الفكر الإسلامي

بقلم: العلامة الشيخ شبير أحمد العثماني رحمه الله

(1305-1369هـ/1887-1949م)

تعريب: أبو عائض القاسمي المباركفوري

       وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلا تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ وَلا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَمَا أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٣١)

فائدة:

       (فَبَلَغْنَ اَجَلَهُنَّ) أي أوشكت العدة على الانتهاء.

فائدة:

       أي يباح للرجل- قبل انقضاء العدة -أن يسترجع المرأة بالمعروف والوفاق، أو يسرحها بالمعروف والرضا، لا أن يحبسها ويراجعها ضرارًا لها، شأن ما كان يفعله بعض الناس.

فائدة:

       ترشد الآية السابقة – الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ الخ – إلى أن الأمر مفوَّض إلى الزوج ما دام طلقها طلقتين، فإن شاء راجع المرأة بالمعروف، أو سرحها سراحًا جميلاً، وهذه الآية ترشد إلى أن هذا الخيار يتقيد بالعدة، أما بعد انقضاء العدة فلا خيار للزوج، فلا يُشكل التكرار.

فائدة:

       إن النكاح والطلاق والخلع والرجعة والتحليل وغيرها تحمل حِكمًا ومصالح كثيرة، وأما التحايل عليها وإدخال الأغراض الفاسدة بأن يراجع المرأة- مثلا- يريد التضييق علىها، فكأنه استهزأ بأحكام الله تعالى، نعوذ بالله من ذلك، ولايخفى على الله تعالى شيء من ذلك، وهل تجلب هذه الحيل وأمثالها على صاحبها إلا الضرر.

       وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ ذَلِكَ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كَانَ مِنْكُمْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكُمْ أَزْكَى لَكُمْ وَأَطْهَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ (٢٣٢)

فائدة:

       امرأة طلقها زوجها طلقة أو طلقتين، ولم يراجعها في العدة، ثم خطبها الزوج الأول فيمن خطبها، و رضيت المرأة به، وغضب أخوها ومنعها من الزواج به، فنزلت هذه الآية، و أمروا بأن يراعوا رضى المرأة و صلاحها في تزويجها، ولايتدخل فيه عاطفة من عواطفهم أو غضبهم، وهذا الخطاب يشمل كل عازل ومانع من النكاح سواء منعها الزوج الأول – الذي طلقها – من الزواج بآخر غيره أو منعها وليها ووارثها من الزواج بالزوج الأول أو بزوج آخر، فهؤلاء كلهم نُهوا عن عضل المرأة عن النكاح حيث شاءت، وأما إذا تزوجت بغير معروف بأن تزوجت في غير كفئها، أو أرادت أن تتزوج بزوج آخر قبل انقضاء العدة من الزوج الأول، فيحق لهم المنع، وهذا ما يشير إليه قوله: (بِالْمَعْرُوْفِ).

فائدة:

       أي يوعظ أهل الإيمان بالحكم المذكور؛ إذ لاينتفع به غيرهم، وإن كان للناس عامة، ولايخص أحدًا دون أحد، ويؤخذ من تخصيصه بأهل الإيمان تهديد من سواهم و احتقارهم. أي من لم يمتثل هذه الأوامر فكأنه لايؤمن بالله واليوم الآخر.

فائدة:

       (ذٰلِكُمْ اَزْكٰى لَكُمْ وَ اَطْهَرُ) أي إن عدم عضل المرأة عن النكاح و زواجَها فيه من الطهارة والزكاة ما ليس في عضلها عنه. ومادامت المرأة راغبة في الزوج الأول، فإن زواجها منه فيه من الطهارة والزكاة ما ليس في زواجها من زوج آخر البتة، والله أعلم بما في قلوبهم وما يضرهم وما ينفعهم في مستقبل حياتهم. وأنتم لا تعلمون.

       وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلا وُسْعَهَا لا تُضَارَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا وَلا مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ فَإِنْ أَرَادَا فِصَالا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَا آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٣)

فائدة:

       أي الأم مأمورة بأن ترضع ولدها إلى حولين كاملين، وهذه المدة لمن أراد من الوالدين استكمال مدة الرضاعة، وإلا يجوز الإرضاع لأقل مدة من ذلك، كما سيأتي في نهاية الآية. وهذا الحكم يشمل الأمهات اللاتي هن في عصمة الأزواج، واللاتي طلقهن أزواجهن، أو انقضت عدتهم، ولافرق فيهن إلا أن الطعام والكسوة واجبان على الزوج للمنكوحة والمعتدة على كل حال، سواء أرضعت أم لم ترضع ولدها، فإذا انقضت العدة لم يجب على الزوج لها إلا أجرة الإرضاع. ودلت الآية على أن المدة التي يراد استرضاع الأم ولدها فيها أو تكليف الأب دفع أجرة الرضاعة لها تنتهي إلى عامين كاملين، ولم تدل الآية على أن مدة الإرضاع بصفة عامة لاتزيد على عامين.

فائدة:

       أي يجب على الأب نفقة أم الرضيع وكسوتها في كل حال، أما في الصورة الأولى، فلأن المرأة في عصمتها، وأما في الصورة الثانية، فلأنها في عدته، وأما في الصورة الثالثة، فيجب عليه أجرة الاسترضاع للأم. و لايضار والد ولا والدة أحدهما غيره لأجل الولد، بأن تأبى الأم إرضاعه من غير مبرر، أو يريد الأب استرضاع غير أمه من غير مبرر أو يضيق عليها في النفقة والكسوة.

فائدة:

       (وَ عَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذٰلِكَ) أي يجب على ورثة الولد إن مات الوالد- أن يتحملوا نفقة الأم وكسوتها في مدة إرضاعها للولد، ولايضاروه، والمراد بالوارث: هو الوارث المحرم.

فائدة:

       (فَاِنْ اَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ) أي إذا تراضى الوالدان – لمصلحة تخص الولد- على فصال الولد خلال عامين عن تشاور لتحقيق هذه المصلحة فلا جناح عليهما، بأن كان حليب الأم غير صحيٍّ.

فائدة:

       أي أيها الأزواج إذا أردتم استرضاع غير الأم لمصلحة، فلا جناح عليكم، ولكن لاتبخسوا الأم حقها لأجل ذلك، بل يجب أن تسلموا إليهن ما تقرر دفعه إليهم بالمعروف، أو المعنى لا تبخسوا المرضع حقها.

       وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٢٣٤)

فائدة:

       سبق أن عدة الطلاق تربص ثلاث حيض، ويقول الله تعالى هنا: ينتظرن في العدة أربعة أشهر و عشرًا، فإن تبين خلال هذه المدة أن المرأة غير حامل، حل لها أن تتزوج زوجًا آخر، وإلا لم يحل لها الزواج مالم تضع حملها. وسيأتي بيانه وتفصيله في سورة الطلاق. والحق أن ثلاث حيض أو أربعة أشهر وعشرا ضربت أجلا لانتظار الحمل ومعرفته.

فائدة:

       (فَإِذَا بَلَغْنَ اَجَلَهُنَّ) أي فإذا أكملت الأيامى عدتهن، أي أكملت غير الحامل أربعـــــة أشهر وعشرا، وأكملت الحامل مدة الحمل، فلا جناح عليهما أن تتزوجا بالمعروف شرعًا، ويحل لهما الزينة والطيب.

       وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلا أَنْ تَقُولُوا قَوْلا مَعْرُوفًا وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (٢٣٥)

فائدة:

       حاصل الآيات أن المرأة إذا فارقت زوجها لم يحل لأحد غيره أن يتزوجها ما دامت في العدة، أو يعِدَهَا وعدا صريحًا، أو يخطبها خطبة صريحة، فإن أكنَّ في قلبه أنه يتزوجها بعد انقضاء عدتها أو يبلغها قصده إيماءً من غير كشف، مخافة أن يسبقه أحد إلى خطبتها بأن قال لها: أنتِ عزيزة على الناس، أو: أريد أن أتزوج، فلاجناح عليه، ولكن لايخطبها خطبة صريحة.

فائدة:

       (وَ اعْلَمُوْا اَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا فِيْ اَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوْهُ) أي يعلم الله تعالى ما في نفوسكم وضمائركم، فاحذورا ما لايجوز من القصد، فإن فعلتم فتوبوا إلى الله تعالى، فإنه (غَفُوْرٌ) ولاتغتروا إذا لم يعذب المذنب؛ فإنه (حَلِيْمٌ)، لايعجل في العقوبة.

            لا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (٢٣٦)  

فائدة:

       إذا لم يتعرض للمهر عند النكاح أو نكح بغير مهر، صح النكاح، ويسمي المهر فيما بعد، ولكن إن طلقها قبل أن يمسها ويجامعها وقبل أن يخلو بها خلوة صحيحة لم يجب على الزوج مهر، ويجب عليه أن يمتعها متعة وهي ثلاثة أثواب – القميص والخمار والملحفة- على الأقل، وذلك على قدره ووسعه وبرضى منه.

       وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (٢٣٧)

فائدة:

       إن سمى المهر عند النكاح وطلقها قبل أن يمسها، وجب عليه نصف المهر، إلا أن تعفو المرأة أو يعفو الرجل الذي بيده إبقاء النكاح وفسخه عن حقه فهو خير، وعفو المرأة تركها حقها وهو النصف، وعفو الرجل أن يكمل لها صداقها أو لا يسترد النصف فيما إذا سلم إليها المهر؛ بل يترك لها المهر كاملًا. ثم قال: الأجدر أن يعفو الرجل؛ لأن الله تعالى فضَّله وخيَّره بين أن يبقي على النكاح أو يطلق المرأة، و يلزم المهر كاملا بنفس النكاح، ويدفع الزوج عن نفسه نصف المهر بالطلاق قبل المسيس، ولايناسب ذلك التقوى، ولم تقصر الزوجة في حقه، و كل ما حصل من فعل الزوج فهو أحق أن يعفو وأنسب.

فائدة:

       الطلاق بالنظر إلى المهر والوطء على أربع صور: الأولى: لا مهر ولا مساس، الثانية: سمى المهر ولم يمسها- وشرحت الآية الكريمة حكم هاتين الصورتين-، الثالثة: سمى المهر ومسها، فيجب المسمى كاملا، وتحدثت آية أخرى عنها في موضع آخر من القرآن الكريم-، الرابعة: لم يسم مهرا، وطلقها بعد المسيس، فيجب مهر المثل كاملا أي مثل مهر نساء قومها. وتتفرع هذه الصور الأربع على الموت، إلا أن حكم الموت يختلف عن حكم الطلاق. و إن لم يسم لها مهرا، ولم يمسها، ومات الزوج، أو مات بعد المسيس، وجب مهر المثل كاملا في الصورتين، وإن سمى لها مهرا ومسها أولم يمسها، وجب المسمى كاملا.

       حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ (٢٣٨)

فائدة:

       (الصَّلٰوةِ الْوُسْطٰى) صلاة العصر؛ فإنه وسط النهار والليل، وأكد عليها؛ لأنها وقت شغل كبير في الدنيا، وقال: (قُوْمُوْا لِلَّهِ قنِتِيْنَ) أي لاتتحركوا في الصلاة حيث يرى الرائي أنه ليس في الصلاة، ومثل هذه الأمور تفسد الصلاة، كما تفسد بالطعام والشراب والكلام والضحك.

فائدة:

       ذكر حكم الصلاة في ثنايا أحكام الطلاق إما للتحذير من أن ينسوا عبادة الله تعالى في خضم معاملات الدنيا والمنازعات فيما بينهم، و إما لأن عبدة الهوى والنفس يصعب كثيرا عليهم – بسبب الحرص والبخل – القيامُ بالعدل والقسط على الوجه الكامل، وخاصةً في الحزن والطلاق، كما أنه يُستبعد منهم أن يأخذوا بقوله: (وَاَنْ تَعْفُوْا)، وبقوله: (لَاتَنْسَوُا الْفَضْلَ) في مثل هذه الحالة، فذكر علاجه ودواءه بأن المحافظة على الصلاة والمواظبة عليها ومراعاة حقوقها خير علاج؛ فإن الصلاة لها مفعول كبير في إزالة الرذائل والتحلية بالفضائل.

       فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ (٢٣٩)

فائدة:

       أي تصح الصلاة ركبانًا ورجالًا عند الضرورة في الحرب أو عند مخافة العدو وإن لم يستقبل القبلة.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1439 هـ = أغسطس – سبتمبر 2018م ، العدد : 12 ، السنة : 42

Related Posts