بقلم:  الأستاذ أحمد نصيب علي حسين (*)

         الزواج ضرورة من ضروريات الحياة لا يستغني عنها البشر، ولا يمتنع عنه إلا  من به عذر أو فَجَرَ، هو سبيل الراحة والاستقرار وتحصيل السكينة، وبه يجد المرء ما تأنس به نفسه، ويعينه على التمسك بالشرع الحكيم، والعيش وفقا للهدي القويم، والعون على أزمات الحياة ومشكلاتها، وهوأول خطوات تأسيس بيت مسلم صحيح.

         فمهما كان للمرء من خلان وأصحاب لا يستغني عن زوجة تؤنسه وتشبعه عاطفيًّا، ويروي بها غريزته، والمرأة مهما كان لها من صديقات وقريبات لن تكون في غنىً عن زوج تألفه ويألفها وتسكن إليه ويسكن إليها.

         لذلك حث عليه الإسلام، فرغّب القرآن فيه ترغيبا عظيما فقال: ﴿وَأَنكِحُواْ ‌ٱلۡأَيَٰمَىٰ ‌مِنكُمۡ وَٱلصَّـٰلِحِينَ مِنۡ عِبَادِكُمۡ وَإِمَآئِكُمۡۚ…﴾ (النور:٣٢)، وجعله الله من خصائص المرسلين الذين أرسلهم الله قدوة للعالمين فقال: ﴿وَلَقَدۡ ‌أَرۡسَلۡنَا ‌رُسُلٗا ‌مِّن ‌قَبۡلِكَ وَجَعَلۡنَا لَهُمۡ أَزۡوَٰجٗا وَذُرِّيَّةٗۚ…﴾ (الرعد:٣٨). وعَدَّه الله من نعمه التي امتن بها على عباده فقال تعالى: ﴿وَٱللَّهُ ‌جَعَلَ ‌لَكُم ‌مِّنۡ ‌أَنفُسِكُمۡ ‌أَزۡوَٰجٗا…﴾ (النحل:٧٢).

         وفي السنة النبوية حثٌّ على الزواج وترغيب شديد، يقول النبي ﷺ: «يَا مَعْشَرَ الشَّبَابِ مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَعَلَيْهِ بِالصَّوْمِ فَإِنَّهُ لَهُ وِجَاءٌ»(١) وقال: «ثلاثةٌ حقٌّ على الله عونُهم: المجاهدُ في سبيلِ الله، والمكاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يريدُ العفافَ»(٢) وقال للذي لا يريد التزوج: «…وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني»(٣).

         ولأجل ضرورة الزواج للبشر جاء الإسلام بتيسيره وتسهيله، فكان هدي النبي ﷺ في زواجه وتزويج بناته التيسير والتسهيل.

         وكانت الإجراءات الشرعية للزواج سهلة وميسرة: إيجاب وقبول وشاهدان وموافقة ولي وأي مهر متاح وخلو من الموانع للزواج من راغبي الزواج.

         لأجل هذا التيسيرلن نجد في الشرع حدا أدنى للمهر؛ بل تعددت صور المهر من نقود ومتاع وتعليم للقرآن وعتق ودخول في الإسلام.

         هكذا كان الزواج في عهد النبي ﷺ والصحابة ومن تبعهم: تسهيل وتيسير وتبسيط لجميع الناس، فالزواج كالطعام والشراب يحتاج له الفقير والغني.

         وعلى هدي النبي ﷺ في التيسير سار الصحابة ومن بعدهم في القرون السالفة حتى عهد قريب رجالا ونساء، فتيانا وفتيات، ولقد شاهد آباؤنا وأجدادنا تيسير الزواج وتسهيله في الماضي القريب؛ بل كان هذا هو السمة الغالبة للماضي.

         فما إن يرغب الشاب في الزواج ويقع في نفسه الرغبة فيه من فلانة إلا وسارع لطرق البيت من بابه فيعلم أمه وأباه فيفاتح أحد الوالدين أحد أقارب تلك الفتاة، يذهب الشاب لرؤية المرأة، فإذا وقع التوافق بينهما، فيبدأ أهل الشاب بالإعداد للزواج.

         الشاب يهيئ بيتًا إن كان قادرا وإلا جهز غرفة في بيت أهله، ثم يشتري أبسط الأشياء التي يحتاج لها سريرًا وخزانة ملابس وقليلا من آنية الطعام ونحو ذلك على قدر الكفاف فقط.

         ثم يتم الزواج وتصبح الحياة بسيطة في عيشتها، المرأة عند والدي زوجها كأنها ابنتهم في النصح والرعاية، ومشكلات الزوجين بسيطة وحلولها سهلة وميسورة، والزوجة تابعة لزوجها مطيعة له مقدمة أمره على أمر والديها، تلزم بيتها لا تعرف شيئا عن غيرها، ولا تتبع نصائح من يفسدها على زوجها من نساء مفسدات.

         أما في عصرنا فتغير الزواج فمن أراد الزواج كأنما يريد تحريك جبل من مكانه أو تغيير نظام للحكم من الأنظمة الديكتاتورية التي ترسخت جذورها في الأرضين السبع.

         فإذا فكر الشاب في الزواج فما عليه أولا إلا البحث عمن توافقــــــــــــه دينيًّا وفكــريًّا واجتماعيًّا وثقافيًّا وماليًّا، فيدقق كثيرا؛ لأن التكاليف مالية كثيرة وعواقب الانفصال خطيرة، ويظل يدور ويدقق ويبحث ويسأل ويستشير ويقدم قدما ويؤخر أخرى.

         فما إن تتم الخطبة إلا ويدخل المخطوبان (إلا ما رحم الله) علاقة غرام لا تقوم على أساس من الشرع فيتعلق الخاطبان ببعضهما كأنهما زوجان وما هما بزوجين، لقاءات متكررة وعواطف ملتهبة وتكاليف مالية للخاطب وأهل المخطوبة مرهقة، وهما ما زالا على شاطئ الزواج لما يصلا إليه.

         وفي مرحلة الإعداد يبذل أهلا الخاطبين مبالغ مالية باهظة من فئة الأرقام الفلكية لإعداد بيت الزواج، فالخاطب يهيئ ويجهز الأثاث أفخر الأثاث ولو كان من أفقر الناس، وأهل المخطوبة يجهزون الأدوات الكثيرة، فيشترون ما يحتاجون من الشيء غالبا مثنى وثلاث ورباع.

         وعند الزفاف تكون الطامة الكبرى فمكان الزفاف يحتاج لمبلغ عال من المال، وتجميل المرأة لمبلغ عال أيضا، وتكاليف الوليمة لمبلغ عال، وهكذا كلما اقترب الزفاف زادت النفقات وتظل النفقات تزداد وتزداد، فينفق الغني شطرًا كبيرًا من ماله، ليهدره دون فائدة، وهو قد أضاع زمنا كبيرًا من عمره في تحصيله، والفقير يلجأ للاقتراض، ليعاني بعد الزواج همًّا بالليل وذلا بالنهار.

         لعلكم تسألون لماذا كل هذا التعقيد؟ هذا التعقيد له عدة أسباب:

         منها العيش في نفوس الناس وليس في نفوسنا والحرص على إرضاء الناس والسعي للمفاخرة والاستكثار.

         ومن ذلك العولمة الثقافية فغيرت شيئًا من العقول وعقدت كثيرًا من النفوس.

         ومن تلك الأسباب الميل المادي في تقدير العلاقات فالبعض يظن أن المهر هو ثمن للزوجة، فيتعامل البعض مع الزوجة كأنها جارية تُباع وتشترى.

         ومنها تعقيد الحياة المعاصرة للبشرية، فأذهب كثيرا من سهولتها وأفسد بعضا من عقليتها، فصار المظهر في الزواج أهم من الجوهر.

         ومن تلك الأسباب الخوف من مخالفة الأعراف والتقاليد الخاطئة والحرص على متابعتها كأنها من الشرع الحكيم.

         إن لتعقيد الزواج مخاطر عديدة وعواقب وخيمة من أهمها لجوء الشباب للسبل المحرمة كالزنا والعادة السرية، وتأخير كثير من الفتيان والفتيات عن الزواج، وهذا يجعلهم يتزوجون في عمر متأخر مما يصعب عليهم القيام بالتربية الراشدة، فيصبحون أبناء عصر وأولادهم أبناء عصر آخر مما يعسر عليهم فهم أبناؤهم وحاجاتهم.

         إن الوصول لتسهيل الزواج وتيسيره كما كنا في الماضي ليس أمرًا ميسورًا، فبيننا وبين تيسير الزواج عوائق عديدة وموانع كثيرة، وهذا يدعونا لاستخدام كل وسيلة ممكنة لتسهيل الزواج، ومن تلك السبل ما يلي:

         أولا: دعوة أولياء أمور الفتيات لتسهيل الزواج، ولتكن هذه الدعوة عامة عبر الإذاعة والتلفاز والإنترنت والصحف.

         ثانيا: إبراز القدوات والنماذج العملية في سلوك الأزواج الذين التزموا البساطة والتسهيل في الزواج ولم ينفقوا غير القليل من المال، عبر منصات التواصل الاجتماعي.

         ثالثا: إبراز سيرة النبي ﷺ وصحابته والصالحين في تيسير الزواج.

         رابعا: تصحيح المفاهيم الخاطئة مثل مفهوم (المهر ثمن الزوجة) ومثل: (المهر الكبير دليل على تقدير الزوجة) ومثل (من كان زواجه سهلا أهان زوجته) وغير ذلك من المفاهيم المغلوطة.

         لتكن قضيتنا تسهيل الزواج وتيسيره، واستخدام جميع الأساليب الدعوية من خطبة ومقال وبرنامج إذاعي وتلفازي ومنشورات عبر منصات التواصل الاجتماعي، لعلنا نعود لماضينا المشرق الزاهر، فيسعد فتياننا وفتياتنا.

*  *  *

الهوامش:

(1)  صحيح البخاري، ج٧، ص٣، ح٥٠٦٥، كتاب النكاح، بَابُ قَوْلِ النَّبِيِّ ﷺ: «مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، لِأَنَّهُ أَغَضُّ لِلْبَصَرِ وَأَحْصَنُ لِلْفَرْجِ» وَهَلْ يَتَزَوَّجُ مَنْ لاَ أَرَبَ لَهُ فِي النِّكَاحِ».، ط دار طوق النجاة، ط١، عام ١٤٢٢، وهي الطبعة المصورة عن السلطانية مع ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي.

(2)  صحيح الترغيب والترهيب للألباني، ط دار المعارف السعودية، ط١ عام ١٤٢١، ج٢، ص١٦٢، الحديث رقم ١٣٠٨، وقال الشيخ الألباني – رحمه الله -: حسن، وهو مخرج في سنن الترمذي وقال الترمذي عنه: حديث حسن صحيح. (3)  صحيح البخاري، ج٧، ص٢، ح٥٠٦٣، كتاب النكاح، باب الترغيب في النكاح، مرجع سابق.


مجلة الداعي، المحرم – صفر 1445هـ = يوليو – سبتمبر 2023م، العدد: 1-2، السنة: 48

(*)      بني سويف، مصر

Related Posts