دراسات إسلامية
بقلم: الأستاذ عادل التل
المعنى اللغوي:
السَرَف في كلام العرب له أصل واحد، يدل على تعدي الحد والإغفال أيضًا، تقول: في الأمر سَرَف، أي مجاوزة القدر، ويقولون أن السَرَف: الجهل، والسَّرِف: الجاهل. قال ابن الأعرابي: أسرف: إذا أخطأ، وأسرف إذا غفل، وأسرف إذا جهل. قال شمر: سرف الماء ما ذهب منه في غير سقي، فيقال: أروت البئر النخيل وذهب بقية الماء سرفًا، والسَرَف القصد، سَرِفُ الفؤاد: غافل، سرِف العقل: أي قليل العقل.
المعنى الاصطلاحي:
قال الراغب الأصفهاني: الإسراف تجاوز الحد في كل فعل يفعله الإنسان، وإن كان في الإنفاق أشهر. وقال ابن حجر في الفتح: الإسراف مجاوزة الحد في كل فعل أو قول. وهو في الإنفاق أشهر. ومنه فإن الإسراف يكون في الإنفاق وغيره، يقول تعالى: ﴿قُلْ يَا عِبَادِيَ الَذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ الله﴾ [الزمر:39] . ويقول في شأن الإنفاق: ﴿وكُلُوا واشْرَبُوا ولا تُسْرِفُوا إنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ﴾ [الأعراف:31] . وهكذا فإن الإسراف يشمل كل تجاوز في الأمر، وقد جاء في القرآن الكريم على معانٍ متقاربة ترجع جميعها إلى الأصل اللغوي وهو التجاوز في الحد.
– الإسراف صفة من صفات الكافرين، يقول تعالى: ﴿وكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ ولَمْ يُؤْمِنْ بِاٰيٰتِ رَبِّهِ﴾ [طه:127] .
– والإسراف صفة من صفات الجبارين الذين يملكون بأيديهم السلطة والمال، يقول تعالى: ﴿وإنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الأَرْضِ وإنَّهُ لَمِنَ المُسْرِفِينَ﴾ [يونس:83] وقال تعالى: ﴿ولا تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ﴾ [الشعراء:151] .
– والإسراف والتبذير يلتقيان في معنى الإنفاق بغير طاعة، ولكن الإسراف أعم من التبذير، لأن التبذير معناه التفريق وأصله إلقاء البذر في الأرض واستعير لكل مضيّع ماله، يقول تعالى: ﴿إنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إخْوَانَ الشَّيٰطِيْنِ﴾ [الإسراء:27] .
والإسراف والسفه يلتقيان في معرض الغفلة والطيش وخفة النفس ونقصان العقل، وإنمـا يحصل من السفيه في إنفاق المال فيما لا يرضى الله ليبين في الحقيقة أن السفه سبب من أسباب الإسراف.
ويختلف الإسراف عن الكرم رغم أن كلًا منهما عطاء، لكن الكرم يكون وفق أصول الشرع، مثل: إطعام الضيف، وإكرام الفقير، ومنه فإن البخل ضد الكرم، وليس ضد الإسراف وإنما الإسراف ضد الاعتدال والاستقامة، والإسراف قرين الكبر والمخيلة. يظن المسرف أن له فضلًا بإسرافه، فيصيبه الكبر والبطر. والإسراف كما يكون من الغني، فقد يكون من الفقير أيضًا؛ لأن الإسراف في هذه الحالة أمر نسبي.
من أحكام المصطلح:
قدم الإسلام للبشرية منهجًا متكاملًا وتصورًا واضحًا عن طبيعة التصرف في جميع شؤون الحياة، وبين – بشكل واضح- حدود الحلال والحرام فيها، ونهى عن الإسراف في شتى صوره. إن أبشع صور الإسراف عندما يكون في معصية الله والتعدي على حدوده، فهو محرم بالإجماع.
وأما الإنفاق في المباحات فيجب الالتزام بالعدل والاستقامة والتوسط فيها، حتى لا يتحول الإنفاق على المأكل والمشرب والملبس إلى البذخ والتفاخر والتعالي على الناس، بل إن شر مواضع الإسراف أن تقام الولائم العظيمة ويدعى إليها الأغنياء، ويحرمها الفقراء وإن ما يلقى منها في الفضلات ليشبع خلقًا كثيرًا من أهل الحاجة في مناطق المجاعة.
وأما المبالغة في بذل المال طاعة لله وفي سبيله، فلا يكون إسرافًا بالمعنى الاصطلاحي، وإن كان هذا البذل مشروطًا بأن لا يضيع المنفق من يعول، ويذر ذريته عالة على الناس، وقد تصدق أبو بكر الصديق -رضي الله عنه- بكل ماله.
وفي مجال العقوبات والحدود؛ فإن الشرع قد أقر عقوبات محددة على أفعال معلومة، ولا يجوز التجاوز في تنفيذها عن حدها المقرر، وقد شدد الإسلام على الالتزام بهذا المنهج في قوله تعالى: ﴿ومَن قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي القَتْلِ إنَّهُ كَانَ مَنصُورًا﴾ [الإسراء:33] ، أي لا يتجاوز في القتل إلى غير القاتل من إخوانه وأقربائه كما كان يفعل أهل الجاهلية قديمًا، وكما هو الحال اليوم مع أهل الجهل حيث تنتشر أعمال «الأخــذ بالثأر» التي تتعـارض مع أحكام الإسلام. ﴿رَبَّنَا اغْفِــرْ لَنَا ذُنُـوبَنَا وإسْــرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى القَومِ الكَافِرِينَ﴾ [آل عمران:147] .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1437 هـ = أغسطس – سبتمبر 2016م ، العدد : 11 ، السنة : 40