كلمة العدد

          لم يكن بحسبان أحد من العقلاء والخبراء في العالم أن مثل «ترامب» (Donald john Trump) البالغ من عمره 70 عامًا – حيث إنه من مواليد 1946م – سيعتلي كرسي رئاسة أقوى دولة في العالم: دولة الولايات المتحدة الأمريكية، وسيصبح الرئيس الخامس والأربعين للدولة المتحكمة بالقوة والاعتداء في مصائر الأمم والشعوب في العالم.

       وذلك لأن كثيرين في العالم كانوا يرونه ضُحْكَةً، لسحنته العجيبة، وطعنه في السن، وكونه متطرفًا في القول والسلوك، وممارسًا للغش والخداع في التجارة على المستوى الكبير فصار من أكبر أثرياء بلاده، فيُعْتَبَرُ مليارديرًا أمريكيًّا بارزًا، ويُصَنَّف ضمن 400 شخصيّة أكثر ثراءً في أمريكا، ولكي يتخلص من البطش الضريبي والمؤاخذة الرسمية الحسابيّة أعلن إفلاسه 6 مرات متتالية.

       إلى أنه مارس خلال خوضه المعارك الانتخابيّة أقسى اللهجات وألدغ الأساليب ضد كل من المسلمين والأفارقة والمهاجرين، فوصفه مُعْظَمُ المُعَلِّقِين والخبراءِ والإعلاميين بـ«العنصري» حيث دعا خلال حملاته الانتخابية إلى فرض الحظر على دخول المسلمين للولايات المتحدة بل و وقف كامل لدخولهم إليها قائلاً: ليس لدينا أيّ خيار آخر سوى ذلك، ومضيفًا: أن الحدود ينبغي أن تظل مُغْلَقَة أمام المسلمين، حتى يتوصّل نُوَّاب الشعب إلى فهم واضح لأسباب تلك الكراهية.

       ولم يستنكر المسلمون داخل أمريكا وخارجها تصريحاته هذه الاستفزازية والمثيرة للغاية، بل استنكرها البيتُ الأبيضُ وانتقدها واصفًا إيّاها بأنها لا تُـمَثِّلُ الولايات المتحدة الأمريكية.

       كما ظلّ «ترامب» خلال حملاته الانتخابية يَتَوَعَّد المهاجرين غير الشرعيين بترحيلهم عن أمريكا فور توليه منصب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؛ حيث قال: في اليوم الأول سأبدأ سريعًا في ترحيل المهاجرين غير الشرعيين من البلاد، خصوصًا مئات الآلاف الذين أُعِيدَ إطلاقُ سراحهم في ظل إدارة «أوباما» و«كلينتون».

       وكذلك أعلن أنه سيبني جدارًا عازلاً بين أمريكا والمكسيك من أجل الحد – كما زعم – من تهريب المُخَدِّرَات من المكسيك، قائلاً: إنهم يجلبون المخدرات، ويرتكبون الجرائم، فضلاً عن أنهم مغتصبون، وأعلن تَعَهُّده بتعزيز الضوابط الحدودية للكشف عن المهاجرين غير الشرعيين الذين يحاولون الحصولَ على منافع اجتماعية أو الأجانب الذين يتجاوزن المهلة المُحَدَّدَة لتأشيراتهم.

       وأطلق «دونالد ترامب» تصريحات غريبة ومثيرة حول الأفارقة؛ حيث إنه في أحد تصريحاته هاجم الأفارقة مشيرًا إلى أنهم بحاجة إلى عودة الاستعمار لمدة مائة عام أخرى، فقال: إنهم لايعرفون شيئًا عن القيادة والاستقلال، و وصفهم بالكسل والغباء والشره للطعام والهوس بالجنس والعنف.

       ولقيت هذه التصريحات الخرقاء المثيرة للجدل انتقادات واسعة من قبل السود والأفارقة الذين اشْتَكَوْا كثيرًا من عنصرية «ترامب» ضدهم، إلا أن «ترامب» حاول التقرب للسود الأمريكيين من خلال الإشادة بدروهم الكبير في أمريكا، مُتّهِمًا الحزبَ الديموقراطيَّ بعدم الاهتمام بالسود؛ لكنه لم يتمكن من إقناع السود الذين وصفوه بـ«المرشح المثير للجدل» الذي لا يراعي في معارضيه إلًّا ولا ذمةً، ولايزن ما يلفظ لسانُه قبل إطلاقه من فمه، وكأنه يودّ أن يبُثّ مكنونات صدره تجاه جميع الشرائح التي يُضْمِر لها العداءَ، على حين أن الحملات الانتخابية لكي تحظى بالنجاح تقتضي الـمُجَامَلَة أو على الأقل الـمُدَاجَاة؛ فمصارحتُه بأفكاره المتطرفة المثيرة تعني أنه لا يقدر على التحمل ولو قليلاً.

       كما أنه ظهرت ضدّه أثناء حملاته الانتخابية قضايا جنسيّة أثارتها حوله عددٌ من الأمريكيات ولاسيما السيدتين اللتين نشرت «نيويورك تايمز» تصريحاتهما بصفة خاصّة، مما أثار ضجة كبيرة ضده، فقد قالتا: (إنّ «دونالد ترامب» – المرشح الجمهوري للانتخابات الأمريكية – قام بلمسهما بشهوانية بطريقة غير لائقة) حيث إن إحدى السيدتين اتهمت بأن («ترامب» أمسك ثدييها وحاول أن يمد يده إلى تنورتها قبل نحو ثلاثين عامًا وهما على متن طائرة خاصة) وقالت الأخرى: (إن «ترامب» قَبَّلَها بالفم رغمًا عن إرادتها عام 2005م في مبنى «تاورز» الذي يملكه هو) وصرّحت «جيسكا ليدز» – وهي من سكان «مانهاتن» (أنها كانت تجلس بجانب «ترامب» في جناح الدرجة الأولى على متن طائرة متوجهة إلى «نيويورك» وفي تلك اللحظة بدأ يلامسها، لقد كان في تلك اللحظة يشبه الأخطبوط، يداه كانتا تذهبان في كل اتجاه، إن ذلك كان اعتداء صارخًا عليّ). وهناك تهم جنسية أخرى اتجهت بها إليه عدد من الأمريكيّات. ولا غرو فقد ظل لثروته الطائلة متحررًا مدمنًا للخمر، راغبًا بشدة في اللذات، مستجيبًا لدواعي الشهوات.

       ومن جانبه وصف «ترامب» خلال حملاته الانتخابية النساءَ والفتيات بما أسخط الرأي الأمريكي العامّ عليه، وقوبل بانتقادات شديدة وردود فعل غاضبة.

       وبتصريحاته العنيفة ضدّ كل من رآه معارضًا له برز أنه رجل غير متزن لا يقدر على ضبط أعصابه، وليس أهلاً لأن يقود مثل أمريكا الدولة الأقوى في العالم؛ لأنه – كما تدل مواقفه – سيتصرف تصرف المُخَبَّل، وربما يجرّ أخطارًا جسيمة على بلاده قبل أن يجرّها على غيرها من الدول والشعوب التي يتسخط منها من أجل عنصريته البالغة الخطورة.

       ورغم كون «ترامب» رجلاً غير لائق لقيادة أمريكا فاز على عكس ما توقعه الأمريكيون في الأغلب من فوز «هيلاري كلينتون» حسب النتائج التي ظهرت يوم الثلاثاء: 8/نوفمبر 2016م (7/صفر 1438هـ) متقدمًا على المرشحة الديموقراطية «هيلاري كلينتون» حاصلًا على 274 صوتًا مقابل 215 صوتًا لـ«هيلاري» ليكون الرئيس الخامس والأربعين للولايات المتحدة ويخلف سلفه الديموقراطي «باراك أوباما».

       وتَرَدَّدَتْ أنباءٌ بأن فوزه في انتخابات الرئاسة يرجع فيه الفضل إلى جهود خبراء الاستخبارات الروسيّة الذين عملوا على إنجاحه بأسلوب سريّ لطيف لم يَتَفَطَّن له المجتمع الأمريكي المتقدم على روسيا علميًّا وتكنولوجيًّا. كما أَرْجَعَ المحللون نجاحَه إلى اللوبيّات الصهيونية والعنصريّة في أمريكا التي وقفت متكاتفةً بجانبه من أجل تصريحاته العدوانية ضد المسلمين.

       ورغم ذلك إن العقلاء في العالم دُهِشُوا لموقف الأمريكيين المتمثل في إيصالهم لكرسي الرئاسة مثلَ هذا الرجل المُسِنّ البالغ من عمره 70 عامًا، الذي ظهر للجمع أنه مُجَرَّدٌ من القُدُرَات العقلية الإنسانية التي ينبغي أن يكون حاملاً لها رجلٌ مُتَصَدٍّ لرئاسة مثل هذه الدولة الأقوى اقتصاديًا وعسكريًّا، وصَرَّح عددٌ منهم أن الأمريكيين في الأغلب عادوا بسبب اللوبي اليهودي القوي اقتصاديًّا وإعلاميًّا مدفوعين بالعنصرية، فأُخِذُوا بالشعارات السطحيّة التي رفعها «ترامب» خلال حملاته الانتخابية ضدّ معارضيه وضد الإسلام والمسلمين وضد السود.

       ولكن كثيرًا من الأمريكيين نهضوا إثر إعلان نتائج الانتخابات يتظاهرون ضد «ترامب» في كثير من ولايات ومدن أمريكا، وكثرت التظاهرات والاحتجاجات ضده خلال وبعد أدائه اليمين الدستورية يوم الجمعة: 20/يناير 2017م (21/ربيع الآخر 1438هـ) ليصبح الرئيس الأمريكي الخامس والأربعين ويتولى مقاليد السلطة رسميًّا. وظل المتظاهرون يرفعون شعار (لا نريد «ترامب» لرئاسة بلادنا) وكانت المخاوف تسيطر على الأمريكيين بصفة خاصة من أن «ترامب» لا يملك خبرة سياسيّة أو دبلوماسية يستند إليها في إدارة الدولة.

       على حين أن «ترامب» حاول خلال كلمته التي ألقاها في حفل تنصيبه رئيسًا أمريكيًّا استعطافَ الشعب الأمريكي واستمالتَه إليه عن طريق صياغات عاطفيّة للغاية، حيث قال فيما قال: إن سياسة إدارته ستقوم على مبدء «أمريكا أولاً» وأكد قائلاً: «سنحدد معًا مسار أمريكا والعالم لسنوات عديدة مقبلة، سنواجه التحديات، وسنتحدى الصعوبات؛ لكننا ننجز العمل». وأضاف: «معًا سنجعل أمريكا قوية مرة أخرى، سنجعل أمريكا ثرية مرة أخرى، سنجعل أمريكا فخورة مرة أخرى، سنجعل أمريكا آمنة مرة أخرى، نعم: معًا نستعيد إلى أمريكا عظمتها مرة أخرى». وأضاف: «سنحارب ونمحو التطرف الإسلامي العنيف».

       وأفادت التقارير أنه لم يحدث منذ أربعين عامًا أن تولّى رئيس أمريكي السلطةَ بينما شعبيتُه في هذا المستوى المنخفض؛ حيث إن 60٪ من الأمريكيين ينظرون إلى «ترامب» بسلبية كما يُؤَكِّد استطلاع أجرته شبكة «إيه. بي. سي نيوز» بالتعاون مع صحيفة الـ«واشنطن بوست» كما أظهرت دراسة لمركز «بيو» للأبحاث أن 86٪ من الأمريكيين يرون أن البلاد تشهد من أجل «ترامب» انقسامًا لم تشهده أمريكا في الماضي. وخلال تولى «ترامب» مقاليد السلطة يوم 20/يناير 2017م خرج كثير من الأمريكيين ليحتجوا ضده، وحطَّموا زجاج فرع «ماكدونالد» بالمطارق، ومقهى «لستاربكس» على مقربة من البيت الأبيض، وذكر شاهد من «رويترز» أن الشرطة استخدمت رذاذ الفلفل، وطاردت المحتجين في شارع رئيس، وفي مكان آخر غير بعيد من البيت الأبيض اشتبك محتجون مع الشرطة وألقوا مقاعد من الألمونيوم عليها عند مقهى مفتوح. وقبل ذلك في وسط «واشنطن» أطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لتفريق متظاهرين ضد «ترامب» قاموا برشق الحجارة وتحطيم النوافذ قبل حفل التنصيب.

       ويمكن تقدير مدى انزعاج شرائح كبيرة من الأمريكيين من تولي «ترامب» الرئاسةَ بأن محللين يرون أن تولي «ترامب»الرئاسة يعني محاكمة «هيلاري كلينتون» واحتمال سجنها بسبب تهم خطيرة لا يعجز «ترامب» عن افتعالها، كما يعني محاكمة الرئيس السالف «باراك أوباما» بتهمة دعمه للإرهاب وتقديم المال لدعم «الإخوان». وعلى عكس الرؤساء الأمريكيين السلف لا يؤمن «ترامب» بـ«الإسلام المعتدل» وإنما يؤمن بأن الإسلام لايوجد إلا «متطرفًا» عاملاً بالعنف والإرهاب.

       إن كثيرين من المُحَلِّلين في العالم كانوا يرون أن التصريحات الاستفزازية المثيرة التي ظل «ترامب» يُطْلِقها خلال حملاته الانتخابية قد ينصرف عنها لدى ترجمة مواقفه إلى الواقع بعد تولي الرئاسة ومقاليد السلطة، ويحترز من اتخاذ خطوات تُشَوِّه بالتأكيد سمعةَ أمريكا لدى العالم؛ لكن رجاءهم خاب عندما وجدوا «ترامب» يتخذ إثر تولي السلطة إجراءات صارمة عنيفة أزعجت الأمريكيين، وفَرَضَ الحظرَ فعلاً على دخول مواطني سبعة بلاد إسلامية إلى أمريكا، بما فيها سوريا وإيران والعراق وليبيا والصومال والسودان واليمن، وأصدر مرسومًا بإنشاء جدار عازل بين أمريكا والمكسيك، ووَقَّع مراسيمَ متطرفة فيما يتعلق بالبرنامج الصحي الذي كان قد بدأه الرئيس الأمريكي «باراك أوباما».

       الخطواتُ الترامبيّة هذه وغيرها أثارت ردود فعل عنيفة ضده في داخل أمريكا وخارجها، ورفضتها الشعوب العالميّة والأمريكيون على السواء، حتى إن 17 من الولايات الأمريكية، والسفراءَ الأمريكيين لدى شتى الدول والمحاكم الأمريكيــة أبــدت معـارضـة قويّة لها، ورفعت 97 شركة أمريكية دعوى ضد «ترامب» إلى المحاكم بسبب أنها بدأت تتعرض لخسائر فادحة منذ أن أعلن «ترامب» فرض الحظر على مواطني سبع دول إسلاميّــة. وتحــدي الـمـدعي العامّ الأمريكي في 16 ولاية أمريكية «ترامب» على المستوى القانوني بشأن فرضه الحظر على هؤلاء المواطنين، كما انضمت إلى المعارضين 17 جامعة أمريكية وأعلنت رفضها المطلق للقرار الترامبي.

       كما أن 65 أديبًا وشاعرًا وفنّانًا من شتى أنحاء العالم سجّلوا احتجاجهم الصارخ ضد قرارات «ترامب» ولاسيما الذي يتعلق بمواطني السبع دول الإسلاميّة المذكورة. وذلك في خطاب وجهوه إليه بتوقيعاتهم، ومعظمهم ممن أكرموا بجوائز عالمية بما فيها جائزة «نوبل» الشهيرة، وطالبوه بالامتناع عن تنفيذ قراراته هذه، لأن خطوته هذه ضد الخلق والعرف الدولي والإنسانية ويضادّ القيم التي يصطلح عليها المجتمع البشري.

       إلى جانب منظمات الحقوق الإنسانية في داخل أمريكا وخارجها، التي أبدت انتقادات عنيفة للقرارات الترامبية المهددة لأمن أمريكا، وأصدرت محكمة «نيويورك» قرارًا يقضي بالمنع عن تنفيذ قرار فرض الحظر على دخول مواطني الدول الإسلامية السبع المذكورة، وكثرت واشتدت الاحتجاجات ضد «ترامب» وخطواته المتطرفة في الداخل والخارج، حتى إن مواطني بريطانيا جعلوا يطالبون حكومتهم بمنع «ترامب» عن زيارة «بريطانيا» المقررة و وقّع مليون بريطاني على المطالبة بمنعه عن الزيارة، حتى إن الدول الصديقة لأمريكا بما فيها «كندا» و«ألمانيا»انتقدت بشدة السياسة الأمريكية المتعلقة بالتأشيرات، وردّت عدد من الدول الأوربية على السياسة الترامبية بتسهيل السياسة التأشيرية لديها والسماح بالدخول إليها لمواطني الدول ولاسيما الفنيين والخبراء والمهندسين والأطباء ومن لديهم دراسة مختصة في العلم والتكنولوجيا.

       وقد نشرت الصحف عندنا في الهند يوم الخميس: 23/فبراير 2017م (25/جمادى الأولى 1438هـ) أن إدارة «ترامب» أعلنت ترحيل 11 مليون مواطن أجنبي كخطوة أولى نحو تطهير أمريكا من الأجانب الذين زعمت الإدارة الترامبيّة أنهم تسللوا إلى أمريكا بطريقة غير شرعية ولا يملكون وثائق لازمةً تُبَرِّر إقامتهم بها.

       إن الهندوس المتطرفين المنتمين إلى منظمة «آر إيس إيس» وجناحها السياسي «ب ج ب» المقيمين بأمريكا كانوا قد طَرِبُوا لدى ترشح «ترامب» لخوض الانتخابات الرئاسيّة، لإطلاقه تصريحات مسيئة ضد الإسلام والمسلمين، حتى نظّموا أنفسهم و وضعوا برنامجًا لجمع المساعدة لإنجاح «ترامب» في الانتخابات، وأقاموا له حفلة ترحيب واستقبال بمناسبة عيد «ديوالي» التي احتفلوا بها في منطقة تركزهم في أمريكا، كما أن أَشِقَّاءَهم في الديانة  والهدف والمصير في داخل الهند أيضًا أَبْدَوْا سرورًا لا يوصف عند ترشح «ترامب» وأقاموا مجالس دعائية في معابدهم وأمكنتهم الدينية، و وزّعوا الحلاوي بينهم، و رقصوا فرحًا لدى فوزه في الانتخابات.

       ولكن الأنباء – التي نشرتها الصحف الهندية في اليوم المذكور أعلاه – تُصَرِّح بأن ثلاث مائة ألف من المواطنين الهنود المقيمين بأمريكا سيتضررون مباشرة من المرسوم الترامبي الذي صَدَرَ حديثًا.

       إن «ترامب» يبدو كأنه لا يحبّ الجديّة ويرغب في اتخاذ خطوات مثيرة تزعج العباد والبلاد، وبالتالي تجر على أمريكا ويلات عاجلة وآجلة، فيجلب لها الشر من حيث يظن أنه يسبب لها الخير.

       وما يصنعه هو، يدفعه إليه طعنُه في السن الذي جعله لايضبط نفسَه كمن يكون في سن الشباب والقوة. كما يرى عددٌ من الخبراء أنه مطبوع على الميل إلى التطرف والعنف، وعلى الانحراف عن الاعتدال والتوسّط، ويجوز أن يقال: إنه مدفوع بالعصبية والعنصريّة التي سيطرت عليه، ويمكن أن يكون قد تَوَرَّطَ في حبالة «الموساد» منظمة الاستخبارات الإسرائيلية التي تمهر في غسل الأدمغة وصياغتها في بوتقة الفكر الصهيوني المعادي للإنسان والإنسانية. ويستدلّ بعضُ الخبراء على ذلك بأن الفريق الأوّل الذي كَوَّنَه «ترامب» لإدارة سلطته يتضمن 11 من اليهود وهو عددٌ يفوق نسبتَهم المئويّةَ في البلاد. كما يستدلون عليه بأن «ترامب» لم يتحدث خلال حملاته الانتخابية كلها ولا مرة واحدة عن قضية فلسطين ومعالجتها وإنما تَحَدَّثَ دائمًا عن المصالح الصهيونيّة، مما أَكَّدَ أنه لن يضغط على إسرائيل فيما يتعلق بحل القضية؛ لأنه ظل ينظر إلى الفلسطينيين نظرةَ إسرائيل، ويعتبر النضال الفلسطيني إرهابًا يستهدف الدولة الصهيونية.

       من ثم يرى الفلسطينيون فوز «ترامب» وتَوَلِّيَه الرئاسةَ خطرًا جديدًا هائلاً على القضية الفلسطينية، فقد أطلق خلال الحملات الانتخابية تصريحات كثيرة تفيض بتأييد الدولة الصهيونية، وأكثر من مرة صَرَّح أن إسرائيل مظلومة تتعرض دائمًا للاعتداء الفلسطيني، وهَدَّدَ أنه إذا انْتُخِبَ رئيسًا، فإنه سينقل عاصمة إسرائيل من «تل أبيب» إلى مدينة القدس، كما أثارت إسرائيل خلالها – الحملات الانتخابية – قضية نقل السفارة الأمريكية إلى المدينة. على كل فإنّ «ترامب» قد بَرَزَ أولَ رئيس أمريكي وقف بجانب الدولة الصهيونية هذه الوقفةَ القويّةَ وأَيَّدها هذا التأييدَ المُطْلَقَ الذي يفوق التأييدَ الأمريكيَّ التقليديَّ.

       ففي لقائه الأول بالبيت الأبيض بعد توليه الرئاسة مع رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو» يوم الخميس: 16/فبراير 2017م (18/جمادى الأولى 1438هـ) أعلن «ترامب» رفضه لنظرية الوطنين: الوطن الفلسطيني والوطن الإسرائيلي، زاعمًا أن وجود الوطنيين: إسرائيل وفلسطين سيعرض الأمن دائمًا للخطر؛ فستظل أمريكا تؤيد سيادة إسرائيل وبجانب ذلك ستظلّ تعمل على بسط الأمن في المنطقة.

       وبما أن إعلان «ترامب» كان مضادًّا للموقف الأمريكي التقليدي من قضية فلسطين وإقامة دولتين: فلسطين وإسرائيل، تداركت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة في اليوم التالي موقف «ترامب» وصَرَّحت أن أمريكا لن تنحرف عن موقف الدولتين الذي ظلت ثابتة عليه منذ عقود؛ ولكنها ستعمل على البحث عن سبل جديدة للتوصل إلى معاهدة للسلام.

       قد سبقه من الرؤساء الأمريكيين من كانوا أشدّ ولاءً لليهود وإسرائيل؛ ولكنهم ظلوا يُدَاجُون المجتمعَ الدوليَّ بما فيه الإسلامي، أما «ترامب» فلا يعرف المجاملةَ ولا المداجاةَ، وإنما يعرف أن يتعامل مع جميع القضايا بالعنف والتطرف والقساوة.

       من ثم يتنبّأ كثيرٌ من الـمُحَلِّلين أن الشعب الأمريكي قد يخرج عليه على بكـرة أبيه، ويُرْغِمه على التخلّي والاستقـالـة من منصبه، وبالتالي ستجري إعادةُ إجـراء الانتخابات الرئاسيّة عاجلاً أو آجلاً، والعلم بما سيحدث عند الله تعالى.

(تحريرًا في الساعة 12من ظهيرة الخميس: 25/جمادى الأولى 1438هـ  الموافق 23/فبراير 2017م)

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب  1438 هـ = أبريل 2017م ، العدد : 7 ، السنة : 41

Related Posts