بقلم:  الأستاذ توفيق علي وهبة

         أرسل الله سبحانه وتعالى رسوله -صلى الله عليه وسلم- بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، فكانت دعوته عامة إلى جميع الناس في كل زمان ومكان، وكانت دعوته عامة للدين والدنيا معا – فكما اهتمت شرعة الإسلام ببيان أسس الدين وقواعده اهتمت ببيان منهج الإسلام في بناء المجتمع وصياغة الحياة على أسس وقواعد تتمشى مع قيم الدين ومبادئه، فألغى الإسلام كل ما يخالف طبيعة الإنسان وفطرته السليمة فحرم الربا والزنا والقتل وشرب الخمر ولعب الميسر ووأد البنات؛ بل حرم كل ما يشكل عدوانا على الإنسان في أي صورة من الصور سواء أكان العدوان مادِّيًّا أم أدبيا، وأباح الطيب في كل شيء ونهى عن الخبيث.

         ومن رعاية الإسلام للمجتمع اهتمامه بالمرأة بعد أن كانت مهانة محتقرة في عصر الجاهلية اهتم بها طفلة وشابة وأمًّا، فهي أخت الرجل وشقيقته وابنته وقبل ذلك كله أمه. فوصى الإنسان بوالديه وزاد في وصيته بالأم. سئل سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «من أحق الناس بحسن رعايتي؟ فقال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك. قال: ثم من؟ قال: أمك قال: ثم من قال: أبوك» رواه الشيخان.

         فالأم هي المدرسة الأولى للطفل. فمنها يتعلم، وبها يتأثر، ولذلك كانت عناية الإسلام بالأم لعظم الدور الذي تقوم به في المجتمع من تربية أطفالها وحسن تنشئتهم ورعايتهم حتى يكونوا مواطنين صالحين يخدمون بلادهم وينفعون مجتمعهم.

         ويوصي الإسلام بحسن اختيار الرجل لزوجته التي يطمئن إلى تدينها حتى تنشئ أبناءها على خير ما يريد لهم دينهم ووطنهم فنهى القرآن عن الزواج بالمشركات فقال: ﴿وَلَا ‌تَنكِحُواْ ‌ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ وَلَأَمَةٞ مُّؤۡمِنَةٌ خَيۡرٞ مِّن مُّشۡرِكَةٖ وَلَوۡ أَعۡجَبَتۡكُمۡۗ﴾ (البقرة:221).

         ومن توجيهاته -صلى الله عليه وسلم- في اختيار الزوجة قوله: «تنكح المرأة لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك» ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة» رواه مسلم.

وحفاظا من الإسلام على الأسرة المسلمة أوصى كلا من الرجل والمرأة بأداء حقوق الطرف الآخر عليه فيكونا قدوة صالحة لأبنائهما في السلوك والمعاملة والصلاح والتقوى وحسن المعاشرة.

         يقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: «ألا إن لكم على نسائكم حقا، ولنسائكم عليكم حقا، فحقكم عليهن إلا يوطئن فرشكم من تكرهون، ولا يأذن في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن» رواه ابن ماجه والترمذي.

تحريم وأد البنات:

         حرم الإسلام ما كان عليه القوم من حزن وألم عند إنجاب البنات والإصرار على وأدهن خوفا من العار أو الفقر، وقد بين القرآن الكريم هذه العادة السيئة التي كانت متفشية في الجاهلية حيث يقول: ﴿وَإِذَا ‌بُشِّرَ ‌أَحَدُهُم بِٱلۡأُنثَىٰ ظَلَّ وَجۡهُهُۥ مُسۡوَدّٗا وَهُوَ كَظِيمٞ ٥٨ يَتَوَٰرَىٰ مِنَ ٱلۡقَوۡمِ مِن سُوٓءِ مَا بُشِّرَ بِهِۦٓۚ أَيُمۡسِكُهُۥ عَلَىٰ هُونٍ أَمۡ يَدُسُّهُۥ فِي ٱلتُّرَابِۗ أَلَا سَآءَ مَا يَحۡكُمُونَ﴾ (النحل:58-59).

         وقد بينت السنة النبوية الشريفة فضل البنت، وطالبت برعايتها والاهتمام بها، وأوضحت جزاء من يقوم برعايتها والعناية بها، فيقول سيدنا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. «من كانت له أنثى فلم يئدها، ولم يهنها ولم يؤثر ولده الذكور عليها أدخله الله الجنة» رواه أبو داود. ويقول -صلى الله عليه وسلم-: «من كانت له ثلاث بنات أو ثلاث أخوات أو ابنتان أو أختان، فأحسن صحبتهن، واتقى الله فيهن فله الجنة». رواه الترمذي.

         وهكذا يسوي الإسلام في العناية والرعاية بين الولد والبنت، ويطالب المسلمين بالرضا بالمولود ذكرا كان أو أنثى؛ لأنه لا فرق بينهما، وكلاهما من جنس واحد، وأصلهما واحد، وقد تكون البنت أصلح لذويها من الولد، ولذلك كان للإسلام فضل إلغاء ما كان سائدا من تفرقة بغيضة بين الرجل والمرأة؛ فقد أعطى لكل منهما حقه وطالبه بأن يؤدي ما عليه من واجبات….

         روي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: «جاءتني مسكينة تحمل ابنتين لها، فأطعمتها ثلاث تمرات فأعطت كل واحدة منهما تمرة، ورفعت إلى فيها تمرة لتأكلها، فاستطعمتها ابنتاها فشقت التمرة التي تريد أن تأكلها بينهما فأعجبني شأنها، فذكرت الذي صنعت لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: «إن الله قد أوجب لها بهما الجنة أو أعتقها بهما من النار» رواه مسلم.

         ويأمر الإسلام بحسن تأديب الولد وتربيته وتعليمه وتدريبه على العبادة حتى إذا كبر تعود على أداء فرائض الإسلام، فمن وصايا لقمان لابنه فيما يرويه القرآن الكريم: ﴿يَٰبُنَيَّ ‌أَقِمِ ‌ٱلصَّلَوٰةَ وَأۡمُرۡ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَٱنۡهَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِ وَٱصۡبِرۡ عَلَىٰ مَآ أَصَابَكَۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنۡ عَزۡمِ ٱلۡأُمُورِ﴾ (سورة لقمان:17).

         ويجب تفهيم الطفل حدود الحلال والحرام منذ الصغر حتى يشب وقد تربى عنده الوجدان الديني الذي يمنعه من الزلل في مستقبله.

         ومن ذلك يبدو لنا اهتمام الإسلام بالإنسان لكونه إنسانا لا فرق بين ذكر أو أنثى، فالجميع سواء أمام الله وقد طالب الإسلام بهذه المساواة وأقامها منذ أول يوم.

رعاية الإسلام للمجتمع:

         لقد فرض الإسلام رعايته بين الناس على صورة واسعة تتناول جميع نواحي الحياة الاجتماعية والاقتصادية وأقام المجتمع على أسس أصيلة هي بذاتها تنتج الرعاية الاجتماعية وتنضج ثمراتها.. ولقد ذكر القرآن الكريم أسس هذه الرعاية في مواضع عدة فقال تعالى: ﴿إِنَّمَا ‌ٱلۡمُؤۡمِنُونَ إِخۡوَةٞ﴾ (الحجرات:80).

         وقال ﴿فَأَصۡبَحۡتُم ‌بِنِعۡمَتِهِۦٓ إِخۡوَٰنٗا﴾ (آل عمران:103) على أن القرآن حينما يقرر هذه الأخوة إنما يقررها كحقيقة واقعة فالمرء يجب أن يعامل المؤمنين كأنهم إخوته.. كما يجب ألا يتخذ الكفرة أولياء وإخوانا حتى ولو كانوا من أقارب الإنسان. فقد توعد الله سبحانه وتعالى من يؤثر علاقته بغير المؤمنين على الله ورسوله بوعد شديد فقال: ﴿‌لَّا ‌تَجِدُ ‌قَوۡمٗا ‌يُؤۡمِنُونَ بِٱللَّهِ وَٱلۡيَوۡمِ ٱلۡأٓخِرِ يُوَآدُّونَ مَنۡ حَآدَّ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ وَلَوۡ كَانُوٓاْ ءَابَآءَهُمۡ أَوۡ أَبۡنَآءَهُمۡ أَوۡ إِخۡوَٰنَهُمۡ أَوۡ عَشِيرَتَهُمۡۚ أُوْلَـٰٓئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ ٱلۡإِيمَٰنَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٖ مِّنۡهُۖ وَيُدۡخِلُهُمۡ جَنَّـٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ رَضِيَ ٱللَّهُ عَنۡهُمۡ وَرَضُواْ عَنۡهُۚ أُوْلَـٰٓئِكَ حِزۡبُ ٱللَّهِۚ أَلَآ إِنَّ حِزۡبَ ٱللَّهِ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ (المجادلة:22).

         فالرعاية الاجتماعية التي يقررها الإسلام تقوم على عدة أسس:-

         أولا:-

         الأخوة الصادقة بين جميع المسلمين «إنما المؤمنون إخوة».

         ثانيا:-

         المؤمنون هم أولياء بعض ﴿‌يَـٰٓأَيُّهَا ‌ٱلَّذِينَ ‌ءَامَنُواْ ‌لَا ‌تَتَّخِذُواْ عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمۡ أَوۡلِيَآءَ﴾ (الممتحنة:1).

         وهذا الحكم منطقي، إذ أن المنافق المذبذب لا يمكن أن يكون وليا وحليفا ونصيرا للمؤمن الذي يؤثر الله ورسوله على كل ما سواهما وكذا غير المسلمين؛ لأنهم لا يؤمنون بالإسلام دينا ولا بمحمد -صلى الله عليه وسلم- نبيا ورسولا، فلا يمكن أن يكونوا أولياء للمسلمين.

         ثالثا:-

         تكافؤ المسلمين في الدماء. فكل فرد دماؤه عزيزة عليه، ويجب احترام حياته وصيانتها. وفي هذا يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم- «المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم، وهم يد على من سواهم». رواه أبوداود وابن ماجه.

         رابعا:-

         وجوب المحبة بين المؤمنين، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام «وأحب للناس ما تحبه لنفسك تكن مسلما» رواه الترمذي وابن ماجه. وقوله: «لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه» رواه الشيخان.

      أما مجالات الرعاية الاجتماعية المختلفة فهي(2):

       أ- الرعاية المادية:

         ويتضح ذلك في الزكاة التي فرضها الإسلام، فالزكاة مفروضة على جميع طبقات الأمة غنيها وفقيرها إن ملك نصابا. وفائدة ذلك أن يعم الناس شعور واحد في التضامن والتكافل، فيشعرون بلذة وعزة، وهم يبذلون أموالهم في سبيل الله.

         ونسبة الزكاة قليلة يدفعها الأفراد دون شح، فهي عامل من عوامل الألفة والمحبة في المجتمع، إذ يشعر الذين يأخذونها بالارتياح والعاطفة المشتركة.

         ويحقق الإسلام الرعاية في صورة أخرى هي صورة إكرام الضيف، وفي ذلك يقول الرسول -صلوات الله وسلامه عليه- «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه» رواه الشيخان.. وهذا لون محبوب من ألوان الرعاية والتكافل غير معروف لدى البلاد غير الإسلامية، ويدل ذلك على شدة الكرم وحسن التعاطف والتآخي.

         ب- وتنتشر الرعاية في المجال الأدبي فيما يسميه الإسلام (فروض الكفاية) تلك الفروض التي يجب أداؤها على المجموع؛ لأن تركها إثم لجميع الأفراد، وتظهر الرعاية حينما يوجد وباء، فالواجب أن يقوم أحد الأفراد أو بعضهم بتطعيم الناس من هذا الداء، كما أن الميت الذي لا يوجد من يقوم بتجهيزه، تجهزه الدولة وتدفنه على حسابها.

         ومن هذه الرعاية أيضا إصلاح الطرقات وإنارتها وعلاج الفقراء ودرء الأذى عن الجميع..

         ج- ولم تقتصر الرعاية الاجتماعية على المجالين المادي والأدبي؛ ولكنها تظهر أيضا في المجال الأخلاقي والاقتصادي والمعاشي والسياسي والعلمي والدفاعي والجنائي، فالرعاية في المجال المعاشي هي ما تعرف الآن بالتكافل الاجتماعي، وهناك أيضا الرعاية والتكافل في مجال التعاون والإصلاح، وفي درء المفاسد، وهذا هو المبدأ المعروف «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» ﴿وَلۡتَكُن ‌مِّنكُمۡ ‌أُمَّةٞ ‌يَدۡعُونَ إِلَى ٱلۡخَيۡرِ وَيَأۡمُرُونَ بِٱلۡمَعۡرُوفِ وَيَنۡهَوۡنَ عَنِ ٱلۡمُنكَرِۚ وَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ (آل عمران:104).

         ومن شأن تلك الرعاية وهذا التكافل أن يحقق نوعا عظيما من الرأي العام المستنير؛ لأن المجتمع إذا استقام أمره على الخير والصلاح، وطهرت أرجاؤه من الشر والفساد، عم النفع في ذلك لجميع الأفراد.

      الموارد التي قررها الإسلام للرعاية الاجتماعية(2):

1- الزكاة:

         ويلاحظ أنها من أهم عوامل توزيع الثروة، كما أنها ليست منة، ولكنها حق للفقراء والمساكين وهي عامل من عوامل انتشار الألفة والمحبة بين الناس، ولقد قلل الإسلام مقدار الزكاة حتى يتمكن معظم أفراد المجتمع من أدائها.

2- نفقات الأقارب:

         وهي تشمل الأبوين وأصولهما والأبناء وفروعهم، والإخوة وفروعهم، والأعمام والعمات وفروعهم، والأخوال والخالات وفروعهم (وفي بعض هؤلاء خلاف في بعض المذاهب الاجتهادية) والزوجات المطلقات في العدة، والرقيق والحيوان بالنسبة لمالكه.

         وتشمل هذه النفقة الغذاء واللباس والمسكن، وخدمة العاجز منهم والمريض، والتعليم عند الحاجة وكذا التزوج، والنفقات الاجتماعية المتعارف عليها.

3- الوقف:

         وهو إخراج المال من ملك صاحبه وإدخاله في ملك الله للإنفاق منه على الأقارب. وهذا هو الوقف الأهلي، أو للإنفاق منه على أوجه الخير، وذلك بالنسبة للوقف الخيري، ولا يزال الوقف الخيري معمولا به حتى الآن.

         أما الوقف الأهلي فقد ألغاه القانون.

4- الوصية:

         وقد أجاز الإسلام أن يوصي الإنسان بثلث ماله إلى جهات البر، أو بأكثر من ذلك بشرط إجازة الورثة، وكذلك، يجوز الإيصاء بالثلث للأقارب الوارثين وغير الوارثين.

5- الغنائم:

         قرر التشريع الإسلامي وجوب دفع جزء من غنائم الحرب لبيت المال للإنفاق على التكافل الاجتماعي والرعاية الاجتماعية، أما الباقي فيوزع على الجيش يقول تعالى: ﴿وَٱعۡلَمُوٓاْ ‌أَنَّمَا غَنِمۡتُم مِّن شَيۡءٖ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُۥ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ﴾.

6- الركاز:

         وهو المعادن والكنوز الموجودة بباطن الأرض؛ فقد قرر الإسلام الاحتفاظ بجزء منها لإنفاقها على المصارف التي حددتها الشريعة، وللفقهاء في ذلك آراء عديدة لا مجال لتفصيلها.

7- الكفارة:

         إذ جعل الله سبحانه وتعالى كفارة الحنث في اليمين إطعام عشرة مساكين وكذلك الصيد في الأشهر الحرم، والظهار والإحرام في الحج، والإفطار عمدا في رمضان فقد جعل الإسلام كفارة معظم الذنوب إطعام الفقراء أو عتق الرقيق.

8- الضحية:

         وهو ما ينحره المسلم في عيد الأضحى لإطعام الفقراء.

9- النذور:

         وهو ما ينذره الفرد من طعام للفقراء.

10- صدقة عيد الفطر:

         وهي واجبة على الرجل وكل من تلزمه نفقتهم. وقيمتها صاع من التمر أو الشعير، وقد أجاز الفقهاء تقدير قيمتها نقدا في البلاد التي لا تنتج هذه الأشياء.

11- ما يقدم لبيت المال:

         وتشمل الزكاة وخمس الغنائم والمعادن وضريبة الأرض وتركة الميت الذي لا وارث له وغيرها من التبرعات والهبات.

12- الإحسان إلى الأقارب:

         فقد قرر الإسلام وجوب الإحسان إلى الأقارب والجيران وذلك بخلاف ما قرره في الزكاة.

         وبعد، فهذه هي الرعاية الاجتماعية التي قررها الإسلام، يتبين منها أنه لم يترك إنسانا دون أن يتمتع بحق الرعاية، ودون أن يستفيد من عناية المجتمع، وبذلك يطمئن كل فرد إلى حاضره ومستقبله هو وعائلته.

تدخل ولي الأمر لتحقيق الرعاية الاجتماعية والاقتصادية:

         هل يجوز أن تتدخل الدولة في شؤون الأفراد إذا ما كانت هناك ظروف تحول دون تحقيق الرعاية والعدالة الاجتماعية والاقتصادية؟ وما مدى السلطة التي أعطاها الشارع لولي الأمر؟

         أولا: يقر الشارع لولي الأمر التدخل وإعادة النظر في سياسة المال العام في المجتمع بتخصيص جزء من الأموال لفئات معينة إذا ما وجد أن هناك تفاوتا فاحشا بينهم وبين غيرهم.

         ولقد عمد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى تطبيق هذا المبدأ بعد الهجرة إذ وجد أن الأنصار أغنياء، والمهاجرين فقراء لا يملكون شيئا، فوزع فيء بني النضير على المهاجرين واثنين من الأنصار كانا فقيرين. فلما تساءل الأنصار عن عدم اشتراكهم في اقتسام الغنائم نزل قول الله سبحانه وتعالى: ﴿مَّآ ‌أَفَآءَ ‌ٱللَّهُ ‌عَلَىٰ ‌رَسُولِهِۦ مِنۡ أَهۡلِ ٱلۡقُرَىٰ فَلِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينِ وَٱبۡنِ ٱلسَّبِيلِ كَيۡ لَا يَكُونَ دُولَةَۢ بَيۡنَ ٱلۡأَغۡنِيَآءِ مِنكُمۡۚ وَمَآ ءَاتَىٰكُمُ ٱلرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَىٰكُمۡ عَنۡهُ فَٱنتَهُواْۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ (سورة الحشر:7).

         كما أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قد نفذ هذا المنهج فكان يقدم الفئات المحتاجة والضعيفة على غيرها في الرعاية ويؤخذ ذلك من قوله «لو استقبلت من أمري ما استدبرت لأخذت فضول أموال الأغنياء ورددتها على فقرائهم كما أوصى الخليفة من بعده بقوله: «وأوصيك بالأنصار خيرا، فاقبل من محسنهم وتجاوز عن مسيئهم، وأوصيك بأهل البادية خيرا فإنها أصل العرب.. أن تأخذ من حواشي أموال أغنيائهم، فترد على فقرائهم».

         ثانيا: تعتبر الزكاة والغنائم والفيء والخراج والجزية ومختلف أموال المرافق العامة من أهم موارد الدولة الإسلامية، فإذا لم تكف هذه الموارد حاجات الدولة فلولي الأمر أن يفرض من الضرائب ما يراه ضروريا لسد حاجات الدولة ومصالحها.

         وفي كل تدخل من ولي الأمر يجب عليه مراعاة القواعد العامة في الشريعة الإسلامية فلا يخالفها ولا يأتي من الأعمال إلا ما تجيزه وتدعو إليه؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق.          ندعو الله سبحانه وتعالى أن يوفق الأمة الإسلامية وأولي الأمر فيها إلى ما فيه خير الإسلام والمسلمين، وأن ينصرنا نصرًا عزيزًا مؤزرًا نسترد به ما اغتصب من أرض الإسلام وما النصر إلا من عند الله.

مجلة الداعي، جمادى الأولى 1444هـ = ديسمبر 2022م، العدد: 5، السنة: 47

Related Posts