إشراقة
كثير من الناس يَتَصَرَّفون في الحياة تصرفًا سلبيًّا، فكلُّ شيء عندهم في الكون حالك، وسواد قاتم، والناسُ كلُّهم فاسدون قوامهم الفساد والإفساد، والشرور والفتن، فينتقدون كلًّا منهم، ولايرون فيهم إلا الجانب المظلم، وإلّا الهدم، وإلا العمل والتفكير الذي يصيب المجتمعَ الإنسانيَّ بأضرار وخسائر لا يشوبها أبدًا ذرّة من المنافع والأرباح. الإنسانُ في منظورهم الأسود خُلِقَ أصلًا عدوًّا للإنسان ولكل مخلوق أرضيّ، وليس فيه جانب خيريّ صالح، يجوز استغلالُه لزرع الخير، ودفع الشر، وخدمة المصالح التي تمسّ المجتمعَ البشريَّ والكونَ الأرضيَّ.
إن هذا النوع من أفراد المجتمع البشريّ، لا يَنْقِمُ على غيره كلَّ شيء؛ بل يَنْقِمُه على شخصه هو كذلك ويَنْقِمُه على كلّ شيء في الكون؛ لأن على عينيه منظارًا أسودَ، وعلى قلبه نوعًا خاصًّا من الغشاء الأسود، وفي عقله إطارًا من التفكير لايسعه إلّا الأشياء التي عليها نوعٌ من السواد والكراهية والقبح الذي رَضِيَ به عقلُه، وارتاح إليه قلبُه، واقتنعت به نفسُه الأمّارةُ بالتقزّر من كلّ ما خلقه الله العليم الحكيم.
هذا النوعُ من الإنسان خُلِقَ مجبولًا على التفكير السلبيّ، وفي الأغلب لا يجني من الحياة إلا الفشلَ والإخفاقَ، فيرتاد المجالسَ، ويغشى النواديَ، ينتقد كلَّ ناجح في الحياة في مجال التجارة والاقتصاد، أو التعليم والتربية، أو المهنة والوظيفة، أو الزراعة والفلاحة، وما إلى ذلك من مجالات الحياة.
وأَدَّتْنِي دراستي إلى أن التفكيرَ السلبيَّ يلازم الفاشلين أو أن الفاشلين في الأغلب يُفَكِّرون تفكيرًا سلبيًّا، وكأنهما كفَرَسَيْ رِهَانٍ أو يكادان؛ ولذلك وجدتُ الناجحين ذوي تفكير إيجابي وأولي تفاؤل عريض، فكلُّ طريق في الحياة يُؤَدِّيهم إلى النجاح، ويوصلهم إلى الربح، وينتهي بهم إلى إشراقة الانتصار، ويمنحهم السرور، ويهب لهم أحسنَ وأبهجَ ما يُضْمِر الحياةُ من أساليب تَفَتَّحُ زهراتِ الحياة. الناجحون لا يعرفون معنىً من معاني السلبيّة، ولا يعهدون نوعًا من أنواع التشاؤم، فكلُّ إنسان عندهم يتّصف بالصلاح، ويَتَّسِم بالخير، ويُحِبّ النفعَ للإنسانيّة، داخلُه مشرق، وكِيَانُه مبتسم، وطبعُه سليم، وتفكيره بسيط مستقيم، إذا أُحْسِنَ استخدامُه، وأُجِيدَ استغلالُه، وتمّ التعامل معه بالأسلوب الإيجابي المباشر الطبيعي المنسجم مع سنة الله في الأرض.
الذي يَنْقِم على كل إنسان كلَّ ما يتصرّف به في الحياة، ولا يعرف له وجهًا جميلًا، ولا يرى فيه جانبًا مشرقًا، ولا يَتَفَرَّس فيه خيرًا لصالحه أو لصالح إنسان غيره، يكون في الأغلب من ذاق طعمًا مرًّا في الحياة، وجَنَىٰ أشواكاً شاكَتْه في كبده، ونَفَذَت في ضميره، وصدمته في أعماق تفكيره؛ فهو يتنفس الصُّعَدَاءَ، ويُفَرِّج عن نفسه حرارةَ ما احترقت به من نار الإخفاق والإحباط التي أَتَتْ على الأخضر واليابس من أمله الحلو في الحياة؛ فهو يريد أن ينتقم من غيره، وينتصر منه، بانتقاده إيّاه، وتقزيم قامته، وعَمْلَقَة شخصه بالنسبة إليه – غيره – .
إن الذي يَتَعَمْلَقُ يكون هو في الواقع صغيرًا قزمًا لدى نفسه، والذي يَتَذَكَّىٰ – يَتَكَلَّف الذكاءَ – ويَتَحَكَّم – يتكلف الحكمةَ – يكون أصلًا غبيًّا أحمق لم يعرف وجهًا للانتصار في معركة الحياة، وذاق مرارة الهزيمة على عدد من الجبهات، فيحاول أن يُحَوِّل الهزيمةَ انتصارًا، ويعتاض بعضَ الشيء عن الخسارة التي لَحِقَتْه لتُلَازِمَه في الحياة؛ ولكنه سلك لذلك طريقًا خاطئًا، لا يُؤَدِّي إلى شيء اسمه الربح أو الانتصار.
التفكير السلبيُّ والتصرّف الناشئُ عنه إنما هو نصيب الرجل المسكين الذي يكون قد جَنَىٰ الإخفاقَ، وفَشِلَ في تحقيق الأهداف، فأُصِيبَ بهزيمة نفسيّة، أشارت عليه بسلوك أَقْصَرِ طريقٍ إلى تحقيق نجاح، والانتصار من المنتصرين في الحياة، فأخطأ من حيث أراد أن يُصَحِّحَ مساره في الحياة، حيث لم يَجْنِ إلّا مزيدًا من الهزائم النفسية.
المنتصر في الحياة لا ينوح ولا يُؤَبِّن، ولا يقعد يبكى حظَّه، ويرثي جدَّه، ويشكو حاله، ويخاف مآله؛ لأنه يكون دائمًا مُتَشَبِّعًا بما هو عليه من حال النجاح و وضع السرور وطيب النفس، الذي ينبع من كل شعرة في جسمه وكل نفس يتنفسه.
أما المنهزم في الحياة فياله من خسارة؛ لأنه لا يجد شغلًا سوى أن يبوح بمكنونات صدره المرة، ويشكو ما يجده من كُرَبِ الهزيمة والإخفاق التي جَعَلَتْه يتقلب على أحرَّ من الجمر وعلى أَشْوَك من القتاد. إذا رأيت الذي يلوم كلَّ أحد، ويُعَلِّل نجاحَه – كل أحد – بأنه نابع من حيلة ماكرة، ومن شرّ يُتْقِنه، ومن جهةِ حرامٍ يتفنن في إعمالها، فَاعْلَمْ بأنه لم يَتَبَيَّنْ طريقَ نجاحه في الحياة، ولم يعرف حيلةَ حلالٍ ينهجه ليُحَقِّق ما يصبو إليه من تحقيق المكاسب.
الدنيا في الأصل عمل وشغل، وتصرف وركض، وسعي وتحرك، ولا نصيب فيها للجامدين والقاعدين، والمنهزمين نفسيًّا، وفاقدي الأمل، وشاكي الحظ، ولائمي النصيب، ومنتقدي الغير دونما سبب، ولاَعِنِي الزمان، والساخطين على الدهر، والناظرين إلى الحياة بمنظار أسود، والمتشائمين من كل أحد، والمسيئين الظن بمن كان النجاح نصيبَهم، والسعادة حظَّهم.
التفكير السلبيُّ سلاحُ المنهزمين والفاشلين الذين يريدون أن يكسبوا به المعركة، ويُحَقِّقوا به النصر، ويهزموا به المنتصرين؛ ولكنه سلاح غير ماضٍ، لا ينفع في أي معركة، وإنما ينقلب على صاحبه في الأغلب، فيزيده هزيمة داخليّةً، وخسارة معنويّة؛ فكُنْ إيجابيَّ التفكير حتى تُحِبُّ الناسَ ويُحِبُّوك، ولا تفقد معه قوتك المعنويّة، وإن لحقتك الخسارة، وتتابعت عليك الهزيمة، وتَنَاوَبَ عليك الإخفاق.
إن التفكير الإيجابي نعمة من نعم الله الغالية وغنيمة من غنائم معارك الحياة، لا يفقد معه المرأ الثقة بالنفس، والحرص على العمل، والرغبة في السعي المتصل. إنه انتصار لا يعرف انكسارًا، ونجاح يَتَأَبَّىٰ على الإخفاق، وتصطدم بصخرته الهزائمُ كلها فتتحطم من حيث لا رجعة له إلى الانبعاث وإعطاء المفعول وإخافة ذوي التفكير الإيجابي.
ألا! إن ذا التفكير الإيجابي، لا ينهزم ولن ينهزم في الواقع، مهما انهزم في الظاهر؛ لأن الهزيمة في الحقيقة ليست هزيمة الأجسام والأسلحة والـمُعَدَّات الحربية، وإنما الهزيمة حقيقةً هي الهزيمة الداخلية النفسية، التي لا يمكن تحويلها انتصارًا مهما بُذِلَ من الجهد، وأنفق من العتاد، وجُيِّش من الجيوش، وأُعْمِلَ من التدابير، وأُجْرِيَت من المساومة مع الشرق والغرب.
كن إيجابيًّا تكسب جميع المعارك، ولا تكن سلبيًّا تخسر جميع الانتصارات.
(تحريرًا في الساعة الرابعة مساءً من يوم السبت: 23/المحرم 1439هـ الموافق 14/أكتوبر 2017م).
أبو أسامة نور
nooralamamini@gmail.com
* * *
* *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الآخر 1439 هـ = ديسمبر2017م – يناير2017م ، العدد : 4 ، السنة : 42