كلمة المحرر
منذُ وقت طويل، ولاسيّما منذ المحرقة الصهيونيّة في “غزة” يعيش الفلسطينيون الصامدون في وجه الإجرام الصهيوني المصبوب عليهم منذ سنين طويلة، الحصارَ الظالم الذي جعلهم يُحْرَمُون أبسطَ مقومات الحياة، ويترقبون كسرًا له بشكل أو بآخر؛ ولكنّ الدعاوي الصارخة التي يطلقها العالم المعاصر “المُتَنَوِّر” لاتجعله يفكر جدِّيًّا في شأن الاعتداءات الإجراميّة التي يصبّها العدوّ الصهيونيّ اللئيم على الفلسطينيين على مرأى ومسمع منه، متحدِّيًا كل القوانين والأعراف الدوليّة والقرارات الأمميّة التي ظلّ يضربها دائمًا عُرْضَ الحائط.
لأنّ العدوّ الصهيونيّ يعلم أن النداءات والاحتجاجات التي تُرْفَع ضدّه من قبل الرأي العالميّ أو القرارات التي تُصْدَر ضدَّه من قبل الأمم المتحدة؛ لاتضرّه شيئًا؛ لأنّها كلّها لامتصاص غضب الرأي العربي الإسلاميّ الذي فقد كل قيمته وثقله في زمن الضعف والتخاذل والاختلاف الذي يعيشه المسلمون والعرب ولاسيّما قادتهم وحكامهم الذين لايهمّهم شيء يتّصل بالدنيا والآخرة إلاّ الكراسيّ والبقاء على مكانتهم القياديّة .
ويعلم أنّ الغربَ هو الذي غرسه ظلمًا وعدوانًا في قلب الأرض العربيّة الإسلاميّة؛ فلا يتعدَّى في شأنه حدَّ التنديد والاستنكار إلى العقاب العمليّ، كما يصنع في شأن العرب والمسلمين الذين لايغتفر لهم أيّ ذنب مهما كان صغيرًا لا يُؤْبَه به؛ بل يختلق في شأنهم “الذنوب” ويُلْصِقها بهم، ثم يؤاخذهم بشأنها، ويتناولهم بالعقاب الأليم الذي تقشعر منه جلود كلّ الأحياء بمجرد السمع به.
من هنا قد يحدث أنّه – إلى جانب إصدار الأمم المتحدة قرارات التنديد والإدانة وإصدار بعض الحكومات الغربيّة أحيانًا نداءات الاستنكار والسخط ضد إسرائيل – ترتفع نداءات استنكاريّة شعبيّة في الغرب ربما تكون في الظاهر ذات غضب شديد وسخط عـارم ؛ ولكنّ العدوّ الصهيوني يظل مستمرًّا في ممارسة أشنع نوع من اعتــداءاته الشيطانيّة الوحشيّة ضدّ الفلسطينيين؛ لأنّه لا يُقَابَل بعقاب عمليّ أو مؤاخذة مثمرة تردعه عن غيّه.
فما تعيشه “غزة” من أبشع نوع من الكارثة بعد أشدّ الحروب وأشنعها إجرامًا عليها، قالت 16 منظمة حقوقيّة غير حكومية بصراحة في تقرير مشترك لها: “إنّ المجتمع الدولي غدر بشعب “غزة” عبر عدم ترحمة أقواله إلى أفعال من أجل إنهاء الحصار الإسرائيلي لـ”غزة” الذي يمنع إعادة البناء”.
وهذه المنظمات الغربيّة فيها مثل “منظمة العفو الدوليّة” الشهيرة و”أوكسفام” ومنظمات هولنديّة غير حكوميّة .
والرئيس الأمريكي الأسبق “جيمي كارتر” بدوره اتهم المجتمع الدوليّ بأنّه يتجاهل الوحشيّة التي لم يشهد لها التاريخ مثيلاً”.
وقال الأسقف “يزموند توتو” من إفريقيا الجنوبيّة: “إن صمتنا ومشاركتنا في المؤامرة على “غزة” عار علينا”.
هذه التصريحات التنديديّة الصارخة تدلّ على أن الغرب ربّما يتألّم من مصيبة المسلمين في “غزة” و”فلسطين” أكثر من تألـم القادة والحكام العرب والمسلمين عليها، وأنه لو قدر لأنزل على “إسرائيل” من العقاب ما يردعها عن غيّها للأبد، ويجعلها لاتفكر في ارتكاب أيّ جريمة ضدّ الفلسطينيين. ولكن شيئًا مما ينبغي أن يحدث عمليًّا ضدّ إسرائيل لايتحقق على أرض الواقع. ولاتعدو الأقوالُ إلى الأفعال؛ لأن الغرب – ولاسيّما القادة والساسة – قَرَّرَ أنه لن يصنع شيئًا ضدّ إسرائيل على أرض الحقيقة.
وما يصنعه الغيرُ من الغرب والأمريكان الذين كانوا وراءَ إقامة دولة إسرائيل غير الشرعيّة على أرض فلسطين العربيّة الإسلاميّة، لايدعو للعجب، وإنّما يدعو للعجب ما يصنعه الأشقّاءُ العربُ المسلمون مع الفلسطينيين المنكوبين المظلومين؛ فهذه “مصر” العربيّة المسلمة التي ضحّت كثيرًا في سبيل القضية الفلسطينية، وكان المرجوّ منها أن تقوم بكل جهد فاعل من أجل كسر الحصار الإسرائيلي الإجراميّ، ومن أجل قيادة عمليات إغاثة للشعب الفلسطيني؛ ولكنها بدلَ ذلك تساهم في تشديد الحصار، عبر إقامة جدار فولاذي لمنع حفر الأنفاق التي صارت الوسيلة الوحيدة أمام المُحَاصَرين للحصول على مقومات حياتهم، وفي عرقلة قوافل الإغاثة القادمة من أقطار الأرض.
إن ما تصنعه “مصر” مع إخوة الدين والعقيدة والمصير: الشعب الفلسطيني لاينسجم بشكل مع عواطف الأخوة العربيّة والإسلاميّة والإنسانيّة بل يشف عن أنها لا تعير أيَّ قيمة الأخوةَ الإسلاميةَ العربيّةَ وواجبات الإنسانيّة .
إنّ ما يعانيه الإخوة الفلسطينيون يُعَبِّر حقًّا عن ضعف الأمة وتخاذلها المشين تجاه القوى الصهيونيّة المدعومةمن القوى الصليبية والوثنية العالميّة . [التحرير]
(تحريرًا في الساعة 11 من صباح الأربعاء : 11/صفر1431هـ = 27/ يناير 2010م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربيع الأول 1431 هـ = فبراير – مارس 2010م ، العدد : 3 ، السنة : 34