الفكر الإسلامي

بقلم : شيخ الإسلام شبير أحمد العثماني رحمه الله

(1305-1369هـ/1887-1949م)

تعريب : أبو عائض القاسمي المباركفوري

       وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ (٥١)

       وقصة ونعمة أخرى أجدر بالذكر وهي أننا واعدنا موسى أربعين ليلة لنعطيه التوراة فعبدت بنوإسرائيل العجل، بعد أن توجه موسى إلى الطور، وأنتم ظلامون؛ إذ اتخذتم العجل إلهًا، وستأتي القصة مفصلة.

       ثُمَّ عَفَوْنَا عَنْكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٢)

       المعنى: عفونا عنكم رغم تلبسكم بهذا الكفر الجلي، وتُبْنَا عليكم ولم نعاجلكم بالإهلاك (كما أهلكنا قوم فرعون على تقصير أهون منه)لعلكم تشكرون لنا وتعترفون بنعمتنا.

       وَإِذْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَالْفُرْقَانَ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ

فائدة:

       الكتاب هو التوراة، وأطلق الفرقان على الأحكام الشرعية التي تميز الحلال من الحرام. وقيل: الفرقان هي معجزات موسى- عليه السلام-، التي يتميز بها الصادق من الكاذب، والمؤمن من الكافر، وقيل: المراد به التوراة نفسها؛ فإنها كتاب ومفرق بين الحق والباطل.

       وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ إِنَّكُمْ ظَلَمْتُمْ أَنْفُسَكُمْ بِاتِّخَاذِكُمُ الْعِجْلَ فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ عِنْدَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (٥٤)

فائدة:

       المراد بالقوم هم الذين سجدوا للعجل.

فائدة:

       أي ليقتل من لم يسجد للعجل الذين سجدوا له، وقيل: كانت بنو إسرائيل على ثلاث فئات: فئـة لم تعبد العجل، و نَهت غيرها عن عبادته. وأخرى سجدت للعجل، وثالثة: لم تسجد للعجل ولم تَنْهَ غيرَها عنه. فأمر أن تكون الفئة الثانية مقتولةً، وأمر أن تقوم الفئة الثالثة بقتلها. وذلك ليكون توبةً لها –الفئة الثالثة- عن سكوتها وإمساكها عن الإنكار. وأما الفئة الأولى فلم تشارك الفئةَ الثالثة في التوبة؛ لأنها استغنت عنها.

فائدة:

       اختلف أهل العلم: هل كان قتلهم توبة لهم، أم تتمة لتوبتهم؟ كما أن شرعنا لاتُقبل فيه توبةُ قاتل العمد حتى يُسْلم نفسَه إلى أولياء المقتول ثم الأمر إليهم في الاقتصاص منه أو العفو عنه.

       وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ (٥٥)ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (٥٦)

فائدة:

       اذكروا إذ قلتم لموسى– بعد هذه النعم الوافرة عليكم-: لن نؤمن لك بأن هذا الكلام من الله تعالى، حتى نراه – الله تعالى- جهرةً وعيانًا. فأهلكتكم الصاعقة، ثم أحييناكم بدعاء موسى، وذلك حين اختار موسى سبعين رجلًا وخرج بهم إلى الطور ليسمعوا كلام الله تعالى، فلما سمعوا كلامه قالوا- السبعون هؤلاء-: لن نطمئن بما نسمع من وراء حجاب، فأرنا الله تعالى بعيوننا، فأهلكت صاعقة هؤلاء السبعين.

       وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)

فائدة:

       غرق فرعون وتوجهت بنو إسرائيل– بأمر الله تعالى- إلى الشام، فتشققت خيامهم في البرية، و أصابتهم الرمضاء، فأظلتهم الغمامة طوال النهار، وفقدوا الحبوب، فنزل عليهم المن والسلوى، ليقتاتوا بهما.

       المن: شيء حلو مثل حب الكزبرة، يشبه الترنجبين، ينصبُّ في الندى ليلاً على معسكرهم بكمية هائلة، فيجمع منه الناسُ كلٌ على قدرحاجته.

 السلوى: نوع من الطيور، يطلق في الأردية «بتير»، يجتمع الآلاف منه حول معسكرهم مساءً، فإذا أظلم أخذوه، وصنعوا منه الكباب وأكلوه، وعاشوا على ذلك مدةً من الزمان.

فائدة:

       أي كلوا من هذا الغذاء اللطيف اللذيذ، واقتنوه، ولاتدخروه للغد، ولاتستبدلوا به غذاء آخر.

فائدة:

       فظلموا أولاً بادخار اللحم ففسد وسَنهَ، وثانيًا استبدلوا به العدس والحنطة والقثاء والبصل ونحو ذلك فلقوا أنواعًا من المتاعب والمعاناة.

       وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَدًا وَادْخُلُوا الْبَابَ سُجَّدًا وَقُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ (٥٨)

فائدة:

       تاهوا في البرية السابقة، وضاقوا بها ذرعًا، وأكلوا من المن والسلوى فملوا وسئموا، فأُمِرُوا بدخول مدينة من المدن، اسمها أريحا، بها عمالقة من قوم عاد، وقيل: القرية هي بيت المقدس.

فائدة2:

       ادخلوا الباب سجدًا، (وهذا هوالشكر البدني) وقيل: أمروا أن يدخلوها رُكَّعًا تواضعًا.

فائدة:

       استغفروا ربكم من ذنوبكم بألسنتكم (وهذا هو الشكر اللساني). فمن امتثل أمر الله تعالى في ذلك غفر له ذنبه، وزاد المحسنين أجرًا ومثوبةً.

       فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (٥٩)

فائدة:

       وذلك بأن قالوا: «حنطة» بدلا من الـ«حطة»، ودخلوا متزحفين على أوراكهم. ودخلوا المدينة فأصابهم الطاعون فمات منهم سبعون ألفًا في الظهيرة.

       وَإِذِ اسْتَسْقَى مُوسَى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلا تَعْثَوْا فِي الأرْضِ مُفْسِدِينَ (٦٠)

فائدة:

       وهذه القصة من قصص البرية نفسها، حيث فقدوا الماء فضرب موسى بعصاه الحجر، فانفجرت منه اثنتا عشرة عينا، وكانت بنو إسرائيل اثنتي عشرة قبيلة، بعضها يشتمل على أفراد كثيرين وبعضها على أفراد قليلين. ولكل قبيلةٍ عينٌ خاصة بها، وتعرفت عليها بهذا التوافق، أو قال لهم: إن العين المنفجرة من الناحية الفلانية من الحجر تخص قبيلة كذا، والذين يردون هذه المعجزات من أصحاب النظرة الضيقة يصدق عليهم مصراع الشعر الفارسي مامعناه:

       ليسوا آدم ولكنهم غلاف آدم

       ألا ترى أن القطعة المغناطيسية تجذب الحديد إلى نفسها، فكيف تنكر إذا جذب الحجر الماء.

فائدة:

       أي ثم قال الله تعالى لهم:كلوا من هذا المن والسلوى واشربوا من هذه العين، ولاتفسدوا في الأرض.

       وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نَصْبِرَ عَلَى طَعَامٍ وَاحِدٍ فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنْبِتُ الأرْضُ مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا قَالَ أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ اهْبِطُوا مِصْرًا فَإِنَّ لَكُمْ مَا سَأَلْتُمْ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ (٦١)

فائدة:

       ترجع هذه القصة أيضا إلى البرية، حيث أكلت بنو إسرائيل من المن والسلوى فمَلّوا وسَئِمُوا فقالوا: لانصبر على نوع واحد من الطعام، ونرغب فيما تنبت الأرض من بقلها وخضراواتها.

فائدة:

       أي يستبدلون بالمن والسلوى – مما هوخير على الإطلاق- الثومَ والبصل ونحوهما.

فائدة:

       أي إذا رغبتم في ذلك فادخلوا قرية من القرى، تجدون فيها ما تطلبون، وفعلاً تحقق ذلك.

فائدة:

       المراد بالذلة أن المسلمين والنصارى يحكمونهم ويقهرونهم دائمًا، فإن نال بعضهم مالًا فماذا عسى أن يغنيهم ذلك، أليسوا حرِمُوا الحكومة التي تجلب العز والوقار. والمراد بالمسكنة: أنهم – أولًا- قليلو ذات اليد، ومن ملك منهم المالَ فإنه يتظاهر بالإفلاس والعوز خوفًا من الحكام والسلطات، فتراهم أسوأ حالًا من المساكين والفقراء، لشدة حرصهم وبخلهم. ويصح أن نقول: إن الغنى غنى النفس، لا بالمال.فهم رغم ما يملكون من الأموال أعرضوا عما منَّ الله تعالى عليهم به من العظمة والعز، فتعرضوا لغضب الله تعالى وقهره.

فائدة:

       أي أن ذلتهم ومسكنتهم وتعرضهم للغضب الإلهي ترجع إلى كفرهم وقتلهم الأنبياء. والكفر والقتل حصيلة عصيانهم لأوامر الله تعالى وتجاوزهم حدود الشرع.

       إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢)

فائدة:

       أي ليس ذلك حكرًا على فئة من الناس، وإنما يشترط له الإيمان والعمل الصالح، فمن وفق لهما فقد نال أجرًا وثوابًا. وإنما نَبَّه على ذلك؛ لأن بني إسرائيل كان غرّهم أنهم ذرية الأنبياء، وأفضل الناس عند الله تعالى على الإطلاق.

فائدة:

       اليهود هم أمة موسى – عليه السلام-، والنصارى هم أمة عيسى – عليه السلام-، والصابئون فرقــة انتقت مـن كل دين ما رأته حسنًا، وهم يدينــون دين إبراهيم، يعبدون الملائكة، ويتلون الزبور، ويستقبلون الكعبة في صلاتهم.

*  *  *

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب  1438 هـ = أبريل 2017م ، العدد : 7 ، السنة : 41

Related Posts