بقلم:  الشيخ / أحمد العجوز

         يقرر الإسلام الحق والعدالة في كل الشؤون، ولجميع الفئات. فلم يكن في تشريعه ظلم لفرد، أو هضم لحق.

         يتجلى ذلك كله في تفاوت التشريع بين الرجل والمرأة. إذ راعى لكل منهما إمكانيته في الحياة، وطبيعته الفطرية في المستلزمات الدينية والمالية والاجتماعية، فكان التفاوت بينهما في التكليف على أربع حالات.

  • المساواة بينهما.
  • التفاوت بينهما.
  • ما اختصت به المرأة دون الرجل.
  • ما اختص به الرجل دون المرأة.

المساواة بين الرجل والمرأة:

         شرع الإسلام المساواة بين الرجل والمرأة في الأمور الآتية:

         (1) في العقائد: بوجوب الإيمان بالله وحده لا شريك له ولا مثيل ولا ولد له ولا والد، وبالأنبياء عمومـًا بلا تفريق بينهم، وبالنبي محمد ﷺ خصوصًا، وبالكتب السماوية، وما علم من الدين بالضرورة، من البعث والجزاء والجنة والنار.

         (2) وفي العبادات: من صيام، وزكاة، وحج، ونحو ذلك.

         (3) وفي الحقوق الكسبية: للدنيا، عن طريق العمل والكدح والهبة، والوقف والوصية والجمالة وغيرها وللآخرة، من ثواب على الطاعة، وعمل الخير ونحو ذلك.

         (4) والحقوق القضائية: لهما أو عليهما، من قصاص القتل، والجرح، والبتر والسرقة، وحد المسكر والمخدر، والتعدي، والظلم، والبقاء وسائر المنهيات.

         (5) وفي الفضائل الخلقية: من الصدق، والأمانة، والوفاء بالوعد والعهد وصلة الأرحام، ونحو ذلك.

         (6) وفي التفقه في الدين، ومعرفة الأحكام الشرعية، وطلب العلم، واكتساب آداب السلوك، والتنشئة الدينية القويمة، ونحو ذلك.

         (7) وفي الرخص الشرعية: من قصر الصلاة الرباعية في سفر القصر، والجمع بين الصلاتين، والإفطار أيام المرض، وسفر القصر، على أن يقضي الصيام من أيام أخر.

         (8) وفي صحة العقود المالية والتجارية على الإطلاق.

التفاوت بينهما:

         جعل الإسلام التفاوت بين الرجل والمرأة حسب الحكمة الرشيدة في الميراث والشهادة.

التفاوت في الميراث:

         جعل التفاوت بين نصيبيهما في الميراث في ثلاث حالات، وهي:

         (1) الأبناء مع البنات، وأبناء الابن مع بنات الابن، مهما نزلوا.

         (2) الإخوة الأشقاء مع الأخوات الشقيقات، والإخوة لأب مع الأخوات لأب.

         (3) الزوجان إذا مات أحدهما، وورثه الآخر.

         فالأنثى من البنات والأخوات لهما نصف ما لأخيها من النصيب والزوجة لهما من تركة زوجها المتوفى قبلها نصف نصيبه من تركتها فيما لو توفيت قبله.

حكمة هذا التفاوت:

         بني هذا التفاوت الحكيم على أساس التفاوت بينهما في الواجبات المالية؛ فإن واجبات الرجل المالية مرهقة له، وهي أوسع من واجبات المرأة إن لزمتها في بعض الأحيان، وهي كما يلي:

         (1) الرجل هو رب الأسرة، وهو المكلف وحده بالإنفاق على زوجته وأولاده إن كان متزوجًا أو سيصبح كذلك بعد حين، فعليه حينئذ نفقة المطعم، والمشرب، والملبس، والمسكن والماء، والضياء، والمعالجة والدواء، والمدرسة، والانتقال، وغير ذلك.

         (2) وهو الذي يقدم الصداق للزوجة.

         (3) وعليه نفقة الوالدين الفقيرين والأقارب الفقراء، الإخوة والأخوات وغيرهم.

         فكان من العدالة أن يكون نصيبه من الميراث أكبر من نصيبها منه، لأجل أن يستعين به على القيام بهذه الواجبات التي تثقل كاهله، وتحرجه.

حالة المرأة:

         المرأة خالية من هذه التكاليف المالية بعيدة عن كل مسؤولية. فإن كانت متزوجة، فنفقتها على زوجها، وإن كانت غير متزوجة فنفقتها على نفسها فقط إن كانت قادرة على الإنفاق، وإن لم تكن قادرة فعلى بيت مال المسلمين، أو دائرة الأوقاف، أو الأغنياء من أقاربها، أو المسلمين.

         فالرجل مطالب بكل شيء، والمرأة لا تطالب بشيء.

         فالإسلام قد أعفاها من كل مسؤولية مالية، ثم بالغ في رعايتها والعطف عليها، فأعطاها نصف ما يأخذه الرجل المرهق بتلك التكاليف، فتكون في الواقع أكثر منه حظًّا، وأوفى نصيبًا في حيازة المال لنفسها.

         وهذا هو الأساس في أن لها نصف نصيبه من الميراث.

         قال الله تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ ‌ٱللَّهُ ‌فِيٓ ‌أَوۡلَٰدِكُمۡۖ لِلذَّكَرِ مِثۡلُ حَظِّ ٱلۡأُنثَيَيۡنِۚ﴾ (سورة النساء:11).

التفاوت بينهما في الشهادة:

         جعل الإسلام التفاوت بينهما في الشهادة، حسبما تقضيه طبيعتهما الفطرية وتتطلبه المصلحة، وصيانة الحقوق.

         من المعلوم أن الشهادة حكاية المعلوم الحاصل عن مشاهدة، أو سماع، أو كتابة لإثبات حق أو نفيه، أو تقرير دين، أو أمانة، أو نسب، أو نفي تهمة باطلة، أو غير ذلك من شتى الأحداث، والوقائع التي تتعلق بها حقوق أو تدفع بها تهم لا صحة لها.

         فإن طال الزمن، وتقادم العهد فإن العلم بالواقع يضعف، أو ينسى لا سيما عند المرأة، بالنظر إلى ما كون الله بها من طبيعة الأنوثة، وما يعرض لها من الحيض، والحمل، والوضع، والنفاس، والرضاعة.

         وقد أثبت الطب الحديث أن خلايا الأنوثة أضعف من خلايا الذكورة فربما سبب ذلك لها النسيان، فيضيع حق ثابت، أو نسب قائم، فاقتضى هذا الحال أن تعان على شهادتها بشهادة امرأة أخرى، تذكرها إذا نسيت، وتقوي شهادتها إن ضعفت.

         فجعل الله لذلك شهادة امرأتين بشهادة رجل فقال:

         ﴿وَٱسۡتَشۡهِدُواْ ‌شَهِيدَيۡنِ مِن رِّجَالِكُمۡۖ فَإِن لَّمۡ يَكُونَا رَجُلَيۡنِ فَرَجُلٞ وَٱمۡرَأَتَانِ مِمَّن تَرۡضَوۡنَ مِنَ ٱلشُّهَدَآءِ أَن تَضِلَّ إِحۡدَىٰهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحۡدَىٰهُمَا ٱلۡأُخۡرَىٰۚ﴾ (سورة البقرة: 282).

         بذلك تتجلى حكمة العليم الخبير في هذا التفاوت في الميراث والشهادة. ثم إن المرأة قد تنفرد بالشهادة، وتقبل شهادتها هذه، وذلك فيما لا يطلع عليه إلا النساء، كالبكارة، والثيوبة، والحمل، والولادة، وعيوب النساء، لا سيما القابلة.

ما اختصت به المرأة دون الرجل:

         قد راعى الإسلام في تشريعه حالة المرأة الطبيعية، وشؤونها الخاصة فخفف عن كاهلها كثيرًا من العبادات المفروضة، وبعض الأمور المطلوبة بينما تطلب من الرجل كاملة، من غير تخفيف.

         وهي كما يلي:

         (1) لا تصلي شيئًا من الصلوات الخمس المفروضة أيام أعذارها، من حيض وولادة، ونفاس، ولا تقضي ما فاتها منها.

         (2) لا تجب عليها صلاة الجمعة؛ بل تصلي الظهر في بيتها.

         (3) لها من زوجها الصداق، والنفقة، وليس عليها شيء له.

         (4) ليس عليها شيء من دية القتيل إذا وجبت على العاقلة التي تحمي القاتل عادة، إلا إذا اشتركت في القتل.

ما اختص به الرجل دون المرأة:

         اختص الشرع الإسلامي الرجل بأمرين اثنين لأهليته، وكفاءته، وهما:

  • القوامة.
  • والطلاق.

القوامة:

         القوامة هي الرئاسة على الأسرة لحفظها بالرعاية، وحمايتها من كل سوء، وإمدادها بكل ما تحتاج إليه في الحياة.

         قال الله تعالى: ﴿‌ٱلرِّجَالُ ‌قَوَّـٰمُونَ عَلَى ٱلنِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ ٱللَّهُ بَعۡضَهُمۡ عَلَىٰ بَعۡضٖ وَبِمَآ أَنفَقُواْ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡۚ﴾ (سورة النساء:33).

         الفضل معناه الزيادة.

         يعني جعل الله الرجال قوامين على النساء بالرعاية والولاية بما زاد بعضهم على بعض من قوة البدن للحماية، ولمباشرة الأعمال الشاقة في طلب الرزق، والصبر على المكاره، والكفاح لدفع العدو، وبما أنفقوا من أموالهم من تقديم الصداق، ونحوه وهي لا تستطيع ذلك.

         فالقوامة هي رعاية وولاية وحماية، وإنفاق وتدبير وإحسان لا سيطرة واستعلاء ونفوذ، ولا سلطة واستبداد وتحكم تظللها المحبة، والمودة والإخلاص.

الطلاق:

         الطلاق هو حل الرابطة الزوجية عند استفحال النزاع، واستحالة الإصلاح.

         جعل الله الطلاق للرجل دون المرأة لأسباب وجيهة، وهي:

         (1) أن الرجل هو الذي يدفع للمرأة الصداق، ويقوم عليها بالإنفاق فهو صاحب الخير والفضل، فمن حقه أن يكون الطلاق بيده دونها.

         (2) الرجل هو الذي يقع عليه غرم مالي بسبب الطلاق، وهو مؤخر الصداق، ونفقة العدة.

         فلا يحسن مع ذلك أن يكون الطلاق بيد المرأة، حتى لا توقعه لأقل سبب من تأثر أو غضب.

         وقد يدفع الطمع ببعضهن لإيقاع الطلاق، كي تحظى بمؤخر الصداق، فمن الحكمة أن يكون الطلاق لذلك بيده.

         (3) الرجل أقوى من المرأة على الصبر، وتحمل المكروه، فإذا كان الطلاق بيده فإنه يمنعه صبره وجلده من هدم كيان بيته بإيقاعه؛ بل يحافظ على الرابطة الزوجية، وسعادة الأسرة ما أمكنه ذلك. قال رسول الله ﷺ: «أبغض الحلال إلى الله الطلاق» رواه أبو داود وابن ماجه.

         ثم إن الطلاق لا يصار إليه بدارًا؛ بل بعد مراحل الإصلاح، ومحاولة التصفية من الأحقاد، وأسباب النزاع من الزوجين ومن أهلهما، فإن عسر ذلك فباختيار حكمين من أهلهما، فإن استعصى الإصلاح واستحال، فيكون الطلاق على مراحله الثلاث وبين كل مرحلة وأخرى عدة الطلاق وهي نحو ثلاثة أشهر ربما تصلح نفس المذنب منهما، فيعودان بعد لوعة الفراق.

         فالتشريع حكيم، والتفاوت فيه قويم.

مجلة الداعي، ربيع الآخر 1444هـ = نوفمبر 2022م، العدد: 4، السنة: 47

Related Posts