كلمة فضيلة الشيخ حامد بن أكرم البخاري في جامع رشيد التابع للجامعة الإسلامية دارالعلوم ديوبند ليلة الثلاثاء 2/5/1438هـ الموافق 31/1/2017م

أنباء الجامعة

فرغ الشريط: الطالب: محمد أمجد الديوبندي

الطالب: محمد إبراهيم

راجعها و وضع اللمسة الأخيره عليها مساعد التحرير

            الحمد لله رب العالمين، وأصلي وأسلم على الهادي الأمين سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم لا علم لنا إلا ماعلمتنا إنك أنت العليم الحكيم، اللهمّ علِّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علما يا رب العالمين، الله لا سهل إلا ما جعلته سهلا وأنت تجعل الحزن سهلا إذا شئت، اللّٰهم ثبِّتنا في دينك وأوفقنا للعلم بما نتعلم، وارزقنا الإخلاص في القول والعمل، واجعلنا نقوله خالصًا لوجهك وتقبّله منا يا رب العالمين.

       أما بعد! أصحاب الفضيلة العلماء أئمة هذه الجامعة العريقة، ويامعاشرالطلاب! السلام عليكم ورحمة الله وبركاته. شرف لي وأنا طالب علم صغير أن أقدم إلى هذه الجامعة العريقة إلى هذه المنارة العلمية التي أضاءت الدنيا بنور العلم، هذه الجامعة كشجرة طوبى يقول عنها النبي –صلى الله عليه وسلم- إن في الجنة لشجرة يسير الراكب الجواد المضمر السريع في ظلها مئة عام لا يقطعها. مثلها في الدنيا هذه الجامعة العريقة، هذه الجامعة هي تلك البذرة التي رمى بها مولانا الشيخ محمد قاسم النانوتوي – رحمة الله عليه – حين خط هذه المدرسة ثم أنبت الله من تلك البذرة دوحة وارفة الظلال، مدت أغصانها لا تكاد تجد بلادًا على وجه الأرض إلا وفيها عالم من أبناء هذه الجامعة وفيها عالم تخرّج على يد ابن من أبناء هذه الجامعة في كل أقطار الدنيا: في الحرمين الشريفين في مكة المكرمة، في المدينة المنورة، في أقاصى الدنيا حتى في بلاد الكفر في بريطانيا، في أمريكا وفي كندا وفي أستراليا، لاتكاد تنزل أرضا إلا وتجد فيها من لهذه الجامعة فضل عليه، وهذا من فضل الله – سبحانه وتعالى – الله سبحانه وتعالى حين ذكر الصدقة فقال: ﴿مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ، وَاللهُ يُضٰعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ﴾. القائمون على هذه المدرسة نحن نحسدهم حسد غبطة، يقول النبي-صلى الله عليه وسلم-: «لاحسد إلا في اثنتين: رجل آتاه الله مالا فهو يسعى على هلكته في الحق ورجل آتاه الله الحكمة فهو يعمل بها ويعلّمها» أئمة هذه الجامعة! جاهدوا في سبيل الله فأنشأوا هذه الجامعة وأفضوا إلى رحمة الله لكن أجورهم مستمرة بإذن الله – عز وجل – ما انقطعت بموتهم.

       أبنائي الكرام! نحن جئنا إلى هذه الدنيا لهدف واحد، ما هو؟ هو عبادة الله – عز وجل – لأن الله – عز وجل – يقول: «وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون» فكلّما عبد الله تعالى كان حيا؛ لأنه استغلّ الوظيفة التي من أجلهاخُلق، إن الوظيفة التي من أجلها جئت إلى الدنيا يا عبد الله، عبادة الله، إذا عطّلت هذه الوظيفة كنت ميتا، ولو كنت تأكل وتشرب، ولذلك الله – عزوجل – قال لنبيّه –صلى الله عليه وسلم- حين كان ينازل المشركين بمكة: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِيْ القُبُورِ﴾، ما كانوا موتى لكنّهم حين عطلوا الوظيفة التي من أجلها خلقوا كانوا أمواتا كالذي يعطل الوظيفة يكون ميتا ولو كان يأكل ويشرب، ومن كانت هذه الوظيفة مستمرة في حقه فهو حيّ وإن كان تحت الثرى، ولذلك متى تموت إذا طويت تعطلت لهذه الوظيفة طويت صحيفة الأعمال، ولذلك يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «إذا مات ابن آدم انقطع عمله – لأن الوظيفة توقفت – إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعوا له» تعرفون لماذا نحن نغبط القائمين على هذه المدرسة؟ من أجل هذه الأمور الثلاثة، ماتوا – رحمة الله عليهم – انتقلوا إلى الرفيق الأعلى لكن الأجور باقية بإذن الله – عز وجل – إذًا حقيقةً ما ماتوا، لأن الوظيفة التي من أجلها خلقوا ما انقطعت بموتهم، صدقة جارية، هذه الجامعة العريقة ما معنى صدقة جارية، لها قرن ونصف، وأسأل الله أن يبقيها ما بقي الليل والنهار، وأسأل الله أن يبقى هذه الجامعة ما بقي على وجه الأرض من يقول: لا إله إلا الله. إذًا كل من يدرس أنتم كلكم في ميزان حسنات أشياخ هذه الجامعة، ما ماتوا، لماذا؟ لأن النبي –صلى الله عليه وسلم- يقول: «من دعا إلى هُدًى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئًا، ويقول: «من سَنّ في الإسلام سنةً حسنةً فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة»، فانظروا أنتم كم عدد كم الآن؟ قالوا: خمسة آلاف، في هذا المسجد المبارك يصلي خمسة آلاف طالب تكتب في موازين حسنات علماء هذه الجامعة، فقلَّ من يجده غيرنا من الناس غيركم، الإنسان يصلي تكتب له صلاته؛ لكن انظروا إلى علماء «ديوبند» قد انتقلوا إلى العالَم الآخر لكن الصلوات تكتب في حسناتهم، لا تكتب صلاة واحدة في كل فرض؛ بل تكتب بعدد كم وبعدد مَن كان قبلكم ومن كان قبل الذين كانوا قبلكم وبعدد من يأتي بعدكم وبعد الذين بعدهم إلى يوم القيامة بإذن الله – سبحانه وتعالى – إذا يُغبطون هم إذا يُغبطون هم، إذًا هم ما ماتوا بإذن الله – عز وجل – توفي مولانا الشيخ قاسم وتوفي من جاء بعده سيدنا شيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني – رحمة الله عليه – لكنهم في الحقيقة باقون بإذن الله – عز وجل – أحياءً؛ لأن الوظيفة ما انقطعت، أيّة وظيفة؟ وظيفة عبادة الله – عز وجل – كيف؟ بخلا لكم أنتم من خلال هذه الجامعة العريقة تكتب في موازين حسناتهم وفي موازين حسنات أشياخهم وأشياخ أشياخهم وأشياخ أشياخهم إلى الصحابة الكرام؛ بل كل عمل الأمّة في موازين نبيّنا محمد –صلى الله عليه وسلم- لأنّه هو أساس كل خير نحن فيه، هو الذي أكرمنا الله – عز وجل – به صلوات ربنا وسلاماته عليهم، ثم أقدّم عذري إلى علمائنا الأجلّاء وأذكرهم بفضل الله عليهم أيّ فضل؟ أخرج الإمام الحافظ أبوعيسى الترمذي في جامعه أن النبي –صلى الله عليه وسلم- قال: «إن الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرض حتى الحيتان في المآء وحتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير.

       وأنتم يا معاشر العلماء ويا أساتذتنا ويا أشياخنا! وما أنا إلّا طالب من طلابكم، والله الذي لا إله إلا غيره حين علمت أني قادم إلى الهند كان أعظم أسباب الفرح والسرور أنى أثني ركبتيّ وأجلس بين يدي علماء هذه البلاد، وأتتلمذ عليهم وأنال شرف التتلمذ عليهم، هذا شرف لي، ما أنا إلّا طالب من طلابهم وكما تفضل الشيخ أنا قاسمي النسبة إذا كانت النسبة علمية أنا قاسمي من ناحية التتلمذ، كيف كان ذلك؟ لكنا نقول يا أشياخنا وعلماءنا في هذا الحديث يقول النبيّ –صلى الله عليه وسلم-: «إنّ الله وملائكته وأهل السماوات وأهل الأرض حتى الحيتان في الماء وحتى النملة في جحرها ليصلون على معلم الناس الخير»، أنتم ورثة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- يقول النبي –صلى الله عليه وسلم-: «العلماء ورثة الأنبياء»، أنتم ورثة الأنبياء، أنتم الذين تعقلـون عـن الله – عـز وجـل – مراده يقول الله – عز وجل – ﴿وَمَا يَعْقِلهَا إِلَّا الْعٰلِمُوْنَ﴾، أنتم الذين ذكـرهـم الله تعالى، فقال: ﴿هَلْ يَسْتَوِيْ الَّذِيْنَ يَعْلَمُوْنَ وَالَّـذِيْنَ لَا يَعْلَمُوْن﴾، أنتم الذين رفع الله قدركم ومنزلتكم ومكانتكم، فقال: ﴿يَرْفَعِ اللهُ الَّذِيْنَ آمَنُوْا مِنْكُمْ وَالَّذِيْنَ أُوْتُوْا العِلْمَ دَرَجٰتٍ﴾، أنتم الـذين أوجب الله طاعتكـم على العبـاد، فقال: ﴿فَسْئَلُوْا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُوْنَ﴾، وقال: ﴿أَطِيْعُوْا اللهَ وَأَطِيْعُوْا الرَّسُوْلَ وَأُولي الأَمْرِ مِنْكُم﴾، وعلماء التفسير يقولون: ﴿ولاة الأمر هم العلماء»، أنتم أوجب الله طاعتكم على العباد وأمرنا أن نسألكم إن كنا لا نعلم فنأخذ بأقوالكم ونقلّدكم ونطيعكم فيما تأمرون وفيما تنهون.

       نحمد الله على هذا التوفيق العظيم، الله العظيم يصلي عليكم كما قال النبي –صلى الله عليه وسلم- في هذا الحديث: «الملائكة الكرام تصلي عليكم، أهل السماوات يصلّون عليكم، أهل الأرض يصلّون عليكم، وما ذلك إلّا بفضل الله عليكم، هو الذي اختاركم لهذا العمل وهو الّذي تفضّل عليكم وهو المنعم، الحمد الله الذي أكرمكم بهذا الفضل وأكرمنا أن يجعلنا طلابا لكم.

       وأنتم يا معاشر الطلاب! يقول النبي –صلى الله عليه وسلم- «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهّل الله له به طريقا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضًى بما صنع، وإن طالب العلم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض حتى الحيتان في الماء حتى النملة في جحرها» إذًا أنت يا طالب العلم حين خرجت من بلدك، من قريتك، من ولايتك، من منطقتك، وجئت إلى هذه القلعة المنيفة منذ أن وطئت قدماك خارج بيتك وأنت متوجّه إلى هذا المكان أنت في سبيل الله – عز وجل – أنت جئت هنا تدرس، وقت دراستك، وقت نومك، وقت أكلك، وقت شربك، وقت راحتك كل ذلك يكتب في موازين حسناتك بإذن الله – سبحانه وتعالى – لم؟ لأنك حبست نفسك على طلب العلم.

       واعلم يا عبد الله! إن الإنسان لا يشرف بحسبه ونسبه، إنما يشرف بعلمه، إنما يشرف بما يعلم، ولذلك جدّوا واجتهدوا، إخواني الكرام في طلب العلم… واحمدوا الله أن هيّأ لكم جامعة مثل هذه الجامعة العريقة، وهيّأ لكم علماء مثل علمائنا الأجلّاء الأفاضل تتلمذون عليهم وتنهلون من معينهم العذب الزلال، أسأل الله – عز وجل – أن يرزقني وإيّاكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلني وإيّاكم على سنة سيدالمرسلين، أسأل الله كما أكرمني وشرفني بأن جمعني بكم في هذا المكان المبارك أن يكرمنا جميعا بأن تجتمع في دارالكرامة مع نبينا –صلى الله عليه وسلم- إنه جواد كريم.

       لعلّ بعضكم يسأل فيما ذكره الشيخ كيف يكون هذا البخاري الذي قدم من المدينة قاسميًا، أنا هذا الكلام قلته حتى في مظاهر علوم، قلت: أنا مظاهري قاسمي، وأقوله لكم أيضًا … هذه النسبة نسبة علمية وإذا كانت نسبتك العلمية إلى هذه الجامعة فأنت من أبنائها فأنا أكرمني الله – سبحانه وتعالى – بأن أتتلمذ على جماعة من خريجي هذه الجامعة، أبرزهم العالمان الجليلان، الأوّل: مولانا السيد رشيد الدين الحميدي – رحمة الله عليه – الذي توفي في مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- ونال شرف الدفن في البقيع بجوار أصحاب النبي –صلى الله عليه وسلم- قرأت عليه صحيح البخاري في مدينة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وهو قاسمي من أبناء هذه المدرسة، لأنه قرأ الصحيح المجلد الأوّل منه على مولانا شيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني، رحمة الله عليهم جميعًا.

       أمّا العالم الثاني: هو شيخنا «الشيخ رحمت الله بن إبراهيم الخليل الأفغاني البرماوي المدني» أيضًا توفى في المدينة قبل عامين وهو ابن أربع وتسعين سنة، تخرج من هذه الجامعة المباركة سنة اثنين وسبعين وثلاث مئة وألف، وكان من تلامذة شيخ الإسلام السيد حسين أحمد المدني حيث قرأ عليه البخاري كاملًا… أكرمني الله سبحانه وتعالى فقرأت عليه البخاري كاملاً وقرأت عليه الموطأ كذلك كاملا، والشمائل للترمذي كذلك، وقرأت عليه القدوري الذي تعرفونه، وقرأت عليه مسند أبي يعلى الموصلي كاملا، والمعجم للطبراني الصغير، وقرأت عليه أيضًا نزهة النظر، وقبل ذلك قرأت عليه النخبة، وقرأت عليه كتبا كثيرة، وهو قاسمي فأنا على هذه النسبة قاسمي، وأما أنا مظاهري فلأني قرأت على جماعة ممن تخرجوا من مظاهر علوم، منهم: مولانا يونس الجونفوري حين يقدم إلى المدينة أحضر بعض المجالس التي تعقد له، وقرأت على الشيخ عبد الشكور البرماوي، وهو من تلامذة شيخ الحديث زكريا الكاندهلوي فقرأت عليه الستة إلا مسلما قرأت عليه البخاري كاملا، وكذا السنن الأربعة، وموطأ يحيى وموطأ محمد بن الحسن مرّتين كلًّا منهما، وكذا الشمائل، وكذا قرأت عليه كتاب الآثار لمحمد بن الحسن والخراج لأبي يوسف، وقرأنا عليه أيضًا في جماعة من الطلبة شرح معاني الآثار كاملا، وكذا قرأنا عليه شرح مشكل الآثار أيضًا للطحاوي كاملا، وكذلك العقيدة للطحاوي وغيرها، من هذا الوجه أنا قاسمي ومظاهري، وكما قال الإمام الشافعي – رحمه الله -:

أحب الصالحين ولست منهم

لعلّي أن أنال بهم شفاعـــــة

       فأنا ألصق نفسي بالصالحين، عسى الله – عز وجل – أن يحشرني معهم، وإذا جاء ذاك الذي يمشي على عرج وجلس مع الصالحين، ثم نزلت الرحمة من الله – عز وجل – حتى لو قالت الملائكة: هو ليس منهم؛ لكنه جلس بينهم، فقد يقال: هم القوم لا يشفى بهم جليسهم فيشتمل بالرحمة، أسأل الله – عز وجل – أن يشملني وإيّاكم برحمته، والله تعالى أعلم.

       وصلى الله تعالى على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العـــــــــــــــــــلوم ديــــــــوبنــــــــــــــــــــد ، رمضان – شوال 1438 هـ = يونيو – يوليو 2017م ، العــــــــــــدد : 9-10 ، السنــــــــــــــــــــــة : 41

Related Posts