الفكر الإسلامي

بقلم: شيخ الإسلام شبير أحمد العثماني رحمه الله

(1305-1369هـ/1887-1949م)

تعريب: أبو عائض القاسمي المباركفوري

       وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ (١٢٠)

فائدة:

       أي أن اليهود والنصارى لايهمهم الحق، وإنما يصرون على عنادهم، ولن يعتنقوا دينكم أبدا، نعم لو اتبعتموهم – فرضا- فإنهم يرضون بكم إذًا، ويستحيل ذلك، فلا ترجُوا منهم الموافقة.

فائدة:

       أي العبرة في كل زمان بالهداية التي جاء بها نبي ذلك الزمان، وهو اليوم دين الإسلام، لا ماعليه اليهود والنصارى.

فائدة:

       هذا على سبيل الفرض، أي هَبْ أنك أتيت ذلك؛ فإنه لن يحفظك من غضب الله تعالى أحد، أو المراد به تنبيه الأمة على أن أحدا من المسلمين إذا ارتد عن الدين بعد ما وعى القرآن وفهمه فإنه لن يُخَلِّصَه من عذاب الله أحدٌ.

       الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (١٢١)

فائدة:

       وكان ثلة من اليهود ذوي عدل،إذ كانوا يقرأون كتابهم ويستوعبونه، فآمنوا بالقرآن الكريم (ومنهم عبد الله بن سلام وأصحابه)، وهذه الآية نزلت فيهم، أي أن هؤلاء أمعنوا النظرفي التوراة فوفقوا للإيمان، ومن كفر بالكتاب أي حرفه وبدله فقد خاب وخسر.

       يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٢٢)وَاتَّقُوا يَوْمًا لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئًا وَلا يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلا تَنْفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلا هُمْ يُنْصَرُونَ (١٢٣)

فائدة:

       هذه الآية أعادت ما ذُكِّر به بنو إسرائيل في أول السورة، تأكيدًا وتنبيهًا عليه، ليرسخ في أذهانهم كل الرسوخ، ويقبلوا الهداية، ويتبين لهم أن بيت القصيد في هذه القصة هو هذا.

       وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ (١٢٤)

فائدة:

       مثل مناسك الحج والختان والحجامة والسواك ونحوها.فقام إبراهيم بهذه الأحكام وفق أمر الله تعالى بإخلاص، وأتمهن، فجُعِل إماما للناس.

فائدة:

       أي يتبعك الأنبياء كلهم ويحذون حذوك.

فائدة:

       اغتَرَّت بنو إسرائيل بأنهم أولاد إبراهيم، وقد وعد الله تعالى إبراهيم أن يجعل في ذريته النبوة والمجد، وهم على دين إبراهيم، والناس كلهم يتبعون دين إبراهيم عليه السلام، فيبين الله تعالى لهم أن وعد الله تعالى الذي قطعه له كان موجهًا إلى الذين يتبعون الصراط المستقيم، وكان إبراهيم له ابنان، وظلت النبوة و المجد في ذرية إسحاق عليه السلام مدةً من الزمان، ثم تحولت إلى ذرية إسماعيل عليه السلام، (وكان إبراهيم دعا لابنيه كليهما)، ويقول الله تعالى: إن الإسلام واحد دائما، وعليه سار الأنبياء كلهم والأمم كلها (وهو قبول أمر الله تعالى الذي أنزله على لسان نبي من أنبيائه)، وهذا ما يسير عليه المسلمون اليوم، وأنتم عنه معرضون. والآية الأولى شرحت نعم الله تعالى عليهم، وأما هذه الآية فتكشف شبهاتهم؛ فإن بني إسرائيل كانوا يرون أنفسهم أئمةً للعالم كله، وأفضلَ بني البشر، فأبوا اتباع أحد سواهم.

فائدة:

       تضمنت قصص بني إسرائيل ذكرَ مناقب إبراهيم عليه السلام والتنويه بشأنه، وساق في هذه الآيات حال الكعبة وفضلها تبعا لذكر إبراهيم عليه السلام، كما أنه يتضمن تعريضات لليهود والنصارى، كما شرحه المفسرون.

       وَإِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى وَعَهِدْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ (١٢٥)

فائدة:

       أي يتجمع الناس به كل عام للحج فيؤدون مناسك الحج، فينجون من عذاب النار،  أولايعتدى على أحد به.

فائدة:

       مقام إبراهيم هو الحجر الذي قام عليه عند بناء الكعبة، وبه أثرُ أقدام إبراهيم عليه السلام، وأذن في الناس بالحج قائمًا على الحجر نفسه، وكان أتِيَ به من الجنة، شأنَ الحجر الأسود، ويؤمر الناس الآن بأداء الصلاة عنده، و هو أمر استحباب وندب.

فائدة:

       أي لا يأتِ سيئة بالبيت، ولايطوف به على غير وضوء، ويطهر من الأنجاس كلها.

       وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلا ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ (١٢٦)

فائدة:

       دعا إبراهيم وهو يبني البيت أن يكون هذا البلد بلدا عامرا آمنًا، فكان كذلك.

فائدة:

       أي ارزق أهله من المؤمنين من الثمرات، ولم يدعُ للكفار، ليبقى هذا المكان طاهرًا من لوثة الكفر.

فائدة:

       قال تعالى: أرزق الكفار أيضا في الدنيا، وليس الرزق كالإمامة، بحيث لايناله – الرزقَ– إلا المؤمنون.

       وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧)

فائدة:

       تقبل منا هذا العمل(وهو بناء الكعبة)، فإنك تسمع الناس كلهم، وتعلم نواياهم.

       رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١٢٩)

فائدة:

       دعا كلُ واحدٍ من إبراهيم وابنه إسماعيل أن يجعل الله في ذريتهم جماعة قانتة له، و يرسل فيهم رسولا، يعلمهم الكتاب والحكمة، ولم يأتِ نبي من ذرية إبراهيم وإسماعيل كليهما إلا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرَدَّ بذلك مزاعمَ اليهود السابقة بحذافيرها. والمراد بعلم الكتاب: المعاني والمطالب اللازمة التي تتجلى من العبارة، والمراد بالحكمة: الأسرار الخفية والرموز الدقيقة.

       وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠)إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١)وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلا تَمُوتُنَّ إِلا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (١٣٢)

فائدة:

       وصَّى إبراهيم ويعقوب ذريتهما بالملة التي سبق التنويه بها وبيان شرفه، فمن لم يؤمن به فقد عارضهم وخالفهم، وأما قول اليهود: إن يعقوب عليه السلام أوصى بنيه باليهودية، فكذب وافتراء كما سيأتي في الآية اللاحقة.

       أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي قَالُوا نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٣)

فائدة:

       أي لم تتواجدوا حين أوصى يعقوب بنيه، فقد أوصى بملة الأنبياء المذكورين، في حين ذهب اليهود إلى تضليل كل من سواهم، و ذهبت النصارى إلى تضليل من سواهم (فخالفوا بذلك الدين الحق وهو الإسلام)، وهو افتراء منكم.

       تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ (١٣٤)

فائدة:

       كانت اليهود والنصارى يعتقدون أن الأولاد تشارك الوالدين في خطيئاتهم، وثوابهم، وهو باطل؛ فإن كل نفس ترى ما قدمت من خير وشر.

       وَقَالُوا كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا قُلْ بَلْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٣٥)

فائدة:

       المعنى: يقول اليهود للمسلمين: تهودوا، وتقول النصارى: تنصروا تهتدوا.

فائدة:

       أي قل يا محمد، لانرضى بقولكم، بل نوافق على ملة إبراهيم المائلة عن الأديان الباطلة كلها.(وَ مَا كَانَ مِنَ الْـمُشْرِكِيْنَ) فيه إشارة إلى أنكم – الفريقين- على الشرك؛ بل كان مشركو العرب يدّعون أنهم على دين إبراهيم عليه السلام، وهم مشركون، ففيه رد عليهم أيضا. فلم يعد واحد من هذه الفرق في منظورالعدل على الملة الإبراهيمية، وإنما المسلمون على ملة إبراهيم.

فائدة:

ما من شريعة إلا تتضمن ثلاث خصال:

       الأولى: العقائد (كالتوحيد والنبوة ونحوهما)، فهذا ما يتفق فيه أتباع الأديان كلها ولايسعهم الاختلاف فيه أصلا.

       والثانية: قواعد الشريعة الكلية العامة، التي تتفرع عنها الفروح والجزئيات. والفروع كلها ناظرة إلى هذه الكليات. والملة عبارة عن هذه الأصول والكليات في الواقع. والملة المحمدية تتفق مع الملة الإبراهيمية في هذه الكليات.

       الثالثة: مجموعة الكليات والجزئيات وكافة الأصول والفروع (ويطلق عليها الشريعة). والحاصل أن ملة محمد صلى الله عليه وسلم وملة إبراهيم واحدة وشرائعهم مختلفة.

       قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (١٣٦)

فائدة:

       أي نؤمن بالرسل كلهم والكتب كلها، ونراهم على الحق، وكانوا محتومي الاتباع في عصورهم، ونحن نطيع الله تعالى، ويجب اتباع الأحكام الإلهية النازلة على كل نبي من الأنبياء في عصره، على العكس من أهل الكتاب الذين يكذبون بالأديان كلها إلا دينهم، وإن كان دينهم منسوخا، ويكذبون بما جاء به الأنبياء من الأحكام وهي في الواقع أحكام الله تعالى.

       فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٣٧)

فائدة:

       أي لا تتخوفوا من عداوتهم وعنادهم، والله يحفظكم من شرهم وضررهم،ولن يضروكم شيئا. والله تعالى سميع لأقوالهم كلها، عليم بأحوالهم ونواياهم.

       صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ (١٣٨)

فائدة:

       أي أعرض اليهود عن هذه الآيات، ولم يقبلوا الإسلام، وأبت النصارى كذلك، وتبجحت وقالت:نختص بصبغة لايحظى بها المسلمون. وكان النصارى اختاروا اللون الأصفر، فكان الولد – حين يولد- أويتنصر أحد، غمسوه فيه، وقالوا: قد تطهر وتنصر. فقال الله تعالى: أيها المسلمون، قولوا: قبلنا صبغة الله تعالى، ويدخل المرء في هذا الدين فيتطهر من كافة الأنجاس.

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالحجة 1438 هـ = أغسطس- سبتمبر 2017م ، العدد : 12 ، السنة : 41

Related Posts