إلي رحمة الله
في صباح يوم الأحد 15/ ذوالحجة بالتقويم العربي و 14/ذوالحجة (بالتقويم الهندي) 1426هـ الموافق 15/ يناير 2006م انتقل إلى رحمة الله تعالى سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح أمير دولة الكويت ، الذي كان يعاني الأمراض منذ سنوات ماضية ولاسيما منذ عام 2001م (1422هـ) إذ أصيب بتصدّع عروق في دماغه . وذلك عن 79 من عمره بالتقويم الهجري و 78 منه بالتقويم الميلادي . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون .
* * *
وعملاً بأحكام الدستور والمادة الرابعة من القانون رقم 4 لسنة 1964م (1384هـ) في شأن أحكام توارث الإمارة ، قام مجلس الوزراء ونادى بخليفته ووليّ عهده صاحب السمو الشيخ سعد العبد الله سالم الصباح أميرًا على البلاد ؛ ولكنه بما أنه يعاني أمراضًا كثيرة أقعدته عن تحمّل أعباء الحياة فضلاً عن تحمل أعباء الحكومة ، ظلّ الرأي الكويتي العامّ داخل الأسرة الأميرية وخارجها مترددًا في شأن تولّيه الإمارة بعد سمو الأمير جابر ، وظلّ يميل إلى نصب رئيس الوزراء الحالي في الكويت الشيخ صباح الأحمد الصباح أميرًا على البلاد بعد إعفاء سمو الأمير سعد العبد الله سالم الصباح . وكان الرأي داخل الأسرة الأميرية منقسمًا بين مؤيّد للشيخ سعد ومؤيّد للشيخ صباح الأحمد الصباح . ولكنّهم أخيرًا توصّلوا إلى الإجماع صباحَ الجمعة 21 ذوالحجة 1426هـ الموافق 21/ يناير 2006م، حيث حضروا منزل الشيخ صباح الأحمد الصباح ، وأعربوا عن ثقتهم التامّة ليصبح أميرًا على البلاد نظرًا للحالة الصحيّة المتردّية جدًّا للأمير الشيخ سعد العبد الله الصباح الذي يبلغ من العمر 75 عامًا ، والذي أجريت له عملية جراحيّة في القولون عام 1997م (1418هـ) . وقد أُعْفِيَ الأمير سعد فعلاً من مهامّه الأميريّة . وذلك يوم الأحد 22/ يناير 2006م الموافق 21/ من ذي الحجة (بالتقويم الهندي) و 22/ منه (بالتقويم العربي) 1426هـ .
* * *
شهدت الكويتُ على عهد الشيخ جابر الذي حكمها في الفترة ما بين 1978-2006م (1398-1426هـ) ازدهارًا ملموسًا في جميع النواحي ؛ حيث شيّد بحكمته ومساعيه الحميدة وسياسته المتأنّية دولة من أرقى الدول اقتصاديًّا ، إذ حباها الله مخزونًا هائلاً من البترول الذي ليس فقط موردًا اقتصاديًّا مدرارًا ، وإنما هو كذلك سلاح استراتيجيّ حيوي للغاية تتنافس الدول والأمم على اقتناء أكبر قدر ممكن منه تأمينًا لحركتها الصناعيّة ، وانتعاشها الاقتصادي الدائم ، وحياتها الاجتماعية، وثقلها السياسيّ ، في المحافل الدولية ، ومجالس صناعة القرارات العالميّة ، كما مُنِيَتْ أيضًا بتقدير الله وقضائه بتقلبات خطيرة واهتزازات عصيبة . وكان على رأسها الاحتلال العراقي لها عام 1990 – 1991م ، الذي تذرّعت به أمريكا لتواجدها العسكري الثابت في منطقة الخليج ، ولاسيما في الكويت والسعودية وقطر، واتخذته ، في ذكاء مدهش ومكر خبيث، أداة فعّالة لامتصاص خيرات الدول الخليجية، ولاسيما الكويت والسعودية، بشكل أسرع وأقوى وأكثف من ذي قبل . وكان ذلك كارثةً كبرى لم تشهد مثلَها المنطقةُ سوى كارثة غرس بذرة إسرائيل الخبيثة في قلب العالم العربي وفي الأرض العربية الإسلامية المباركة . والويلاتُ التالية التي ذاقتها – ولا تزال – المنطقةُ خصوصًا والعالم الإسلامي كلُّه عمومًا ، إنما كانت نابعةً من كارثة احتلال العراق للكويت وإصراره على إبقائه على احتلالها وإنكاره للتخلّي عنها، رغم كل الجهود المخلصة التي بذلتها الدول الإسلامية والعربية والقادة المسلمون والعرب والإسلاميون ، ورغم كل المحاولات المغرضة التي كثّفتها أمريكا والدول الغربية والقوى العالميّة المتربّصة بالإسلام والمسلمين الدوائر .
ولايشكّ إلاّ الأبله منّا أنّ السيناريو كلَّه كان مُبَيَّتًا ومُعَدًّا بأدواره كلها من قبل الصهيونية العالمية المُمَدَّة بالمسيحية المتصهينة لفعل الأفاعيل مع الإسلام والمسلمين التي يتم فعلها حالاً منذ ذاك الوقت . ولا يدري إلاّ الله ماذا ستكون العاقبة مآلاً . لقد تحرّرت الكويت بالعمليات العسكريّة الرهيبة التي ساهمت فيها معظم الدول العالمية والإسلامية والعربية ضدّ العراق ، لدحره عن الكويت ، واستعاد الشيخ جابر الفقيد دولتَه وحكمه لها وسيادته فيها مستوفاةً بتعاون مغرض من قبل أمريكا وحليفاتها الدول الغربية وبمساع حميدة مخلصة من قبل السعودية التي استضافت دولةَ الكويت حكومةً وشعبًا خلال فترة الاحتلال . وكان ذلك منها منّة على الكويت غير عاديّة لن ينساها التاريخ .
وقد تعامل الأمير الراحل جابر مع الكارثة بجديته المتأنية وحزمه ورشده ، حتى استردّ ملكه الذاهب ودولتَه المفلتة من يده ، وربّما كان قد تأكّد في قرارة نفسه أنها عسى أن لا تعاد إليه . وكان في إعادة الدولة إلى طبيعتها الأولى – إلى جانب عمل الأمير الحكيم – دخل كبير بل دور طليعيّ لمجهودات العلماء والإسلاميين في كل مكان إلى جانب الشعوب الإسلامية والعربية التي وقفت متراصّة بجانب القيادة الكويتية والقيادة السعودية .
وفي وقت قياسي قصير استطاعت الكويت بحكمة إميرها الحازم وإخوانه القادة تلافي الخسائر الفادحة التي لحقتها إبّان الاحتلال ، والدمار الاقتصاديّ الذي منيت به ، وأعادت استكمال البنية التحتية المدمرة، وقامت على قدميها بشكل أحسن من ذي قبل ، حتى رفعت المستوى المعيشي لشعبها بقدر أكبر مما كان من قبل . وارتفعت قيمة الدينار الكويتي خلال سنوات ارتفاعًا لم تشهده في الماضي . ولا تزال الكويت لديها 10٪ من احتياطي النفط في العالم ، فهي تملك 95 مليار برميل من النفط الخام .
ورغم أن القيادة الكويتية – لأسباب ضعف كثيرة لايعنينا هنا الحديث عنها – لاتزال وربما ستظل إلى أمد لايعلمه إلاّ الله على تحالف ذي مستوى أرفع مع أمريكا ، رغم أن الشعب الكويتي ولاسيّما الشريحة الإسلامية منه – وهي ذاتُ ثقل كبير في الكويت – عاد يبغض الأمريكان ويودّ أن تتخلص الكويت من أمريكا بشكل أو بآخر ؛ لأنّه علم – كجميع الشعوب الإسلامية – أنها شرّ عدوّ في شكل حليف . فالكويت لاتزال على أراضيها أكثر من 30 ألف من القوات الأمريكية وهي منها تمتص سكناها ونفقتها علاوة على 13 ألف من المواطنين الأمريكان الذين يتغذّون بخيراتها .
وإلى جانب حسنات الأمير الراحل الكثيرة – رحمه الله وغفر زلاّته – كان من سيئاته أنّه رَضَخَ تجاه الضغط الأمريكي بشأن إعطاء العلمانيين والغربيين من الشعب الكويتي حريّة أكثر حتى أسكروا وعربدوا وحالوا دون كثير من المطالب الإسلاميّة، ومنها تطبيق الشريعة الإسلاميّة في جميع مناحي الحياة . كما أنه مَنَحَ المرأة الكويتية حريةً زائدةً تحت ضغط أوربي أمريكي، بشأن بَلْوَرَة الديموقراطية وأسلوب الحياة الغربي ، والانفتاح على الثقافات الوافدة ، والسماح للمرأة بالتعري والتسكّع في الشوارع والمكاتب و أمكنة التجمهر، باسم المساواة بين الجنسين في فرص الحياة . كما أنّه اتخذ إجراءات مشددة ضدّ كثير من الإسلاميين الذين انتقدوا التواجد العسكري الأمريكي المكثف على أرض الكويت ، والسماح بترويج النمط الغربي للحياة . وقد ظلّت وزارة الإعلام و وزارة التعليم منفذًا كبيرًا لتهريب عوامل التغريب إلى الكويت . وظلّ يشغلهما مثقفون متغربون يهذون ضد الإسلام وتعاليمه . وكانت المجلات الإسلامية في الكويت متابعة لهذا الجانب المظلم من القيادة الكويتية .
ولكنه كان من حسناته الكبيرة الكثيرة – رحمه الله – أنه ظلّ يسمح للجمعيّات الخيريّة أن تقوم بدورها الفاعل في تمويل الأعمال الإسلامية ومساعدة الفقراء وإعانة المحتاجين رغم الضغوط الكبيرة المتصلة من أمريكا للتشديد عليها وتحجيم دورها وفرض الشروط التعجيزيّة عليها . وإن نجحت أمريكا في فرض الحظر على عدد من الجمعيات الخيرية في العالم كله، بما فيه الدول الإسلامية والعربية فإنّها – لغرض أو مرض – لم تفرض الحظر على مؤسسات خيريّة ذات أداء فعّال في الكويت التي لاتزال هي – ولله الحمد والمنة – اليوم على رأس الدول العربية الخليجية في تدعيم الأعمال الإسلاميّة بعدما تمكنت أمريكا من فرض الحظر على عدد من الجمعيات الخيرية في المملكة العربيّة السعوديّة التي كانت تحتلّ الرقمَ الأوّل في تقديم المساعدات للعمل الإسلامي . وإذا كان ذلك دالاًّ على شفافيّة أدائها حتى بمستوى أمريكا أيضًا ، فإنه كذلك يعود الفضل إلى موقف الأمير الراحل الصامد من هذه الجمعيات تجاه فعل الخيرات وتأدية الحسنات ، الأمر الذي أصبح رمزًا على الكرم الذي عُجِنَت به طينةُ الشعب الكويتي .
* * *
موجز من حياة ومنجزات الأمير الراحل جابر الأحمد الجابر الصباح
– هو الابن الثالث لسمو المغفور له الشيخ أحمد الجابر، حاكم الكويت الأسبق ، وقد وُلِد سموُه سنة 1928م .
– تلقى علومه في المدرستين : «المباركية» و«الأحمدية» ، كما تلقى تعليمًا خاصًا على يد أساتذة خصوصيين في الدين واللغة العربية وآدابها واللغة الإنجليزية و العلوم الأخرى كافة .
– في عام 1949م أُسْنِدَ إلى سموه أول منصب رسمي ، إذ عُيِّن في ذلك العام رئيسًا للأمن العام في منطقة الأحمدي .
– وفي عام 1959م ، تولّى رئاسة دائرة المالية إلى أن صدر المرسوم الأميري القاضي بتغيير اسمها إلى وزارة المالية في 17/1/1962م حيث أصبح أول وزير مالية للكويت ، وبقى في هذا المنصب إلى أن عهد إليه بتشكيل الوزارة في 30/11/1965م.
– في 31/5/1966م ، صدر مرسوم أميري بتعيين سموه وليًا للعهد بعد مبايعته للولاية بالإجماع في مجلس الأمة .
– نودي بسموه أميرًا للكويت في 31/12/1977م إثر وفاة المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح .
كان يهوى سموه الرياضة وركوب الخيل والسباحة. وهو متدين إلا أنه متطور، وهو متزوج وله أولاد .. وقد قام بجولات عديدة في مختلف بقاع العالم .
توليه الإمارة
تولّى الشيخ جابر الأحمد الصباح رحمه الله الحكمَ بعد الشيخ صباح السالم الصباح الذي حكم في الفترة ما بين (1965-1977م) الموافق 1385- 1397هـ) .
وقد واصلت الكويت طريقها نحو التطور والنمو وتحقيق الإنجازات على مختلف الأصعدة مع تسلم سمو الأمير الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح مقاليد الحكم في البلاد بعد المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح في (31 يوليو 1977م) .
وقد أضافت دولة الكويت في عهد سمو أمير البلاد الراحل إنجازات سياسية واقتصادية وتعليمية وصحية واسكانية ، وحققت الكثيرَ من الطموحات التي سعت إلى تحقيقها، فوصلت بذلك إلى مرحلة استطاعت من خلالها أن تأخذ مكانها بين الدول المتطورة وأن تكون مضربًا للأمثال في كثير من دول العالم .
ولقد أولى سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح كل رعاية وعناية بجوانب النهضة الحديثة محققًا بذلك الرفاهية للمواطن الكويتي من خلال الكثير من الإنجازات التي ساهمت فيها مرافق الدولة المختلفة وفق مسؤوليات ومهام كل منها.
كما شدد سمو الأمير – رحمه الله – على التمسك بالحياة الديموقراطية وفق ما نص عليها الدستور وشهد عهد سموه رحمه الله ، انتخابات أكثر من مجلس للأمة .
فعلى الصعيد السياسي كانت هناك الكثير من الإنجازات منها :
1- تشكيل أول وزارة برئاسة سمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الشيخ سعد العبد الله ، بعد صدور المرسوم الأميري في (28 فبراير 1978) بتكليفه تشكيل الوزارة. وقد شهد عهد سمو الأمير الراحل أكثر من وزارة في الأعوام (81 ، 85 ، 86، 90، 91، 92 ، 96، 1998م) .
2- التأكيد على الحياة الديموقراطية وفقًا للدستور. وقد شهدت البلاد انتخابات مجالس الأمة بإرادة شعبية أكدت أصالة الديموقراطية الكويتية .
3- المساهمة الفعالة بالتعاون مع دول الخليج توجت بدور الكويت في إنشاء أول مجلس للتعاون في مؤتمر قادة الخليج العربية الذي عُقِدَ في أبو ظبي في 25 مايو 1981م. وحرصت الكويت على استضافة عدد من مؤتمرا ت القمة الخليجية ، كما ترأس سمو أمير البلاد رحمه الله الوفود الكويتية لمؤتمرات القمة الخليجية التي عُقِدَت في دول الخليج، وأقر تشكيل الهيئة الاستشارية لمجلس التعاون بمؤتمر القمة الخليجي الذي عُقِدَ في عام 1997 وقد افتتح سموه رحمه الله الاجتماع الأول للهيئة بالكويت .
4- مواصلة الدور العربي بتوثيق أواصر العلاقات مع الدول العربية سواء من خلال الجامعة العربية أو من خلال التعاون الثنائي بين الكويت والدول العربية بتقديم القروض والمساعدات لمشروعات التنمية أو مواجهة الكوارث الطبيعية .
5- على الصعيد الدولي ساهمت الكويت ولا تزال تساهم في دعم السلام العالمي من خلال هيئة الأمم المتحدة ومنظماتها المختلفة. ولقد كان الدور العالمي كبيرًا في تحرير دولة الكويت من العدوان العراقي الغاشم (2أغسطس 1990) بتحالف دول العالم لدحر هذا العدوان وتحرير الكويت .
6- قام سمو الأمير رحمه الله بزيارات كثيرة لعدد من دول العالم كما استقبل سموه الكثير من زعماء العالم. وكان لهذه الزيارات المتبادلة دورها في توثيق أواصر التعاون بين الكويت وهذه الدول .
7- التوسع في التعاون الدبلوماسي مع دول العالم باستقبال السفراء أو بتعيين سفراء كويتيين في تلك الدول توثيقًا للتعاون مع هذه الدول .
وأما على الصعيد الإسلامي فقد حققت البلاد في عهد سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح ، رحمه الله ، الكثير من الإنجازات المحلية والعربية والدولية ، وكان من أبرز هذه الإنجازات .
1- استضافة المؤتمر الإسلامي الخامس للدول الإسلامية بالفترة ما بين (26 ، 29 يناير 1987م) ومشاركة الكويت بالمؤتمرات الإسلامية المختلفة إسهامًا منها بدعم التعاون بين الدول الإسلامية .
2- إنجاز مسجد الدولة الكبير الذي أُفتُتِحَ في يونيو 1986 الذي أقيم على مساحة 45 ألف متر مربع ويستوعب (100 ألف مُصَلّ) .
3- تشكيل اللجنة الاستشارية العليا للعمل على استكمال تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية التي صدر مرسوم تشكيلها بالمرسوم رقم (139 لعام 1991م) .
4- الاهتمام الأكثر بالجانب الإسلامي خاصة بين الشباب من خلال مسابقة حفظ القرآن وغرس المفاهيم الإسلامية في نفوس الناشئة لبناء جيل مسلح بتعاليم الدين الإسلامي الحنيف .
وفي سياق اهتمام الكويت التعليمي بدعم من سمو الأمير رحمه الله ، فقد حققت البلاد في عهد سموه الكثير من الصروح العلمية المختلفة أبرزها ..
1- إنشاء أول وزارة للتعليم العالي في يناير 1988 لتأخذ على عاتقها مسؤولية الإشراف والمتابعة لجميع جوانب التعليم العالي سواء بالداخل أو الخارج من خلال البعثات الطلابية التي ترسلها الكويت للدراسة في دول العالم .
2- افتتاح كليات جامعية جديدة مثل كلية الإعلام، إضافة إلى دعم دور جامعة الكويت لتفعيل دورها وواجباتها في إعداد جيل كويتي مؤهل تأهيلاً علميًا عاليًا .
3- انطلاقًا من اهتمام الدولة بالتعليم المهني ، فقد شهد عهد سمو الشيخ جابر الأحمد الجابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله ، إنشاء أول هيئة. وقد استطاعت هذه الهيئة تخريج الكثير من الطلبة والطالبات من أبناء الكويت في فروع المهن الحرفية المختلفة .
4- تخريج أول دفعة من كلية الطب بالكويت عام 1983م .
5- التوسع بإرسال البعثات الطلابية التخصصية لعدد من جامعات العالم المعترف بها دوليًا .
وعلى نطاق الإسكان ، كان للدولة إنجازات شتى في عهد أمير البلاد رحمه الله لتحقق الأمن الإسكاني للمواطنين وكان من أبرز هذه المشروعات :
1- إنشاء مؤسسة الرعاية السكنية لتوفير المساكن والقسائم اللازمة للمواطنين والقضاء على طول الفترة الزمنية التي تسبق تخصيص السكن للمواطن .
2- إقامة المشروعات الإسكانية الضخمة التي تضمنت (12905 وحدة سكنية) إلى جانب مشروع صباح السالم الذي يقيم ذوي الدخل المتوسط والدخل المحدود وقسائم ومجمعات سكنية بالإضافة إلى مشروعات أخرى كثيرة في مناطق الكويت .
وأما على الصعيد الاقتصادي فقد كان لدولة الكويت الكثير من الإنجازات التي رأت النور في عهد أمير البلاد رحمه الله ، وأبرز هذه الإنجازات :
1- ازدياد الحركة الاقتصادية من خلال تأسيس المؤسسات والشركات المالية التي ساهمت بدور فعال في تنشيط الاقتصاد الكويتي واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية للاستثمار في البلاد .
2- تعزيز دور سوق الأوراق المالية وتُوِّجَ ذلك بإنشاء المبنى الخاص بحركة تداول الأسهم اليومية وفق أحدث طراز واستقطب السوق الكثير من المتداولين الذين ساهموا بدور مباشر في حركة الاقتصاد .
3- زيادة حركة الجمارك والموانئ وتحقيق أرباح سنوية ساهمت في تنشيط الاقتصاد وتعدد السلع القادمة إلى البلاد والصادرة منها .
وزيادة في توفير الأمن الغذائي وزيادة الرقعة الزراعية بالبلاد فقد كانت هناك إنجازات شملت:
1- إنشاء الهيئة العامة للزراعة والثروة السمكية عام 1983م التي استطاعت أن تزيد من الرقعة الزراعية بالبلاد .
2- دعم الثروة البحرية بقوانين تكفل استمرارها للاستفادة منها .
وعلى صعيد المرافق العامة حققت البلاد الكثير من الإنجازات منها :
1- مطار الكويت الدولي الذي تم إنجازه عام 1978م .
2- أبراج الكويت التي اُفتُتِحت في مارس 1979م .
3- المدينة الترفيهية التي اُفتُتِحت في 14 مارس 1984م .
4- منتزه الخيران وقد اُفْتُتِح في فبراير 1986م .
5- الجزيرة الخضراء وقد اُفتُتِحت في فبراير 1988م .
6- برج التحرير الذي يعد رابع برج في العالم واُفتُتِح في مارس 1996م .
وإذا كانت هذه الإنجازات قد تحققت في عهد سمو أمير البلاد رحمه الله فإن هناك إنجازات أخرى في شتى النواحي التي ساهمت في تطوير البلاد وتقدمها ونهضتها بين الأمم والتي أعطت الكويت المكانة المرموقة بين دول العالم بفضل توجيهات سمو الأمير رحمه الله.
* * *
هذا ، وقد دعا أمير الكويت الحالي الشيخ صباح الأحمد الصباح البالغ من عمره 77 عامًا الذي استُبْدِلَ بالأمير المعتل الصحة الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح الشعب الكويتي إلى التكاتف معه لتطوير الديموقراطية وتحديث الكويت. وذلك في خطابه له يوم الثلاثاء : غرة محرم 1427هـ الموافق 31/ يناير 2006م . وطالبه بالعمل المتواصل على تحقيق مزيد من الرفاهية والنماء في ظلّ إمارته . مضيفًا : إن الدول التي كانت أقل منّا مواردَ سبقتنا ، فلا يجوز لنا أن نقعد مكتوفي الأيدي. وذلك لايمكن إلاّ بالعمل الحثيث المكثف. وامتنع الأمير عن أيّ إشارة إلى سياسته التي يتخذها بشأن الغرب وأمريكا ومحاولتهما للاستمرار في الإبقاء على استيلائهما على موارد النفط بالقوة وبالمؤامرة معًا .
والجدير بالذكر أن الشيخ صباح كان قد وُلِّي رئاسة مجلس الوزراء الكويتي عام 2003م (1424هـ) عندما اشتدّت وطأة الأمراض على وليّ العهد ورئيس مجلس الوزراء آنذاك الشيخ سعد العبد الله السالم الصباح ، فصدر المرسوم الأميري بفصل المنصبين أحدهما عن الآخر ، فظلّ الشيخ سعد وليًّا للعهد ، وانتُخِبَ الشيخُ صباح الأحمد رئيسًا لمجلس الوزراء . ويُنْتَظَرُ أن شقيق الأمير الحالي الشيخ نواف الأحمد الصباح هو الذي سيُوَلَّىٰ منصب رئيس الوزراء ، وقد كان وزيرًا للداخلية . وفعلاً قد أوكل إليه هذا المنصب مؤخرًا .
وقد أدرك المحلّلون طبيعة السياسة المطعّمة بالميل إلى تغرّب أكثر وديموقراطية غربية أمريكية أفعل ، من خلال إشارات بعيدة المدى في خطاب الأمير إلى الشعب ، الذي قال فيه مما قال : «لابدّ من تدعيم التعاون والإخاء والتآلف بين أبناء المجتمع، والتورع من أي تفريق بين الرجل والمرأة ، والعمل على توزيع الصلاحيات بينهما على شكل سواء ، كما ينبغي أن يتوزّعا المسؤوليات . وقال: نظرًا لذلك أمّنتُ في العام الفائت حق المرأة في التصويت . وأضاف : لابدّ من الارتقاء بالكويت إلى مستوى تولّي الدور الطليعيّ في منطقة الخليج .
ويتوقع المحللون أن الأمير الحالي سيمهد الطريق لتنفيذ مزيد من الإصلاحات السياسيّة التي تلمح بها أمريكا .
إطلالة على دولة الكويت والأسرة الحاكمة
كانت الكويت قرية صغيرة وفدت إليها مجموعات من الأسرة العربية المختلفة النسب باسم جماعات العتوب ، ويرجع أصلها إلى قبيلة غزة وغيرها من نجد وهي من أكبر قبائل العرب وأشهرها ، وينتسب آل صباح إلى الأسر العتبية ، وقد استقر صباح بن جابر شيخًا على الكويت لتصبح محط القوافل المسافرة بين حلب وشرقي الجزيرة العربية لتزدهر تجاريًا ، وكانت مصادر ثروة الكويت التجارية عن طريق البحر وهي تمثل العمود الفقري ، كما كان الغوص على اللؤلؤ يشكل مصدر الدخل الأكبر .
لقد خلف صباح بن جابر العتبي المؤسس للأسرة الحاكمة ، ابنه عبد الله بن صباح ، وقد تُوُفِّيَ صباح الأول حوالي سنة 1160هـ الموافق 1762م .
وقد احتلت الكويت منزلة سامية بين مشيخات الجزيرة العربية آنذاك بفضل آل الصباح الأمر الذي استرعى انتباه القوى الأخرى في الخليج وهي الفرس والأتراك والشركة الإنجليزية ، وبدأت علاقة بريطانيا بالكويت في سنة 1775م حين احتل الإيرانيون البصرة وتحولت تجارة الهند نتيجة لذلك إلى الكويت عبر بغداد وحلب ثم القسطنطينية في الفترة ما بين 1775م و 1779م لتصبح المحطة النهائية لضمان سلامة البريد في الطريق بين الهند وأوروبا، مما جعل البريطانيين يحرصون على رعاية العلاقات الودية مع قبائل العرب .
تولى عبد الله بن صباح الأول الحكم بعد وفاة والده عام 1762 حتى عام 1812 وفي عهده تم تشييد سور الكويت القديم .
ثم ولى الحكم بعده ابنه جابر الأول المعروف بجابر العيش لشدة كرمه ، وفي عهده رفض رفع العلم البريطاني فوق الكويت ، وتوفى الشيخ جابر الأول عام 1859م . ووُلّىَّ الحكمَ بعده صباح بن جابر (صباح الثاني) سنة 1276هـ = 1859م ، وفي عهده بدأت الدولة العثمانية التفكير بأهمية وضع الكويت الجغرافي ومساواته بميناء البصرة ، واستمر حكم الشيخ صباح الثاني حتى عام 1866م حكم من بعده ثلاثة من أولاده عبد الله بن صباح وتُوُفِّى سنة 1308هـ = 1892م ثم بعده الشيخ محمد الصباح الذي حكم من عام 1892 إلى 1896م ثم الشيخ مبارك الذي كان حكمه سعادة الكويت ، إذ عظمت في زمنه تجارتها لتصل سفنها إلى ساحلي آسيا الغربي والجنوبي وتقطع البحر الأحمر لتصل إلى سيلان وسيام والملايو إلى ساحل أفريقية الشرقي بطوله إلى زنجار ومدغشقر ورأس الرجاء الصالح ، وفي فترة حكمه حدثت معركة هدية وتم ظهور أول خريطة رسمية للكويت ، كما تم تغير علم الكويت حيث أصبح لونه أحمر ويحمل كلمة الكويت في الوسط .
وقد تُوُفِّي الشيخُ مبارك يوم 21 محرم سنة 1334هـ الموافق 21 نوفمبر 1915م ؛ ليتقلد الحكم من بعده ولمدة قصيرة ابنه جابر الثاني لمدة أربعة عشر شهرًا .
(تُوفِّي سنة 1917) ، تولّى الإمارة من بعده أخوه الشيخ سالم المبارك وكانت سنوات حكمه خلال الحرب العالمية الأولى ، وفي عهده حدثت معركة حمص التي شيد على أثرها السور الثاني للكويت لصد الهجمات ، وفي عام 1920م وقعت معركة الجهراء حيث دافع فيها الكويتيون ببسالة .
وبعد وفاته في الخامس عشر من جمادى الآخرة سنة 1339هـ الموافق شهر يناير سنة 1921م ، اختير للحكم الشيخ أحمد بن جابر الثاني الذي بقي في الحكم ثلاثين عامًا نظم خلالها الكثير من مواقف البلاد ، وقد كان عهده عهد تجديد عام في الكويت ثقافيًا وعمرانيًا ؛ حيث ظهر في عهده البترول ، كما أعطى امتيازه لشركة إنجليزية أمريكية ، وهي شركة نفط الكويت المحدودة . وفي ظل حكمه أنشئ عدد من المدارس الحديثة ومستشفى حكومي، واستمر عدد السكان في ازدياد مطرد منتظم .
تولى بعده ابن عمه الشيخ عبد الله السالم الصباح الذي زاد البترول في عهده ، كما تحولت الكويت في ظل حكمه إلى بلد عصري مستقل له مكانته في المحافل الدولية . وأرست الدولة علاقاتها الديبلوماسية مع عدد كبير من دول العالم كما انضمت الكويت إلى جامعة الدول العربية ومنظمة الأمم المتحدة .
عهد الاستقلال ودستور الكويت
في 19 يونيو 1961م أكدت الاتفاقية الجديدة المعقودة بين الكويت وبريطانيا استقلال الكويت استقلالاً تاماً في الشئون الداخلية والخارجية ، وتم إعلان استقلال الكويت «دولة مستقلة ذات سيادة كاملة» .
وكان أول عمل تنظيمي لجهاز الحكم بعد الاستقلال إجراء انتخابات لإنشاء مجلس تأسيسي من أبناء الشعب لوضع دستور دائم للكويت يستند إلى المبادئ الديمقراطية والقوانين والتشريعات المنظمة لمختلف مرافق الحياة ، وقد أصدر المغفور له الشيخ عبد الله السالم في 26 أغسطس (آب) 1961 مرسومًا أميريًا بهذا الشأن .
وفي 20 يناير 1962م افتتح سموه أول جلسات المؤتمر وفي 11 نوفمبر سنة 1962م صدق على الدستور الذي أقره المجلس التأسيسي، وبه تحدد نظام الحكم في الكويت بأنه ديمقراطي ، السيادة فيه للأمة. وهي مصدر السلطات جميعًا ، وبأن الكويت إمارة وراثية في ذرية المغفور له الشيخ مبارك الصباح .
وفي 20 يوليو من عام 1961م انضمت الكويت إلى الجامعة العربية لتساهم بالتضامن مع الدول العربية الشقيقة في كل ما يعود بالخير والتقدم للأمة العربية .
وفي 15 مايو 1963م أصبحت الكويت عضوًا في هيئة الأمم المتحدة بإجماع الأصوات لنعد و العضو الحادي عشر بعد المائة في أسرة المجتمع الدولي .
وفي 23 يناير (كانون الثاني) أجريت تنفيذًا لأحكام الدستور أول انتخابات نيابية في تاريخ الكويت الحديث لاختيار خمسين نائبًا يمثلون عشر دوائر انتخابية .
وفي 29 يناير سنة 1963 افتتح المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح أول مجلس للأمة في تاريخ الكويت .
دستور الكويت الذي وضع في عهد المغفور له الشيخ عبد الله السالم
في 11 نوفمبر سنة 1962م أصدر سمو الأمير الراحل الشيخ عبد الله السالم الصباح (دستور الكويت) العتيد ، الذي كفل الحريات العامة والعدالة والكرامة والأنظمة والقوانين المرعية من أجل خير وسعادة واستقرار وازدهار الكويت ، وتمكين شعبها الأبي من قطف ثمار ماكان يصبو إليه من طموح واعتزاز وحضارة ومكانة مرموقة على طريق الديمقراطية الصحيحة بين الشعوب المتقدمة وكنتيجة طبيعية للكفاح الوطني المجيد .
وفي ظل راية الاستقلال في كل عام يوم 25 شهر فبراير ، وهو يوم عيد جلوس الشيخ عبد الله السالم الصباح ، بعد أن تم دمج عيد الاستقلال للاحتفال بهذا اليوم بعيد وطني تمجيدًا لرمز الاستقلال .
وبعد وفاة المغفور له الشيخ عبد الله السالم الصباح تولى الحكم بعده أخوه المغفور له الشيخ صباح السالم الصباح وفي هذه الفترة استمرت الكويت في طريقها على دروب التقدم والرقي ، وفي عهده الذي اتسم باتزان السياسة الخارجية استطاعت الكويت أن تخطو خطوات كبيرة في طريق الحضارة والرقي .
كما تم في عهده افتتاح جامعة الكويت في عام 1966م وقد استمر حكمه من (1965-1977) .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . محرم – صفر 1427هـ = فبراير – مارس 2006م ، العـدد : 1–2 ، السنـة : 30.