الفكر الإسلامي

بقلم: شيخ الإسلام شبير أحمد العثماني رحمه الله

(1305-1369هـ/1887-1949م)

تعريب: أبو عائض القاسمي المباركفوري

       قُلْ أَتُحَاجُّونَنَا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ (١٣٩)

فائدة:

       أي محاجتكم في الله تعالى، و زعمكم أنه لايستحق أحدٌ عناية الله ورحمته سواهم زعمٌ باطلٌ، فهو ربكم وربنا كذلك، وأعمالنا كلها خالصةٌ لوجهه الكريم، ولا نزعم زعمكم في الآباء والعصبية وهوى النفس. فكيف لايقبل الله تعالى أعمالنا، ويقبل أعمالكم.

       أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهَادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (١٤٠)

فائدة:

       كان اليهود والنصارى يزعمون في إبراهيم وإسماعيل وغيرهما من الأنبياء أنهم كانوا هودا أونصارى، وهو كذب صريح، أضِف إلى ذلك أن الله تعالى يقول: ﴿مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا﴾، فأنتم أعلم أم الله تعالى.

       تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٤١)

فائدة:

       سبقت الآية آنفا، غير أن أهل الكتاب كان تأصل في قلوبهم – بصفتهم أبناء العظماء- أن آباءهم سيشفعون لهم في نهاية الأمر مهما ساءت أعمالهم. وكبحًا لجماح هذا الزعم الباطل كرر هذه الآية الكريمة تاكيدا، أونقول: إن الآية الأولى خاطبت أهل الكتاب، وهذه الآية تخاطب أمة محمد-صلى الله عليه وسلم-، وتحذرهم أن يتبعوهم في هذا الزعم السخيف. فإن الناس كلهم يرجون من عظمائهم هذا الرجاء، وهو سفه وسخافة. وفيما يلي إخبار عن سفه آخر لليهود وأمثالهم يتجلى فيما يخص تحويل القبلة عما قريب.

       سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (١٤٢)

فائدة:

       قدم النبي-صلى الله عليه وسلم- المدينةَ فاستقبل في صلاته بيتَ المقدس ستة عشر أوسبعة عشر شهرًا، ثم أُمِرَ باستقبال الكعبة، فشكَّك اليهودُ والمشركون والمنافقون وبعض ضعفة المسلمين بإغوائهم وقالوا: ما باله لايستقبل بيت المقدس الذي كان يتوجه إليه في صلاته، وأصبح يستقبل الكعبة، فقيل: فعل ذلك عداوةً وحسدًا لليهود، وقيل: إنه متردد في دينه حيران، فلايبدو أنه نبي من أنبياء الله تعالى، فأخبر الله تعالى بما سيأتي من طعن الأعداء والرد عليهم حتى لايتردد أحد ويتلكأ في الرد عليه.

فائدة:

       أي قل يامحمد، لم نستبدل القبلة حسدا لليهود ولا لهوى في النفوس ولا اجتهادا منا؛ بل اتباعًا لأمر الله تعالى، وهو أصل ديننا، فقد أمرنا باستقبال بيت المقدس، فاستقبلناه، ثم أمرنا باستقبال بيت الله الحرام فقبلناه من أعماق القلوب. وما أسفه أن تسألونا عن العلة وراء ذلك أو تطعنوا فينا!، ولايليق بالعاقل أن يقول للعبد الخاضع: لم فعلت كذا في حين كنت تفعل سابقا كذا وكذا؟. وإن أردتم معرفة الأسرار وراء هذه الأحكام فمن ذا الذي يحيط بأسراره علمًا! ومن ذا يتولى شرحها وبيانها لكم أيها السفهاء، ولكن مما يدركه كل أحد وبإمكانه أن يشرحه لغيره أن تحديد القبلة يستهدف الإرشاد إلى صفة العبادة، وليس هو أصل العبادة. ولله تعالى في ذلك شؤون، فقد يُرشد بعض الناس إلى طريق خاصٍ ويُرشد غيره إلى طريق آخر على مايقتضيه حكمة الله ورحمته. وله سبحانه ملكُ الأماكن والجهات كلها، فأرشد متى شاء من شاء إلى طريق سوي أخصر وأقرب الطرق كلها. فهدانا الآن إلى القبلة التي هي خير و أفضل قبلةً على الإطلاق.

       وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ وَإِنْ كَانَتْ لَكَبِيرَةً إِلا عَلَى الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٤٣)

فائدة1:

       أي كما أن قبلتكم هي الكعبة وهي قبلة إبراهيم، وأفضل قبلة على الإطلاق، كذلك جعلناكم أفضل الأمم وخيرها، وجعلنا نبيكم أكمل الأنبياء وأفضلهم، وذلك لتكون شهداء مقبولي الشهادة على الأمم كلها بسبب هذا الفضل والكمال، ويقوم محمد صلى الله عليه وسلم شهيدا على عدلكم وصدقكم.

فائدة2:

       كما وردت الأحاديث النبوية بأن كفار الأمم السابقـة سيكذبون أنبياءهم في دعواهم، ويقولون: لم يهدنا أحد في الدنيا إلى الحق، فتشهد أمة محمد صلى الله عليه وسلم بصدق الأنبياء في دعواهم، ويكون الرسول محمد-صلى الله عليه وسلم- المطلع على أحوال أمته كل الاطلاع- شهيدًا على صدقهم وعدلهم. فتقول الأمم: إنهم– أمةَ محمد- لم يدركوا زماننا، ولاشاهدونا، فكيف تقبل شهادتُهم؟ فيرد عليهم أمةُ محمد-صلى الله عليه وسلم- بأننا علمنا ذلك علمًا يقينًا بإخباركتاب الله تعالى و إخبار رسوله-صلى الله عليه وسلم- بذلك، فنشهد به.

فائدة:

       الوسط هو العدل،والمعنى: أن هذه الأمة على الطريق السوي، لاعوج فيه، بعيدة من الإفراط والتفريط كل البعد.

فائدة 3:

       إن أصل قبلتكم كانت الكعبةَ، وهي القبلة منذ عهد إبراهيم عليه السلام، وأما التحويل إلى بيت المقدس لأيام معدودة فكان ليختبر من يتبع الرسول، ومن ينحرف عن الدين، فالذين آمنوا لهم أجر عظيم.

فائدة 4:

       قوله (لِنَعْلَمَ) بصيغة الاستقبال في هذه الآية، وفي آيات أخرى (حَتَّى نَعْلَمَ)، و(فَلَيَعْلَمَنَّ) و(لَـمَّا يَعْلَمِ اللهُ) و(لَنَبْلُوَنَّكم) و(لِنَعْلَم)، ونحوها، ظاهرها يوهم أن الله تعالى لايعلم هذه الأشياء إلا بعد وقوعها ولم يعلمها قبل وقوعها (والعياذ بالله منه)، مع أن علمه تعالى بكل شيء قديم، (كَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيْمًا)، وأجاب عنه أهل العلم بوجوه عدة: فقيل المراد بالعلم: التمييز، وقيل: المراد به الامتحان، وقيل: الرواية. وحمل البعض المضارع على الماضي، وبعضهم أرجع حدوث العلم إلى النبي والمؤمنين، أو إلى المخاطبين، وحمله بعض كبار أهل التحقيق على العلم حالا، مما يتحقق بعد وجود الشيء، ويترتب عليه الجزاء والعقاب، والمدح والذم، واستحسنه، وذكر بعض الراسخين من المدققين أمرين دقيقين أنِيْقَيْنِ: حاصل الأول: كما قال تعالى ﴿إِنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ كل الأشياء من أولها إلى آخرها حقيرها وعظيمها وقليلها وكثيرها بين يدي الله تعالى، وهوعليم بكل شيء، ولايطرأ على علمه التقدم و التأخر، وإن كان يُعدُّ بعضها مقدما على البعض بالنظر إلى ما بينها، فالأشياء كلها بمنزلة شيء واحد بالنظر إلى علم الله تعالى، فمن الخطأِ استنتاج الماضي والحال والاستقبال فيها. نعم، هذه الأزمنة الثلاثة تظهر مميزة بعضها عن بعضٍ بالبداهة لما بينها من التقدم والتأخر. فيتكلم البارئ تعالى – حينا- بالنظر إلى كونه معلومًا له كما يقتضيه المقام والحكمة، وأحيانًا يُراعىَ تقدمُ تلك الوقائع وتأخرها. ففي الوجه الأول يطلق – دائما- صيغة الماضي أو الحال مع ملاحظة فرق دقيق، ويتعذر إطلاق صيغة الاستقبال. وأما الوجه الثاني فيطلق فيه الماضي في موضعه والحال في موضعه والاستقبال في مكانه.

       فحيث عبَّر بالماضي عما سيقع في المستقبل كما في قوله تعالى: ﴿وَنَادَى أصْحَابُ الجنة﴾ ونحوه، يراعى فيه أن الأشياء كلها مستحضرة لله تعالى وبين يديه سبحانه وتعالى، وحيث عبَّر بصيغة الاستقبال عن الأمور السابقة كما في هذه الآية قوله: ﴿إِلَّا لِنَعْلَمَ﴾ أو غيره، فالملحوظ فيه أنه مستقبل بالنظر إلى ما قبله، وليس مستقبلاً بالنظر إلى العلم الإلهي حتى يوهمَ الحدوث في علمه سبحانه. وخلاصة التحقيق الثاني أن عِلمنا بالأشياء يحصل من وجهين: مباشرةً وبواسطة، كالنار مثلا، فإننا نشاهدها حينًا بالباصرة، وقد تكون من وراء حجاب إلا أننا نرى الدخان فنوقن بالنار. و ربما يحصل الوجهان معًا في مكان واحدٍ، مثلا ترى النار عن كثب، فإنك ترى الدخان أيضا معها. فيحصل لنا العلم بالنار من وجهين: الأول: مباشرةً حيث نرى النار بأعيننا، والثاني: بواسطة أي العلم بالنار بواسطة الدخان، وهذا الوجهان من العلم وإن حصلا متزامنين، من غير تقديم وتأخير، إلا أن العلم بالواسطة يمَّحي في العلم مباشرةً بحيث لايخطر على بالٍ. وعلى هذا القياس قد يحصل العلم بشيئين معًا بلاواسطة، مثلا ترى النار والدخان معا، و قد يحصل العلم بشيء بلاواسطة والعلمُ بشيء آخر بواسطة الشيء الأول معًا، فمثلا العلم بالدخان حصل بلاواسطة، والعلم بالنارحصل بواسطة الدخان، أو العلم بالنار بلا واسطة والعلم بالدخان بواسطة النار يحدثان معًا، غيرأننا إذا أخذنا – مثلا- القلم باليد، وكتبنا به، فرغم أن اليد والقلم يتحركان معًا، إلا أننا نقول: تحركت اليد أولا فتحرك القلم، فكذلك العقل السليم  يعتبر–بالبداهة- العلم بشيء من الأشياء بلاواسطة مقدمًا على العلم بشيء آخر بواسطة – وهو العلم الحاصل بواسطة الشيء الأول-. فإذا تبين ذلك فاعلم أن علم الله تعالى بالأشياء كلها على الوجهين: العلم بلاواسطة والعلم بواسطة، أي اللوازم بالملزومات والملزومات باللوازم، والنوعان من العلم مقترنان من الأزل، وهما قديمان، وإن كان العلم بشيء بلاواسطة امحى واضمحل فيه العلمُ به بواسطة. وكذلك العلم بشيء بلاواسطة والعلم بشيء آخر بواسطة مقترنان وكلاهما قديم، وإن كان العلم بلاواسطة اعتبرناه – على الطريقة المذكورة – مقدما على العلم بالواسطة، فحيث يتضمن ذكرُ العلم الإلهي صيغةَ الاستقبال أو معنى الاستقبال فإنه بالنظر إلى العلم بواسطة، ولايتفاوت بالنظر إلى الزمان، وحيث أطلق الماضي أو الحال فإن المراد به هو العلم بواسطة. والحكمة في التكلم مع ملاحظة العلم بواسطة أن المخاطب بالكلام الإلهي هو الإنسان، ويحصل العلم له بمعظم الأشياء بواسطة، وحيث أطلق الله تعالى صيغة الاستقبال فيما يخص علمه سبحانه فهي الأمور التي لايسع البشر علمها بلاواسطة، فلو أن الإنسان خوطب في مثل هذا المقام مع ملاحظة العلم بلا واسطة لم يتم الإيراد عليه، وحيث لم تتحقق هذه المصلحة يطلق صيغة الماضي أو الحال بالنظر إلى العلم بلا واسطة، غير أن الإنسان لايسعه العلم بهذه الأشياء بلا واسطة، ويتعذرعليه العلم بهذه الوسائط قبل وجودها، فلاتستوي علومه كلها، فيقيس الإنسان نفسه على ذات الله تعالى، فيأخذ الحدوث من صيغة الاستقبال، و يحتار كيف تحقق الحدوث في علم الله تعالى، وأما أولو الألباب والأفهام المطلعون على هذه النكتة فيرون كل ذلك منسجمًا بعضه مع بعضٍ، والحمد لله تعالى.

فائدة 5:

       تقررت الكعبة قبلةً للنبي صلى الله عليه وسلم مسبقا، وتخلل ذلك تقرير بيت المقدس قبلة لمدة من الزمان امتحانا، ولايخفى على أحد أن الامتحان إنما يكون بما يشق على النفس، فيقول الله تعالى: إن استقبال بيت المقدس بدلا من الكعبة شقَ على عامة المسلمين؛ لأن معظمهم كانوا عربا ومن قريش، ويرون فضل الكعبة، فاضطروا إلى الخروج على تقاليدهم وعاداتهم ومزاعمهم، وأما قلق خواص المسلمين فيرجع إلى أنه كان على خلاف الملة الإبراهيمية، مما أمروا بموافقته. وأما أخص الخواص الذين مُنِحوا الذوق السليم والقدرة على التمييز بين المراتب؛ فإنهم كانوا يعدون التوجه إلى بيت المقدس رقيا معكوسًا، وأما المكتنهون للحكم والأسرار والذين يعتبرون – بنور فراستهم – حقيقة الكعبة وحقيقة بيت المقدس مفترقتين بالإضافة إلى التفاوت في المراتب والدرجات، فكانوا على علم بأن محمدًا صلى الله عليه وسلم  كان يجمع بين كمالات سائر الأنبياء، ورسالته شاملة للعالم كله وعامة للأمم كلها، فقد يؤمرون باستقبال بيت المقدس. ولذا لقي النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة المعراج كافة الأنبياء، ثم أمرباستقبال القبلة أيضا، والله أعلم.

فائدة6:

       قالت اليهود: إذا كانت الكعبة هي أصل القبلة فقد ضاعت الصلوات التي أديت خلال هذه المدة باستقبال بيت المقدس، وراب بعض المسلمين أن بيت المقدس طالما لم يكن أصل القبلة، فقد تسرب النقص إلى ثواب من مات من المسلمين على هذه الحالة، وأما الأحياء فقد يتداركونه في المستقبل؟ فنزلت هذه الآية وبينت أن الصلاة التي أديتموها مستقبلين بيت المقدس مراعين متطلبات الإيمان وطاعة لله تعالى، فإنه لاينقص من أجوركم شيئا.

       قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (١٤٤)

فائدة:

       بما أن الكعبة كانت أصل قبلته وأليق بكمالاته، وأفضل القِبْلات وقبلة إبراهيم عليه السلام، وفي جانب آخر كانت اليهود يطعنون ويقولون: ما لهذا النبي يختار قبلتنا رغم اختلاف بين شريعته وشريعتنا، وإن وافقنا في أصل ملة إبراهيم، ونظرا إلى ذلك كله كان يود النبي-صلى الله عليه وسلم- وهو يستقبل بيت المقدس- أن يؤمر بالتولي إلى الكعبة، وشوقا إلى ذلك كان يقلب وجهه إلى السماء في كل جانب، لعل الملك ينزل بهذا الأمر، فنزلت هذه الآية، وأمر باستقبال بيت الكعبة.

 فائدة:

       أي الكعبة، إنما سميت المسجد الحرام؛ لأنه يحرم به الحرب وقتل صيده واختلاء شجره وخلاه، ونحو ذلك. ولم يحظ مسجد من المساجد بما للمسجد الحرام من الحرمة والقداسة. ونزل الأمر بتحويل القبلة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصلي بالناس الظهر في مسجد بني سلمة، وكان صلى ركعتين منه فحوَّل هو والمصلون كلهم وجوههم إلى الكعبة وهم في الصلاة، ثم قضوا ما بقي من الركعتين، ويسمى هذا المسجد مسجد القبلتين، وذا القبلتين.

فائدة:

       أي في الحضر أو السفر، في المدينة أو غيرها من المدن، في البرية أو في البحر، أوفي بيت المقدس نفسه، حيث كنتم فولوا وجوهكم شطر الكعبة.

فائدة:

       أي لاتبالِ بما يطعن به أهل الكتاب في أمر تحويل القبلة، فإن كتابهم أخبرهم بأن النبي الخاتم يستقبل بيت المقدس لأيام معدودات، ويستقبل في نهاية الأمر الكعبة، كما علموا أن أصل قبلتهم الدائمة توافق ملة إبراهيم، فكان يعلمون تحويل القبلة هذا حقا، وإن قالوا ما قالوا حسدًا، والله عليم بما يقولون وسيعلمون مغبته يوما من الأيام.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العــلوم ديوبند ، المحرم – صفر 1439 هـ = سبتمبر- نوفمبر2017م ، العدد : 1 – 2 ، السنة : 42

Related Posts