كلمة المحرر

       شهد العالم في الماضي القريب والبعيد في مختلف مناطقه وأصقاعه كثيرًا من الملوك والأباطرة الذين جلبت تصرفاتهم الخاطئة وسياستهم القمعية وعنجهيتهم كثيرًا من الويلات والمصائب لا على بلادهم فحسب؛ بل على كثير من البلدان في العالم. ومن سوء الحظ لايعدم العالمُ اليوم أمثال هؤلاء الحكام الجبارين، الذين تشير دراسةُ سياستهم ونواياهم الخفية وما يخرج من أفواهم- دراسة عابرة – إلى أنهم يقودون العالم– بدلا من محاولة بسط الأمن فيه– إلى الدمار الشامل والفوضى العارمة عن عمد وقصد.

       لقد دأب الرئيس الأمريكي «ترامب» منذ توليه رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية على إصدار أوامر وتوجيهات تعد خروجًا صارخًا على القوانين الدولية،وتشير- إشارة صريحة- إلى العداء الدفين في قلبه ضد الإسلام والمسلمين. ومن أحدث قراراته التي أثارت ضجة واسعة النطاق في العالم اعترافه بالقدس عاصمة لإسرائيل، ضاربًا عرض الحائط بجميع القرارات الأممية والاتفاقيات والمواثيق الدولية؛ إذ أعلن في السادس من ديسمبر/كانون الأول: «لقد آن الأوان لاعتراف القدس عاصمة لدولة إسرائيل، ورغم أن الرؤساء الأمريكيين السابقين وعدوا بذلك في حملاتهم الانتخابية في الماضي إلا أنه لم يتجرأ أحد منهم على الوفاء بذلك، وها أنا ذا أفي بهذا الوعد الذي قطعته على نفسي».

       وأثار هذ الإعلان ضجةً واسعة النطاق في العالم، وقُوبل بالرفض العنيف لا من الدول الإسلامية الحليفة للولايات المتحدة الأمريكية والمتقربة إليها؛ بل من قبل الدول الأوربية الحليفة لها كذلك، وأعربت هذه الدول عن شديد غضبها على ذلك، وأبدت مخاوفها تجاهه.

       والحق أن المخاوف التي أبدتها الدول المعارضة لهذا القرار الأمريكي الأحادي بدأت مغبتها الوخيمة تتجلى للعيان؛ فقد شهد الشرق الأوسط تيارًا من العنف وبصورة لم يسبق له مثيل. ولايدري إلا الله تداعياته وويلاته.

       إن اعتراف «ترامب» بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأمريكية من «تل أبيب» إليها يشكل محاولة خطيرة لتغيير هوية القدس، وتبرير استيلاء إسرائيل الغاشم عليها، الأمر الذي يمثل إهانة صريحة للفلسطينين والعالم الإسلامي كله، وتهديد الأمن العالمي، الذي تَعدّ أمريكا نفسَها أكبر داعية إليه، وحارسة عليه باسم الديموقراطية المزعومة، وبغطاء من مجلس الأمن الذي أصبح ألعوبة بأيدي القوى  الاستعمارية المعادية للإسلام والمسلمين، وللدول المغلوب على أمرها.

       وهذه الأوضاع الحرجة التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط وبالتحديد مدينة القدس يتطلب من الدول الإسلامية أن تنسى للأبد أن الولايات المتحدة الأمريكية صديقة لها؛ فإنها كانت وظلت وستظل عدوا لدودا للإسلام والمسلمين ولكل ما يمت إلى الإسلام بسبب، إنها والغة في توجيه سهام الأذى إلى المسلمين، ولاتدع فرصة تسنح لها لذلك. أليست الولايات المتحدة الأمريكية هي اللاعب الأساسي في الدماء الإسلامية التي سُفكت وتُسفك رخيصة، والحرمات التي انتهكت وتُنتَهكُ، والمدن التي خربت في كل من العراق وليبيا وسوريا.

       إن وقوف أمريكا بجانب الدول الظالمة الغاشمة وبصورة مستمرة ومن غير استحياء لن يزيد دول العالم إلا نفورًا منها ومن قراراتها الأحادية، في حين يصعب التنبأ بما يجلب قراراها هذا نفعًا لها أو يعود ضررًا وبالًا عليها، كما تشير إليه تحليلات وتعليقات وسائل الإعلام الأمريكي والأغلبية الساحقة من شعبها؛ فإنك لاتجني من الشوك العنب كما يقول المثل العربي.        [التحرير]

(تحريرًا في الساعة العاشرة صباحًا من يوم السبت: 11/ربيع الآخر1439هـ = 30/دبسمبر2017م)

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، جمادى الآخرة 1439 هـ = فبراير – مارس 2018م ، العدد : 6 ، السنة : 42

Related Posts