

الخلاصة:

         فيما سبق من التعريف اللغوي والاصطلاحي، هناك تقارب بين التعريفين فإن كلا التعريفين أثبتا معنى: بذل الطاقة، وحتى المعنى الاصطلاحي يدور حول هذا المعنى.

مفهوم الاجتهاد بالرأي:

         وقد سبق تعريف الاجتهاد في اللغة فلا نعيد تعريفه هنا.

أولاً: الرأي لغة:

         الرأي في اللغة يطلق على عدة معانٍ: الاعتقاد،والعقل، والتدبير، والنظر، والتأمل(13).

ثانيًا: الرأي عند الأصوليين:

         وقد اختلف الأصوليون في تعريف الرأي على عدة معانٍ، منها:

         1- بأنه: استنباط الأحكام الشرعية فى ضوء قواعد مقررة، وعرف بأنه: اعتقاد النفس أحد النقيضين عن غلبة ظن(14).

         2- وعُرف بأنه: استخراج صواب العاقبة(15).

         3- وقيل: ما يترجح للإنسان بعد فكر وتأمل(16).

         4- وعرف الباجي بأنه: اعتقاد إدراك صواب الحكم الذي لم ينص عليه(17).

         5- وعرف بعض الأصوليين الرأي، بأنه: القياس، وقال بعضهم بين القياس، والاستحسان، وقال بعضهم بين القياس والمصالح المرسلة(18).

التحليل:

         ويرجح الباحث أن الرأي هو القياس، أو الاستحسان، أو المصالح المرسلة، ويمكننا القول بأن هذا مجال الاجتهاد بالرأي، وإذا أطلق الاجتهاد بالرأي يبادر في الذهن أحد مجالات السابقة، وهذا مفهوم أصولي ويتوافق مع مراد الباحث في هذا البحث.

ثالثًا: الرأي في القرآن:

         وقد استعمل الرأي في القرآن على عدة معانٍ، منها:

         1- رأي البصرية: وهي الإدراك بالعين.

         2- رأي الحلمية: وهي إدراك المرئي في المنام.

         3- رأي العلمية: وهي بمعنى الاعتقاد علمًا أو ظنًا(19).

         وقدوردت في القرآن هذه المعاني في عدد من الآيات منها:

         قوله تعالى: ﴿لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ ثُمَّ لَتَرَوُنَّهَا عَيْنَ الْيَقِينِ﴾(سورة التكاثر: 6-7). وقوله سبحانه: ﴿وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُم مُّسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِّلْمُتَكَبِّرِينَ﴾ (سورة الزمر:60)

         وقوله سبحانه: ﴿وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللَّهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَىٰ عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ﴾ (سورة التوبة:105)

         وقوله تعالى: ﴿إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُمْ﴾ (سورة الأعراف:27) وقوله سبحانه: ﴿إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَبًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي سَاجِدِينَ﴾(سورة يوسف:4) وقوله تعالى: ﴿إِنِّي أَرَىٰ فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَىٰ قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ﴾ (سورة الصافات:102). وقوله سبحانه وتعالى: ﴿مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى﴾(سورة النجم: 11-13)

التحليل:

         فيما سبق يظهر لنا الفرق بين الاجتهاد والرأي: فالفرق بينهما: أن الاجتهاد معنى طلب الصواب، والرأي معنى إدراك الصواب، ويقال: إن الرأي المصيب ما رأيت، فلا يعبرون بذلك إلا عن كمال الاجتهاد وإدراك الصواب.

         إذًا فإن الرأي بهذا المعنى ليس مذمومًا ولا منكرًا؛ بل هو محمود، وقد جاء استعمال لفظ الرأي عند الصحابة والفقهاء والأئمة كما سيأتي لك بالتفصيل لاحقًا في هذا البحث.

ثالثا: تعريف الاجتهاد بالرأي اصطلاحًا:

وقد عُرف الاجتهاد بأنه:

         كل اجتهاد يستند إلى قياس أو مصلحة أو نحوهما من الأدلة العقلية، كاجتهاد سعد بن معاذ -رضي الله عنه- بين يدي رسول الله ﷺ في بني قريظة. واجتهاد عمر – رضي الله عنه – في المسألة الحمارية المعروفة في الفرائض. وفي العول، وفي منع توزيع الأرض التي غنمها المسلمون(20).

وبعض المعاصرين قد عرفوا الاجتهاد بالرأي:

         بأنه: تأمل وتفكير في تعرف ما هو الأقرب إلى كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ سواء أكان يتعرف ذلك الأقرب من نص معين وذلك هو القياس، أم الأقرب إلى المقاصد العامة للشريعة وهو المصلحة(21).

رابعًا: تعريف الباحث:

         ويُعرف الباحث الاجتهاد بالرأي بأنه:

         «هو الاجتهاد الذي يندرج تحت أنواع الاجتهاد الذي لا نص فيه، ويكون بالقياس أو المقاصد أو المصالح أو العرف أوالمنطق والعقل السليم».

الخلاصة:

         يُفهم من تعريف الشيخ محمد أبو زهرة، أن الاجتهاد بالرأي؟ بأنه يستنبط من الأدلة العقلية، لأن الأدلة نوعان عند الأصوليين. الأدلة النقلية: وهو الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والأدلة العقلية: العرف، والمصلحة، والاستحسان، والاستصحاب،.. إلخ.. وهذا ما يرجحه الباحث أيضًا في هذا البحث.

مشروعية الاجتهاد بالرأي:

أولًا: من القرآن

         هناك كثير من الآيات يتضمن فيها الاجتهاد الرأي منها:

1- ﴿إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيمًا﴾ فإنه يتضمن إقرار الاجتهاد بطريق القياس.

         2- منها قوله تعالى: ﴿إِنَّ ‌فِي ‌ذَٰلِكَ ‌لَأٓيَٰتٖ ‌لِّقَوۡمٖ ‌يَتَفَكَّرُونَ﴾ وقوله تعالى: ﴿إِنَّ ‌فِي ‌ذَٰلِكَ ‌لَأٓيَٰتٖ ‌لِّقَوۡمٖ ‌يَعۡقِلُونَ﴾.

         3- ﴿وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآَنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ﴾

         4- ﴿وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِير﴾

         5- ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا﴾

من السنة:

         عن مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ لَمَّا أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ قَالَ ‏«كَيْفَ تَقْضِي إِذَا عَرَضَ لَكَ قَضَاءٌ»‏.‏ قَالَ أَقْضِي بِكِتَابِ اللَّهِ‏.‏ قَالَ «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي كِتَابِ اللَّهِ»‏.‏ قَالَ فَبِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ‏.‏ قَالَ «فَإِنْ لَمْ تَجِدْ فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وَلاَ فِي كِتَابِ اللَّهِ».‏ قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلاَ آلُو‏.‏ فَضَرَبَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدْرَهُ وَقَالَ «الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِ اللَّهِ لِمَا يُرْضِي رَسُولَ اللَّهِ»(22).

التعقيب:

         يُستنبط من الآيات والسنة مشروعية الاجتهاد بالرأي، ولا سيما الحديث الأخير: قال الصحابي الجليل معاذ  رضي الله عنه  «أجتهد برأيي ولا آلو» فإن الاجتهاد بالرأي أمر جائز إن لم تجد نصًا في الكتاب أو السنة، وهذا من سماحة الإسلام ويسر الشريعة الإسلامية لتكون صالحة لكل زمان ومكان.

نشأة الاجتهاد بالرأي وضوابطه في الشريعة الإسلامية

         نشأة الاجتهاد كانت في عهد النبوة؛ فالنبي ﷺ كان أول المجتهدين في هذه الأمة؛ قدوة وأسوة للأنبياء؛ لأن الاجتهاد كان من دأب الأنبياء من قبل؛ فقد اجتهد داود وسليمان – عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام – كما قال تعالى: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ * فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾ (سورة الأنبياء: 78-79).

         وقد نبَّه(23) الشَّاطبي إلى أن في الآية تقريرًا «لإصابته – عليه السلام – في ذلك الحكم، وإيماء إلى خلاف ذلك في داود – عليه السلام، وقد اجتهد نبينا ﷺ في كثير من الحوادث، كما في أسرى بدر، وفي إذنه للمنافقين عن تبوك، وقد عاتبه الله فيهما، فقال في أسرى بدر: ﴿لَوْلَا كِتَابٌ مِنَ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (سورة الأنفال: 68)، وقال في تبوك: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ﴾ (سورة التوبة:43).

التحيل:

         نشأة الاجتهاد بشكل عام منذ عصر النبوة الأولى، اجتهد الصحابة في حياته ﷺ وبعد وفاته، ثم تطور الاجتهاد حتى ظهر مصطلح الاجتهاد بالرأي، وكان ذلك في القرن الثاني في عهد الإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى، والذي عرف بالاجتهاد بالرأي وهو أول من عُرف بهذا المصطلح، ثم تطور الأمر إلى يومنا هذا، إلا أن ثمة إشكالية في ذم بعض الناس مصطلح الاجتهاد بالرأي، وذلك لماورد فيه أقوال عن الصحابة لذا فإن كثيرًا من الناس فهموها فهمًا خاطئًا ومذمومًا، ولكن الاجتهاد بالرأي بضوابطه أمر لا بد منه في زماننا هذا مع تغير الزمان والمكان والأحوال.

ضوابط الاجتهاد بالرأي:

         لم يجد الباحث ضوابط معينة للاجتهاد بالرأي، ولكل استنبط الباحث الضوابط الآتية:

أولًا: ألا يخالف نصًّا قطعيًّا:

         معناه أنه لا يجوز الاجتهاد مطلقًا في مقابل نص قطعي الدلالة والثبوت، لأن الأصل أنه «لا اجتهاد مع النص» وعليه فإن أي اجتهاد مع وجود النص باطل ومردود على صاحبه، إلا إذا كان النص ظني الدلالة، وهذا من أهم ضوابط الاجتهاد بالرأي.

ثانيًا: أن يكون الاجتهاد بالرأي مبنيًّا على الأدلة العقلية:

         فالأدلة نوعان عند الأصولين، الأدلة النقلية، ويسمى الأدلة المتفق عليها، وهي الكتاب والسنة والإجماع والقياس، والثاني: الأدلة العقلية، ويسمى الأدلة المختلف حولها، واختلف الأصوليون والأئمة الأربعة حولها، ولكن نذكر هنا الأدلة التي تكون في مجال الاجتهاد بالرأي وهي: القياس، المصالح المرسلة، والاستحسان، والعرف، وهذا من أشهر الأدلة النقلية في مجال الاجتهاد بالرأي، وهذا أخذ به الباحث في هذا البحث.

ثالثًا: مراعاة المجتمع:

         لا بد من مراعاة طبيعة المجتمع الذي يجتهد فيه المجتهد، وذلك مراعاة لطبيعة البلاد والعادات والتقاليد، وهذا أمر جاء في الشريعة في قوله تعالى: ﴿خُذِ ‌ٱلۡعَفۡوَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ﴾ وعليه فإن الأخذ بالعرف أمر لازم، لذلك اهتم الأصوليون بالعرف اهتمامًا كبيرًا؛ حيث قسموه إلى قسمين عرف معتبر، وعرف ملغى، والعرف المعتبر وهو العرف الذي لا يخالف الشرع ولا دليلا قطعيًا.

شواهد الاجتهاد بالرأي في فقه عمر بن الخطاب رضي الله عنه

         ويعتبر عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أشهر الصحابة بالاجتهاد بالرأي، والشواهد على ذلك لا تعد ولا تحصى، إلا أن الباحث سيختار النماذج التالية:

أولًا: إقامة صلاة التراويح في الجماعة:

         جمع رضي الله عنه الناس على أبي بن كعب فقام بهم في رمضان فكان ذلك أول اجتماع الناس على قارئ واحد في رمضان المبارك.

         والقصة هو أن عمر خرج ليلة رمضان على المسجد فإذا الناس أوزاع متفرقون، يصلي الرجل لنفسه، ويصلي الرجل فيصلي بصلاته الرهط، فقال رضي الله عنه: إني رأيت لو جمعت هؤلاء على قارئ واحد لكان أمثل، ثم عزم فجمعهم على أبي بن كعب، فكان رضي الله عنه أوّل من سن قيام شهر رمضان وجمع على إمام واحد، وكتب ذلك إلى البلدان وذلك في رمضان سنة 14هــ وجعل للناس بالمدينة قارئين قارئا يصلي بالرجال وقارئا يصلي بالنساء(24).

         وصنيعة عمر بن الخطاب رضي الله عنه استنبطه من تقرير رسول الله –ﷺ- معه في تلك الليالي وإنما كرهه-ﷺ- لئلا يفرض عليهم. فلما مات ﷺ لم يعد ذلك الاحتمال. وهذا ضرب من ضروب الاجتهاد بالرأي.

         والوجه المقاصدي من هذا الفعل هو درء المفسدة من اختلاف المسلمين الذي يؤدي إلى التفرق. وتحقيق المصلحة الذي هو الاجتماع. وأيضا الاجتماع أنشط للكثير من المصلحة، وفيه تنظيم الوقت (25).

ثانيًا: حد شرب الخمر:

         روى الدار قطني عن ابن عباس أن الشُّرَّاب كانوا يضربون في عهد رسول الله-ﷺ-بالأيدي والنعال والعصا حتى توفي رسول الله-ﷺ- فكان أبوبكر رضي الله عنه يجلدهم أربعين جلدة حتى توفي ثم كان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يجلدهم كذلك أربعين حتى أتي برجل من المهاجرين الأولين وقد شرب فأمر به أن يجلد فقال: لم تجلدني؟ بيني وبينك كتاب الله فقال عمر: وأي كتاب الله تجد ألا أجلدك؟ فقال له: إن الله تعالى يقول في كتابه: ﴿لَيۡسَ ‌عَلَى ‌ٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌وَعَمِلُواْ ‌ٱلصَّـٰلِحَٰتِ جُنَاحٞ فِيمَا طَعِمُوٓاْ إِذَا مَا ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّءَامَنُواْ ثُمَّ ٱتَّقَواْ وَّأَحۡسَنُواْۚ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ (سورة المائدة:93).

         فأنا من الذين آمنوا وعملوا الصالحات ثم اتقوا وآمنوا ثم اتقوا وأحسنوا شهدت مع رسول الله -ﷺ- بدرا وأحدا والخندق والمشاهد. فقال عمر ألا تردون عليه ما يقول؟ فقال ابن عباس: إن هؤلاء الآيات نزلت عذرا لمن غبر وحجة على الناس لأن الله يقول: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ‌ٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُوٓاْ ‌إِنَّمَا ‌ٱلۡخَمۡرُ ‌وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ﴾ (سورة المائدة:90).

         فإن كان من الذين آمنوا وعملوا الصالحات فإن الله نهاه أن يشرب الخمر. فقال عمر: صدقت ما ترون؟

         فقال علي كلمته المشهورة: إذا شرب سكر وإذا سكرهذي وإذا هذي افترى، وحد المفتري ثمانون جلدة.

         مقصد هذا القياس: هو المصلحة لأن تهاون الناس في الحد جعل يفكر في علاج ذلك، وكان ذلك مجمعا عليه والإجماع مستنده المصلحة(26).

         ومن مقاصد جلد شارب الخمر قياسا على المفتري، حفظ العقول من الضياع والهلاك، لأنها إذا هلكت افترت وقامت بأعمال لا قبل لمن شرب الخمر لها وأيضا حفظ المال والأعراض من الإهدار فيما لا يفيد(27).

ثالثًا: قتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في مقتله:

         قتل الجماعة بالواحد إذا اشتركوا في مقتله، عن ابن عمر رضي لله عنهما أن غلاما قتل غيلة، فقال عمر لو اشترك فيها أهل صنعاء لقتلتهم. وقال المغيرة بن حكيم عن أبيه: إن أربعة قتلوا صبيا فقال عمر مثله.

         إن عمر رعى مقاصد الشريعة في صيانة الإنس وردع المعتدي، فإنه قد أدرك الحكمة من القصاص وهي الزجر، والردع، وعصمة الدماء، فلا بد من إيقاع القصاص على الكل حتى تتحقق الحكمة من تشريع القصاص ويحصل الردع لكل من تحدثه نفسه لقتل إنسان أو حتى الاشتراك في قتله وقال تعالى: ﴿‌مِنۡ ‌أَجۡلِ ‌ذَٰلِكَ ‌كَتَبۡنَا ‌عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ﴾ (سورة المائدة:32)

         وقد أخذ هذا الاجتهاد في القوانين الجنائية في العالم إذ تسمى هذا «الاشتراك الجنائي».

رابعًا: إسقاط حد السرقة:

         إن الله – تعالى- حرم السرقة بنص صريح، قال تعالى: ﴿وَٱلسَّارِقُ ‌وَٱلسَّارِقَةُ ‌فَٱقۡطَعُوٓاْ أَيۡدِيَهُمَا جَزَآءَۢ بِمَا كَسَبَا نَكَٰلٗا مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٞ﴾ (سورة المائدة:38).

         يروى أن غلمة لحاطب سرقوا ناقة لرجل من مزينة فانتحروها، فرفع ذلك إلى عمر بن الخطاب-رضي الله عنه – فأمر عمر بن الخطاب بقطع أيديهم ثم قال عمر: أراك تجيعهم، ثم قال: والله لأغرمنَّك غرما يشق عليك، ثم قال للمزني كم ثمن ناقتك؟ فقال المزني: قد كنت – والله – أمنعها من أربع مئة درهم، فقال عمر: أعطه ثماني مئة درهم موجها أمره لحاطب(28).

         ويروى أنه جيء إلى عمر في هذا العام برجلين مكتوفين ولحم، فقال صاحب اللحم: كانت لنا ناقة عشراء ننتظرها كما ننتظر الربيع فوجدت هذين قد اجتزراها، فقال عمر: هل يرضيك من ناقتك ناقتان عشران مربعتان، فإنا لا نقطع العذق ولا عام السنة(29).

         في قصة غلمان حاطب وقع عليهم شيء من التعدي بتجويعهم حتى اضطروا للسرقة، ولا فرق بين أن يكون المجاعة عامة أو خاصة، لأنها سيان للجائع؛ بل لو كانت خاصة كانت أولى بسقوط الحد، لأنه ليس من الإسلام أن يبيت الرجل شبعان وجاره جائع(30).

         أما قصة عام المجاعة فيروى أن النبي –ﷺ-قال: لا قطع في مجاعة مضطر. وعلى هذا فإن عمر طبق النص تطبيقا عمليا وحرفيا، فإن سرقة الإنسان في حالة المجاعة لا تعد؛ بل سرق ليحفظ حياته. وعدم تطبيق عمر الحد عليهم لمقصد الرفق والتخفيف عمن اضطر للسرقة دون اختيار منه.

         إذا أمعنا النظر في فعل عمر بن الخطاب وجدنا أنه استند إلى فعل رسول الله –ﷺ- في درء الحدود بالشبهات فوجد لهؤلاء مخرجا؛لذلك درأ عنهم الحد، لذا قال عمر: لأن أعطل الحدود في الشبهات خير من أن أقيمها في الشبهات. فكان المسائل التي أسقط بها حد السرقة متبعا لروح الشريعة مع بذل جهد لمعرفة مقاصدها وغايتها ومقتضاها(31).

خامسًا: الطلاق الثلاث

         وفي صحيح مسلم عن ابن عباس: كان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة. فقال عمر: «إن الناس قد استعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم فأمضاه عليهم»(32).

         وفيه أيضًا عن طاووس أن أبا الصهباء(33). قال لابن عباس: «ألم تعلم أَنَّ الثلاث كانت تجعل واحدة على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر، وثلاثًا من إمارة عمر»، فقال ابن عباس: «نعم»(34).

التحيل:

         وكان الطلاق الثلاث على عهد رسول الله ﷺ وأبي بكر واحدة. «إلا أن عمر بن الخطاب جعله ثلاثًا إذا كان في مجلس واحد، وذلك من أجل الحفاظ على الترابط الأسري حتى لا يكون الطلاق سهلًا على لسان الناس، وهذا ضرب من ضروب الاجتهاد بالرأي من فقه عمر  رضي الله عنه .

سادسًا: جمع المسلمين على تاريخ الهجرية:

         وذكر ابن الجوزي عن ميمون بن مهران(35). قال: «دفع إلى عمر رضي الله عنه صك محله في شعبان، فقال عمر: شعبان هذا الّذي مضى أوالّذي هو آت أو الّذي نحن فيه» ثمّ جمع أصحاب رسول الله ﷺ فقال لهم: «ضعوا للناس شيئًا يعرفونه» فقال قائل: «اكتبوا على تاريخ الرّوم» فقيل: «إنّه يطول وإنهم يكتبون من عند ذي القرنين» فقال قائل: «اكتبوا تاريخ الفرس كلما قام ملك طرح ما كان قبله»، فاجتمع رأيهم على أن ينظروا كم أقام رسول الله ﷺ بالمدينة فوجدوه أقام عشر سنين فكتب أو كتب التاريخ على هجرة رسول الله ﷺ(36).

         وعن عثمان بن عبيد الله، قال: «سمعت سعيد بن المسيب يقول: «جمع عمر بن الخطاب المهاجرين والأنصار – رضي الله عنهم – فقال: «متى نكتب التاريخ»؟ فقال له علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «منذ خرج النبي ﷺ من أرض الشّرك» يعني من يوم هاجر. قال: فكتب ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه(37).

الخلاصة:

         أول من اعتمد العمل بالتاريخ الهجري هو عمربن الخطاب رضي الله عنه وهذا اجتهاد منه في أمر الدولة والأمة ويعتبر اجتهادًا من اجتهاد الرأي.

سابعًا: اجتهاده في أسرى بدر وحجاب المرأة:

         روى الترمذي عن نافع بن عمر أن رسول الله ﷺ قال: «إن الله عزوجل جعل الحق على لسان عمر وقلبه».

         وقال ابن عمر: «ما نزل للناس أمر قط فقالوا فيه، وقال فيه عمر أو قال ابن الخطاب – شك خارجة – إلا نزل فيه القرآن على نحو ما قال عمر».

وقال: «حديث حسن صحيح، غريب من هذا الوجه»(38).

         وقال ابن عبد البر: «ونزل القرآن بموافقته في أسرى بدر، وفي الحجاب، وفي تحريم الخمر، وفي مقام إبراهيم عليه السلام»(39).

وأما اجتهاده في الحجاب:

         فقد روي عن أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ ابْنُ الخَطَّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، «وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلاَثٍ: فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوِ اتَّخَذْنَا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى، فَنَزَلَتْ: ﴿وَٱتَّخِذُواْ ‌مِن ‌مَّقَامِ ‌إِبۡرَٰهِـۧمَ ‌مُصَلّٗىۖ﴾، وَآيَةُ الحِجَابِ، قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَوْ أَمَرْتَ نِسَاءَكَ أَنْ يَحْتَجِبْنَ، فَإِنَّهُ يُكَلِّمُهُنَّ البَرُّ وَالفَاجِرُ، فَنَزَلَتْ آيَةُ الحِجَابِ، وَاجْتَمَعَ نِسَاءُ النَّبِيِّ ﷺ فِي الغَيْرَةِ عَلَيْهِ، فَقُلْتُ لَهُنَّ: ﴿عَسَىٰ ‌رَبُّهُۥٓ ‌إِن ‌طَلَّقَكُنَّ أَن يُبۡدِلَهُۥٓ أَزۡوَٰجًا خَيۡرٗا مِّنكُنَّ﴾، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ»(40).

         و عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ عُمَرُ: «وَافَقْتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ: فِي مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ، وَفِي الْحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدْرٍ»(41) وهذا من أشهر اجتهاد بالرأي في فقه عمر رضي الله عنه.

ثامنًا: إسقاط سهم المؤلفة قلوبهم:

         قال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌ٱلصَّدَقَٰتُ ‌لِلۡفُقَرَآءِ ‌وَٱلۡمَسَٰكِينِ ‌وَٱلۡعَٰمِلِينَ عَلَيۡهَا وَٱلۡمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمۡ وَفِي ٱلرِّقَابِ وَٱلۡغَٰرِمِينَ وَفِي سَبِيلِ ٱللَّهِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِۖ فَرِيضَةٗ مِّنَ ٱللَّهِۗ وَٱللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٞ﴾ (سورة التوبة:9).

         بين الله سبحانه وتعالى في هذه الآية سهم المؤلفة قلوبهم، وهذا السهم يخرج من مال الزكاة، وكان النبي ﷺ يعطي لهم حقهم، وقد صار أبوبكر الصديق رضي الله تعالى عنه على هذا المنهج، وحتى جاء عمر بن الخطاب في عهده أسقط عنهم هذا الحق فقال: «إني أرى أن الله تعالى قد أعز الإسلام وعلا شأنه فلا يحتاج أن نؤلف قلوب الكفرة».

         وهذا اجتهاد من اجتهادات الرأي التي لا تعد ولا تحصى من اجتهادات عمر، وكان عمر لم يكن نصوصيًا فحسب؛ بل كان مجتهدًا بماتحمله النصوص من مقاصد والحكم مع مراعاة الزمان والمكان والأحوال وهذا من أهم شروط المجتهد.

الخاتمة:

         فإن الحديث عن فقه الصحابي الجليل عمر بن الخطاب رضي الله عنه شيق وجدير بالبحث والاقتداء به في نهجه في الاجتهاد والبحث عن أسرار وغايات وحِكم وراء النصوص الشرعية من أجل التسهيل وتبسيط الأحكام الشرعية، والذي هي الأصل في الشريعة الإسلامية ﴿يُرِيدُ ‌ٱللَّهُ ‌بِكُمُ ‌ٱلۡيُسۡرَ ‌وَلَا ‌يُرِيدُ ‌بِكُمُ ‌ٱلۡعُسۡرَ﴾ وقوله: ﴿وَمَا ‌جَعَلَ ‌عَلَيۡكُمۡ ‌فِي ‌ٱلدِّينِ ‌مِنۡ ‌حَرَجٖۚ﴾ والقاعدة الفقهية المشهورة «المشقة تجلب التيسر، وعليه فإن الأمة الإسلامية اليوم في أمس الحاجة إلى مثل هذه الاجتهادات.

النتائج والتوصيات:

أولًا: النتائج:

         توصل الباحث إلى عدد من النتائج الآتية:

         1- أن الاجتهاد بالرأي مشروع بالكتاب والسنة.

         2- الاجتهاد بالرأي من فقه الصحابة رضي الله عنهم.

         3- عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقيه الاجتهاد بالرأي من الصحابة.

         4- فإن الاجتهاد بالرأي بضوابطه وشروطه من مطلوبات العصر المعاصر.

ثانيًا: التوصيات:

         يوصي الباحث بالتوصيات الآتية:

         1- الباحثين لمزيد من البحث في موضوعات الاجتهاد بالرأي.

         2- المؤسسات العلمية والأكاديمية والجامعات بعقد مؤتمرات وندوات في موضوع الاجتهاد بالرأي.

         3- تدريس فقه عمربن الخطاب رضي الله عنه في اجتهادات بالرأي وضوابطه وشروطه لطلاب الشريعة في الجامعات.

         4- مزيد من الإهتمام والبحث في مجال الاجتهاد بالرأي.

* * *

الهوامش:

(1)    ابن منظور، لسان العرب، (2/135)، ط. دار صادر – بيروت، الطبعة الثالثة، 1414هـ-1994م.

(2)    ابن فارس، معجم مقاييس اللغة، (1/486)، تحقيق: عبد السلام هارون، دار الجيل – بيروت.

(3)    الفيومي، المصباح المنير، ط. مكتبة لبنان – بيروت. الطبعة الأولى، 1987، ص101.

(4)    الطوفي، تيسير التحرير، (4/178-179)، ط. دار الفكر، بيروت، الطبعة الأولى، 1421هـ.

(6)    ابن الهمام، التحرير في أصول الفقه، ط. مطبعة مصطفى البابي الحلبي – مصر، ص523.

(7)    هو أحمد بن أبي العلاء إدريس المالكي، كنيته «أبو العباس» ولقبه «شهاب الدين» وشهرته «القرافي». ولد في مصر سنة 626هـ، وفاته 684هـ. الوافي، لصلاح الدين خليل الصفدي، ج6، ط. دار إحياء التراث، بيروت، 1420هـ، ص233.

(8)    القرافي، شرح تنقيح الفصول، تحقيق: طه عبد الرؤوف، ط. المكتبة الأزهرية – مصر، ص429.

(9)    هو العلامة سيف الدين أبو الحسن محمد الآمدي، فقيه أصولي، (551هـ-631هـ). تاريخ الإسلام ووفيات المشاهير والأعلام، للذهبي، ط. دار الغرب الإسلام، ج14، ص51.

(10) الآمدي، الإحكام، (4/396)، ط. دار الكتاب العربي – بيروت، 1404هـ.

(11) هو الإمام نجم الدين سليمان بن الصرصري البغدادي، ولد في بغداد سنة 657هـ وتوفي بالخليل في فلسطين سنة 716هـ. رسالة ماجستير، فوائد التفسير من خلال الإكسير في علم التفسير، للطوفي، معهد العالي للدراسات والبحوث الإسلاميَّة، موريتانيا، ص27.

(12) الطوفي، شرح مختصر الروضة، (3/576)، تحقيق: د. عبد الله التركي، ط. مؤسسة الرسالة – بيروت.

(13) معجم الوسيط، ط: دار المعارف، 1972م، ص/1ج 320.

(14) الحدود لأبي الوليد الباجي، تحقيق: د/ نزيه حماد، ط: مؤسسة الزعبي للطباعة والنشر بيروت، ط أولى، 1973 م، ص/ 64.

(15) كتاب موسوعة المفاهيم الإسلامية العامة – الرأي – المكتبة الشاملة الحديثة، ص301.

(16) المرجع السابق.

(17) المرجع السابق.

(18) د/ جبار محارب عبدالله، منهج الرأي في مدرسة الكوفة الفقهية. النشأة والتطور، ص/2.

(19) الأصفحاني، الراغب، المفردات في غريب القرآن، ط: المطبعة الميمنية ـ مصر ص/ 208- 209.

(20) الإحكام لابن حزم، ج5/700.

(21) الشيخ، محمد أبو زهرة، تاريخ الماهب الإسلامية، ط: مطبعة المدني، القاهرة ـ مصر، ج2/ص17.

(22) كتاب شرح سنن أبي داود للعباد – شرح حديث معاذ بن جبل في اجتهاد الرأي في القضاء – المكتبة الشاملة الحديثة، ص13.

(23) رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/108529/#ixzz7LP9fOruv

(24) دراسة نقدية في المرويات عن شخصية عمر بن الخطاب 845.

(25) الاجتهاد المقاصدي في عصر الخلفاء الرشدين 92.

(26) اجتهاد الرسول العمري 232.

(27) الاجتهاد المقاصدي/ الخادمي، 1/99.

(28) موطأ مالك، كتاب الأقضية، باب القضاء في الطوارئ وغيره، 400.

(29) المبسوط للسرخي 9/140.

(30) اجتهاد الرسول /292.

(31) الاجتهاد المقاصدي في عصر الخلفاء الراشدين إسماعيل الصيفي بحث مقدم لنيل درجة الماجستير الجامعة الإسلامية غزة 89.

(32) أخرجه مسلم، كتاب الطلاق 2/1099، حديث رقم: 1472.

(33) مطموس في الأصل صوى: (الصهبـ)، وهو صهيب البكري، البصري أو المدني، مقبول من الرابعة. (التقريب ص 278)

(34) أخرجه مسلم، كتاب الطلاق 2/1099، حديث رقم: 1472.

(35) الجَزري: ثقة، فقيه، ولي الجزيرة لعمر بن عبد العزيز، وكان يرسل، توفي سة سبع عشرة ومئة. (التقريب ص 556) .   

(36) ابن حجر: فتح الباري 7/268.

(37) أخرجه الحاكم: المستدرك3/14، وصحّحه، ووافقه الذهبي. والطبري: في التاريخ 3/38، 3.

(38) أخرجه الترمذي: في السنن 5/280، طبعة دار الفكر، المزي: في تحفة الأشراف 6/94، وأحمد: في المسند 8/60، حديث رقم: 5697، وفضائل الصحابة 1/250، رقم: 313، وإسنادهما حسن. عن عبد الملك عن نافع بن عبد الرحمن بن أبي نعيم عن نافع وإسنادهم حسن، وصححه أحمد شاكر (المسند 7/132، و8/60). والألباني في صحيح الجامع الصغير 1/358، حديث رقم: 1736.

(39) ابن عبد البر: في الاستيعاب 3/1147.

(40) أخرجه البخاري في صحيحه، حديث رقم 402.

(41) أخرجه مسلم في صحيحه، حديث رقم 2399. *  *  *


(*)         أستاذ مساعد، ورئيس قسم أصول الفقه، بجامعة الرباط الوطني. السودان.

مجلة الداعي، رمضان – شوال 1444هـ = مارس – مايو2023م، العدد: 9-10، السنة: 47

Related Posts