الإسلام دين جميل جمال الطبيعة، تنجذب إليه القلوب انجذاب القطع الحديدية إلى المغناطيس إلا أن أعداءه استماتوا في تشويه وجهه المنير، وصورته المشرقة إشراقة الأشعة و الأنوار، وصفحته البيضاء أبيض من الثلج، وألين من الحرير الناعم، وأحلى من العسل. ويتجلى جماله و حسنه و رواؤه وبهاؤه في توجيهاته السامية، وتعليماته الناصعة السمحة الواضحة وضوح الشمس في رائعة النهار، ليلها كنهارها لايزيغ عنها إلا هالك.

         ويتجلى لنا جماله في أدب المعاملة مع الناس: العفو والصفح والتسامح وكظم الغيظ والإحسان، والحرص على العدل ولو مع الأعداء. وفيما يلي بعض النصوص الإسلامية في هذه القيم الإنسانية التي دعا وندب إليها الإسلام، وحض عليها. وتظافرت في ذلك نصوص من القرآن الكريم والأحاديث النبوية بكثرة كاثرة تكاد تخرج عن الحصر والاستقصاء.

         أمر الله تعالى نبيه بالعفو والصفح، فقال: ﴿خُذِ ‌ٱلۡعَفۡوَ ‌وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾ [الأعراف:199]. فهذه الآية أجمع آيات القرآن الكريم لمكارم الأخلاق ومحاسنها. ذهب جماعة من أهل التفسير إلى أن المراد بالعفو هنا هو العفو عن المشركين، وترك الغلظة عليهم قبل أن يفرض قتالهم. قال ابن جرير الطبري في تفسير هذه الآية: لما نزلت هذه الآية: ﴿خُذِ ‌ٱلۡعَفۡوَ ‌وَأۡمُرۡ بِٱلۡعُرۡفِ وَأَعۡرِضۡ عَنِ ٱلۡجَٰهِلِينَ﴾. قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا جبريل، ما هذا؟ قال: ما أدري حتى أسأل العالِم! قال: ثم قال جبريل: يا محمد، إن الله يأمرك أن تَصِل مَن قطعك، وتعطي من حرمك، وتعفو عمن ظلمك.

         وقال ابن جرير: (وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ)، فإنه أمرٌ من الله تعالى نبيّه -صلى الله عليه وسلم- أن يعرض عمن جهل. وذلك وإن كان أمرًا من الله نبيَّه، فإنه تأديب منه عز ذكره لخلقه باحتمال من ظلمهم أو اعتدى عليهم، لا بالإعراض عمن جهل الواجبَ عليه من حق الله، ولا بالصفح عمن كفر بالله وجهل وحدانيته، وهو للمسلمين حَرْبٌ».

         فقوله: (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ) جمع مكارم الأخلاق بأسرها؛ لأن فى العفو صلة القاطعين، والصفح عن الظالمين، وإعطاء المانعين، وفي الأمر بالعرف تقوى الله وصلة الرحم، وصون اللسان عن الكذب، وغض الطرف عن الحرمات، والتبرؤ من كل قبيح؛ لأنه لا يجوز أن يأمر بالمعروف، وهو يلابس شيئا من المنكر؛ وفي الإعراض عن الجاهلين الصبر و الحلم، وتنزيه النفس عن مقابلة السفيه بما يُوتِغ الدين ويسقط القدرة»(1).

         واعتبر الإسلام العفو والصفح من صفات المسلمين وأخلاقهم السامية، يقول الله تعالى منوِّهًا بها: ﴿‌وَسَارِعُوٓاْ ‌إِلَىٰ ‌مَغۡفِرَةٖ مِّن رَّبِّكُمۡ وَجَنَّةٍ عَرۡضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلۡأَرۡضُ أُعِدَّتۡ لِلۡمُتَّقِينَ ١٣٣ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلۡكَٰظِمِينَ ٱلۡغَيۡظَ وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ [3/آل عمران: 133- 134].

         قال ابن كثير في تفسير الآية: ﴿وَٱلۡعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِۗ﴾ أي: مع كف الشر يعفون عمن ظلمهم في أنفسهم، فلا يبقى في أنفسهم موجدة على أحد، وهذا أكمل الأحوال، ولهذا قال: ﴿وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلۡمُحۡسِنِينَ﴾ فهذا من مقامات الإحسان… وعن عبادة بن الصامت، عن أبي بن كعب؛ أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «من سرّه أن يشرف له البنيان، وترفع له الدرجات، فليعف عمن ظلمه، ويُعطِ من حرمه، ويصل من قطعه». رواه الحاكم في مستدركه ثم قال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه … وروي عن طريق الضحاك، عن ابن عباس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «إذا كان يوم القيامة نادى منادٍ يقول: أين العافون عن الناس؟ هلموا إلى ربكم، وخذوا أجوركم، وحق على كل امرئ مسلم إذا عفا أن يدخل الجنة».

         والعفو من أعظم أسباب التقرب إلى التقوى والورع، يقول الله تعالى في محكم تنزيله: ﴿وَأَن ‌تَعۡفُوٓاْ ‌أَقۡرَبُ ‌لِلتَّقۡوَىٰۚ وَلَا تَنسَوُاْ ٱلۡفَضۡلَ بَيۡنَكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ بِمَا تَعۡمَلُونَ بَصِيرٌ﴾ [البقرة:137].

روى ابن جرير عن ابن عباس -رضي الله عنه- قال: أقربهما للتقوى الذي يعفو، وذلك لأنّ من سمح بترك حقه كان محسنا، وذلك عنوان التقوى. و رجحه- ابن جرير- ثم قال: «فإن قال قائل: وما في الصفح عن ذلك من القرب من تقوى الله؟ فيقال للصافح العافي عما وجب له قبل صاحبه: فِعْلُك ما فَعَلتَ أقرب لك إلى تقوى الله؟ قيل له: الذي في ذلك من قربه من تقوى الله، مسارعته في عفوه ذلك إلى ما ندبه الله إليه، ودعاه وحضه عليه. فكان فعله ذلك- إذا فعله ابتغاء مرضاة الله، وإيثار ما ندبه إليه على هوى نفسه- معلوما به، إذ كان مؤثرا فعل ما ندبه إليه مما لم يفرضه عليه على هوى نفسه، أنه لما فرضه عليه وأوجبه أشد إيثارًا، ولما نهاه أشد تجنبًا. وذلك هو قربه من التقوى».

         وقال السمرقندي في تفسير الآية: «أن تعفو بعضكم بعضا كان أقرب إلى البر، فأيهما ترك لصاحبه فقد أخذ بالفضل. ويقال: إن الله تعالى ندب إلى الإنسانية، فأمر كل واحد منهما بالعفو».

         فالعفو من حيث هو أقرب للتقوى، ولذا لم يذكر المفعول، والخطاب للأمة كلها.

         والعفو من أعظم أسباب مرضاة الله تعالى وعفوه وغفرانه، يقول الله تعالى: ﴿إِن ‌تُبۡدُواْ ‌خَيۡرًا ‌أَوۡ ‌تُخۡفُوهُ أَوۡ تَعۡفُواْ عَن سُوٓءٖ فَإِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَفُوّٗا قَدِيرًا﴾ [4/النساء:149].

         قال الرازي في مفاتيح الغيب: «اعلم أن معاقد الخيرات على كثرتها محصورة في أمرين: صدق مع الحق، وخُلق مع الخَلق، والذي يتعلق بالخلق محصور في قسمين: إيصال نفع إليهم ودفع ضرر عنهم، فقوله: (إن تبدوا خيرا أو تخفوه) إشارة إلى إيصال النفع إليهم، وقوله: (أو تعفوا) إشارة إلى دفع الضرر عنهم، فدخل في هاتين الكلمتين جميع أنواع الخير وأعمال البر».

         ويقول العلامة ابن القيم رحمه الله: اعلم أن لك ذنوبا بينك وبين الله تخاف عواقبها و ترجوه أن يعفو عنها، ويغفرها لك، ويهبها لك، ومع هذا لا يقتصر على مجرد العفو والمسامحة حتى ينعم عليك، ويكرمك، ويجلب إليك من المنافع والإحسان فوق ما تؤمله، فإذا كنت ترجو هذا من ربك أن يقابل به إساءتك، فما أولاك وأجدرك أن تعامل به خلقه، وتقابل به إساءتهم ليعاملك الله هذه المعاملة، فإن الجزاء من جنس العمل، فكما تعمل مع الناس في إساءتهم في حقك يفعل الله معك في ذنوبك وإساءتك جزاءً وفاقًا. فانتقم بعد ذلك أو اعف، وأحسن أو اترك فكما تدين تدان، وكما تفعل مع عباده يفعل معك. فمن تصور هذا المعنى، وشغل به فكره هان عليه الإحسان إلى ما أساء إليه، هذا مع ما يحصل له بذلك من نصر الله ومعيته الخاصة(2).

         فالآية الكريمة تشير إلى مبدإ وقانون قرآني سامٍ لرفع الظلم وإصلاح المجتمع في أسلوب حكيم، فإنه إذا كان يمنح المظلوم حق التشفي والانتصاف والانتقام، وقد شرع بذلك خير قانون للعدل والإنصاف، فإنه لم يدع المظلوم حتى لقنه درسًا من التخلق بالأخلاق السامية و هي العفو والصفح عن الظالم والمعتدي، ومن نتائجه الحاسمة ما أشار إليه القرآن الكريم في آية أخرى: ﴿وَلَا ‌تَسۡتَوِي ‌ٱلۡحَسَنَةُ ‌وَلَا ‌ٱلسَّيِّئَةُۚ ٱدۡفَعۡ بِٱلَّتِي هِيَ أَحۡسَنُ فَإِذَا ٱلَّذِي بَيۡنَكَ وَبَيۡنَهُۥ عَدَٰوَةٞ كَأَنَّهُۥ وَلِيٌّ حَمِيمٞ﴾ [فصلت:34]. فالكلمة الطيبة والنبرة الهادئة الوادعة، والبسمة الحانية في وجه الغاضب الهائج المتبجح والمفلوت الزمام تحول الهياج إلى وداعة، والغيظ إلى سكينة، والتبجح إلى حياء.

         ومعنى الآية أن الدعوة إلى الإسلام يتطلب فيما يتطلب أن يتجنب الداعي إثارة المعارض، فإنه يزداد شرًّا إذا هاج واشتعل، فيتظاهر بما كان يخفيه من قبل من العداوة والشحناء. وخير وسيلة إلى تجنب هذه العداوة والشر أن يتحلى الداعي بالعفو والصفح، ولايتصدى للتشفي والانتقام منه. فيعود له صديقًا حميمًا. ثم إن لم يساعده على وظيفته فلا أقل أنه لايشكل عقبةً في طريق الدعوة، مما يعين على القيام بوظيفة الدعوة على أكمل وجه.

         وقال ابن عطية في تفسير الآية: «وقوله تعالى: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) جمع مكارم الأخلاق وأنواع الحلم، والمعنى: ادفع أمورك وما يعرضك مع الناس ومخالطتك لهم بالفعلة أو بالسيرة التي هي أحسن السير والفعلات، فمن ذلك بذل السلام، وحسن الأدب، و كظم الغيظ، والسماحة في القضاء والاقتضاء وغير ذلك. قال ابن عباس: إذا فعل المؤمن هذه الفضائل عصمه الله من الشيطان وخضع له عدوه. وفسر مجاهد وعطاء هذه الآية بالسلام عند اللقاء، ولا شك أن السلام هو مبدأ الدفع بالتي هي أحسن وهو جزء منه، ثم قال تعالى: (كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) فدخل كاف التشبيه؛ لأن الذي عنده عداوة لايعود وليًّا حميمًا، وإنما يحسن ظاهره، فيشبه بذلك الولي الحميم. والحميم: هو القريب الذي يحتمّ للإنسان. والضمير في قوله: (يُلَقَّاها) عائد على هذه الأخلاق التي يتضمنها قوله: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)… وقوله: (إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) مدح بليغ للصبر، وذلك بينّ للمتأمل؛ لأن الصبر للطاعات وعن الشهوات جامع لخصال الخير كلها. والحظ العظيم: يحتمل أن يريد من العقل والفضل، فتكون الآية مدحًا. وروي أن رجلا شتم أبا بكر الصديق بحضرة النبي -صلى الله عليه وسلم- فسكت أبوبكر ساعة، ثم جاش به الغضب، فرد على الرجل، فقام النبي عليه السلام، فاتبعه أبو بكر وقال: يا رسول الله، قمت حين انتصرت، فقال: إنه كان يرد عنك ملك، فلما قربت تنتصر، ذهب الملك وجاء الشيطان، فما كنت لأجالسه».

         وقال الرازي في تفسير الآية: «قال: (ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) يعني ادفع سفاهتهم و جهالتهم بالطريق الذي هو أحسن الطرق، فإنك إذا صبرت على سوء أخلاقهم مرة بعد أخرى، ولم تقابل سفاهتهم بالغضب ولا إضرارهم بالإيذاء والإيحاش استحيوا من تلك الأخلاق المذمومة وتركوا تلك الأفعال القبيحة. ثم قال: (فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ) يعني إذا قابلت إساءتهم بالإحسان، وأفعالهم القبيحة بالأفعال الحسنة تركوا أفعالهم القبيحة، وانقلبوا من العداوة إلى المحبة، ومن البغضة إلى المودة، ولما أرشد الله تعالى إلى هذا الطريق النافع في الدين والدنيا والآخرة عظمه فقال: (وَما يُلَقَّاها إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا) قال الزجاج: أي وما يلقى هذه الفعلة إلا الذين صبروا على تحمل المكاره وتجرع الشدائد وكظم الغيظ وترك الانتقام. ثم قال: (وَما يُلَقَّاها إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) من الفضائل النفسانية و الدرجة العالية في القوة الروحانية، فإن الاشتغال بالانتقام والدفع لايحصل إلا بعد تأثر النفس، وتأثر النفس من الواردات الخارجية لايحصل إلا عند ضعف النفس، فأما إذا كانت النفس قوية الجوهر لم تتأثر من الواردات الخارجية، وإذا لم تتأثر منها لم تضعف، ولم تتأذَّ، ولم تشتغل بالانتقام، فثبت أن هذه السيرة التي شرحناها لا يلقاها إلا ذو حظ عظيم من قوة النفس وصفاء الجوهر وطهارة الذات، ويحتمل أن يكون المراد: وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم من ثواب الآخرة، فعلى هذا الوجه قوله: (وما يلقاها إلا الذين صبروا) مدح بفعل الصبر، وقوله: (وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم) وعد بأعظم الحظ من الثواب».

         فإن قيل: إننا نرى أحيانا أن المعارض والعدو لايزداد إلا نشاطا في الشر والفتنة، و لايعود وليًّا حميمًا رغم التزام المؤمن دفع السيئة بالحسنة؟ فالجواب عنه أن هذه القاعدة مقرونة بشرط، وهو أن يكون المعارض سليم الطبع، فيمسك عن شره وفتنته مادام سليم الطبع. ويحتمل أن يجاب بأنه قد دخل كاف التشبيه فقال: (كأنه ولي حميم)، وحاصل هذا التشبيه أنه – على أقل تقدير- يخف شره وتضعف فتنته. وأما إذا تصديت للانتقام والتشفي، فلابد وأن يحمل في نفسه الضغينة والشحناء ضدك وإن سكت حينئذ لعدم قدرته على غير ذلك. ولابد أن يغري الناس عليك من وراء حجاب. وربما يظن المرء أن الانتقام والتشفي خير وأصلح، ففيه إرشاد إلى أدب من آداب الدعوة والتبليغ، وهو أنه يجب على الداعي لزوم جانب الصبر والحلم، وأن يحتمل ما يواجهه به معارضه من المواقف الكريهة، وحيث إن دفع السيئة بالحسنة شاقٌّ، وعلى غاية من الصعوبة، فرغَّب فيه بقوله سبحانه: ﴿وَمَا ‌يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ ‌وَمَا ‌يُلَقَّىٰهَآ إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٖ﴾. فجاء الأمر بهذا الدفع  لسببين: الأول: أنه خلق عظيم، فإن صاحبه يعد من الصابرين. والثاني: بالنظر إلى الأجر والمثوبة، فصاحبه يستحق الأجر العظيم(3).

         ويقول العلامة شبير أحمد العثماني رحمه الله: «هذه الآيات تلقن الأخلاق التي يحتاج إليها الداعي الصادق إلى الله تعالى. والمعنى: اعلموا جيدًا أن الحسنة لاتعادل السيئة، ولاتعادل السيئة الحسنةَ، فلكل واحدة منهما تأثير يختلف عن غيره؛ بل يتفاضل الحسنات بعضها على البعض، والسيئات بعضها على البعض في التأثير والعمل، فعلى المؤمن القانت وخاصة الداعي إلى الله تعالى أن يحذر رد السيئة بالسيئة؛ بل يقابل السيئة بالحسنة ما استطاع إليه سبيلا، فإن أغلظ له أحد القول، أو أساء إليه في معاملته، فليقابله بما هو أحسن، مثلا: يقابل الغضب بالحلم، والشتم بالأدب، والشدة باللين والرفق و العطف. وهذا الموقف منه يؤدي إلى أن يرق أشد الأعداء وأعنَدُهم، وهو إن لم يكن وليًّا حميمًا من أعماق قلبه فلا أقل من أن يأتي يوم يعاملك فيه معاملة الصديق الحميم، ولايبعد أن يعود وليًّا حميمًا مع مرور الأيام، ويطرد من قلبه أفكار السوء والعدواة كلها، كما قال تعالى: ﴿عَسَى ٱللَّهُ أَن يَجۡعَلَ ‌بَيۡنَكُمۡ ‌وَبَيۡنَ ‌ٱلَّذِينَ عَادَيۡتُم مِّنۡهُم مَّوَدَّةٗۚ﴾ [الممتحنة:7] إلا أن يكون الشخص- وما أقله – مطبوعًا على ما طبع عليه الحية والعقرب من الإيذاء، فلايؤثر فيه نوع من الرفق وحسن الخلق. والحاصل أن الداعي إلى الله تعالى في حاجة ماسة إلى كثير من الصبر والثبات وحسن الخلق».

         فهذه بعض جوانب حسن الإسلام، وما أحوج المسلمين وخاصة الدعاة إلى الله تعالى أن يشرحوا هذه الجوانب النيرة من الإسلام وتعاليمه وتوجيهاته السامية، على مختلف المستويات: بألسنتهم وأقلامهم، وخاصة بأفعالهم ومواقفهم ومعاملاتهم حتى مع أشد الأعداء حنقًا وغيظًا على الإسلام وأهله.

محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري            (تحريرًا في الساعة الثامنة صباحًا من يوم الأحد: 4/صفر 1444هـ = 1/أكتوبر 2022م)


(1)    الصناعتين 1/177.

(2)    بدائع الفوائد2/244.

(3)    أشرف التفاسير للتهانوي.

مجلة الداعي، جمادى الأولى 1444هـ = ديسمبر 2022م، العدد: 5، السنة: 47

Related Posts