الأدب الإسلامي
شعر: الشاعر الإسلاميّ عبد الرحمن صالح العشماوي
المملكة العربية السعودية
لِلْفَجْرِ بَعْدَ ظلامِ اللَّيْل إِسْفَارُ
وللضَّبَابة في الأعْمَاقِ إِبْحَارُ
يَكْتُمُ الْمَرْءُ أَشْوَاقاً تُلَذِّعُه
حينًا، ولـٰـكِنَّهَا لا تُكْتَمُ النَّارُ
لا يَكْتُمُ الْمَرْءُ أَشْوَاقَ الفُؤَادِ، وَإِنْ
تَكَاثَفَتْ دُونَ مَا يُخْفِيَه أَسْتَارُ
يَا مَنْ يُحَاوِلُ أَنْ يُخْفِي مَشَاعِرَه
هَيْهَاتَ، لا تَكْتُمُ التَّغريدَ أَطْيَارُ
قد يَسْكُتُ الفمُّ عَنْ بَوْحٍ، ويَفْضَحُنا
صمتٌ، لمن يَعْرِفُون الحبَّ، مهذارُ
لاخيرَ في أَحْرُفٍ تأتي مُنَمَّقَةً
على اللِّسَانِ، إذا لَمْ تَصْفُ أَفْكارُ
ما كُلُّ مَنْ رَفَعُوا صوتَ الوَفَاءِ وَفَوْا
فرُبَّما يدَّعي الإخلاصَ غَدَّارُ
ورُبَّمَا يُنْكِر الإنسانُ ما اقْتَرَفَتْ
يَدَاهُ جَهْرًا، فَمَا يُجْدِيْهِ إِنْكارُ
يَا حَسرةَ القَلْبِ، قد سَافَرَتْ بي زمنًا
حتى استَعاذت مِنَ التَجْوَالِ أَسْفَارُ
أوَّاه مِنْ عَصْرِنا تَاهَتْ حَضَارَتُه
وحَاصَرَتْهُ ضَلاَلاَتٌ وأَوْزَارُ
وكَيْفَ يَسْلَم عَصْرٌ قادَ مركَبَه
في لُجَّةِ الْبَحْرِ مَخْمُورٌ وخَمَّارُ
الأَرْضُ مَلآَىٰ بِظُلْمِ الظَّالمين، فَيَا
بُؤسَ الضعيفِ، ويَا سُحْقًا لمن جَارُوا
حربٌ ضَرُوسٌ عَلَى الأخْلاقِ، يُشْعِلُها
جَيْشٌ مِنَ الكُفْرِ والإِلْحادِ جَرَّارُ
وماردٌ يملأُ الكأسَ التي قُتِلَتْ
بِسُمِّهَا أُمَمٌ عُظْمَىٰ وأَقْطَارُ
لِلْغَرْبِ أَلْفُ يَدٍ تَرْعَى مَصَالِحَه
نصيبنَا عندَها ضربٌ وإحصارُ
تَجْرِي قوانينُه في الأرضِ جائرةً
فيها من الظلم إيرادٌ وإصدارُ
أما يَرَى العالَمُ المسحُور ما اقْتَرَفَتْ
كفُّ الطُّغاة، أَمَا لِلْحَقِّ أَنْصَارُ؟!
أَلَيْسَ فيهم عُقُوْلٌ يُسْتَضَاءُ بها
أَلَيْسَ لِلْقَوْمِ أَسْمَاعٌ وَأَبْصَارُ؟!
ضَاقَ الْفِضَاءُ، بِما ضَاقَ الْفُؤادُ به
مِمَّا جَنَاه على الأخْيَارِ أَشْرَارُ
يا مُقْلة الشِّعْرِ، مِنْ أيِّ الْجِهَاتِ أَتَىٰ
هَذَا الدُّخَانُ أَمَا فِي الأَرْضِ دَيَّارُ؟
مَنْ وَجَّهَ بغدادَ،.. ماذا قُلت؟، أحسبُها
أُكْذُوبَةً مَا لَهَا فِي الصِّدْقِ إِقْرَارُ
مَنْ وَجَّهَ بغدادَ يا هذا، ألستَ ترى
أمامَ عينيكَ، صرحُ العَدلِ يَنهارُ؟!
مَنْ وَجَّهَ بغدادَ؟، يَالَلْهَوْل، كيف سَرَىٰ
إلى الْمَلِيحَةِ هَذا الذُّلُ والعارُ؟
أين الرَّشيدُ؟، سؤالٌ جفَّ مَوْرِدُه
منذُ اسْتَبَدَّ بهذا العَصْر كُفَّارُ
لَوْ قَاوَمَ الجِذْعُ آثارَ الجَفَافِ، لَمَا
أَدْمَاه فَأْسٌ، وَلاَ آذَاه مِنشارُ
لَوْ كَانَ في البرِّ مَا فِي الْبَحْرِ، مَا حُرِثَتْ
أَرْضٌ، وَلاَ بُنِيَتْ فَوْقَ الثُّرَىٰ دارُ
يَخْشَىٰ مِنَ الرِّيح رُبَّانُ السَّفِيْنَةِ إِنْ
هبَّت، فَكَيْفَ إِذَا مَا هَبَّ إِعْصارُ
أَبَا الأَمِين، هُنَا بغدادُ، قَافِيَةٌ
لَهَا مِنَ الأَلَمِ الْمَشْبُوبِ أَوْتَارُ
أَنْشَدْتُهَا، وَرِيَاحُ الظُّلْمِ عَاصِفَةٌ
ودَمْعُ أَصْدَائِهَا فِي الْقَلْبِ مِدْرَارُ
أَنْشَدْتُهَا يَا أَبَا الْمَأْمُونِ بَاكِيَةً
ورُبَّمَا ذَرَّفَتْ بِالدَّمْع أَشْعَارُ
أَبَا الأَمِينِ، هُنَا بَغْدَادُ، تُحْرِقُهَا
نارُ الأَعَادِي وفِيهَا الْقَصْفُ مَوَّارُ
تَجرِي عَلَى نَاظِرِ الدُّنْيَا مَدَامِعُهَا
دَماً، ومِنْ دَمِها الْمَسْفُوحِ أَنْهَارُ
مِنْ حَوْلِها سُفُنٌ فِي الْبَحْرِ تُمْطِرُهَا
نارًا، وجَوْرُ طُغَاةِ الأَرْضِ بَحَّارُ
وَالطَّائِرَاتُ لَهَا فِي الْجَوِّ دَمْدَمَةٌ
تَهْتَزُّ مِنْ قَصْفِها الْمَجْنُونِ أَغْوَارُ
بَغْدَادُ، بَغْدَادُ، يَا هـٰـرُونُ زَلزَلْهَا
جَوْرُ الطُّغَاةِ، ولَمْ يُدْرِك لَهَا ثَارُ
مَا كُلُّ مَنْ نَقَلُوا أَخْبَارَهَا صَدَقُوا
فَكَمْ تُزَوَّرُ فِي الإِعْلاَمِ أَخْبَارُ
لو كُنْتَ أَبْصَرْتَهَا، وَاللَّيْلُ مُشْتَعِلٌ
وأُمَّةُ العُرْبِ، بَيَّاعٌ وسِمْسَارُ
كَأَنَّهَا فِي سِجِلِّ الْعَصْرِ زَاوِيَةٌ
مَشْطُوبةٌ، غَيْرُهَا يُرْوَىٰ وَيُخْتَارُ
مَنْ أُمَّةُ العُرْبِ، يَا هَارُونُ؟ أَحْسَبُها
مَا عَادَ يُوْقِظُ فِيهَا العَزْمَ إنْذَارُ
ذَابَتْ عَلَى شفة الظَّلْمَاءِ وَالْتَحَفَتْ
بِالْوَهْمِ، رَائِدُهَا طَبلٌ ومِزْمَارُ
نَامَتْ، وفِي القُدْسِ مَا نَشْكُوه مِنْ أَلَم
وَالْيَوْمَ تَغْفُو، وفِي بَغْدَادَ أخْطَارُ
تَقفورُ عَادٍ، ولـٰـكِنْ لاَ رَشِيْدَ لَهُ
يُريه قَوْمًا عَلَىٰ دَرْبِ الْهُدَىٰ سَارُوا
مَا قِيْمَةُ الْعَيْشِ فِي الدُّنْيَا، إِذَا سُفِكَتْ
فِيها الدِّمَاءُ، ولَمْ يُحْفَظْ بِهَا الْجَارُ
أَبَا الأَمِينِ، هُنَا بَغْدَادُ وَاجِمَةٌ
كَمَا وَجَمْنَا، وفِي الأَعْمَاقِ أَسْرَارُ
مَاذَا تَقُولُ لَهَا؟ وَاللَّيْلُ مُعْتَكِرٌ
وَمَا لَهَا فِي ظَلاَمِ الْخَطْبِ أَنْوَارُ؟؟
* * *
اللهُ يَمْلِكُ أَمْرَ النَّاسِ، فَاتَّجِهُوا
إِلَيْهِ يَدْفَعْكُمْ عَزْمٌ وَإِصْرَارُ
لَذَائذُ الْعَيْشِ أَوْهَامٌ، إِذَا شَغَلَت
قَوْمًا، فَلَيْسَ لَهُمْ فِي الأَرْضِ مِقْدَارُ
عُمْرُ الْفَتَىٰ فِي مَجَالِ الْخَيْرِ أَعْمَارُ
وعُمْرُهُ فِي مَجَالِ الْخَيْرِ أَعْمَارُ
إِنْ كَانَ فِي هذِه الدُّنْيَا جَبَابِرةٌ
لاَ يَرْحَمُونَ، فَإِنَّ اللهَ جَبَّارُ
أَبَا الأَمِينِ، تَحِيَّاتِي مُعُطَّرةً
تُهْدَىٰ إِلَيْكَ إِلَى أَنْ يُمْسَحَ الْعَارُ
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، ربيع الأول 1431 هـ = فبراير – مارس 2010م ، العدد : 3 ، السنة : 34