دراسات إسلامية
بقلم: الدكتور/أحمد سحنون (المتوفى 1424هـ)
من هنا يبدأ البناء! فمن البيت ينشأ المجتمع، فالبيت هو المجتمع الصغير؛ ولكنه نواة المجتمع الكبير، وما نشكوه من المجتمع الكبير إنما هو ناتج عن فساد المجتمع الصغير الذي هو البيت، وليس إصلاح البيت هو تأثيثه وتفريشه وترتيب أدواته كما هو معتبر اليوم في بيوتنا وإلا كان أحطّ بيت في ذلك يفضل بيت محمد بن عبد الله –صلى الله عليه وسلم- وإنما إصلاح البيت بإصلاح أهله، وهنا تأتي مسألة الدور، فأهل البيت إنما هم أفراد من المجتمع، فكيف يصلح البيت قبل إصلاح المجتمع؟ وبناء البيت يقوم على أحجار من المجتمع أي على أفراد منه كما أن المجتمع الذي يتكون من مجموع بيوت لا يمكن إصلاحه إذا كانت هذه البيوت فاسدة فمثلا إن أول حجر في بناء البيت هو الزوجة الصالحة، وهذه الزوجة من أين نأتي بها إذا فسد المجتمع؟ ولكننا قد عثرنا- خلال هذا البحث- على المفتاح، فصلاح البيت أو فساده من صلاح المرأة أو فسادها، وإذا أردنا أن نعرف: هل بيوتنا صالحة أو فاسدة فلننظر إليها من هذه النافذة، لننظر إلى المرأة هل هي صالحة للإدارة الصالحة؟ إدارة هذه المدرسة التي هي البيت، فالبيت هو المدرسة الأولى التي يتلقى فيها الطفل دروسه الأولى، والأم هي التي يشرفها الله بإدارة هذه المدرسة التي لا تؤتي أية مدرسة ثمرتها إذا لم تؤت هي ثمرتها ولكن بنظرة عابرة تصدمنا الحقيقة الجارحة وهي أن هذه المدرسة التي اسمها البيت ليس فيها مديرة صالحة؛ بل فيها امرأة جاهلة هي منشأ كل فساد وكل فوضى في البيت، وإذا فسدت الأم فكيف يصلح الأولاد؟ ونوع الثمرة من نوع الشجرة ولا يجنى من الشوك العنب.
ولكننا نجهل هذه الحقيقة أو لا نهتم بها عندما نريد الاقتران بامرأة، لا نختار المرأة التي تصلح لإدارة هذه المدرسة أي أننا لا ننشد في المرأة جانبها الأهم من خلق ودين، وإنما نختار في المرأة متعة الحواس، نختار بياض وجهها وسواد عينيها، نختار حسن الظاهر ونغفل عما يخفيه وراءه من ظلمة نفس وانحطاط خلق والقبح في الحسناء كما يقول الشاعر؛ لأن حسن المظهر كثيرًا ما تسلح به القدرة المبدعة قبيحة المخبر (أي سيئه الخلق) لئلا يبقي في المعرض إلا هي لوحات لا قيمة لها وما أحذق شاعرنا ذا الرمة بصنعته إذ يقول:
على وجه مي مسحة من ملاحة
وتحت الثياب الشين لو كان باديا
وهو يريد ما قلناه من أن حسن المظهر كثيرا ما يكون خادعا عن حسن المخبر وهو لا يريد بما تحت الثياب إلا النفس ويزيد معناه وضوحا بالتمثيل له بقوله:
ألم تر أن المــاء يخبث طعمـــــه
وإن كان وجه الماء أبيض صافيا؟
إن الجمال الحقيقى هو جمال النفس الذي يعبر عنه حسن الخلق وحسن التدين وحسن السلوك، لا فرق في ذلك بين رجل وامرأة.
أقبل على النفس فاستكمل فضائلها
فأنت بالــروح لا بالجســم إنسان
أما جمال القلب فالأولى أن يأتي في الدرجة الثانية وإذا كان رسول الله –صلى الله عليه وسلم- أرحم بنا من أنفسنا كما قال تعالى: ﴿النَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِالْـمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ﴾ (الأحزاب:6) فلم ير شيئا يصلح من شأننا إلا نبّهنا إليه وحثنا عليه؛ فإنه لم يتركنا في شيء أساسي كبناء البيت إلى عقولنا القاصرة؛ بل لقد هدانا سواء السبيل إذ قال: «تنكح المرأة لأربع: لمالها ولحسبها وجمالها ودينها، فاظفر بذات الدين تربت يداك».
ولكن أين ذات الدين اليوم؟ هل نظفر بها في هذا المجتمع الأروبي المادي الذي لا يقيم للدين وزنا؟ هل تخرج لنا المدارس الأجنبية هذه المرأة؟ هل تتربى بناتنا في هذه المدارس على الخلق الإسلامي الذي يعصمها من كل فساد ويحوطها من كل إثم لتقيم لنا من بيتها- يوم أن تتزوج- معهدًا إسلاميًا يتقدم به المجتمع الإسلامي أم الأمر بالعكس؟ الجواب الشافي عند الآباء الذين لا يوجهون بناتهم في طريق المدرسة العربية إلا عندما تغلق المدارس الأجنبية أو تضيق عنهن، ولكن لابأس فقد عثرنا على المفتاح، إن مفتاح المشكلة في إصلاح البيت هو إصلاح البنت، هو إعدادها إعدادًا إسلاميًا، هو إنقاذها من الإعداد الأجنبي الذي يرمي إلى فرنجة البيت الإسلامى، هو إيجاد خلف لأمثال خديجة وعائشة وأم سلمة وسكينة بنت الحسين وخولة بنت الأزور ونسيبة المازنية وليلى بنت طريف وأمثالهن من عظيمات الإسلام، فليس ذلك بالمستحيل؛ إذ ليس هؤلاء إلا من الجنس الذي منه نساؤنا، ولم يكن نبيات وإنما هو الإعداد الإسلامي وتغليب الجانب الروحي على الجانب المادي.
أما ما دامت البنت في هذا المتجه الأجنبي وما دامت الأم على هذه السيرة الأجنبية من إخلائها لبيتها وتعميرها لبيوت ما أنشئت إلا لفسادها، وما دام همّ الزوجة أن تتزين وتتعطر وتخرج نصف عارية لتعين الأجنبي على إفساد المجتمع، فهيهات أن تصلح البيوت. إن الدواء إذن هو الإعداد الإسلامي الصحيح.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الآخر 1438 هـ = يناير 2017م ، العدد : 4 ، السنة : 41