حديث معالي الدكتور عبد العزيز العمار في حفلة الترحيب
أنباء الجامعة
الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسَّلام على سيّدنا وحبيبنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم .
السَّلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
إخواني الكرام مشايخ هذه الجامعة الموقرة: جامعة دارالعلوم/ ديوبند. وعلى رأسهم فضيلة الشيخ الذي يعلم الله حبّنا له وتقديرنا له، وفضيلة شيخ علم الحديث في هذه الجامعة ورئيس جمعيّة العلماء، وتقديرنا للجميع.
إخواني الطلاب وأبنائي! إنّه ليوم سعيد وطيّب، بل إنّه من أسعد أيامي أن أزور هذه الجامعة الموقرة العريقة التي لها تاريخٌ عظيمٌ بخدمة الإسلام والمسلمين، وإنه يوم سعيد أن ألتقي بكم كذلك أيّها الأبناء!
أيَّها الإخوه ! أريد أن أتحدّث معكم ومع إخواني مشايخ هذه الجامعة العريقة حول نقاط:
النقطة الأولى:
إن الأخوّة الإيمانية “إنّما المؤمنون إخوة” التي تجمع المسلمين في أنحاء العالم. إنّ الأخوّة تبدأ من الدنيا وتنتهي – إن شاء الله – في جنّة نعيم. ونحن نعلم علم اليقين في شأن هذه الدنيا أنّها دار الابتلاء ودار العمل، ودار تحقيق مقام عبوديّة الله سبحانه وتعالى التي خُلِقنا من أجلها.
“وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنْسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُوْنِ”.
الأمر الثاني:
هذا الدين دين علم، جاء وعظّم شأن العلم والعلماء؛ لأنّ هذا الدين بَدَأ بالعلم، والعلم الشرعيّ يقتبس من النبوّة، من الكتاب والسنّة؛ لأنه هدى. “آلمّ ذٰلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيْهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِيْنَ” إذًا عنوان القرآن هو أنه هدى للمتّقين هذا الهدى الذي فيه الأحكام: الأوامر، والنواهي، والزواجر، والشريعة من الرسول صلى الله عليه وسلم، هي التي لابدّ أن يسير عليها المسلم في حياته، إذاً عِظَمُ هذا العلم من عظم النبوّة، من عظم الخلق، من عظم العبوديّة لله سبحانه، ولاتستقيم الحياة الاّ بهذا العلم الشرعيّ الشريف: علم الكتاب والسنّة. فما أنتم فيه من علمٍ، أنتم بخير كثير، وأنتم قد وفّقكم الله، فعليكم الشكر لله سبحانه، وشكر الله سبحانه بتطبيق ما أخذتموه في هذه الجامعة العريقة، وفي تاريخ الدعوة الإسلاميّة – منذ القرن الأوّل إلى الآن – الذي يقوم بها الدعاة والعلماء، وحينما يختفى العلماء وينتهي العلماء يكثر الجهل، وتكثر البدع، وتكثر الخرافات، وينحصر الدين، فالعلم الشرعيّ أمرٌ ضروريٌّ ومُهمّ، بل إني أقول: إنّ العلم الشرعيّ هو العلم الشريف وهو عماد لشرف دعوة الله سبحانه، وعظم أمره فهنيئًا لكم، هنيئًا لكم ما أنتم فيه من خير كثير، وهو طلب العلم الشرعيّ الشريف.
الأمر الثالث:
وهو يتعلق بهذه الجامعة العريقة التي تأسّست منذ مائة وأربع وأربعين عامًا، أسّسها علماء مخلصون، مشايخ أجلاء، ألهمهم الله تعالى و وفّقهم، وهذا توفيق من الله عزّ وجلّ لإنشاء هذه الجامعة؛ ولكن حينما أنشؤوا هذه الجامعة أو هذه المدرسة، هل أنشؤوها لمجرد تلقين التعليم دونما نية، لا إنما أنشؤوها صادرين عن نية صالحة صادقة؛ لأنّ النية الصالحة والإخلاص هو الطريق لتحقيق العمل بالإخلاص لله تعالى “إنّما الأعمال بالنيات”.
الأمر الرابع:
فهولاء العلماء الذين وفقهم الله سبحانه لتاسيس الجامعة وضعوها على قواعد وأسس واضحة، ولو لم يؤسسوها على أسس واضحة ما رأينا هذا التوفيق؛ لأنّهم – رحمة الله عليهم – وضعوا أسسًا واضحة حفظت لنا هذا الدين، وهذا الإسلام بهذه القارّة أي القارّة الهندية؛ بل وجدنا أنّ خرّيجي هذه الجامعة قدّموا أمر الله سبحانه وتعالى من شرق الأرض إلى غربها، فأقول: إنّ الأسس التي وُضِعت بطريقة محكمة وجيّدة هي التي جعلت هذه الجامعة، وهذا المنهج الذي يُنتِجُ الطلابَ الذين يقومون بنشر العلم الشرعيّ، وهذا ما تميّزت به هذه الجامعة، والاّ لكانت مثل المدارس الأخرى، العاديّة، إنّ هذا المنهج هوالمنهج المستقيم، إنه المنهج الصحيح لنشر الدين وفهم الدين.
فهنيئا لكم دراستُكم في هذه الجامعة، وكنتُ منذ أن بدأتُ طالبًا وحتى تخرّجتُ من كليّة الشريعة في الرياض، وأنا أسمع من بعض المشايخ عن هذه الجامعة وغايتها، وأقرأ عنها وكان من توفيق الله أن نزور هذه الجامعة.
سألني صحافيّ قبل قليل، ما أسباب زيارتك للجامعة دارالعلوم/ ديوبند؟ فقلت له: ليس هناك سببٌ؛ لأنّ السبب يأتي حينما يكون الأمر مُسْتَحْدَثًا؛ ولكنّ الأمر الطبيعي والمطلب الشرعيّ أن نزور مثل هذه الجامعة؛ لأنها جامعتُنا ومشايخها إخوننا، وطلاّبها أبناؤنا، نعتزّ بها، بل إنّا رأيناها حصنًا من حصون الإسلام في هذه البلاد.
الأمر الخامس:
وهذا ما تطرّق له فضيلة المتحدّث (شوكت علي القاسمي) قبل قليل:
أقول: رسالة هذه الجامعة رسالة الإسلام ورسالة الخير، ومن سعادتنا أن نرى طلاّب هذه الجامعة الذين يتعلمون فيها من آلاف الطلاب الذين نراهم جميعًا يستمعون الآن، والذين تخرجوا منها، قد أسّسوا المدارس، وأسّسوا الجامعات ونشروا العلم الشرعيّ في أنحاء العالم، ويبارك الله فيهم، ويبارك في قلوبهم، وأسأل الله تعالى أن يمتع بهم الدين الإسلامي والدين المبين، وبعد سنين نتمنى أن نزور جامعتكم هذه جامعة الجامعات وألتقى بكم وأنتم تعملون فيها مدرّسين أو أدباء أو دعاة.
النقطة الأخيرة، التي ذكرها أخونا (الأستاذ سلمان البجنوري) إذا كان هناك ما يُسمى بخلاف المذاهب؟ أقول هذه الكلمة، وقلتُها مِرارًا، وأكرّرها الآن، أقول: الأوّل، ما يتعلق بقضيّة المذاهب، فليس هناك تنازع، ولا شقاق، وإنّ العلماء حتّى الصحابة كان لهم آراء، وكانوا يختلفون، الإمام أبوحنيفة – رحمه الله – كان له رأي، وأبو يوسف – رحمه الله – كان له رأي ومحمّد بن الحسن – رحمه الله – كان له رأي، وزفر – رحمه الله – كان له رأي، والإمام الشافعي وتلاميذه، والإمام مالك وتلاميذه، والإمام أحمد، والاوزاعي، والليث،وسفيان الثوري الذين كان لهم آراء، ولم يكن فيهم تنازع؛ لأنهم يأخذون من الكتاب والسنّة.
إذًا أقول: الآن، لم يبقَ إلاّ المذاهب الأربعة، قلت: لإخوانكم بالأمس في دلهي، وأقول الآن: إن هذه المذاهب ليست مذاهب أربعة، وإنها مدرسة واحدة هي مدرسة أهل السنّة والجماعة، هي الكتاب والسنّة، ولكنّها أربعة أبواب: باب أبي حنيفة وباب مالك وباب الشافعي، وباب أحمد – رحمهم الله – ما أخذ هؤلاء الأئمة أبو حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، أخذوا من مبدأ واحدٍ، أخذوا من الكتاب وسنّة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فلا هناك شقاق ولا يصحّ أن يكون إنكارٌ وخلافيات. هذا ما نعتقده؛ لأنه ما قال ولا رأى أحد هذا الرأي من الهوى والشهوة – أستغفر الله – ولا يجوز أن نرتكب الذنب، فنقول: إنّ العلماء قد أخذوا من الشهوة رأيًا، بل أخذوا من الكتاب والسنة، فاحترام الأئمة واحترام العلماء هؤلاء دينٌ. ولا يجوز أن نجرّح العلماء.
الأمر السادس:
في قضيّة الاختلاف، أريد أن أقول: إنّه حصلت بعض المسائل في بعض المذاهب، لايجوز التكفير ولا يجوز التفسيق، ونحن أهل السنّة والجماعة لانكفّر الاّ من كفّره الله سبحانه، ولا يجوز التكفير مطلقًا. هذه القضيّة خطيرة جدّا، ولا نستعجل حتى في بعض الخلافيات حتى قال الإمام أحمد، وقال أبو حنيفة و روى عنه الشافعي كذلك فيمن أنكره أو قال بخلق القرآن ما كفروه. كان الإمام أحمد يرى خلق القرآن، ولا يرى أبوحنيفة، ولا يصح التكفير، ولا نكفر المسلم بذنب، ولا نكفر في الخلافيات حتى في المسائل العقدية الاّ من كفّره الله. من أنكر شيئًا من الدين بالضرورة، مثلاً: أنكر الصلاة، وأنكر الحجّ، وأمرُ التكفير وأمر التفسيق وأمر التجريح أمرٌ خطير. ونحن نرى الآن قضيّة اضطهاد المسلمين في فلسطين وأفغانستان وفي كل مكان من العالم الإسلامي.
ونرى أن الإسلام الآنُ متَّهَمٌ بالغلوّ والتطرف، وغير ذلك. وبالعكس نحن نعلم أن المسلمين لا يؤذون حتى غير المسلمين، ولهذا لايجوز أن يوصف الإسلام بالتطرّف. وذلك يقتضي منّا أن نسعى أن نبيّن للناس سماحة الإسلام ورحمة الإسلام “وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِيْنَ” ديننا دين الرحمة في كل شيء حتى مع الحيوان. فإسلامنا دين الرحمة، دين المحبّة، دين اللطف، دين اللين، دين التعاون بالطيّب، ودين الدعوة. نحن نشكر الله وندعو الناس إلى الدين، ندعو غير المسلمين إلى الله، وكيف ندعوهم؟ ندعوهم بالخير، بالكلمة الطيّبة، وبالتعاون الطيّب، وهذا مع غير المسلمين، فكيف مع إخوتنا المسلمين، وكيف مع زملائنا، وكيف مع مشايخنا، وكيف مع العلماء الذين سبقونا؟
فهذه الكلمات، أجبتُ أن أهديها إلى أبنائي وإخواني في هذه الجامعة العريقة التي لا أستطيع أن أوفّي حقَّها بالحديث.
فلها الأثار الجليلة في أنحاء العالم كله شرقًا وغربًا، أقدّم شكري إلى فضيلة المشايخ والأساتذة في هذه الجامعة، وإنّ سروري عظيم في هذ اليوم؛ فإنه من أسعد أيامي؛ حيث وُفِّقْتُ أن أزور هذه الجامعة في الهند.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم أجمعين. وصلى الله على سيّدنا وحبيبنا محمّد صلى الله عليه وسلم.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
(نقل هذه الخطبة من الشريط الأخ محمد ساجد الرام فوري ، طالب قسم الأدب العربي بالجامعة، فجزاه الله خيرًا)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، شعبان 1431 هـ = يوليو – أغسطس 2010م ، العدد : 8 ، السنة : 34