محلّيــــــــات
بقلم : رئيس تحرير المجلّة:
نور عالم خليل الأميني
بعد ما فشلت ثورة 1857م (1274هـ) الشهيرة ضد الأخطبوط الإنجليزي في شبه القارة الهندية التي قام بها جميع الشعب الهندي ، وتناهت الحالة سوءًا ؛ حيث لفظت الدولة المغولية الإسلامية القائمة اِسمًا في دهلي أنفاسها الأخيرة ؛ إذ فشلت الثورة بمؤامرات من داخل الصف ، وبقوة الجنود والبنود وكثرة العَدَد والعُدَد من قبل الاستعمار ، وعلى ذلك فتم استيلاء الإنجليز على الهند كلها شرقًا وغربًا ، فوضعوا السيف في المسلمين في دهلي وفي أرجاء البلاد ، وكثر القتلى والجرحى ، وامتلأت الشوارع والطرقات بجثث الشهداء ، وتعرّض العلماء ورجال الفكر والدعوة خصيصًا لغضب الإنجليز ، فقُتِّلُوْا تقتيلاً وشُرِّدُوْا تشريدًا ، وأُعْدِمُوْا شنقًا بعدد لا يُحْصَى . ومن تخلص منهم من ذلك كله نُفُوا إلى جزيرة «إندومان» التي كانت منفى سياسيًّا على عهد الإنجليز ، لكونها غير ملائمة طبيعيًّا وجغرافيًّا للحياة الإنسانية والصحة الجسمانية .
وبعد ما فشلت محاولات صدام مكشوف مرات كثيرة مع الاستعمار الإنجليزي الذي كان قد قضى نهائيًّا على الدولة المغولية الإسلامية ، وأحكم قبضتَه على الهند من أقصاها إلى أقصاها. كانت آخر هذه المحاولة الجريئة معركة الجهاد التي خاضها الإمام محمد قاسم النانوتوي مؤسسُ جامعة ديوبند وزملاؤه وشيوخه العظام في قرية «شاملي» بمديرية «مظفر نكر» بولاية «أترابراديش» تلك التي سقط فيها أحد العلماء الربانيين الكبار الحافظ «ضامن علي» وغيرهم شهداءَ على أرض المعركة .
ثم خيّم الظلام على الهند كلها ؛ حيث صادر الإنجليزُ جميعَ الأوقاف والعقارات والإقطاعات التي كانت تُمِدُّ المدارسَ الإسلاميةَ بالحياة ، وعملوا على تجفيف منابع الإشعاع والإصلاح والفكر والدعوة والتعليم والتربية ، حتى يتحول المسلمون مع الأيام جُهَّالاً يسهل صوغُهم في بوتقة المسيحية المحرفة .
وبعد ما اشتدت وطأة التبشير المسيحي على الدين الإسلامي الذي كانت تُمِدُّه دولةُ الاستعمار الإنجليزي الموطدة الأركان ، الشامخة البنيان ، الممتدة الأطراف التي كانت لا تغرب عنها الشمس . وبعد ما كثرت هجمات الدعوة الهندوكية على الإسلام التي كانت تضم صوتَها مع صوت التبشير المسيحي في أغلب الأحايين ؛ فالباطل يلتقي دائمًا مع الباطل على النقطة المركزية .
بعد ما حصل كل ذلك ، وأصبح المسلمون بالنسبة إلى الاحتفاظ بدينهم وعقيدتهم كالغنم في الليلة المطيرة الشاتية ، فكّر علماء الإسلام وقادة سفينة الإسلام والمسلمين في الهند في جميع الطرق التي كان من شأنها أن تساعدهم على عملية الإبقاء على الكيان الإسلامي في هذه البلاد والحفاظ على التراث الإسلامي والحضارة الإسلامية وعقيدة الدين الإسلامي الأصيلة ؛ فألقى الله في رُوْعهم أن يبدأوا بسلسلة إقامة الكتاتيب الدينية والمدارس الإسلامية الأهلية السائرة بتبرعات الشعب المسلم ، وأراهم الله تعالى أن ذلك هو وحده الطريق الأنجع الأسلم إلى بقاء الإسلام والمسلمين في هذه الديار في هذه الظروف ؛ حيث ستنتشر بذلك علوم الكتاب والسنة والتعاليم الإسلامية ويستمرّ بقاء المسلمين على دينهم رغم قساوة الظروف واشتداد المحن .
وكان على رأس هؤلاء العلماء والمشايخ الإمام محمد قاسم النانوتوي (المتوفى عام 1297هـ 1879م) الذي أسس بتعاون من زملائه ومشورتهم ، أمثال : المحدث الفقيه رشيد أحمد الكنكوهي (المتوفى 1323هـ / 1905م) والشيخ ذو الفقار علي الديوبندي (المتوفى 1322هـ / 1904م) والحاج السيّد محمد عابد الديوبندي (المتوفى 1331هـ / 1912م) والشيخ محمد يعقوب النانوتوي (المتوفى 1302هـ الموافق 1884م) والشيخ رفيع الدين (المتوفى 1308هـ / الموافق 1890م) والشيخ فضل الرحمن العثماني الديوبندي (المتوفى 1325هـ الموافق 1907م) مدرســةً صغيرة يوم الخميس 15/ محرم الحرام 1283هـ الموافق 30/ مايو 1866م ، في مسجد أثري صغير (يقع في الجانب الجنوبي الشرقي من الحرم الجامعي اليوم ويُعْرَف بـ«مسجد تشته») كانت نواتها مدرسًا واحدًا اسمه «الملا محمود» وتلميذًا واحدًا كان اسمه «محمود حسن» الذي اشتهر فيـما بعــد بـ «شيخ الهند» والذي قاد حركة تحـرير الهنـد بشكل أثمر الاستقلال (توفي عام 1339هـ الموافق 1920م) . وذلك بقرية «ديوبند» DEOBAND الجــامعــة التــي كانت لا تتمتع بأيــة ميزة آنذاك ، ثم صارت قــرية جامعـة كبيرة بفضل هذه المدرسة التي سُمِّيَتْ لدى تأسيسها تسميةً بسيطةً باسم «المدرسة الإسلامية العربية» ثم طبَّق صيتُ القرية «ديوبند» خلال أيام قليلة أرجاءَ الهند حتى تجاوز إلى البلاد النائية ، حتى صارت الآن مدينة نالت من الشهرة ما لم تنله كثير من المدن الرئيسة في الهند . وهي تقع على مسافة نحو 92 ميلاً (150ك . م.) في الجانب الشمالي من دهلي عاصمة الهند.
قرية ديوبند
وهذه القرية تقع في مديرية «سهارنبور» بولاية «أترابراديش» وتحيط بها من الجنوب مدينة «مظفرنكر» التي تبعد عنها بمسافة 25 ك . م . ومن الجانب الشمالي الشرقي مدينـة «روركي» التي تبعد عنها بنحو 32 ك.م، ومن الشرق مدينة «بجنور» التي تبعد عنها بنحو 80 ك. م، ومـن الجانب الشمالي الغربي مـدينــة «سهارنبور» التي تبعــد عنها بمسافة نحو 48 ك . م، ومن الجانب الغربي مدينة «كرنال» التي تقع في ولاية «هريانا». ويسقي «سهارنبورَ» من الشرق نهرُ «كنج» ومن الغرب نهر «جمنا» الشهيران المقــدسان لــدى الهنــدوس . ويشكّل المسلمون فيها – ديوبند – نسبة 55% .
وتُعَدّ «ديوبند» من البلاد القديمة جدًّا على أرض الله. فيرى الشيخ ذو الفقار علي الديوبندي وغيره من العلماء أنها من المناطق التي حظيت بالعمران فيما بعد طوفان نوح عليه السلام . وظل اسمها يتغير كما هو شأنُ أسماء الأمكنة في العالم ، فكان «دِيْوِيْ بَنْ» ثم كان «دِيْوْبَنْدْ» بكسر الدال المهملة ، فالياء الساكنة ، فالواو الساكنة ، فالباء المفتوحة الموحدة ، فالنون الساكنة ، فالدال المهملة الساكنة .
وقد أنجبت «ديوبند» على مر العصور العلماء والفقهاء والأدباء والشعراء. وطبّق صـيتُها – كما ذكرنا آنفًا – الآفاقَ بفضل الجامعة الإسلامية دار العلوم / ديوبند ، وأحيانًا بذّت شهرتُها شهرةَ الهند ، فَعُرِفَتِ الهندُ عن طريق «ديوبند» بأنها البلد الذي تقع فيـه مدينة «ديوبند» التي تحتضن الجامعةَ الإسلاميةَ الأمَّ دار العلوم / ديوبند .
وهي إحدى القرى الجامعة في مديرية «سهارنبور» (SAHARANPUR) آخر المديريات في جهة الغرب للولاية الشمالية المعروفة بـ «أترابراديش» (UTTAR PARDESH) .
وصارت القرية الآن مدينةً ، وتوجد في المدينة خرائب وآثارُ قلقة قديمة ، كما توجد قلعة بُنِيَتْ على عهد الإمبراطور المغولي «أكبر» المتوفى 1014هـ – 1605م قال عنها المؤرخ أبو الفضل في كتابه «آئين أكبري» (الدستور الأكبري) باللغة الفارسية : «ديوبند ، قلعه أز خشت پـخته دارد» (آئين أكبري ، ج :2 ، ص :143) . أي : إن ديوبند فيها قلعة مبنية من الآجر المنضوج .
وفيها مساجد كثيرة بُنِيَت على العهد الإسلامي في الهند ، منها مسجد القلعة المبني على عهد السلطان «سكندر» اللودهي المتوفى 923هـ – 1517م، ومسجد الخانقاه (مسجد التكية) المبني على عهد الإمبراطور «أكبر» ومسجد في حي «أبو المعالي» بني على عهد الملك المغولي الصالح أورنك زيب عالمكير المتوفى 1118هـ – 1706م. وهي مساجد توجد عليها لوحات تاريخها ، وهناك مساجد يقال إنها أقدم منها ، ولكن لا يوجد على ذلك دليل تاريخي .
مؤسس جامعة ديوبند
أمّا مؤسس جامعة ديوبند فهو : الشيخ الإمام حجة الإسلام في الهند ، العالم الكبير محمد قاسم بن أسد علي الصديقي النانوتوي أحد العلماء الربانيين الكبار والمفكر الإسلاميّ العبقري الفريد في عصره . وُلِدَ عام 1248هـ ببلدة «نانوته» بمديرية «سهارنبور» بولاية «أترابراديش» الهند ، وتوفي سنة 1297 هـ ببلدة «ديوبند» ودُفِنَ بها . تلمذ على الشيخ مملوك العلي النانوتوي (المتوفى عام 1267هـ) وقرأ عليه سائر الكتب الدراسية ، وأخذ الحديث عن الشيخ عبد الغني المجددي الدهلوي (المتوفى سنة 1296هـ) والمحدث أحمد علي السهارنبوري(المتوفى 1297هـ) .
كان أزهد الناس وأكثرهم عبادة وذكرًا ، وأبعدهم عن زي العلماء ، ولبس المتفقهة من العمامة ، والطيلسان وغيرها . له مشاهد عظيمة في المباحثة مع النصارى ، وعلماء الديانة الآرية الهندوسية، أشهرها المباحثة التي عُقِدَت ببلدة «تشاندابور» بمديرية «شاه جهانبور» بولاية «أترابراديش» ؛ فناظر أحبار النصارى وأساقفهم، وعلماء الهنادك غير مرة، فغلبهم وأقام الحجة عليهم . وله مصنفات علمية دقيقة تبلغ زهاء ثلاثين ، تدل على سعة علمه ، وعمق تفكيره ، ودقة نظره في دقائق العلوم ، ومعارف الكتاب والسنة ، وحكمه البالغة في الجمع بين خيري الدين والدنيا .
قاد حركة التحرير ، والثورة على الاستعمار البريطاني في مستهل عام 1857م ؛ فكان قائد قوات المسلمين في ساحة «تهانه بهون» و«شاملي» وقد أبلى فيها بلاءً حسنًا ، سجّله التأريخ بحروف ذهبية ، ولما أخفقت هذه الثورة لأسباب مؤسفة ، ولم يعد للمسلمين طريق يضمن لهم الثبات على دينهم ، بدأ العلماء ، وعلى رأسهم الإمام النانوتوي ، بحركة شاملة لنشر التعليم الديني والثقافة الإسلامية في المسلمين عن طريق مدارس وكتاتيب إسلاميّة عمادها التبرعات الشعبية العامّة . وفعلاً قام هو ، وأصدقاؤه بتأسيس مدرسة إسلامية في «ديوبند» لتكون معقل المسلمين ، ومركزًا لتوجيه الشعب المسلم .
كما أسس بيده عددًا من المدارس في عـدد من المدن والقرى ، منها «الجامعـة القاسميّة مدرسةُ شاهي» بمدينة «مرادآباد» بولاية «أترابراديش» ومدرسة «منبع العلوم» بمدينة «كلاؤتهي» بمديرية «بُلاَند شهر» بولاية «أترابراديش» ومدارس أخرى بكل من «تهانه بهوان» بمديرية «مظفر نكر» و«كيرانه» بمديرية «مظفر نكر» و«دانبـور» بمديرية «بلاند شهر» ومدينة «ميروت» .
وبذلك فكان الإمام محمد قاسم مؤسس حركة حيّة شاملة لإقامة المدارس والكتاتيب الإسلاميّة إبقاءً على الإسلام والمسلمين في هذه الديار الواسعة التي تُعْرَفُ بـ«شبه القارة الهنديّة» .
وتوفي رحمه الله في 49 من عمره وقت صلاة الظهر ، يوم الخميس 4/ جمادى الأولى 1297هـ ، ودُفِنَ في قطعة أرضيّة وهبها لدفنه بعضُ محبيه في الجانب الشمالي الغربي من دار العلوم / ديوبند ، ثم عُرِفَتِ القطعة بـ«المقبرة القاسميّة» ودفن ولا يزال بها معظم مشايخ وأساتذة دار العلوم والعلماء والصلحاء الآخرون(1) .
حديث عن التلميذ الأول بجامعة ديوبند
أمّا التلميذ الأوّل في هذه المدرسة الإسلاميّة العربيّة التي صارت الآن جامعة إسلاميّة فريدة في العالم ، فهو :
الشيخ العلاّمة محمود حسن الديوبندي ابن الشيخ العالم الأديب شاعر العربية ذو الفقار علي الديوبندي المتوفى 1322هـ الموافق 1904م . تخرج عليه كبار العلماء في الهند ، ولد عام 1268هـ الموافق 1851م . وكان الشيخ محمود حسن على رأس الدفعة الأولى من الطلاب التي التحقت بالجامعة الإسلامية دار العلوم / ديوبند ؛ حيث كان لدى تأسيسها يوم الخميس 15 / محرم 1283هـ الموافق 30 / مايو 1866م يجتاز المراحل الثانوية من تعليمه ؛ فالتحق بها وتخرّج منها عام 1290هـ الموافق 1873م . و وُلِّي التدريس بالجامعة عام 1291هـ / 1874م ، ثم مُنِح الترقية ، وبات رئيس هيئة التدريس بها عام 1308هـ / 1890م .
كان الشيخ محمود حسن آية باهرة في علو الهمة وبعد النظر ، والأخذ بالعزيمة ، وحبّ الجهاد في سبيل الله ، شديد البغض لأعداء الإسلام ، كثير التواضع ، دائم الابتهال ، ثابت الجأش ، جيد المشاركة في جميع العلوم العقلية والنقلية ، مُطَّلِعًا على التأريخ ، كثير المحفوظ للشعر ، كثير الأدب مع المحدثين والأئمة المجتهدين ، تلوح على محياه أمارات التواضع والحلم ، وتشرق أنوار العبادة والمجاهدة في وقار وهيبة .
وكان أعلم العلماء في العلوم النافعة ، وأحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأصوله ، وأعرفهم بنصوصه وقواعده . ولقّبه الشعب المسلم الهندي بـ «شيخ الهند» وبهذا اللقب كان يُعْرَف في شبه القارة الهنديّة .
وضع خطّة محكمة لتحرير الهند من مخالب الاستعمار الإنجليزيّ عام 1323هـ / 1905م ، وكان يودّ أن يستعين فيها بالحكومة الأفغانية والخلافة العثمانية .وقد هيّأ لذلك جماعة من تلاميذه تمتاز بالإيمان القوي ، والطموح ، والثقة بالنفس ، والتوكل على الله ، والحزم وثقوب النظر . وكان من بينها الشيخ عبيد الله السنديّ (المتوفى 1363هـ / 1944م) والشيخ محمد ميان منصور الأنصاري (المتوفى 1365هـ / 1946م) وكان الاتصال يتم بينه وبين تلاميذه وأصحابه المناضلين عن طريق الرسائل التي كانت تُكْتَب على الحرير ،ومن هنا عُرِفَ نضاله ضدّ الاستعمار بـ«حركة الرسائل الحريرية»
وقد أعدّ لذلك مراكز مأمونة في المناطق المتأخمة للهند التي تتصل بأفغانستان ، ويسكنها مسلمون قبليون أحرار جلداء أباة الضيم ، ولا سيّما «ياغستان» وقد وجّه إليها للبدء في تنفيذ الخطة من تلاميذه مولانا فضل ربي ، ومولانا سيف الرحمن ، ومولانا فضل محمود وغيرهم . ورضي المسلمون في تلك المنطقة لبذل النفس والنفيس ؛ لأنهم كانوا مُفْعَمِين غضبًا على الإنجليز من قبل . وكانت اشتباكات مع الإنجليز حَقَّقَ فيها المسلمون انتصاراتٍ رغم قوة الإنجليز العسكريّة ؛ لكن المسلمين من أجل حرب شاملة حاسمة كانوا يحتاجون إلى الإمدادات العسكرية والمؤن والمعدات ؛ فكتبوا إلى شيخ الهند يطلبون منه ذلك ، فوجّه تلميذَه العبقري ذا العقل السياسي المحنّك الشيخ عبيد الله السندهي إلى «كابول» وتوجّه بدوره إلى «إستانبول» وفي طريقه إليها وصل الحجازَ ، واجتمع بـ«غالب باشا» وقائد قوات تركيا «أنور باشا» و«جمال باشا» وغيرهم ، وكلهم أكدوا له بكل دعم مادي وعسكري ، ورضيت ألمانيا كذلك بالتعاون معه؛ لكونها حليفة لتركيا . وكان الغرض هو الهجوم على الهند بمعاونة القبائل المسلمة الحرة بدعم من تركيا وحلفائها ، في الوقت الذي كانت بريطانيا مشغولة فيه في شتى الجهات بمجابهة جيش التحالف خلال الحرب الكونية الأولى (1914-1918م) وكانت الفكرة صائبة حكيمة جدًّا ، غير أنها لم توضع موضع التنفيد من أجل أسباب عديدة تختصر في انهزام تركيا في الحرب العالمية ، واعتقال شيخ الهند وسجنه بيد الشريف حسين بن علي (1856-1931م) أمير مكة الذي خرج على تركيا وتحالف مع الإنجليز ، وخيانة بعض من وثق بهم شيخ الهند .
وبما أن بعض الرسائل التي تم بها الاتصال بين رموز الحركة كانت مكتوبةً على قماش من الحرير الأخضر . فسميت الحركة بـ «حركة الرسائل الحريرية» .
والجدير بالذكر أن المتحف البريطاني يحفظ الوثائق وتقارير مخابرات الحكومة البريطانية بكامل تفاصيلها عن هذه الخطة ، وقد نُشِرَتِ الوثائق بالأردية . وكانت الخطة تهدف القضاء على الحكم الإنجليزي لا في الهند وحدها ولكن في سائر المستعمرات البريطانية . وكان الشيخ محمود حسن أَنْشَأَ مراكز في كل من دهلي ، وكراتشي ، وأتمان زي ، وراندير ، للتدريب العسكري وتحريض جنود الإنجليز على الثورة ، وتهيئة المناخ للانتفاضة الشاملة ، كما أَنـْشَأَ خمسة مراكز في تركيا ، والمدينة المنورة ، وبرلين ، والقسطنطينية ، وأنقره ؛ وذلك لتحريض بعض الدول على إشعال الحرب والحصول على التأييد العسكري والدعم المعنوي . كما قام الشيخ بإرسال خمس بعثات إلى اليابان ، والصين ، والولايات المتحدة ، وفرنسا لحمل كل منها على تأييد الشعب الهندي ، وأنشأ حكومة موقتة في «كابول» وكانت تركيا معقد الآمال في شن الحرب ضد الإنجليز (حركة الرسائل الحريرية بالأردية)
ولتنفيذ خطته سافر الشيخ محمود حسن رغم كبر سنه إلى الحجاز عام 1333هـ / 1915م ، وقابل في المدينة المنوّرة كبار المسؤولين عن الخلافة العثمانية ؛ ولكن من سوء الحظّ اطلعت حكومةُ الاستعمار الإنجليزي على الرسائل الحريريّة عام 1334هـ / 1916م ، وألقت عليه القبض عن طريق الشريف حسين أمير مكة – الذي كان قد خرج على الدولة العثمانية – في صفر 1335هـ / نوفمبر 1916م ومعه عدد من تلاميذه وأصحابه ، من بينهم الشيخ السيد حسين أحمد المدني المتوفى 1377هـ / 1957م ، وسُفِّروا إلى «مالطة» وسُجِنُوا بها ؛ حيث لبثوا بها نحو 3 سنوات وشهرين ، وأُطْلِقَ سراحُهم في جمادى الأخرى 1338هـ / يناير 1920م ، و وصل الشيخُ محمود حسن الهندَ يوم 20 / رمضان 1338هـ الموافق 9/ مايو 1920م ، وتلقّاه الناس بحفاوة غير عاديّة ، وغلب عليه لقب «شيخ الهند» واستُقْبِلَ في كل مكان استقبالاً لم يعهد الناس مثلَه .
ورغم كبر سنه وضعفه ومرضه وكونه مُحَطَّمًا لطول الأسر في الغربة ، لم ير أن يستجم في وطنه «ديوبند» وإنما ظل يزور ويجول في أرجاء البلاد يدعو الشعب إلى النضال ضد الإنجليز ومقاطعتهم ، من خلال خطبه ومحاضراته . وفي هذه الحالة سافر إلى «عليجراه» و وضع حجر الأساس للجامعة الملية الإسلامية يوم 29/ أكتوبر 1920م (16 صفر 1339هـ) وقد انتقلت فيما بعد إلى دهلي، وهي اليوم إحدى الجامعات الحكوميّة المركزية الكبرى بالهند .
ثم اشتد به المرض والضنى ، حتى استأثرت به رحمة الله تعالى في صباح يوم 18 / ربيع الأول 1339هـ الموافق 30 / نوفمبر 1920م ؛ وذلك في دهلي ؛ حيث كان يتلقى العلاج . ونقل جثمانه في اليوم التالي إلى ديوبند ، ودفن بجوار أستاذه العظيم الإمام محمد قاسم النانوتوي المتوفى 1297هـ / 1880م في المقبرة الجامعيّة التي عُرِفَتْ بـ «المقبرة القاسميّة» .
وقد تشرّف رحمه الله بنقل ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الأردية، وهي من أحسن التراجم الأردية وأكثرها قبولاً ورواجًا ، وأضاف إليه تلميذه العلامة شبير أحمد العثماني المتوفى 1369هـ / 1989م تعليقات مفيدة عُرِفَتْ بـ «التفسير العثماني» . وقد قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بطباعة هذه الترجمة مع التفسير عام 1409هـ الموافق 1989م بعدد مئات الآلاف وتوزيعها على المسلمين في العالم(2).
المدرسة تتحوّل جامعة
وعُرِفَت المدرسةُ فيما بعد بـ «دار العلوم /ديوبند» وقد باركت المدرسةَ منذ اليوم الأول يدُ الرحمن ، فشهدت خلال أعوام قليلة ازدهارًا مثاليًّا لا يعرفه التأريخ لأية مدرسة إسلامية في الهند ، وأَضْفَتْ عليه من مسحة القبول والحب والشعبية ما لم تحظَ به أية مؤسسة دينية في شبه القارة الهندية ، وأَكْسَبَتْهَا من الاعتبار ما لم يُكْتَبْ لأية حركة قامت لإنهاض المسلمين ثقافيًّا واجتماعيًّا وفكريًّا ودينيًّا في هذه الديار ، حتى صارت اليومَ علامةً بارزةً لِشخصية المسلمين الدينية وهويتهم الإسلامية في هذه البلاد ، ومنها تفجرت ينابيع الثقافة والإصلاح والدعوة التي عمّتِ الهندَ والبلادَ المجاورةَ ثم البلادَ الدانيةَ والقاصيةَ ، ومنها انتشرت شبكة المدارس والكتاتيب والجامعات في شبه القارة ، وباسمها تسمت ؛ فجلُّ المدارس أسمتْ نفسها «دار العلوم» وإليها تنتسب ، وبها تفتخر ، وعلى فتاواها وتوجيهاتها الدينية والاجتماعية وحتى السياسية يعتمد الشعب المسلم ، ومهما استنار بغيرها من المؤسسات ، فإنه لا يرتاح ما لم يستفتِ دار العلوم هذه ، وإن خريجيها أو الخريجين عليهم هم الذين يقودون منذ قرن ونصف قرن سفينةَ الشعب المسلم في هذه البلاد التي تتصارع فيها أمواج الديانات والدعوات ، والحركات والاتجاهات ، والحضارات والثقافات ، وتنمو فيها العصبيات الطائفية ، والتناحرات السياسية ، والتصادمات الاجتماعية ، بشكل لا يوجد نظيرُه في أية دولة من دول العالم .
من خصائص الجامعة
1 – إنها أول جامعة إسلامية أهلية في تأريخ المسلمين في الهند ، قامت بتبرعات شعبية وسارت ولا تزال وستظل – إن شاء الله – تسير بتبرعات الشعب المسلم وحده .
2 – الاعتدال والتوازن في اتباع المذهب واحترام جميع المذاهب الفقهية المعروفة لدى أهل السنة والجماعة ومدارس الفكر الإسلامية المختلفة ، وعدم الإثارة للخلافات الفرعية إلا إذا مست الحاجة إلى ذلك بشكل ملحٍّ لإيضاح حقيقة من الحقائق .
3 – مكافحة البدع والخرافات حتى سُمِّي علماء ديوبند بـ «الوهابيين» من قبل أولي الأهواء وعباد الأضرحة المعتقدين في الأولياء والصلحاء والأنبياء اعتقادًا محرمًا في الشرع الإسلامي المطهَّر .
4 – نشر العقيدة الصحيحة الـمُتَوَارَثَة عن النبي ﷺ عن طريق الرعيل الإسلامي الأول من الصحابة والتابعين ومن اتبعهم بإحسان من بعد .
5 – التوكل على الله ، والبساطة في العيش ، والجهاد للحق ، والتقيد بآداب الشرع الإسلامي ، والتقاليد الإسلامية ، والتزي بزي العلماء ، والاتّسام بسمة الصلحاء .
6 – المحافظة الكاملة الدقيقة على الشرائع الإسلامية ، ولا سيما الصلاة بالجماعة في مواعيدها ، فالجامعة تُقَيِّدُ طلابَها والعاملين فيها بذلك أولاً وقبل كل شيء ؛ لأنه كما قال سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه : إن أهمَّ شيء عندي الصلاة ؛ فمن ضيَّعها فهو لما سواها أضيع .
7 – إنها لا تهتم بالشكل والمظهر اهتمامَها بالحقيقة والمخبر ، وتحترز من الدعاية ، وتؤثر العمل في صمت ، وتعمل كثيرًا وتتكلم – إذا مست الحاجة إلى ذلك – قليلاً ، وتمتنع امتناعًا كليًا عن إطلاق الدعاوي العريضة والأقاويل الفارغة ، ولا تحب أن تُحْمَدَ بما لم تفعل ، على عكس عادة معظم المعاهد والحركات الإسلامية المعاصرة .
8 – إن روح الإخلاص والاحتساب هي التي تسري في جميع أعمالها ؛ لأنها تعلم أنه ما كان لله دام واتصل ، وما كان لغيره انقطع وانفصل . وهذا شيء يلمسه في جميع جنبات الجامعة كلُّ زائر مهما كان رجلاً عاديًا .
سِرُّ شعبية دار العلوم/ ديوبند المنقطعة النظير
وقد لمس ذلك علامة العالم الإسلامي في عصره الشيخ رشيد رضا المصري صاحب تفسير «المنار» لدى زيارته للجامعة فسجل عنها انطباعات رائعة للغاية نبعت من قلبه ، قال فيها فيما قال : «ما قرَّت عيني بشيء في الهند بمثل ما قرَّت برؤية مدرسة ديوبند . . وإني رأيتُ في مدرسة ديوبند التي تُلَقَّبُ بـ«أزهر الهند» نهضة دينية وعلمية جديدة أرجو أن يكون لها نفع عظيم».
وروحُ الإخلاص هي التي جعلت جميعَ زائريها من العلماء الكبار وعامة المسلمين يُعْجَبُوْن بها إعجابًا يجعلهم يُؤْخَذُوْن بما يجدونه في جنباتها من السحر الديني العجيب والمظهر الجذّاب من الجمع بين العلم العميق والعمل السديد بأحكام الدين بحذافيرها، الذي يمتاز به كل من الأساتذة والطلاب والمنسوبين والمُوَظَّفِين ، الأمر الذي لا يجدونه في أيّ مدرسة ودار علم بهذه الصورة .
وقد لمس ذلك الأستاذ إبراهيم محمد سرسيق مُمَثِّلُ جريدة «المدينة» اليوميّة السعوديّة ؛ إذ كَتَبَ بعددها الصادر بيوم السبت 19/ جمادى الأولى 1400هـ في تقريره الطويل النفس عن الاحتفال المئوي الذي عقدته الجامعة عام 1400هـ / 1980م ، وانطباعاته عنه وعن الجامعة . .
«. . . إنّ ما رأيتُه من احتفاء الناس بهذه الجامعة ، قد أثلج صدري حقًّا ؛ فمن الصعب أن يوجد هذا التعاطفُ بين الناس ومُؤَسَّسَاتهم العلميّة بهذه الدرجة من الحب والتلاحم والذوبان الروحيّ والتعلق القلبيّ .
«التعاطف هو الذي ساعدني أن أرى مشهدًا ما شَهِدْتُه قطُّ إلا في الحجّ الأكبر في عرفات الله . . . »
إن الشعب المسلم يثق بهذه الجامعة ثقةً لا يثقها بأيـّة مدرسة أو جامعة في الهند فيما يتعلق بأمور الدين ، ويعتبرهـا حقًّا الملاذَ الروحيَّ الأكبر في كل ما يداهمه فيما يتصل بالدين والعقيدة والعمل بأحكام الدين في هذه البلاد .
وقد جاء ذكرُ الأهداف التي من أجل تحقيقها أُسِّسَتْ دار العلوم / ديوبند في الدستور الأساسي القديم بما يلي :
1 – تعليم الكتاب والسنة ، والتفسير والعقائد وعلم الكلام ، والعلوم الأخرى التي لابدّ منها لكونها وسيلة إلى تلك العلوم العالية ، وتوعية المسلمين بأحكام الدين ، والتوجيه الديني ، وخدمة الدين عن طريق الدعوة والتبليغ .
2 – تربية الطلاب على الأعمال والأخلاق الإسلامية وإثارة روح الدين في حياتهم .
3 – القيام بتبليغ الدين ، وصيانته والدفاع عنه ، عن طريق الخطابة والكتابة ، وإثارة الأعمال والأخلاق والعواطف في المسلمين مثل التي كان عليها السلف الصالح .
4 – محاولة اجتناب تدخّل الحكومة والحفاظ على حريّة العلم والفكر .
5 – إقامة مدارس وكتاتيب دينية عربية في شتى الأمكنة لنشر العلوم الدينية وإلحاقها بدار العلوم .
إن جامعة ديوبند صدورًا عن هذه الأهداف والمنطلقات التي وَضَعَتْها نصب عينيها نفخت روحَ الإخلاص والعمل في المسلمين ، وأبقت على الكيان الإسلامي في الهند ، وخدمت علوم الكتاب والسنة خدمة مشكورة ، وخَرّجت نوابغ في فن الحديث والتفسير والفقه ، وعلوم الشريعة ، وصنعت رجالاً مطلوبين لدحض الأباطيل والبدع والخرافات ، والقيام بتبليغ العقيدة الصحيحة ، وأنجبت أبطالاً في كل من مجالات الكتابة والتأليف والتدريس ، والدعوة والتبليغ ، والصحافة والسياسة، والوعظ والخطابة ، وقادت الشعب المسلم في شبه القارة الهندية هذه المدة الطويلة – عبر قرن ونصف قرن – عن جدارة واستحقاق ، وعن مقدرة وأهلية ، وفي توفيق أيّ توفيق، قيادةً دينيةً وعلميةً، وثقافيةً وفكريةً، وصارت رمز قوة الإسلام وشوكة الدين ، وعزّ المسلمين ، وانتصار الحق في هذه الديار التي تموج بالديانات ، وتتصارع فيها الثقافات ، وتتزاحم فيها الحضارات والدعوات ، والأفكار والأنظمة. والوثنيةُ فيها ذاهبةٌ في أعماق التاريخ المجهولة ، و أوجدت رجالاً أكفاء تقتضيهم الساعةُ للصمود في وجهِ دولة الاستعمار الموطدة الأركان والشامخة البنيان ، التي كانت لا تغرب عنها الشمس ، والتي كانت قد قررت أن تثأر لصليبيتها الحاقدة من الإسلام في هذه البلاد ، مقابل الصفعة المذلة التي صَفَعَها بها صقرُ الإسلام وبطلُ حِطِّين صلاحُ الدين (يوسف بن أيوب 532-589هـ = 1138-1193م) في الحرب الدائرة بين الإسلام والصليبية ، الصفعةِ التي كانت لا تزال هي وستظل من أجلها تشعر بألم مُمِضّ يحز في القلب ويشوك في النفس.
مُؤَسِّسُو الجامعة، كان يصدق عليهم حقًّا، أنهم رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر ، وما بدّلوا تبديلاً ، رجالٌ حاولوا وسعَهم أن يتفقوا والمقياسَ الذي قاسَ به فقيهُ هذه الأمةِ الصحابيُّ الجليلُ عبدُ الله بنُ مسعودٍ رضي الله عنه خيارَ الإنسانية وخلاصةَ البشرية الذين اختارهم الله لصحبة نبيه الأعظم محمد ﷺ : إنهم كانوا أبرّ الناس قلوبًا ، وأعمقهم علمًا ، وأقلَّهم تكلفًا .
رجالٌ شادوا بسلوكهم وعملهم وعلمهم منارةَ الإخلاص ، وكان الإيمانُ والاحتسابُ شعارَهم ودثارَهم ، أعرضوا عن الدنيا ومباهجها وتَفَادَوْا من المادية وإغراءاتها ، وتَسَامَوْا عن كلِّ ما يطمع فيه الطامعون ويتنافس فيه المتنافسون ، من سمعة زائفة ، وصيتٍ يطبق الآفاقَ ، وتَحَاشَوْا بكل حيلة عن أن يتسامع الناسُ بما يعملونه لذات الله وحده مخافَةَ أن ينهار بناءُ الإخلاصِ ، وكانوا يخافون أن يكون الرب الشكور قد عَجَّلَ لهم الجزاءَ في هذه الدنيا العاجلة .
كانوا – جلهم – في بساطة في المأكل والملبس والمظهر، بحيث إذا رآهم المرأُ ظن أنهم بدوٌ لم يتحضّروا بعدُ ، وأميّون لا عهدَ لهم بالثقافة ، فيهم سذاجةُ المؤمن حقًّا الذي إذا رآه المرأُ بادئ ذي بدءٍ خاله مُغَفَّلاً لا يعرف الحياةَ ولا جرَّب الحلو والمرّ اللذين تنطوي عليهما الحياة .
ولقّنوا الناسَ درسَ القناعة والاكتفاء بالكفاف ، بعدما كانوا – الناسُ – قد جعلوا حطام الدنيا كلّ شيء ، و وضعوا – الناسُ – الوصولَ إلى وسائل مادية نصبَ أعينهم .
إذا رآهم المرأ أيقن أن الدنيا ظل زائل ، ونعيم حائل ، يعيشون في الدنيا للآخرة ، ويعملون في العاجلة للباقية .
وفيما أن الناس يبكون «لقتلاهم» المتنوعين الذين فقدوهم من جاه عزَّ عليهم ، أو مال تنكَّرَ لهم ، أو ثقافة عصرية ينالون بها حظوةً لدى الحكام الإنجليز ، أو معارف وآداب يرثون للقوم الحرمانَ منها . . إذًا كانوا (هؤلاء العلماء) لا يبكون إلا للإسلام وضياعه ، ويقولون بلسان الحال والمقال والفعال «ولكنَّ حمزةَ لا بواكي له» .
لا أعرف في تأريخ الإسلام في الهند – وظلت غنيةً دائمًا بأبناء الإسلام الأوفياء المخلصين بعدد لا يحصيه إلا الله – أن مؤسسة تعليمة أُسست مثل جامعة ديوبند بدموع الإخلاص الزكية التي سَكَبَها خلاصةُ عباد الله الصالحين في عصرهم في خلوات الليالي الهادئة . . وعُمِرَت جنباتُها بسجود و ركوع ، وقيام وقعود ، وذكر وتلاوة ، وتسبيح وعبادة ، بالقدر الذي حظيت به هذه الجامعة ، وجمعت في رحابها مثلَ هذه الجامعة دائمًا عددًا وجيهًا من المخلصين المحتسبين يُشعِلون جمرةَ القلوب وينفخون روحَ الحياة في الضمائر ، إذا رآهم الإنسان ذكر الله ، وإذا جلس إليهم اتجه قلبه عفوًا إلى الله ، وإذا صاحبهم زهد في الدنيا ، ورغب في الآخرة .
التبرعات الشعبيّة هي موردها المالي الوحيد
وقد كانت المدارسُ الإسلاميةُ أو غيرُ الإسلامية على عهد الحكم الإسلامي في الهند ، تسير على حساب الحكومة توًّا ، أو ترصد لها الحكومةُ من العقارات والأوقاف والضيعات ما يكفيها ؛ ولكن بسقوط الحكم الإسلامي ورسوخ قدم الاستعمار البريطاني في أرض الهند ، قد تغيّر الوضع تمامًا ، ولم يَعُدْ أملٌ في هذه الموارد من أجل تسيير المدارس التي لا تُعَلِّم إلا الدينَ وعلومَ الشريعة ، ولم تنشأ إلا للإبقاء على الوجود الإسلامي على هذه الأرض التي بدأ فيها الاستعمارُ يُبَيِّض ويُفَرِّخ ويستهدف الكيانَ الإسلاميَّ رأسًا ، قبل أن يستهدف أيَّ ديانة فيها من المرونة والنعومة والميوعة ما يمكنها من الهبِّ حيثما هبَّت ريحُ الأوضاع والملابسات ؛ ولكن الإسلام كان ولا يزال وسيظلّ هو المُسْتَهْدَف الأولَ لكل نوع من قوى الإلحاد والاستعمار ، والمنظمات والحركات ، والدعوات والديانات .
أدرك المنشؤون لهذه الجامعة المباركة – وكانوا أولى ألمعيّة إيمانيّة وفراسة ربانية – أن المدارس الدينية لابدّ أن تُؤَسَّس اليوم على ركيزة تبرعات يتبرّع بها الشعبُ المسلمُ مما كسبه بكدّ يمينه وعرق جبينه ، وكانت هذه الفكرةُ ذاتَ بُعْدٍ صحيحٍ صَدَّقَتْ صحتَه الأوضاعُ التي مَرَّ بها الشعبُ المسلمُ حتى بعد جلاء الاستعمار وتوزّع الهند بين دولتين : الهند وباكستان، وقيام حكومة علمانية في الهند لا تنحاز دستوريًّا لديانة دون ديانة ، وإنما تقف من جميع الديانات موقفَ الحياد . ويحتم ذلك على كل أبناء ديانة أن يحتظفوا بها بدورهم ، ويتّخذوا التدابيرَ لتعليمها وتبليغها على حسابهم ، ولم يكن أمام المسلمين طريقٌ إلا طريق هاتي المدارس والجامعات التي وَضَعَ لبنتَها الأولى مُؤَسِّس جامعة «ديوبند» وليس لسيرها وبقائها طريق إلا طريق التبرع من الشعب المسلم الذي يريد البقاء على الإسلام مهما كَلَّف من الجهود وتَطَلَّبَ من الثمن والتضحية .
وقد تَجَلَّى وفاءُ هذا الشعب – المسلم الهندي – العجيب و ولاؤه الشديد للإسلام من خلال تقديم كل عون احتاجت إليه المدارسُ والجامعاتُ ، بصفتها معاقلَ إسلاميّةً وحيدةً .
حيث ابتـثَّت شبكتُها في أرجاء الهند ، وقد توجد في مدينة واحدة وقرية واحدة من القرى الجامعة عدةُ مدارس وكتاتيب تُعَلِّم الدينَ وعلومَ الإسلام ، وتُرَبِّي النشءَ المسلم على هدي الكتاب والسنة .
آلافُ المدارس والمعاهد تسير بتبرعات الشعب المسلم وحدَها ، ومن بينها بعض المدارس التي تبلغ مستوى أضخم جامعة عصريّة تسير على حساب الحكومة .
ولذلك فإن مؤسس جامعة ديوبند الإسلامية – وهي الجامعة الإسلاميّة الأم – لم يضع في اعتباره فيما يتّصل بالموارد المالية إلا تبرعات المسلمين ، وفَضَّلَ تبرعات الفقراء على تبرعات الأثرياء ، وتبرّعات الطبقة القليلة الدخل على الطبقة الكثيرة الدخل ؛ لأنه رأى أن الفقيرَ دخلُه الذي كسبه بعرقه أكثرُ نورًا وبركةً من الثري الذي قد يرافق تبرعَه الرياءُ وحبُّ السمعة ومنع من تقبل تبرعات حكوميّة حتى لا يَتَمهَّدَ الطريقُ إلى تدخّل الحكومة فيها عاجلاً أو آجلاً .
خدمات علماء دار العلوم/ ديوبند
والعلماء المتخرجون من دار العلوم / ديوبند يقومون بنشاطات متنوعة في الريادة الدينية والمجالات الاجتماعية والسياسية ، ويؤدون خدمات متعددة الجوانب كالتدريس ، والإفتاء والقضاء، والدعوة والإرشاد ، والخطابة والإمامة ، والصحافة والتأليف، والبحث العلمي والقيادة العامة .
كما يشتغل البعض بأعمال حرة أخرى كالتجارة والزراعة والصناعة ، ويمكن تلخيص بعض النواحي لخدمات علماء دار العلوم / ديوبند في سطور بما يلي :
* نشروا الثقافة الإسلامية والعقيدة الصافية في بيئات المسلمين عن طريق التعليم والصحافة والتأليف والإرشاد .
* أيقظوا المسلمين بعد ما كانوا في سبات عميق ، وأحدثوا فيهم الروح العلمية والغيرة الإسلامية وذكَّروهم بواجبهم و وظيفتهم في هذه الحياة .
* عرّفوا الناس بتعاليم الإسلام الصحيحة الخالية من شوائب الوثنية والبدع والخرافات ، وزوّدوهم بالأفكار الإسلامية النيرة المغذية للقلوب، المنعشة للعقول .
* حضّوهم على التمسك بالدين النقي والقيام بالواجب وهجر العادات والتقاليد الجاهلية التي زينها لهم الشيطان .
* أقاموا شبكة المدارس الإسلامية العربية وحوّلوها إلى قلاع منيعة يذودون بها عن حمى الدين ويحافظون على تراث الإسلام .
* عارضوا الحملات الفكرية الصليبية وهجمات المستشرقين ودحّضوا شبهات المشككين حول الإسلام.
* قاوموا كل دعوة هدّامة ملحدة، وحركة طاغية ، كالقاديانية والبهائية وما شابهها .
* استأصلوا البدع والخرافات التي قامت باسم الإسلام .
* أبطلوا محاولة الاستعمار البريطاني لتلوين أفكار المسلمين وإبعادهم عن روح الدين و وضع موازين جديدة وقيم حديثة في نفوسهم .
* كافحوا ضد الاستعمار حتى استخلصوا من براثنه الوطن ؛ فاستقلالُ الهند وتحررها من الاستعمار الإنجليزي يرجع فيه الفضل بشكل طليعيّ إلى جهود علماء ديوبند ومشايخهم .
* اسْتَرْعَوْا انتباهَ المسلمين إلى قوله تعالى «وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ» (البقرة / 143) وأثبتوا في أذهانهم أنهم أمة أُخْرِجَتْ للناس تأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر .
* ساهموا مساهمةً فعالة في كل دعوة وحركة ذات ملامح إسلامية قامت في العالم لخدمة الإسلام وصالح المسلمين .
* أيّدوا القضايا الإسلامية والعربية التي ثارت في بلاد المسلمين أو في أقطار أخرى تأييدًا قوليًّا وعمليًّا بكل ما لديهم من الوسائل والإمكانيات ، ولا سيّما قضيّة فلسطين .
* قاموا بالتأليف والكتابة، والترجمة والتحقيق، والتحشية والتعليق في الموضوعات العلمية والدينية ، حتى اكتسب كثيرٌ منهم شهرةً عالميةً بخدماتهم في علوم الحديث خاصةً والعلوم الأخرى عامة .
* حرصوا دائمًا على التمسك الشديد بالكتاب والسنة ، وتَفَانَوا في نشر علومهما على المستويات كافّةً وفي شتى الميادين ، صامتين جادين مخلصين لله، بعيدين عن التظاهر والتفاخر .
نظرة عُجْلَى على إنجازات دار العلوم/ ديوبند
ونظرةٌ عُجْلَى عَلى إنجازات دار العلوم / ديوبند تُبَيِّن أنّها لم تقتصر خدماتُها على نشر علوم الكتاب والسنة ، وإن كان ذلك واسطةَ العِقْد في خدماتها ؛ بل قامت – إلى ذلك – بدور طليعيّ في مجال الدفاع عن الدين بأوسع معانيه وأشمل دلالاته ، فبينما هي أقامت سدًّا منيعًا دون الهجمات المكثفة على الإسلام التي قامت بها الديانات الباطلة والحركات والدعوات الهدَّامة من الآريّة الهندوكيّة ، والشيعة والقاديانيّة وغيرها ، إذ هي طَهَّرَتِ المجتمع الإسلامي من التقاليد والخرافات والبدع التي تسرّبت إليه من جرّاء الجوار : جوار الهندوس الوثنيين ؛ حيث أخذ المسلمون – ولا سيّما الجهال – كثيرًا من عاداتهم في الآلام والأحلام ومناسبات الزواج والموت والتأبين .
إنّ كثيرًا من علماء دار العلوم / ديوبند تفرّغوا للكتابة والخِطابة في موضوع فتنة من هذه الفتن المشار إليها ، و وقفوا حياتَهم كلَّها على إنقاذ الأمّة من ويلاتها .
فالقاديانيّة التي زَرَعَها الاستعمارُ الإنجليزيّ تَفَرَّغَ لها كبارُ علماء ديوبند وعلى رأسهم العلاّمة المحدّث العبقري الشيخ محمد أنور شاه الكشميري رحمه الله (1292-1352هـ = 1875-1933م) وتلاميذه ، فأَلَّفُوا عشرات الكتب ، ولاحقوا علماءَها في الميدان ، ولم يقعدوا حتى أعلنت باكستانُ ورابطةُ العالم الإسلاميّ بمكة المكرمة بكفرها . ولا تزال دار العلوم / ديوبند تحاربها على جميع المستويات ، وقد أقامت في محيطها قسمًا مستقلاً باسم «قسم صيانة ختم النبوة» يلتحق به الطلاب المُتَخَرِّجُون في علوم الشريعة ، ويَتَأَهَّلُون لمحاربتها عن طريق الكتابة والتأليف ، والمناظرة في الميدان ، وإقامة مُخَيَّمات في شتى الأمكنة ، لتوعية المسلمين بأخطارها وأساليب خداعها واصطيادها للسذّج من المسلمين ولاسيّما الأميين .
كما قاومت دار العلوم البدعَ والخرافاتِ ، حتى امتازت بذلك واشتهرت ، وتَخَصَّصَ كثيرٌ من علمائها وتَفَرَّغُوا لملاحقة المبتدعين عن طريق التأليف والخطاب وبكل أسلوب من أساليب الإصلاح والتوعية ، حتى صارت دار العلوم / ديوبند مدرسةً مستقلّةً ، وصارت «الديوبندية» عنوانًا على محاربة البدع والتقاليد الخراقيّة التي لا تَمُتُّ إلى الإسلام بصلة . وأَلَّفَ علماءُ ديوبند مئاتٍ من الكتب في هذا الموضوع .
وكذلك فتنةُ الشيعة تَصدَّى لها علماءُ ديوبند وأَلَّفُوا في هذا الموضوع كتبًا قيّمة ، كما كافحوا التقاليد التي رَوَّجَها الشيعة بين المسلمين ، وناظروا الشيعة في الحفلات العلنيّة ، وقد أبلى الإمام محمد قاسم النانوتوي مؤسسُ دار العلوم / ديوبند في ذلك بلاءً حسنًا ، وتلاه خلفاؤه وتلاميذه وعلماء ديوبند الآخرون ، وكان للشيخ عبد الشكور اللكنوي (1293-1381هـ = 1876-1962م) في ذلك القِدْحُ المُعَلَّى ، حيث قام بجهاد كبير ، وبذل جهودًا مضنية ، و وقف حياتَه على مكافحة التشيّع ، وأَلَّفَ عشرات الكتب ، منها تنبيهُ الحائرين ، والنصرة الغيبية ، وقاطعُ اللسان ، والقولُ المحكم ، والآيات المحكمات ، و«فحص بيوت قاتلي الحسين» وغير ذلك .
وكذلك قاومت دار العلوم كلَّ دعوة هدَّامة ، وفكرة متطرفة ؛ لأنها لازمت منذ اليوم الأوّل أسلوبَ الاعتدال والتوازن ، فتصادمت معها كلُّ نظرية متطرفة .
إن دار العلوم / ديوبند تحترم جميعَ السلف الصالحين والعلماء المجتهدين ، والأئمةَ من الفقهاء والمحدثين ، وإن كانت تُقَلِّد في المذهب الفقهيّ الإمامَ الأعظم أبا حنيفة رحمه الله تعالى ؛ ولكنها تحترم الأئمة الآخرين احترامَها للإمام أبي حنيفة رحمه الله تعالى .
وهي لا تؤمن بالتسرّع إلى تكفير المسلمين وتبديعهم وتفسيقهم ، ما لم يقم دليل صريح لا يقبل تأويلاً على كفر أحد أو ابتداعه أو فسقه ؛ لأن ذلك قضيّة خطيرة فلا يجوز التسرُّع في ذلك ، كما يصنع كثير من طوائف المسلمين ومدارس الفكر المتنمية إلى الإسلام .
وإنّ دار العلوم رَكّزت جهودَها كذلك على نشر الدين الصحيح ، والدعوة إلى الله ، والرجوع بالمسلمين إلى الكتاب والسنة ، والإتيان بهم إلى المساجد ، وجعلهم يُصَحِّحُون صلتهم بالله ، ويؤمنون من جديد ، فنهض أحد علمائها وهو الشيخ محمد إلياس الكاندهلوي رحمه الله (1303-1363هـ = 1885-1943م) فأسس «جماعة الدعوة والتبليغ» وحَرَّكَ وفود الدعوة وجعل عامَّة المسلمين يتصلون بالمساجد ، ويَطَّرِحُون على عتبة الله ، ويتعلّمون الدين بأسلوب سهل ، وحَوَّلها حركة دعوية كبرى عالميّة لا نظيرَ لها في العالم ، وبذلك أَوْجَدَ طرِيقَ التواصل بين المسلمين في العالم لأوّل مرة ، وتَعَرَّف المسلمون على إخوانهم في الدنيا ، وعَلِمُوا بقضاياهم ومشكلاتهم ، وعَمِلُوا على المساهمة في مشاركة الأحلام والآلام ، وأيقنوا أنهم إخوةٌ متحابّون في الله لا فضل لعربيّ على عجميّ ولا لأسودَ على أحمرَ .
وذلك كلُّه بفضل الله وحده ، الذي يخلق لكل عمل رجالاً ، ويُقَيِّض لكل قضية من يَتَصَدَّى للعمل على حلّها .
هذا، وإنّ دار العلوم / ديوبند لا تزال على مستوى الشعور بالمسؤوليّة ، فهي تعيش على اتّصال دائم بالشعب المسلم الهنديّ ، وتُوَجِّهه في قضاياه ومشكلاته ، وتوجد لها حلاًّ في حدود مستطاعها ، وتزيل كلَّ عائق يعترض سبيلَ العمل بالدين والشريعة في هذه البلاد التي تمسّكت بالعلمانيّة بعد الاستقلال عن الاستعمار البريطاني ، فمنذ سنوات طويلة أقدمت على تأسيس هيئة لعموم الهند باسم «هيئة الأحوال الشخصية لمسلمي عموم الهند» عندما رأت أنه كثر التطاولُ من قبل المتطرفين الهندوس على قانون الأحوال الشخصيّة وبدأوا يزرعون حواجزَ في سبيل العمل بكثير من أحكام الدين وعيش المسلمين بهويتهم الإسلاميّة . وهي اليوم أكبرُ وأقوى مَنَصَّةٍ إسلاميّة متحدة للشعب المسلم الهندي ، ينضمّ إلى عضويتها ممثلون عن جميع مدارس الفكر الإسلامي وطوائف المسلمين في الهند ، وهي فعّالة سباقة إلى حلّ كل مشكلة يتعرض لها الشعب المسلم الهندي فيما يتعلق بدينه وعقيدته وشريعته .
وإذا كان لعلماء ديوبند الدورُ القياديُّ في مُحَارَبة الاستعمار الإنجليزيّ وتحرير الهند ، فإنّ لهم اليوم أيضًا مساهمةً فعالةً في القيادة السياسيّة للبلاد ، فالحكومات المتعاقبة في الهند بعد الاستقلال ظلّت تقيم لقيادتهم السياسيّة وزنًا خاصًّا ، وظلّت كلمتُهم مسموعةً في المحافل الحكوميّة فيما يتعلق بقضايا الشعب المسلم الهنديّ .
وإلى ذلك كلّه وغيره ، أَلَّفَ علماءُ ديوبند في شتّى الموضوعات الإسلاميّة الأساسيّة وغير الأساسيّة ، وفي موضوعات الدفاع عن الدين ، من الكتب ما كَوَّن مكتبةً غنيّةً منقطعة النظير ، وهي باللغة العربيّة والأرديّة والفارسيّة ، ولو تمّ نقلها إلى اللغات الحيّة العالميّة لدُهِشَ العالم كلُّه من علمهم الغزير ، وفكرهم الثاقب ، وذكائهم العجيب ، وعبقريتهم الفريدة ، كما احتار من إخلاصهم الذي ضمن لدار العلوم/ ديوبند هذه الشعبيّة والمحبوبيّة اللتين لا يوجد نظيرهما بالنسبة لأيِّ دارِ علمٍ في الدنيا كلّها .
* * *
(* ) قُدِّمَ المقال إلى مؤتمر جائزة الإمام محمد قاسم النانوتوي مؤسس الجامعة الإسلاميــة دارالعلوم / ديوبنـد وحركة المدارس الإسلامية بشبه القارة الهندية، المنعقد يوم الأحد: 15/ ذوالقعدة 1432هـ الموافق 24/ أكتوبر 2010م بمدينة «اسطنبول» التاريخية عاصمة الخلافة العثمانيّة بتركيا.
(1) انظر للتوسّع في ترجمته : «تاريخ دار العلوم / ديوبند» بالأردية لمؤلفه الشيخ السيد محبوب رضوي ج1 ، و«سوانح قاسمي» بالأردية في ثلاثة مجلدات لمؤلّفه الكاتب الإسلامي والعالم الهندي البحاثة الشيخ مناظر أحسن الكيلاني ، و«نزهة الخواطر» ج7 ، ص320-322 ، ط : لكنؤ 1993م لمؤلفه المؤرخ الهندي السيد عبد الحيّ الحسني ، و«الإمام محمد قاسم النانوتوي» بالأردية لمؤلفه الشيخ نور الحسن راشد الكاندهلوي
(2) انظر للتوسّع في ترجمته كتب «حياة شيخ الهند» للشيخ ميان أصغر حسين الديوبندي و «نقش حياة» و «أسير مالطة» للشيخ السيد حسين أحمد المدني و«تذكرة شيخ الهند» للشيخ عزيز الرحمن البجنوري و«حركة شيخ الهند» للشيخ السيد محمد ميان الديوبندي الدهلوي و«أسيران مالطة» له أيضًا و«نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر» للشيخ الشريف عبد الحي الحسني ، ج 8 ، و«تأريخ دار العلوم / ديوبند» لمؤلّفه السيّد محبوب رضوي ، ج 2.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الثاني – جمادى الأولى 1432هـ = مارس – أبريل 2011م ، العدد : 4 – 5 ، السنة : 35