كلمة المحرر
عاش ویعیش المسلمون أنواعًا من التحدیات من حینٍ لآخر منذ أن أفلت شمسهم، وطُوي بساط حكمهم في هذه البلاد بصفةٍ عامةٍ، ومنذ ما نالت البلاد حريتها المرجوة بما ذَرفوا من الدموع، وما استرخصوا في سبيله من دمائهم، وما بذلوا من نفيسهم وغاليهم لاستخلاصها من أيدي الاستعمار الغاشم الذي جثم على صدرها أعوامًا وأعوامًا بصفةٍ خاصةٍ، ومنذ السنوات الأخيرة بصفة أخص. ومن أبرز هذه التحديات التي أقضَّت على المعنيين بأمور دينهم مضاجعَهم، وأحدثت في المجتمع الإسلامي ثلمة لاتكاد تسد، وجُرحًا ينزف بصورة مستمرة، ألا وهي ظاهرة الارتداد المتصاعدة في أبناء المسلمين و بناتهم، وخاصةً في الدارسين والدارسات في الجامعات والكليات والمدارس العصرية والتبشيرية التي دُسَّ-عن تعمدٍ وخطةٍ مدروسةٍ منسوجةٍ بكل دقةٍ ودهاءٍ- في مناهجها الدراسية على اختلاف ألوانها وصورها كثير مما يخلخل الوازع الديني عند الشباب والشابات، ويزعزع ثقتهم بدينهم، وثقافتهم، ومُثُلهم الإسلامية، فيتشربون الإلحاد والتشكيك والانحراف والميوعة في الأخلاق والسلوك، مما لا صلة له بالإسلام من قريب أو بعيد، ويتجرؤون على عصيان الله تعالى و رسوله فيما أمرا به ونهيا عنه، ويتنمرون على معتقداتهم وتقاليدهم الإسلامية، في غفلةٍ مزريةٍ مشينة من قِبَل أولياء أمورهم من الآباء والإخوة وغيرهم.
إن هذه الظاهرة – التي تشكل سلاحًا ذا حدين، وتأتي على الأخضر واليابس لا في الهند فقط؛ وإنما في العالم الإسلامي من أدناه إلى أقصاه- لم تستطع أن تأخذ حيزًا تستحقه من اهتمامات المسلمين و عناياتهم من آباء وأمهات. فنمت هذه الجرثومة، وترعرت بعد أن توفر لها كل العوامل المادية والمعنوية.
وفي هذه الأوضاع يقف المسلمون على مفترق الطرق! وهم بين أمرين لا ثالث لهما: إما أن يدَعوا حبل أبنائهم وبناتهم على غاربهم، ويتركوا الأجيال الحاضرة واللاحقة يتعشش في قلوبها وعقولها و سلوكياتها الإلحاد والزندقة والانحراف والوثنية والحضارة الغربية والشرقية بشتى صورها وأشكالها وسمومها وفنونها، ولا إخال أن أحدًا من المسلمين- مادام أنه مسلم، ويريد أن يعيش- هو والجيل الحاضر والمستقبل- حياته مسلمًا – يرضى بهذا النكوص والارتداد على الأعقاب: الارتداد عن الدين وقيمه ومُثُله وثقافته؛ وإما أن يقوموا قومةَ رجلٍ واحدٍ لإنقاذهم من هذا الطوفان الجارف، ولا يدخروا جهدًا في سبيله؛ فلابد من التوعية الدينية، والتوعية العقدية لأبنائنا وبناتنا، ولا محيص أن يتقدم العلماء المخلصون العاملون للنهوض بهذا الواجب على مختلف المستويات: في المساجد، والنوادي، وقاعات المحاضرات، والإذاعة، والصحافة و أجهزة الإعلام المتنوعة ما استطاعوا إليه سبيلا، وما سمح لهم به دينهم الحنيف من الوسائل والطرق حتى نقطع جرثومة الارتداد من الدين في المجتمع الإسلامي، وحتى نقضي عليها في مهدها قبل أن يستفحل أمرها، ويستطير شرها، ويتسع الخرق على الراقع.
ولخطورة الارتداد والنكوص على الأعقاب دعَا إبراهيم عليه السلام ربه أن يجنبه الله تعالى هو وأبناءه من عبادة الأصنام: ﴿وَٱجۡنُبۡنِي وَبَنِيَّ أَن نَّعۡبُدَ ٱلۡأَصۡنَامَ﴾ [إبراهيم:35]، أي اجعلني وبني على منجاة من عبادة الأصنام، وثبّت قلوبنا على ما نحن عليه من التوحيد والدين الحنيف الذي لا عوج فيه ولاشطط.
فالله الله، يا أولياء الأمور، قوموا مثنى وفرادى ثم تتفكروا كيف تخلصون الجيل الحاضر والقادم من أن يقع فريسة للارتداد الذي هو فاغر فاه، ومن أن يعود لقمةً سائغةً للأعداء الذين يتربصون بكم الدوائر، عليهم دائرة السوء. [التحرير] (تحريرًا في الساعة العاشرة صباحًا من يوم الاثنين: 25/ربيع الآخر 1444هـ=21/نوفمبر 2022م)
مجلة الداعي، جمادى الآخرة – رجب1444هـ = يناير- فبراير2023م، العدد:6-7، السنة: 47