دراسات إسلامية
بقلم: أبو فائز القاسمي المباركفوري
﴿وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الأمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإيمٰنَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرّٰشِدُونَ﴾ (الحجرات:٧)
التزيين لغة:
التزيين أصله من الزين، قال صاحب اللسان(1): زين: الزَّيْن خلافُ الشَّيْن، وجمعه أَزْيَانٌ؛ زانه زَيْنًا أَزانه على الأَصل: تَزَيَّنَ هو ازدان بمعنًى وهو افتعل من الزِّينةِ إِلَّا أَن التاء لـمّا لانَ مخرجها ولم توافق الزاي لشدتها أَبدلوا منها دالًا فهو مُزْدانٌ وإِن أَدغمت قلت: مُزّان وتصغير مُزْدان مُزَيَّنٌ مثل مُخَيَّر تصغير مُختار ومُزَيِّين إِن عَوَّضْتَ كما تقول في الجمع مَزَاينُ مَزَايين. قال الأَزهري: سمعت صبيًّا من بني عُقَيلٍ يقول لآخر: وجهي زَيْنٌ ووجهك شَيْنٌ؛ أَراد أَنه صبيح الوجه وأَن الآخر قبيح. قال: والتقدير وجهي ذو زَيْنٍ ووجهك ذو شَيْن، فنعتهما بالمصدر كما يقال: رجل صَوْمٌ وعَدْل أَي ذو عدل. وفي التهذيب: الزِّينة اسم جامع لكل شيء يُتَزَيَّن به. والزِّينَةُ: ما يتزين به. ويومُ الزِّينةِ: العيدُ. وتقول: أَزْيَنَتِ الأَرضُ بعُشبها، ازَّيَّنَتْ مثله، وأَصله تَزَيَّنَت فسكنت التاء وأُدغمت في الزاي واجتلبت الأَلف ليصح الابتداء.
وفي الحديث: «زَيِّنُوا القرآن بأصواتكم»(2).
قيل: هو مقلوب أَي زينوا أَصواتكم بالقرآن، والمعنى الهَجُوا بقراءته تَزَيَّنُوا به. وليس ذلك على تطريب القول والتخْزين، كقوله: «ليس منا من لم يَتَغَنَّ بالقرآن» أي يَلْهَجْ بتلاوته كما يَلْهَج سائر الناس بالغناء والطَّرب. وقال آخرون: لا حاجة إِلى القلب وإِنما معناه: الحثّ على الترتيل الذي أمر به في قوله تعالى: ﴿وَرَتِّلِ الْقُرْآنَ تَرْتِيْلًا﴾ (المزمل:4)؛ فكأَنَّ الزِّنَة للمُرَتِّل لا للقرآن كما يقال: ويل للشعر من رواية السَّوْءِ، فهو راجع إلى الراوي لا للشعر، فكأَنه تنبيه للمقصّر في الرواية على ما يعاب عليه من اللحن والتصحيف وسوء الأَداء، وحثّ لغيره على التوقي من ذلك فكذلك قوله «زينوا القرآن بأَصواتكم». وقيل: أَراد بالقرآن القراءة، وهو مصدر قرأَ. .. يقرأَ قراءة وقُرْآنًا، أَي: زينوا قراءتكم القرآن بأَصواتكم قال: ويشهد لصحة هذا وأَن القلب لا وجه له حديث أَبي موسى أَن النبي –صلى الله عليه وسلم- اسْتَمع إِلى قراءته فقال: «لقد أُوتِيتَ مِزْمارًا من مزامير آل داود». فقال: لو علمتُ أَنك تسمع لحَبَّرْتُه لك تحبيرًا(3): أَي حَسّنْتُ قراءته زينتها. الزِّينَةُ: الزُّونَة اسم جامع لما تُزُيِّنَ به، قلبت الكسرة ضمّةً فانقلبت الياء واوًا. وقوله – عزّ وجلّ – ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (النور:31)؛ معناه لايبدين الزينة الباطنة كالمِخْنقة والخَلْخال والدُّمْلُج والسِّوار، والذي يظهر: هو الثياب والوجه. وقوله – عزّ وجلّ –: ﴿فَخَرَجَ عَلَى قَوْمِهِ فِي زِينَتِهِ﴾ (القصص:79)؛ قال الزجاج: جاء في التفسير أَنه خرج هو وأَصحابه وعليهم وعلى الخيل الأُرُجُوَانُ، وقيل: كان عليهم وعلى خيلهم الدِّيباجُ الأَحمر. وامرأَة زَائِنٌ: مُتَزَيِّنَة. وفي تاج العروس(4): الزينة بالكسر: ما يتزين به. وفي التهذيب: اسم جامع لكل شيء يتزين به(5). وقيل الزينة تحسين الشيء بغيره من لبسة أو حلية أو هيئة، وقيل: بهجة العين التي لاتخلص إلى باطن المزيّن(6). وفي مقاييس اللغة(7): (الزاي والياء والنون) أصل صحيح يدلّ على حسن الشيء وتحسينه، فالزين نقيض الشين، يقال: زيّنت الشيء تزيينًا، وأزينت الأرض وازّيّنت وازدانت: إذا حسّنها عشبها.
ومن خلال هذا العرض يتبَلْوَر أن الزينة في اللغة ضدّ الشين، فمعنى زيَّن الشيء: أي حسّنه وجَمّله وزخرفه وزيّن له الأمر: أي: حسّنه ورغّبه فيه، وفي الاصطلاح: ما يتزين به الإنسان من لبس وحلي وأشباه ذلك(8).
وأما المراد بالتزيين في الآية الكريمة فتنوعت نصوص المفسرين في شرح ذلك وهي ما يلي:
قال الطبري: وقوله ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ يقول: وحسّن الإيمان في قلوبكم فآمنتم(9).
ويقول الزجاج: ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ ويحتمل ﴿فِي قُلُوبِكُمْ﴾ وجهين: أحدهما أنه دلّهم عليه بالحجج القاطعة البينة، والآيات التي أتى بها النبي –صلى الله عليه وسلم- المعجزة. والثاني أنه زَيَّنَهُ في قلوبهم بتوفيقه إيّاهم(10).
وقال الماوردي: ﴿وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ﴾ فيه وجهان: أحدهما: بما وعد عليه في الدنيا من النصر وفي الآخرة من الثواب، قاله ابن بحر. الثاني: بالدلالات على صحته(11).
وقال ابن عطية: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمٰنَ وَزَيَّنَهُ﴾ بأن خلق في قلوب المؤمنين حبّه وحسنه. وحكى الرماني عن الحسن أنه قال: حبّب الإيمان بما وصف من الثواب عليه(12).
وقال الرازي: قوله تعالى: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ﴾ أي قرّبه وأدخله في قلوبكم، ثم (زَيَّنَهُ) بحيث لا تفارقونه ولا يخرج من قلوبكم، وهذا؛ لأن من يحبّ أشياء فقد يملّ شيئًا منها إذا حصل عنده وطال لبثه، والإيمان كل يوم يزداد حسنًا؛ ولكن من كانت عبادته أكثر وتحَمّلُه لمشاقّ التكليف أتمّ، تكون العبادة والتكاليف عنده ألذّ وأكمل، ولهذا قال في الأول: ﴿حَبَّبَ إِلَيْكُمُ﴾ وقال ثانيًا: ﴿وَزَيَّنَة فِي قُلُوبِكُمْ﴾ كأنه قرّبه إليهم ثم أقامه في قلوبهم(13).
وقال القرطبي: أَيْ جَعَلَ الْإِيمَانَ أَحَبَّ الْأَدْيَانِ إِلَيْكُمْ ﴿وَزَيَّنَهُ﴾ بِتَوْفِيقِهِ. ﴿فِي قُلُوبِكُمْ﴾ أَيْ حَسَّنَهُ إِلَيْكُمْ حَتَّى اخْتَرْتُمُوهُ(14).
وقال ابن عاشور: وَلٰكِنَّ اللهَ شَرَعَ لَكُمُ الْإِسْلَامَ وَحَبَّبَهُ إِلَيْكُمْ أَيْ دَعَاكُمْ إِلَى حُبِّهِ وَالرِّضَى بِهِ فَامْتَثَلْتُمْ(15).
وإلى هذا المعنى الوارد في الآيـة تشير آيـة أخرى وهي قوله تعالى: ﴿فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْـمؤْمِنِـينَ وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا وَكَانَ اللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ (الفتح:26).
يقول الشيخ عبدالشكور اللكنوي: «ذكر الله تعالى في الآيتين وفي الآية الثانية خاصةً من فضائل ومناقب الصحابة وأهل الحديبية ما يعزّ نظيره لأحد من الناس…. وهذه الفضائل والمناقب هي:
- أن حبّ الإيمان كامن في قلوبهم.
- أشربوا في قلوبهم الإيمان.
- يكرهون الكفر والفسوق وسائر الآثام من أعماق قلوبهم.
- هم الراشدون.
- نزلت عليهم السكينة.
- أنهم أحقّ الناس بهذه النعمة العظيمة(16).
* * *
الهوامش:
انظر اللسان مادة زين.
أبوداود، السنن برقم 1468.
البخاري ك فضائل القرآن ب حسن الصوت بالقراءة للقرآن رقم 5048 (فتح الباري 9/92).
تاج العروس: فصل الزاي من باب النون.
تهذيب اللغة 13/175.
تاج العروس 35/161.
معجم مقاييس اللغة 3/41.
أبو البقاء، الكليات 1/493.
الطبري، جامع البيان 22/290.
الزجاج، معاني القرآن 5/34.
الماوردي، النكت والعيون 5/329.
ابن عطية، المحرر الوجيز 5/147.
الرازي، مفاتيح الغيب 28/102.
القرطبي، الجامع لأحكام القرآن 16/314.
ابن عاشور، التحرير والتنوير 26/236.
الشيخ عبد الشكور اللكنوي، تفسير آيات الخلافة والإمامة، تعريب، محمد عارف جميل المباركفوري، ص601، ط: المكتبة الفاروقية، لكناؤ.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الآخر 1438 هـ = يناير 2017م ، العدد : 4 ، السنة : 41