الفكر الإسلامي
بقلم: الدكتور رشيد كهوس (*)
هو أبو عبد الله محمد بن سعد بن منيع الهاشمي مولاهم الزهري البصري.
نزيل بغداد كاتب الواقدي وصاحب الطبقات وأحد الحفاظ الكبار الثقات المتبحرين، صدوق فاضل. صحب الواقدي زمانًا وكتب له فعرف به.
كان أحد الفضلاء النبلاء الأجلاء، ومن أهل العلم والفضل والفهم والعدالة، وحديثه يدلّ على صدقه؛ فإنه يتحرى في كثير من رواياته، وكان كثير العلم كثير الحديث والرواية كثير الكَتْبَة، كتب الحديث وغيره من كتب الغريب والفقه، صنف كتابًا كبيرًا في طبقات الصحابة والتابعين إلى وقته فأجاد فيه وأحسن.
روى عن إسماعيل بن علية وأبي ضمرة أنس بن عياض وسفيان بن عيينة ومحمد بن إسماعيل بن أبي فديك ومحمد بن عمر الواقدي ومعن بن عيسى القزاز وهشيم بن بشير والوليد بن مسلم وأبي الوليد الطيالسي وخلق يطول ذكرهم.
ولد في البصرة، وسكن بغداد، فتوفي فيها في جمادى الآخرة في يوم الأحد لأربع خلون من جمادى الآخرة، سنة 230هـ ببغداد، وهو ابن (63) سنة(1).
كان رحمه الله ثقة؛ لكنه ينقل عن الضعفاء مثل الواقدي(2) ويعتبر كتابه «الطبقات الكبرى» من الأسفار القيمة، والكنوز الغالية، فقد «أجاد فيه وأحسن»(3)، وأبدع فأفاد، قال فيه الشيخ الحافظ أحمد بن الصديق الغماري رحمه الله: وطبقات ابن سعــد في سيـرة النبي –صلى الله عليه وسلم- وتراجم الصحابة والتابعين من أنفس كتب الحديث وأعلاها وأغلاها(4).
كان التدقيق والتنظيم منهاجه في طبقاته، واحترز من التناقض والاضطراب الذي تعرض له شيخه الواقدي في بعض الأحيان، الذي كان ينهل من معينه في طبقاته.
وتميز كذلك هذا الكتاب النفيس والسفر العظيم بتلخيص – في بعض الأحيان- الروايات المتعددة للحادثة وسوقها بأسلوب خاص. والكتاب من الجواهر الثمينة التي يرصع بها تاج المكتبة الإسلامية وقد تميز بالإضافة إلى الحديث عن السيرة النبوية والمغازي، ترجمته لمجموعة من الصحابة -رضي الله عنهم-.
وكتاب الطبقات الكبرى من أوثق المصادر الأولى للسيرة النبوية العطرة؛ فقد قسمه إلى قسمين:
الأول: تناول فيه سيرة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- من الصغر إلى البعثة النبوية، وذكر فيه دلائل النبوة وعلامتها قبل نزول الوحي وبعده، وأردفه بالحديث عن المرحلة المكية ثم المدنية، وذكر الوفود، وكل ما يختص بحياة رسول الله –صلى الله عليه وسلم- وغزواته وسراياه ثم مرضه ووفاته ودفنه وميراثه وما رثي به من أشعار.
وأورد ابن سعد الكثير من الروايات عن «الواقدي» و«ابن إسحاق» و«موسى بن عقبة» وغيرهم؛ ولذا يعدّ هو خاتم الطبقة الثالثة من مؤلفي المغازي والسير.
أما القسم الثاني: فقد خصّه لتراجم الصحابة والتابعين. وجعل ترتيبه على أساس سابقة كل صحابي في الإسلام؛ فجعل الطبقة الأولى على السابقة في الإسلام ممن شهد بدرًا، وجعل في الطبقة الثانية من لم يشهد بدرًا ولهم إسلام قديم وقد هاجر عامتهم إلى أرض الحبشة وشهدوا أحدًا وما بعدها من المشاهد. وهكذا إلى نهاية كتابه.
* * *
الهوامش:
(1) تهذيب التهذيب، 9/161. تقريب التهذيب، 2/79. الأعلام للزركلي، 6/136. تهذيب الكمال، 25/255. لسان الميزان، 7/359. وفيات الأعيان، 4/251-252 (باختصار). معجم المطبوعات العربية، 1/116-117. وفيات الأعيان، 4/251-252 (باختصار).
(2) المجتمع المدني في عهد النبوة، أكرم ضياء العمري، ص48.
(3) وفيات الأعيان، 4/351.
(4) كتاب الفتاوى والرسائل الصغرى المسماة: در الغمام الرقيق برسائل الشيخ السيد أحمد بن الصديق، جمع وتنسيق وتخريج: عبد الله التليدي، ص156.
* * *
(*) أستاذ ورئيس مجموعة البحث في السنن الإلهية بكلية أصول الدين بـ«تطوان» جامعة القرويين، المغرب.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، رجب 1438 هـ = أبريل 2017م ، العدد : 7 ، السنة : 41