أنباء الجامعة
بقلم : نور عالم خليل الأميني
في سنة رحيل ثلاثة من كبار المسؤولين فى الجامعة الإسلامية دارالعلوم، ديوبند شعرت الجامعة – مسؤولين وأساتذةً وطلاباً ومنسوبين – كأن جزءاً منهم قد اقتطع. ففي إثر وفاة فضيلة الشيخ مرغوب الرحمن – رحمه الله – عقد المجلس الاستشاري للجامعة جلسةً طارئةً ضمت العديد من أعضائه، وتوصلت إلى تعيين فضيلة الشيخ أبوالقاسم النعماني القاسمي رئيسًا موقتاً، وأجَّلت اختيار رئيس مستقل لها لدورتها التي كان مزمعًا عقدها بعد شهرمن تاريخها.
وفي يومي 5- 6/1/1432هـ = 10-11/1/ 2011م الاثنين – الثلاثاء عقد المجلس الاستشاري دورته التي حضرها أعضاؤه، وكان أمر اختيار رئيس – خلفٍ لرئيسها السابق الذي استأثرت به رحمة الله تعالى في غرة محرم عام 1431هـ – يتصدر قائمة الأعمال التي تطلبت من أعضائها دراستَها وبحثَها والبتَّ فيها.
وتوصل المجلس الاستشاري – بعد نقاش ودراسة حول هذا الموضوع، إلى اختيار فضيلة الشيخ غلام محمد وستانوي رئيساً جديداً لهذه الدار الضاربة جذورها فى أعماق التاريخ الإسلامي الهندي، راجياً من الله العلي القدير أن يوفقه للعمل البناء والعطاء المثمر، ويجعل اختياره مبعث خير و بركة ودافعاً قوياً لعجلة الجامعة إلى الأمام بشكل أوسع، في إطار سمعة هذه الجامعة العالميّة وتقاليدها الإسلامية وكونها تمثل مرجعية دينية وفكرية وثقافية في هذه القارة وفي العالم؛ فإن الشيخ وستانوي يعدُّ من الرموز العلمية المشتهرة فى الهند بجهوده المكثفة في مجالات التعليم والتربية، و تركيزه الشديد على تعليم القرآن الكريم وتحفيظه وتجويده إلى جانب اهتمامه بالتعليم العصري؛ وبما وهبه الله من قدرة فائقة على إدارة المؤسسات التعليمية.
وأحْرِ بنا أن نلقي نظرةً عابرةً على سيرة فضيلته ومسيرته.
اسمه ونسبه:
هو غلام محمد بن الحاج محمد إسماعيل بن محمد إبراهيم. وعرفت عائلته با سم«رنديرا».
والـ«وستانوي» نسبةٌ إلى «وستان» – قرية من القرى في منطقة «سورت»-، انحدر إليها آباؤه عام 1952م أو 1953م .
ومن المعلوم أن الناس ينسبون إلى بلدٍ من البلاد ليتعرفوا به، ونسبة «وستانوي» هذه على العكس من ذلك تماماً؛ فقد عرفت قريته به بعد أن كانت خاملةً غامرةً، فعادت معروفة فى الأرض من خلال أعماله الجلائل التي أسداها إلى دينه وشعبه على مختلف المستويات التعليمية والتربوية، والخدمة الإنسانية.
مولده:
ولد فضيلته في 1370هـ=1950م في «سورت» بولاية «غجرات» الهندية في بيت علم وصلاح، ظلّ على صلةٍ وطيدةٍ بالعالم الرباني الزاهد المجاهد شيخ الإسلام السيّد حسين أحمد المدني رحمه الله رحمةً واسعةً .
نشأته:
ونشأ وعاش «وستانوي» في كنف أبيه، ورعايته، وكأن الله سبحانه وتعالى أعده منذ طفولته ليحمل – في مستقبل حياته – على عاتقه أعباء الوراثة النبوية فى العلم والصلاح والتعليم والتربية والخدمة الدينية والإصلاحية، فصدق فضيلتُه بأعماله وخدماته الجبارة ظنونَ كثيرٍ من أهله ومشايخه الذين تربى على أيديهم.
دراسته ورحلته في طلب العلم:
وبدأ «وستانوي» الصغير قراءة القرآن الكريم في مسقط رأسه: «كوساري»، واستكمل دراسته الابتدائية في مدرسة «قوة الإسلام» ثم توجه إلى «تركيسر» عام 1964م، حيث كان جامعتها «دارالعلوم فلاح دارين» محج العلماء وطلبة العلم من أقطار البلاد لتلقي الدراسات العليا، فالتحق بها و وصل حبله بمشيختها وأساتذتها. ومن أبرز مشايخه الذين أخذ عنهم، واستقى من منهلهم الفياض الثر، وتخرج على أيديهم في هذه الجامعة العريقة: كل من فضيلة المفتي أحمد بيمات، وفضيلة الشيخ السيد ذوالفقار القاسمي، والشيخ عبدالله الكابودروي القاسمي بالإضافة إلى الشيخ شير علي الأفغاني القاسمي.
وانطلاقاً من حرصه الشديد على تلقي المزيد من العلم، وإيمانه بأن المرء يجب أن يكون غده خيراً من أمسه تعلماً ودراسة واستفادة، شدَّ فضيلته رحالَه إلى «جامعة مظاهرعلوم» بـ«سهارن فور» – إحدى أعرق المؤسسات التعليمية الدينية، وأشهرها في شبه القارة الهندية -، فالتحق في 20/نوفمبر 1972م الموافق 13/ شوال 1392هـ و مضى بها عامًا كاملاً وتربى على كبار مشيخة هذه الدار منهم: المحدث المربي الشهير شيخ الحديث محمد زكريا الكاندهلوي رحمه الله – صاحب المؤلفات الشهيرة – والشيخ الجليل محمد يونس – حفظه الله – وغيرهما من المهرة في مختلف العلوم والفنون وتخرج عام 1393هـ الموافق عام 1973م، كما تربى في التزكية والإحسان على الشيخ الكاندهلوي. وفي أعقاب وفاته عام 1982م، أقبل إلى الشيخ المربي العظيم المقرئ صديق أحمد الباندوي رحمه الله، وتوسم فيه الشيخ الباندوي – وغيره من مشيخته – مخايل النبوغ والتفوق و الصلاح والإصلاح فقربه إليه واعتنى به – أيما عناية – وخرّجه في الصلاح والتقوى.
أعماله:
وبدأ الشيخ وستانوي حياته التدريسية في بعض المدارس في قصبة «بودهان» بـ«سورت»، كما قام بالتدريس في جامعة دارالعلوم بـ«كنتهاريا» الشهيرة. وذات يومٍ قام بجولةٍ دعويةٍ فى بلدة «أكّل كُوا»- إحدى القرى الجامعة في ولاية «مهاراشترا»-فتألّم كثيرًا مما رأى من الأوضاع الدينية والاجتماعية المزرية التي يمر بها هذه المنطقة، فما أن رجع إلى مستقر عمله «دارالعلوم كنتهاريا» حتى قصَّ على شقيقه الأكبر الشيخ محمد إسحاق وستانوي – نائب رئيس جامعة «أكل كوا» – ما رآه بأم عينيه في «أكّل كُوا»، وأبدى رغبته الجامحة فى العمل الدعوي فى المنطقة، فأنشأ بها مدرسةً صغيرةً – سميت بـ «مدرسة إشاعة العلوم»، تشتمل على أربع غرفٍ، وتضم سبعةً من أعضاء هيئة التدريس في إمكانيات ضئيلة، وهمة بعيدة، وبارك الله تعالى في غرسة الإخلاص هذه فلم تمضِِ أعوام حتى تزايد عدد طلابها، وتوسع نطاق خدماتها، ونجحت نجاحاً باهراً في تخريج الآلاف المؤلفة من حفظة كتاب الله وحملة دينه و رواة حديث نبيه صلى الله عليه وسلم في عمرها المبكر.
وظلت هذه الشجرة الظليلة تمتد وتتسع أفنانها، وتشكِّل «غوثاً» واجهت به الأمة العواصف العاتية من الجهل والبدع والخرافات فى المنطقة إلا أن الشيخ «وستانوي» لم تنَم عينه عما كان يعاني منه المسلم الهندي من الحرمان الشديد من العلوم العصرية التي تساعده على مواجهة الأخطار المحدقة به، ومواكبة العصر الذي شهدت تحدياتٍ وتحولاتٍ عديدةً على المستوين المحلي والعالمي فانصرف – بجانب اهتمامه اللازم اللائق المشكور عند الله و عند الناس بالعلوم الإسلامية متمثلاً فى إنشاء المدارس والكتاتيب الدينية في ولاية «مها راشترا» والولايات الهندية المتأخمة لهذه المنطقة، وفي شبه القارة الهندية بأسره وبناء كثير من المساجد في أرجاء الهند – انصرف إلى تسليح المسلم الهندي بالعلوم العصرية من الطب والهندسة والحرف الأخرى فأسس عددًا من الكليات العصرية تابعةً لمدرسته، تقوم بتدريس هذه العلوم. وبلغ عدد الطلاب الملتحقين بالمدارس الدينية والكليات العصرية التي أنشأها فضيلته ثلاثةً وخمسين ألفاً.
كما أنه يعتبر من العلماء الذين اتسعت خبراتهم، واختمرت تجاربهم فى المجالات التعليمية والتربوية، وإنشاء المدارس وإدارتها، ولعبوا دوراً ريادياً في دعم القضايا الإسلامية في شبه القارة الهندية مما أكسبه حبَ العلماء والصالحين من عباد الله، وفاعلى الخيرات على المستوين المحلي والعالمي .
ونحن إذ نكتب عن فضيلته هذه السطور، ندعو له بمزيد من التوفيق والعمل الدؤوب، في مجالات التعليم والتربية مع دوام الصحة وطول العمر.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ربيع الثاني – جمادى الأولى 1432هـ = مارس – أبريل 2011م ، العدد : 4 – 5 ، السنة : 35