إنه حديث ذو شجون، حديث فظيع يكرهه سامعه، ولايشجع عليه قائله، حديث عما يعانيه المسلمون، وخاصة الأقليات المسلمة المستضعفة المكبوتة الخائفة من أن يتخطفها الناس عن يمين أو عن شمال – من المكاره ونكبات الأيام وصروف الليالي، والأزمات الدينية والسياسية والاقتصادية في أقصى الأرض وأدناها،بحرها وبرها،ومدنها وقراها.
تآمرت نكبات الدهر ترشقني … بكل صائبــــــــــــة عن قوس غضبان
إن هذه الويلات كانت كفيلة بأن تحمل المسلمين على العودة – من جديد- إلى دينهم، وإلى العض على توجيهاته السامية بالنواجذ، واللجوء إلى ظلاله من سموم الشرك والكفر و الانحراف في العقيدة والعمل، ومن الميوعة في الأخلاق والسلوكيات، وإنها لكفيلة بأن تدفعهم إلى التخلي عن كل ما ينافي الإسلام، وتعاليمه الصافية كالزلفة؛ وإلى التوبة والتضرع إلى الله تعالى، والإنابة إليه، والتخشع له آناء الليل وأطراف النهار. وإن هذه النكبات لهي بلاء مبين لأهل الإيمان والصدق: ﴿وَبَلَوۡنَٰهُم بِٱلۡحَسَنَٰتِ وَٱلسَّيِّـَٔاتِ لَعَلَّهُمۡ يَرۡجِعُونَ﴾ [الأعراف:168] ، و﴿وَنَبۡلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلۡخَيۡرِ فِتۡنَةٗۖ وَإِلَيۡنَا تُرۡجَعُونَ﴾ [الأنبياء:35].
ورغم ذلك كله كم منا – نحن المسلمين- من يرعوي عن انحرافه في العقائد والأعمال والأخلاق؛ لقد تحجرت قلوب كثير منا، وقست، وجمدت، وتبلدت، وخمدت، وانطمست إشراقتها، وأظلمت وأعتمت، فنحن في حاجة أشد من أي وقت مضى إلى التذكير والتوعية؛ فإن القلوب أشبه شيء بالأرض إذا طال عليها القحوط اشتكت الجفاف واليبس، وأصبحت جرداء قاحلة، لاتنبت زرعًا، ولاتخرج حبًّا، ولاتجود بثمرةٍ من ثمراتها، فإذا نزل عليها الماء اهتزت و ربت،ونبضت بالحياة، وتزخرت بالنبات، وآتت أكلها وثمراتها، وأنبتت من كل زوج بهيج، فكذلك القلوب لابد من تذكيرها، وطرقها – وهي ساخنة – حتى ترق، وتشف، وتتذكر، وتخشى.
ورغم هذه المحن التي عرقت وتعرق المسلمين عرق المُدى لاتحدث نفوسنا – إلا من شاء ربك- بإصلاح نفسه، ولملمة بيته. ولاشك أن مصائبنا من أنفسنا، لا من أعدائنا الذين لم يطمعوا فينا، وفي عقيدتنا إلا حين رأوا التقصير منا في تنفيذ شرع الله تعالى في أنفسنا وأهلينا و مجتمعنا وبلادنا. حين يروننا أعداءً بعضنا لبعض، يكنُّ أحدنا الضغينة والحقد والحسد في قلبه تجاه أخيه المسلم، ويتربص به الدوائر، ويتحيَّن فرصة التشفي منه.
فليبدأ كل واحدٍ منا بإصلاح نفسه ثم أخيه، ويبذل ما في وسعه في تقويم ما اعوجّ، و فسد من أخلاقه وأعماله. وإن ما يمليه علينا أعداؤنا، ويلوك به كثير من بني جلدتنا- الذين تربوا في أحضانهم- من الفلسفات والحلول البراقة لإخراجنا من حضيض الفقر والجهل والهزيمة و التخلف والتشرذم، مؤكدين أنها كفيلة بإسعادنا أكثر مما جاء به الكتاب والسنة النبوية؛ إنْ كل ذلك إلا زخرف القول وزور، فلن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها. يقول الله تعالى: ﴿أَلَمۡ يَأۡنِ لِلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَن تَخۡشَعَ قُلُوبُهُمۡ لِذِكۡرِ ٱللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ ٱلۡحَقِّ وَلَا يَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلُ فَطَالَ عَلَيۡهِمُ ٱلۡأَمَدُ فَقَسَتۡ قُلُوبُهُمۡۖ وَكَثِيرٞ مِّنۡهُمۡ فَٰسِقُونَ﴾ [الحديد:16]. ففيه عتاب مشوب بود، وتحضيض وتحريض، واستجاشة إلى جانب التحذير من عاقبة التقاعس والتباطؤ عن الاستجابة لما دعا إليه الله ورسوله –صلى الله عليه وسلم– من الأقوال والأعمال و الأخلاق والسلوكيات والشرائع والأحكام. [التحرير] (تحريرًا في الساعة العاشرة صباحًا من يوم الجمعة: 10/ربيع الأول 1444هـ الموافق 7/كتوبر2022م)
مجلة الداعي، جمادى الأولى 1444هـ = ديسمبر 2022م، العدد: 5، السنة: 47