بقلم: العلامة الشيخ شبير أحمد العثماني رحمه الله

 (1305-1369هـ/1887-1949م)

تعريب: أبو عائض القاسمي المباركفوري(*)

       وَٱتۡلُ عَلَيۡهِمۡ نَبَأَ ٱبۡنَيۡ ءَادَمَ بِٱلۡحَقِّ إِذۡ قَرَّبَا قُرۡبَانٗا فَتُقُبِّلَ مِنۡ أَحَدِهِمَا وَلَمۡ يُتَقَبَّلۡ مِنَ ٱلۡأٓخَرِ قَالَ لَأَقۡتُلَنَّكَۖ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ ٱللَّهُ مِنَ ٱلۡمُتَّقِينَ٢٧

         أي قص عليهم نبأ ابني آدم من الصلب: قابيل وهابيل، فإن هذه القصة تحدثت عن حسد أحد الأخوين الآخرَ على قبوله عند الله تعالى، وبالتالي قتله إياه غيظًا وغضبًا عليه. وشرحت عواقب القتل بغير الحق. وسبق أن ذكر في الركوع الماضي أن بني إسرائيل حين أمروا بقتال الظلمة والطغاة فروا خوفًا منهم. وقصة هابيل وقابيل تمهيد إلى أن هؤلاء الملعونين ما أجرأهم كل وقت على قتل المتقين المقبولين من عباد الله تعالى، وهو- القتل- من أشنع الجرائم، وقد ورد لهم تحذير شديد وتهديد بالغ به، ثم ما أشنع المخططات والمكائد التي ينسجونها ضد سيد الأنبياء -صلى الله عليه وسلم- بغضًا وحسدًا عليه؟ فكأن التخاذل عن مواجهة الظلمة والأشرار، ونسج المكائد لقتل الأبرياء وأسرهم، كل ذلك مما دأب عليه هؤلاء القوم. ثم إنهم يدعون أنهم أبناء الله وأحباؤه. وبناءً على هذا التقرير قصةُ قابيل وهابيل، ثم تفريع قوله: (مِنْ أَجْلِ ذٰلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ) الآية عليه، كله تمهيد لما سيأتي في نهاية هذه القصة وما تفريع عليه من قوله: (وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنٰتِ ثُمَّ اِنَّ كَثِيْرًا مِّنْهُمْ بَعْدَ ذٰلِكَ فِي الْاَرْضِ لَمُسْرِفُوْنَ)[المائدة:32].

      فائدة: أي أن قابيل كان يطلب البنت التي أراد آدم عليه السلام أن يزوجها هابيل وفق السنة السارية، وأخيرًا قدم كل واحد منهما قربانًا إلى الله تعالى بإيعاز من آدم عليه السلام، لتكون البنت من نصيب من تقبل قربانه منهما. وربما غلب على ظن آدم عليه السلام أن هابيل سيتقبل قربانه، وقد وقع ذلك، فظهرت نار من السماء، وأكلت قربان هابيل، وكانت آية على تقبله عند الله تعالى يومئذ.

      فائدة: لما رأى قابيل ذلك اصطلى نار الحسد، وبدلا من أن يتخذ وسائل التقبل عند الله تعالى، هدد شقيقه غيظًا وغضبًا بالقتل.  

      فائدة: أي قال هابيل: هل لي فيه ذنب؟ فلا يغني أحدًا قوته من الله تعالى. فكأن تقبل قرباني يرجع إلى التقوى، فإن اتقيت الله تعالى لم يكن ليمانع قبولك عنده.

         لَئِنۢ بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقۡتُلَنِي مَآ أَنَا۠ بِبَاسِطٖ يَدِيَ إِلَيۡكَ لِأَقۡتُلَكَۖ إِنِّيٓ أَخَافُ ٱللَّهَ رَبَّ ٱلۡعَٰلَمِينَ٢٨

         قال الشاه [عبد القادر] رحمه الله: إن حاول أحد قتل غيره بغير حق، جاز له أن يقتل الظالم، فإن صبر وقتل كان من الشهداء. وهذا فيما يخص مواجهة المسلم أخاه المسلم، وأما إذا تطلبت المصلحة والحاجة الشرعية الانتقام والدفاع؛ فإنه لايجوز الكف عنه والبقاء مكتوف اليد، مثلا: قتال الكفرة والبغاة، (وَالَّذِيْنَ اِذَا اَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُوْنَ)[الشورى:39].

      فائدة: أي أريد أن لا ألطخ يدي بدم الأخ ما وسعني ذلك خوفًا من الله تعالى، لاخوفًا منك. قال أبو أيوب السختياني: إن أول من أخذ بهذه الآية من هذه الأمة: ﴿لَئِنْ بَسَطْتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لأقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ﴾ لَعُثْمانُ بْنِ عَفَّانَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ». وقد ترك الأشرار يقتلونه دون أن يرضى بقطع إصبع مسلم.

         إِنِّيٓ أُرِيدُ أَن تَبُوٓأَ بِإِثۡمِي وَإِثۡمِكَ فَتَكُونَ مِنۡ أَصۡحَٰبِ ٱلنَّارِۚ وَذَٰلِكَ جَزَـٰٓؤُاْ ٱلظَّـٰلِمِينَ٢٩

         أي تحمل إثم قتلي بجانب آثامك الأخرى، وقد حكى ابن جرير إجماع المفسرين على أن هذا هو المراد بقوله : (بإثمي). وأما من قال: المراد به حملُ إثم الظالم على المظلوم يوم القيامة، فقد أصاب من وجهٍ، ولكنه لايعد تفسيرًا لهذه الآية عند المحققين. فمحصل كلام هابيل: إذا كنت عزمتَ على أن تتحمل وبال قتلي، فقد عزمتُ على ألا أدافع عن نفسي، حتى أتهم ولو بترك العزيمة.

      فائدة: أي يثبت عليك ما كسبت من الذنوب طوال حياتك، ويزيد عليها إثم قتلي، ويعفى عني ذنبي لأني أُقتَل مظلومًا(موضح القرآن).

      فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُۥ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلۡخَٰسِرِينَ ٣٠

ربما تردد في قتله أول الأمر، ثم أكدت النفس الأمارة بالسوء عزيمته على القتل، وهذا ما تكون عليه المعاصي في أول الأمر في عامة الأحوال.

      فائدة: الخسران الدنيوي أنه فقد مثل هذا الأخ الصالح الذي سيشكل العضد القوي، ثم مات بعد قتله مجنونًا. و ورد الحديث بأن الظلم وقطيعة الرحم يعجل الله تعالى عقوبتهما في الدنيا قبل الآخرة. وأما الخسران الأخروي فهو أنه فتح في الدنيا باب الظلم وقطع الرحم، وقتل العمد، والفوضى، فكان عليه كفل من هذه الذنوب والآثام كلها، وكذلك كل ذنب من هذا النوع سيحدث في الدنيا يكون له نصيب منه؛ لأنه فتح بابه واخترعه.كما صرح به الحديث.

         فَبَعَثَ ٱللَّهُ غُرَابٗا يَبۡحَثُ فِي ٱلۡأَرۡضِ لِيُرِيَهُۥ كَيۡفَ يُوَٰرِي سَوۡءَةَ أَخِيهِۚ قَالَ يَٰوَيۡلَتَىٰٓ أَعَجَزۡتُ أَنۡ أَكُونَ مِثۡلَ هَٰذَا ٱلۡغُرَابِ فَأُوَٰرِيَ سَوۡءَةَ أَخِيۖ فَأَصۡبَحَ مِنَ ٱلنَّـٰدِمِينَ ٣١

         ولم يمت أحد من البشر قبل ذلك فحار بعد قتله كيف يفعل بنعشه؟حتى رأى غرابًا يبحث في الأرض،أو يدفن غرابًا آخر بعد كسح التراب، فلما رآه على ذلك عاد إليه بعض رشده، وأدرك كيف يدفن أخاه. وندم على أنه عجز أن يكون مثل هذا الغراب في العقل والفهم والمواساة مع أخيه. وربما من أجل ذلك نبهه الله تعالى عليه بأدنى الحيوانات حتى يأخذه بعض الندم على بربريته وسفهه؟ ومما يمتاز به الغراب من الحيوانات أنه يكثر الشغب والضوضاء إذا وجد نعش أخيه الميت من غير دفن.

      فائدة: إنما ينفع الندم المصحوب بالاعتذار عن المعصية، والتواضع وهم التدارك والتلافي. وهنا لم يندم على أنه عصى الله تعالى؛ بل على سوء حاله، التي لحقته بعد القتل.

      مِنۡ أَجۡلِ ذَٰلِكَ كَتَبۡنَا عَلَىٰ بَنِيٓ إِسۡرَـٰٓءِيلَ أَنَّهُۥ مَن قَتَلَ نَفۡسَۢا بِغَيۡرِ نَفۡسٍ أَوۡ فَسَادٖ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ ٱلنَّاسَ جَمِيعٗا وَمَنۡ أَحۡيَاهَا فَكَأَنَّمَآ أَحۡيَا ٱلنَّاسَ جَمِيعٗاۚ وَلَقَدۡ جَآءَتۡهُمۡ رُسُلُنَا بِٱلۡبَيِّنَٰتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرٗا مِّنۡهُم بَعۡدَ ذَٰلِكَ فِي ٱلۡأَرۡضِ لَمُسۡرِفُونَ٣٢

         أي من أجل ما في القتل بغير حق من الخسارة في الدنيا والآخرة، وما يترتب عليه من الآثار والعواقب، حتى أن القاتل قد يأخذه الأسى ويعض بنان الندم على هذه الفعلة الشنيعة من أجل ذلك فرضنا على بني إسرائيل الخ.

      فائدة: الفساد في الأرض على أنواع، منها: أن يكف أهل الحق عن الدين الحق، أو يسيء إلى الأنبياء، أو يرتد عن الإسلام- والعياذ بالله منه- ويرغب غيره بفعله فيه، وقِس على ذلك.

      فائدة: أي أول معصية وقعت على وجه الأرض هي أن قتلَ قابيلُ هابيلَ، ثم سار الناس عليه. ولذا قال في التوراة: «قتل الواحد قتل الناس جميعًا. أي إذا قُتِلَ أحد بغير حق تجرأ الناس على هذه الجريمة. فمن قتل واحدًا من الناس و وضع أساس الفوضى، فكأنما قتل الناس جميعًا وفتح بابا إلى الفوضى واللاقانونية. ومن أحيى نفسًا واحدةً أي أخرجها من براثن القاتل الظالم، فكأنما يدعو إلى وقاية الناس كلهم وتأمينهم بفعله.

      فائدة: حمل المترجِم [شيخ الهند رحمه الله] «البينات» على الأحكام الواضحة، ويمكن حملها على الآيات الواضحات التي تتأكد بها رسالة أحد من الله تعالى.

      فائدة: أي لم يرعوِ كثير من بني إسرائيل عن الظلم والطغيان والاعتداءات رغم ما شاهدوا من هذه الآيات الواضحات، ورغم ما سمعوا من هذه الأحكام الواضحات. ودأبوا دائمًا على قتل الأنبياء المعصومين، وقتل بعضهم بعضًا. وهم مكبون على نسج الدسائس والمكائد اليوم لقتل خاتم الأنبياء عليه السلام – والعياذ بالله منه – وإيذاء المسلمين وإذلالهم ليل نهار، ولايتأملون في أن قتل واحد بغير حق قد بلغ من الشناعة والجريمة أنه قتل الناس جميعًا –كما يدل عليه التوراة- فما أعظم  جريمةً التصديَ لقتل أكمل البشرية، وقتل وإيذاء أعظم الجماعات قبولا وحظوة عند الله تعالى، والعزم على مقاتلتها والمحاربة معها. فمحاربة رسل الله تعالى محاربة الله تعالى في الواقع، ولعله من أجل ذلك ذكر في الآية اللاحقة ما للذين يحاربون الله ورسوله أو يسعون في الأرض فسادًا فيسرفون في الأرض، من العقوبة في الدنيا والآخرة.

         إِنَّمَا جَزَـٰٓؤُاْ ٱلَّذِينَ يُحَارِبُونَ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَيَسۡعَوۡنَ فِي ٱلۡأَرۡضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوٓاْ أَوۡ يُصَلَّبُوٓاْ أَوۡ تُقَطَّعَ أَيۡدِيهِمۡ وَأَرۡجُلُهُم مِّنۡ خِلَٰفٍ أَوۡ يُنفَوۡاْ مِنَ ٱلۡأَرۡضِۚ ذَٰلِكَ لَهُمۡ خِزۡيٞ فِي ٱلدُّنۡيَاۖ وَلَهُمۡ فِي ٱلۡأٓخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ٣٣

         حمل معظم المفسرين الفساد هنا على قطع الطريق، وإذا حملنا اللفظ على عمومه، كان أوسع دلالةً، وما ورد في الأحاديث من سبب نزول هذه الآية يقتضي حمل اللفظ على العموم. ومحاربة الله ورسوله، والسعي في الأرض فسادًا كلمتان تتضمنان هجمات الكفار، وفتنة الارتداد، وقطع الطريق، والقتل بغير حق، والنهب، والمخططات الإجرامية، والدعايات المغوية كلها. وكل منها جريمة يستحق مرتكبها – لامحالة – واحدةً من هذه العقوبات الأربع الآتي ذكرها لاحقًا.

      فائدة: (مِّنْ خِلَافٍ) أي اليد اليمنى والرجل اليسرى.

      فائدة: ينقلون إلى مكان آخر يسجنون فيه. كما ذهب إليه الإمام أبوحنيفة رحمه الله.

      فائدة: قاطع الطريق على أربع أحوال: (1) قتل ولم يسلب المال. (2) قتل وسلب المال. (3) سلب المال ولم يقتل. (4) لم يسلب المال، ولم يقتل، وإنما اعتقل وهو يقصد ويستعد لذلك. وتنفذ هذه العقوبات الأربع في الأحوال الأربع مرتبة كما ذكر.

         إِلَّا ٱلَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبۡلِ أَن تَقۡدِرُواْ عَلَيۡهِمۡۖ فَٱعۡلَمُوٓاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَفُورٞ رَّحِيمٞ ٣٤

      فائدة: وهذه العقوبات الأربع – التي كانت حدودًا وحقوقًا لله تعالى- تسقط بالتوبة قبل الأسر. وأما حقوق العباد فلاتسقط. فمن سلب المال وجب ضمانه عليه، ومن قتل وجب القصاص عليه، نعم يرجع العفو عن هذه الأشياء إلى صاحب المال و ولي المقتول.

      تنبيه: ما عدا هذه الحدود من حد الزنا، وحد شرب الخمر، وحد القذف، لاتسقط بالتوبة على الإطلاق.

      يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱبۡتَغُوٓاْ إِلَيۡهِ ٱلۡوَسِيلَةَ وَجَٰهِدُواْ فِي سَبِيلِهِۦ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ٣٥

         فسر ابن عباس رضي الله عنهما ومجاهد وأبو وائل، والحسن وغيرهم من كبار السلف الوسيلة بالقربة. فابتغاء الوسيلة معناه: اطلبوا القربة إليه. وقال قتادة: أي تقربوا إليه بطاعته والعمل بما يرضيه. ويقول الشاعر:

         إذا غفل الواشون عدنا لو صلنا

وعاد التصافي بیننا والوسائل

         فالمراد في البيت هو معنى القرب والاتصال. وما ورد في الحديث أن الوسيلة منزلة عليا في الجنة، لايعطاها إلا عبد من عباد الله في الدنيا، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: «سلوا الله لي الوسيلة»(1) أي بعد الأذان، فإنما سميت هذه المنزلة بالوسيلة؛ لأنها أقرب منازل الجنة إلى عرش الرحمن، وأعلى مقامات القرب إلى الله تعالى. وعلى كل قال أولا: اتقوا الله، وليست هذه التقوى كما يخاف المرء الحية والعقرب أو الأسد والذئب، ويفر منها؛ بل عليه أن يخاف ألا يُطرَدَ من رضاه ورحمته. ولذا أتبع قوله: (اتقوا الله) قولَه: (وابتغوا إليه الوسيلة). أي احذروا غضبه والبعد عنه وهجره، وابتغوا القرب إليه. ولايخفى أن التقرب إلى شيء لايتحقق إلا إذا قطع الطريق بينه وبينه، فيصل إليه. وهذا ما أشار إليه بقوله: (وَجَاهِدُوا فِي سَبِیلِهِ). أي حاولوا السير على طريقه كل المحاولة، (لَعَلَّكُم تُفلِحُونَ) لتفوزوا بقربه.

      فائدة: ذكر في نهاية الركوع السابق العقوبة الدنيوية والأخروية لمن حارب الله ورسوله، وسعى في الأرض فسادًا. وفي هذا الركوع حذَّر المسلمين هذه العقوباتِ، ونبه على أن الأشقياء إذا حاربوا الله ورسوله، فجاهدوا أنتم بجانب الله ورسوله. وإذا كانوا يسعون في الأرض فسادًا، فاسعوا أنتم لبسط الأمن والطمأنينة باجتهادكم وحسن أعمالكم.

      إِنَّ ٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَوۡ أَنَّ لَهُم مَّا فِي ٱلۡأَرۡضِ جَمِيعٗا وَمِثۡلَهُۥ مَعَهُۥ لِيَفۡتَدُواْ بِهِۦ مِنۡ عَذَابِ يَوۡمِ ٱلۡقِيَٰمَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنۡهُمۡۖ وَلَهُمۡ عَذَابٌ أَلِيمٞ ٣٦

         نبه في الآية السابقة على أن الإنسان لايفلح إلا إذا اتقى الله تعالى، وابتغى إليه الوسيلة، وجاهد في سبيله، وهذه الآية الكريمة نبهت على أن من أعرض عن الله تعالى، لو أنفق في الآخرة ما على الأرض من الخزائن كلها وافتدي من عذاب الله، لم يسعه ذلك. والحاصل أن الفلاح في الآخرة لايحصل إلا بالتقوى وابتغاء الوسيلة، والجهاد في سبيل الله تعالى، لا بالرشوة والفدية.

      يُرِيدُونَ أَن يَخۡرُجُواْ مِنَ ٱلنَّارِ وَمَا هُم بِخَٰرِجِينَ مِنۡهَاۖ وَلَهُمۡ عَذَابٞ مُّقِيمٞ ٣٧          دلت أحاديث كثيرة على أن كثيرًا من المؤمنين العصاة يمكثون في جنهم مدة، ثم يُخرَجون منها، ويدخلهم الله تعالى الجنةَ بفضله وكرمه. وهذه الآية لاتعارض تلك الأحاديث؛ فإن مبدأ هذه الآية يتحدث عن الكفار فقط، ولم تتطرق الآية إلى المؤمنين بشيء.


(*)   أستاذ الحديث والأدب العربي بالجامعة.

(1)    صحيح مسلم برقم[384].

مجلة الداعي، جمادى الأولى 1444هـ = ديسمبر 2022م، العدد: 5، السنة: 47

Related Posts