بقلم: العلامة الشيخ شبير أحمد العثماني رحمه الله  (1305-1369هـ/1887-1949م)

تعريب: أبو عائض القاسمي المباركفوري(*)

         وَقَالَتِ ٱلۡيَهُودُ وَٱلنَّصَٰرَىٰ نَحۡنُ أَبۡنَـٰٓؤُاْ ٱللَّهِ وَأَحِبَّـٰٓؤُهُۥۚ قُلۡ فَلِمَ يُعَذِّبُكُم بِذُنُوبِكُمۖ بَلۡ أَنتُم بَشَرٞ مِّمَّنۡ خَلَقَۚ يَغۡفِرُ لِمَن يَشَآءُ وَيُعَذِّبُ مَن يَشَآءُۚ وَلِلَّهِ مُلۡكُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَاۖ وَإِلَيۡهِ ٱلۡمَصِيرُ ١٨

         وربما سموا أنفسهم أبناء الله أي أولاده؛ لأن التوراة نصت على أن الله سمى إسرائيل- يعقوب عليه السلام- أول أولاده، وسمى نفسه أبًا له. ويقول النصارى: المسيح ابن الله، فربما أطلقوا على أنفسهم «أبناء الله» نظرًا إلى أنهم من أولاد إسرائيل، ومن أمة عيسى عليه السلام. وقد يقال: إن المراد بوصفهم أنفسم بأبناء الله أنهم خاصة عباد الله تعالى، وأحباؤه، كأنهم أولاده. فحاصل كلمة «الأبناء» حينئذ هو ما دل عليه كلمة «الأحباء».  

         فائدة: وحيث يستحيل -على الإطلاق- أن يكون أحد من الخلق ابنًا لله تعالى حقيقةً، وعلى خلاف بداهة العقل، ويمكن أن يكون محبوبًا إلى الله تعالى، قال تعالى: ﴿يُّحِبُّهُمْ وَيُحِبُّوْنَه﴾ [المائدة:54]، فبدأت هذه الآية بالرد على ادعاء كونهم أحباء لله تعالى، أي القوم الذين وقعوا فيما وقعوا من أنواع المخازي والعذاب من جراء بغيهم الظاهر العلني، وشنائع ذنوبهم وخطاياهم، ويستحقون الحبس الدائم في الآخرة عقلا ونقلا، هل يتصور من له مسك من الشعور والعلم أن يكون أمثال هؤلاء البغاة العصاة أحباء الله تعالى؟ ولايمت أحد إلى الله تعالى نسبًا، وأما حبه فلايُنال إلا بالطاعة والعمل  الصالح، فليستحي هؤلاء المجرمون الألداء المستحقون لأشد العقوبات من أن يطلقوا على أنفسهم ﴿نَحْنُ اَبْنٰؤُاْ اللّٰهِ وَاَحِبَّٰٓؤُهُ﴾ [المائدة:18]. قال الله تعالى في حق ولد نوح عليه السلام- و إن كان من صلبه-: ﴿لَيْسَ مِنْ اَهْلِكَ، اِنَّه عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ﴾ [هود/46].

      فائدة: البَشر: أصله السطح الظاهر من الجلد، وبأدنى مناسبة سمي الإنسان بشرًا. ولعل النكتة في اختيار هذه اللفظة هنا تنبيههم على أنهم ليسوا بشرًا ذا مروءة وميزة، فضلا أن يكونوا أحباء الله تعالى. ويمكن أن نقول: إنكم إنسان عادي، من خلق الله تعالى من جنس عامة البشر نظرًا إلى البشرة والصورة الظاهرة. فأنى تطرق إليكم توهم الابنية لله تعالى؟

      فائدة: فإنه لايعلم من يستحق الغفران ومن يستحق العقوبة.

         فائدة: فلايحول دونك يا الله، إذا أردت أن تغفر لأحد برحمتك وحكمتك، أو تعذبه بعدلك. ولايسعُ أحدًا من المجرمين أن يخرج من ملكوت الله تعالى، ولا أن يفوته بعد الموت في الحياة الآخرة.

         يَـٰٓأَهۡلَ ٱلۡكِتَٰبِ قَدۡ جَآءَكُمۡ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمۡ عَلَىٰ فَتۡرَةٖ مِّنَ ٱلرُّسُلِ أَن تَقُولُواْ مَا جَآءَنَا مِنۢ بَشِيرٖ وَلَا نَذِيرٖۖ فَقَدۡ جَآءَكُم بَشِيرٞ وَنَذِيرٞۗ وَٱللَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيۡءٖ قَدِيرٞ ١٩

       (يُبَيِّنُ) أي يوضح لكم أحكامنا وشرائعنا كل التوضيح. وبدءًا من هذا الركوع ذكر شرور بني إسرائيل- من اليهود والنصارى- وسفههم بشتى صوره وألوانه، وأخبرهم بأن رسوله قد جاءكم، ويكشف اللثام عن فعلاتكم الشنعاء، في محاولة لإخراجكم من الظلمات إلى النور. ثم نبَّه على أن السير إلى نور الهداية يتوقف على أمرين: الأول: معرفة الله تعالى الصحيحة، وعدم اعتقاد الفاسد فيما  يتعلق بالخالق والمخلوق. فقوله: ﴿لَقَدْ كَفَرَ الَّذِيْنَ قَالُوْا اِنَّ اللّٰهَ هُوَ الْمَسِيْحُ ابْنُ مَرْيَمَ﴾ [المائدة:17] إلى هنا شرح لهذا الجزء، والأمر الثاني: الإيمان بسيد الأنبياء ﷺ، الذي يجمع بين كمالات الأنبياء السابقين، و هو أعظم وآخر شارح للشرائع الإلهية. وهذا الجزء يشرحه قوله تعالى: ﴿قَدْ جَاءَكُمْ رَسُوْلُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ عَلٰي فَتْرَةٍ مِّنَ الرُّسُلِ﴾ [المائدة:19].  

      فائدة: انقطعت بعثة الرسل بعد المسيح لمدة نحو ست مئة سنة، وتَاهَ العالمُ كله – إلا من شاء ربك- في ظلمات الجهل والغفلة والأوهام والأهواء. وأفلت مصابيح الهدى والرشاد. وساد سحب الظلم والعدوان والفساد والإلحاد في الآفاق، فبعث الله تعالى حينئذ لإصلاح العالم كله أعظم هادٍ ونذير وبشير، يرشد الجهلة إلى فلاح الدارين، ويوقظ الغافلين بإنذاره وتخويفه، ويبشر قليلي الهمم ويحثهم، فتمت حجة الله تعالى على الخلق كله، آمن به من آمن، وكفر به من كفر.

      فائدة: أي إن لم تطيعوا هذا الرسول، فإن الله تعالى لايعجز أن يستخلف قومًا آخرين، يتقبلون أحكامه تقبلا، وينصرون الرسول، وليس الله تعالى في حاجة إليكم.

         وَإِذۡ قَالَ مُوسَىٰ لِقَوۡمِهِۦ يَٰقَوۡمِ ٱذۡكُرُواْ نِعۡمَةَ ٱللَّهِ عَلَيۡكُمۡ إِذۡ جَعَلَ فِيكُمۡ أَنۢبِيَآءَ وَجَعَلَكُم مُّلُوكٗا وَءَاتَىٰكُم مَّا لَمۡ يُؤۡتِ أَحَدٗا مِّنَ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢٠

      فائدة: جاء في «موضح القرآن»: غادر إبراهيم عليه السلام بلد آبائه في سبيل الله تعالى، واستوطن الشام، ولم يولد له ولد مدة من الزمان، ثم بشره الله تعالى بأنه سيبث ذريته كثيرًا، ويعطيهم أرض الشام، ويضعهم فيهم النبوة والدين والكتاب والملك. وحقق هذا الوعد على عهد موسى عليه السلام، وخلَّص بني إسرائيل من سخرة فرعون، وأغرقه في اليم، وأمر بني إسرائيل أن يجاهدوا العمالقة، ويفتحوا أرض الشام. ثم تكون لهم هذه الأرض للأبد. فنصب موسى عليه السلام عشرة أسباطٍ على عشر قبائل في بني إسرائيل، وأرسلهم ليستطلعوا أخبار هذه البلاد، فعادوا وأكثروا من ذكر ميزات هذه الأرض، وحكوا له قوة العمالقة التي كانت تسكنها.

فقال لهم موسى عليه السلام: اذكروا للقوم ميزات الأرض، ولاتذكروا لهم قوة الأعداء وسلطتهم، فثبت على ذلك رجلان منهم، ونقض عشرة منهم عهدهم. فلما سمع القوم ذلك جبنوا، وأرادوا أن يرتدوا على أدبارهم إلى مصر، فتأخر عليهم الفتح أربعين سنة. وتاهوا خلالها في الصحارى، فلما مات هذا القرن منهم إلا رجلين، خَلَفَا موسى عليه السلام بعد موته، فكان الفتح على أيديهما.

      فائدة: أي كم أرسلنا منكم أنبياء من جدكم الأعلى إبراهيم عليه السلام إلى اليوم، منهم: إسماعيل و إسحاق، ويعقوب، ويوسف وموسى وهارون عليهم الصلاة والسلام، ثم استمر الوحي فيهم بعدهم مدة مديدة.

      فائدة: أي أنجاكم من الرق المهين لآل فرعون، وسلطكم على أموالهم وأرضهم، وقد أعطى قبل ذلك يوسف عليه السلام وهو منكم – خزائن مصر وسلطته. ثم جعل فيكم سليمان عليه السلام وغيره من الأنبياء والملوك فيما بعد. فكأن الله تعالى أفاض عليكم النعمة العالية الدنيوية والأخروية؛ فإن أعظم الوظائف الدينية هي النبوة، وآخر حدود السعادة الدينية هي الحرية والملك. فمنَّ عليكم بهما.

      فائدة: ﴿مَّا لَمْ يُؤْتِ اَحَدًا مِّنَ الْعٰلَمِيْنَ﴾ أي في الوقت الذي خاطب به فيه موسى عليه السلام كانت نعم الله تعالى عليكم أكثر منها على غيركم من العالمين. فإن حملنا ﴿اَحَدًا مِّنَ الْعٰلَمِيْنَ﴾ على العموم، لم يصح؛ فإن القرآن الكريم قد نص فيما يخص الأمة المحمدية على: ﴿كُنْتُمْ خَيْرَ اُمَّةٍ اُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾ [آل عمران:110]، و ﴿وَكَذٰلِكَ جَعَلْنٰكُمْ اُمَّةً وَّسَطًا لِّتَكُوْنُوْا شُهَدَاءَ عَلَي النَّاسِ﴾[البقرة:143].

         يَٰقَوۡمِ ٱدۡخُلُواْ ٱلۡأَرۡضَ ٱلۡمُقَدَّسَةَ ٱلَّتِي كَتَبَ ٱللَّهُ لَكُمۡ وَلَا تَرۡتَدُّواْ عَلَىٰٓ أَدۡبَارِكُمۡ فَتَنقَلِبُواْ خَٰسِرِينَ٢١

      فائدة: أي قد وعد الله تعالى إبراهيم قبلُ أن يعطي ذريته هذه الأرض، ولامحالة أن يتحقق هذا الوعد، فيا له من حظ لمن يتحقق على أيديهم هذا الوعد.

      فائدة: أي لاتفروا إلى حياة الرق والعبودية بالجبن والاستكانة في سبيل الله تعالى.

         قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّ فِيهَا قَوۡمٗا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَا حَتَّىٰ يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِن يَخۡرُجُواْ مِنۡهَا فَإِنَّا دَٰخِلُونَ٢٢

         ﴿جَبَّارِيْنَ﴾ أقوياء عمالقة ذوي هيبة شديدة.

      فائدة: أي لانقدر على مواجهتهم، نعم لو نِلنا هذه الطبيخة ناضجة من غير عرق جبين ولا كد يمين لم نمانع من تناولها والأكل منها، فهلا أخرجتهم منها بقوة معجزتك.

         قَالَ رَجُلَانِ مِنَ ٱلَّذِينَ يَخَافُونَ أَنۡعَمَ ٱللَّهُ عَلَيۡهِمَا ٱدۡخُلُواْ عَلَيۡهِمُ ٱلۡبَابَ فَإِذَا دَخَلۡتُمُوهُ فَإِنَّكُمۡ غَٰلِبُونَۚ وَعَلَى ٱللَّهِ فَتَوَكَّلُوٓاْ إِن كُنتُم مُّؤۡمِنِينَ٢٣

      فائدة: وكان رجلان – يوشع بن نون وكالب بن يوحنا- يتقيان الله تعالى، فلم يتسرب إلى قلوبهما خوف من العمالقة ولا من غيرهم. يقول الشاعر الفارسي ما معناه:

         من خاف الله الحق تعالى واتقاه

خافه الجن والإنس وكل من رآه

      فائدة: أي تجرؤوا على السير إلى باب المدينة، ثم إن الله تعالى ينصركم عليهم، ولاينصر الله تعالى إلا من ينصر نفسه.

      فائدة: عُلِمَ منه أن ترك الأسباب المشروعة ليس من التوكل في شيء، والتوكل هو أن يبذل قصارى جهده لهدف صالح، ثم يتوكل على الله تعالى فيما يخص ترتب الثمرة والنتيجة عليه، ولايفرح ولا يغتر بجهده و سعيه، وأما ترك الأسباب المشروعة، ومجرد عقد الآمال، فليس من التوكل، إنما هو من التعطل.

         قَالُواْ يَٰمُوسَىٰٓ إِنَّا لَن نَّدۡخُلَهَآ أَبَدٗا مَّا دَامُواْ فِيهَا فَٱذۡهَبۡ أَنتَ وَرَبُّكَ فَقَٰتِلَآ إِنَّا هَٰهُنَا قَٰعِدُونَ٢٤

      فائدة: هذا قول القوم الذين ادعوا (نحن أبناء الله وأحباؤه)، ولكن لايستبعد صدور هذه الكلمات الوقحة من تمردهم وطغيانهم.

         قَالَ رَبِّ إِنِّي لَآ أَمۡلِكُ إِلَّا نَفۡسِي وَأَخِيۖ فَٱفۡرُقۡ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَ ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ٢٥

         فحزن موسى حزنًا شديدًا، وتضرع إلى الله تعالى به، وحيث إنه كان يشاهد بأم عينيه عصيان القوم و جبنهم جميعًا، فلم يتطرق في دعائه إلى أحد غير نفسه وأخيه هارون عليه السلام، فإنه – هارون عليه السلام – كان نبيا معصومًا. ويدخل فيهما يوشع وكالب تبعًا.

         قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيۡهِمۡ أَرۡبَعِينَ سَنَةٗۚ يَتِيهُونَ فِي ٱلۡأَرۡضِۚ فَلَا تَأۡسَ عَلَى ٱلۡقَوۡمِ ٱلۡفَٰسِقِينَ٢٦

         أي لم يُقبَل دعاءُ المفارقة حسًا وظاهرًا، نعم استجيب له معنىً، حيث وقع كلهم في العذاب الإلهي، وتحيروا وتاهوا. واستمر موسى وهارون عليهما السلام على وظيفة الإرشاد والإصلاح التي كانا عليها بالطمأنينة النبوية والراحة القلبية الكاملة. ومثل ذلك مثل قرية أصيبت بوباء فتاك، وقام في الآلاف منهم بضعة رجال أصحاء أقوياء القلب يقومون على المرضى، ويسهرون عليهم، وعلى تفقد أحوالهم. ولو حملنا قوله: (فَافْرُقْ) لاعلى المفارقة؛ بل على الحكم بينهم،لكان أوضح دلالة.

         يقول الشاه – عبد القادر-: قص هذه القصة كلها على أهل الكتاب في إشارة إلى أنكم يا أهل الكتاب لاترافقون هذا النبي آخر الزمان، كما تخلف آباؤكم عن موسى عليه السلام، وفروا من الجهاد، فإذًا ينال هذه النعمة أناس آخرون، وفعلا نالها غيرهم. ضَع هذا الركوع كله بين عينيك لحظة واحدةً، فانظر فيما عليه الأمة المحمدية، قد أفاض الله تعالى على هذه الأمة مالم يفضه على غيرهم من النعم والآلاء. وأرسل لهم خاتم الأنبياء وسيد الرسل بالشريعة الأبدية، وجعل فيهم علماء وأئمة، قاموا بوظائف الأنبياء على أحسن وجه وإن لم يكونوا أنبياء. وقاد الأمة الإسلامية بعد النبي ﷺ خلفاءُ أرشدوا العالَمَ كله إلى الأخلاق والمبادئ السياسية وغيرها.

         وأمِرَت هذه الأمة بالجهاد، لا جهاد العمالقة؛ بل جهاد الجبارين كلهم في الأرض، ولا بفتح أرض الشام وحدها؛ بل برفع كلمة الله تعالى في شرق الأرض وغربها، واستـئصال الفتن. وقد وعد الله تعالى بني إسرائيل الأرض المقدسة، وأما هذه الأمة فقد قال لها: ﴿وَعَدَ اللّٰهُ الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصّٰلِحٰتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْاَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِيْنَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِيْنَهُمُ الَّذِي ارْتَضٰى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِّنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ اَمْنًا﴾ [النور:55]. وإذا كان موسى عليه السلام حذر بني إسرائيل من التولي من الجهاد، فقد خاطب الله تعالى هذه الأمة بقوله: ﴿يٰاَيّها الَّذِيْنَ اٰمَنُوْا اِذَا لَقِيْتُمُ الَّذِيْنَ كَفَرُوْا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوْهُمُ الْاَدْبَارَ﴾ [الأنفال:15].          فأدى ذلك إلى أن قال أصحاب موسى- خوفًا من العمالقة-: ﴿فَاذْهَبْ اَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا اِنَّا هٰهُنَا قٰعِدُوْنَ﴾ [المائدة:24]. وأما أصحاب محمد ﷺ فقالوا له: و الذي بعثك بالحق، لو استعرضتَ بنا هذا البحر لخضناه معك، ما تخلف منا واحد. ولعل الله يريك منا ما تقر به عينك. ولنجاهدن معك العدو عن يمينك وعن شمالك ومن بين يديك ومن خلفك، والله لا نقول لك مثل ما قالت بنو إسرائيل لموسى: ﴿فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقاتِلا إِنَّا هاهُنا قاعِدُونَ﴾ [المائدة:24]. وبالتالي نصب أصحاب محمد ﷺ راية الهداية والرشاد في مشارق الأرض ومغاربها في مدة أقل من المدة التي حُرِمت فيها بنو إسرائيل الفتوحات وتاهت في الصحراء.  رضي الله عنهم  و رضوا عنه ذلك لمن خشی ربه.


(*)     أستاذ الحديث والأدب العربي بالجامعة.

مجلة الداعي، ربيع الآخر 1444هـ = نوفمبر 2022م، العدد: 4، السنة: 47

Related Posts