دراسات إسلامية
بقلم : د. علي المنتصر الكتاني
بعد استسلام “غرناطة”، عين الملكان الكاثوليكيان، الكونت دي تانديا حاكمًا عليها، وإيرناندو دي طلبيرةمطرانًا لها. وبعد الاحتلال، استقر أبو عبد الله في أندرش مع أتباعه وأهله مدةً؛ لكنه أجبر بعد ذلك على التنازل عن ضياعه في البشرات، وأملاكه في غرناطة، مقابل ثمن إجمالي قدره واحد وعشرون ألف دوقة قشتالية من الذهب الخالص. وغادر البلاد في أوائل أكتوبر سنة 1493م بأهله وأتباعه، والتحق به عدد كبير من وزرائه وقواده، واستقروا معه في حاضرة فاس، عاصمة المغرب.
وهاجر عدد جمّ من كبار أهل غرناطة، وقوادها، وفقهائها، وعلمائها، وساداتها، وأعيانها. وهاجر أحد قواد الجيش الأندلسي الغرناطي أبوالحسن علي المنظري إلى جنوب سبتة، واستأذن من السلطان أبي عبد الله الوطاسي إعادة بناء مدينة تطوان الخربة، فنقل إليها عددًا كبيرًا من المهاجرين الأندلسيين. واعتنق النصرانية طواعيةً بعد الاحتلال، جماعة من الأمراء والأعيان: الأميران سعد ونصر ابنا السلطان أبي السحن وأمهما ثريا، والأمير يحيى النيار ابن عم أبي عبد الله الزغل وزوجه وابنه، ومعظم آل بنيغش، بما فيهم الوزير أبو القاسم بن رضوان بنيغش، والوزير يوسف بن كماشة، وغيرهم كثير(1).
ثم تحولت سياسة الدولة الأسبانية من الاعتدال إلى الغدر الفاضح ضد أهل غرناطة. وأول الغدر، تحويل مسجد غرناطة الأعظم إلى كتدرائية. ثم نظمت الكنيسة فرقًا تبشيريةً لتنصير المسلمين. وفي سنة 1499م، استدعى الطاغية الكاردينال سيسنيروس ليعمل على تنصير الأندلسيين بصرامة أكبر. فابتدأ فورًا بتحويل أكبر المساجد إلى كنائس، والضغط بالوعد والوعيد على وجهاء المدينة وفقهائها ليتنصروا. فقامت ثورة عارمة في حي البيازين، ثم انتقلت سنة 1500م إلى جبال البشرات بقيادة إبراهيم بن أمية. فلاحق الجيش الثوار وحاصرهم، ثم قضى عليهم بعد شهور، وقتل معظمهم، واسترق ابناءهم ونساءهم. ثم قامت ثورة أخرى أواخر سنة 1500م حول بلدة يلفيق ووادي المنصورة بمنطقة المرية، فقضي عليها بنفس الهمجية والقساوة. وكذلك حصل لثوار منطقة رندة، بين يناير وأبريل سنة 1501م .
وتابعت الدولة والكنسية سياسة التنصير القسري بإشراف الملكين الكاثوليكيين. فتم تعميد جميع الأهالي بالقوة بين سنتي 1500 و 1501م. ثم صدر مرسوم بتحويل جميع المساجد إلى كنائس. وفي 12/10/1501م، صدر مرسوم آخر بإحراق جميع الكتب الإسلامية والعربية، فأحرقت آلاف الكتب في ساحة الرملة بغرناطة، ثم تتابع حرق الكتب في جميع مدن وقرى مملكة غرناطة. ثم صدر الأمر بمنع استعمال اللغة العربية، ومصادرة أسلحة الأندلسيين الذين أصبحوا يسمونهم بالمورسكيين، ويعاقب المخالف لأول مرة بالحبس والمصادرة، ولثاني مرة بالإعدام. فاستغاث الأندلسيون مرةً أخرى بسلطان المغرب أبي عبد الله الوطاسي، وبسلطان مصر الأشرف قانصوه الغوري، وبالسلطان بايزيد العثماني، دون جدوي .
ثم استعملت الكنسية والدولة جهازًا جهنميًا لمتابعة الأندلسيين ومحاربة كل مظاهر الإسلام في حياتهم، ألا وهو “محاكم التفتيش”(2). أسست الكنيسة الكاثوليكية هذه المحاكم في إيطاليا، وفرنسا، وألمانيا، لتقص أخبار الناس ومتابعتهم، إن خالفوا أفكار وأعمال الكنيسة. ثم أُنشئت في أديرة الفرانسان والدومينكان، محاكم ثابتة يترأسها الأساقفة بسلطة مطلقة. فطاردت العلماء والمفكرين، وشردت وأحرقت منهم الجم الغفير. وأُنشئت أول محكمة تفتيش سنة 1242م في أراغون، وسُمّيت بالديوان القديم. وفي سنة 1459م أصدر ملك قشتالة انريكي الرابع أمرًا ملكيًا للأساقفة بالبحث والاستقصاء في دوائرهم عن المضمرين لأفكار مخالفة للكثلكة. وفي 11/1478م (قبل سقوط غرناطة)، أصدر البابا مرسوماً بإنشاء “محكمة التفتيش” في أسبانيا. وطالبت المحكمة الجميع بالتحول إلى جواسيس للكنيسة. وفي 2/1482م توسعت المحكمة من 3 مفتشين من القساوسة، إلى عشرة، فاستصدر الملكان الكاثوليكيان مرسومًا بابويًا لتعيين المفتشين السبعة الجدد. وفي سنة 1483م صدر مرسوم بابوي بإنشاء مجلس أعلى لديوان التفتيش يتكون من أربعة أعضاء، أحدهم المفتش العام، رئيس المجلس، وهو توركيمادا، معترف الملكين. وكان رجلاً ظالمًا متعصبًا، لا يعرف الرحمة ولا الشفقة، مع ترف في الحياة، وفساد في الأخلاق. وخلف توريكمادا بعد وفاته سنة 1498م القس ديسا، أسقف جيان.
تبدأ “محكمة التفتيش” عملها بتبليغ شخص، فإن كان معروفًا يستدعى لتقديم شهادته التي تُعتبر “تفتيشًا تمهيديًا”، تعرض نتائجه على “رهبان مقررين”، معظمهم من الجهلة المتعصبين، الذين يتجه قرارهم إلى الإدانة غالبًا. فيقبض على المتهم، ويسجن دون أن يعرف السبب، ويمنح ثلاث جلسات إنذار في ثلاثة أيام متوالية يطلب منه فيها الاعتراف بذنب لايدري ماهو. فإذا اعترف عُوقب بدون رحمة ولا شفقة. وإذا لم يعترف، أو لم يدر بماذا، يحال إلى التعذيب حتى يعترف بأي شيء، أو يموت تحت العذاب. وكانت ضروب التعذيب تصل إلى درجة من الوحشية لاتخطر على بال. وإذا اعترف المتهم بغير التهم الموجهة إليه، تلصق به تلك التهم على أي حال. وبعد المرافعة والاستجواب، ويرفع الموضوع إلى القساوسة المفتشين؛ ليعطوا رأيهم من جديد تمهيدًا للحكم النهائي، الذي كون غالبًا الإدانة. ويمكن للمتهم أن يعلن التوبة ويطلب العفو من البابا، مقابل أموال طائلة إن كانت له أموال. وإذا حكم على المتهم بالبراءة، وقليلاً مايكون ذلك؛ فإنه يعطى شهادة بطهارته من الذنوب تعويضًا على ذهاب ماله، وشرفه، وصحته، ظلمًا وعدوانًا.
أما إذا كانت الإدانة بتهمة كبيرة، فيؤخذ المتهم من السجن دون أن يدري مصيره، ويمر “بمرسوم الإيمان”، فيلبس “الثوب المقدس”، ويوضع في عنقه حبل وفي يده شمعة، ويؤخذ إلى الكنيسة للتوبة ثم إلى ساحة التنفيذ. وهناك يتلى عليه لأول مرة الحكم: سجن مؤبد، ومصادرة كاملة للأموال، أو الإعدام حرقًا بالنار في حال “الكفر الصريح”. أما إذا كانت التهمة صغيرةً، فيحكم عليه بالسجن لمدة محدودة، وبغرامة مالية، ويسمون ذلك “حكم التوفيق”.
كانت أحكام الإعدام بالنار كثيرةً ضد المسلمين، وتكون في مهراجانات عظيمةً يتفرج فيها القساوسة، ورجال الدولة، والأهالي، وأحيانًا الملك وكبار رجال دولته. وكان يُحرق المتهمون جماعيًا في مواكب الموت للترهيب، وأحيانًا عائلات بأكلمها، بأطفالها، ونسائها. وكانت محاكم التفتيش تحاكم الموتى، فتنبش قبورهم، وتتابع الغائبين وتعاقب أهلهم، وكان أعضاؤها يتمتعون بالحصانة الكاملة. وكانوا غالباً ذوي أخلاق سافلة، لايتورعون عن ارتكاب الموبقات والجرائم ضد ضحاياهم. وهكذا أخضع الأندلسيون لهذه المحاكم الإجرامية منذ إعلان تنصيرهم القسري سنة 1499م.
ولما أُخمدت الثورات وألغى الإسلام رسميًا، لم يجد الأندلسيون بدًا، أمام عجزهم عن الدفاع، وضياع أملهم في النجدة، سوى التظاهر مكرهين بقبول دين النصارى، والحفاظ على الإسلام سرًا، يقومون بشعائره من صلاة وصيام، وتحاشي المنكرات، ويعلِّمون أبناءهم، ويفعلون مايجبرون عليه من التردد إلى الكنائس وتعميد الأطفال. وعملوا جهدهم للتكيف مع هذا الوضع الشاذ الحرج الخطر، إلى أن يأتي الله بفرج من عنده.
وتحولت الكنيسة والدولة من أمل تنصير المسلمين الفعلي بالتبشير، إلى أمل تنصيرهم بالإكراه، والعنف، والقوة. فجددت القوانين الجائرة، والإجراءات الصارمة. ففي سنة 1508م، جددت لائحةً ملكيةً بمنع اللباس الإسلامي. وفي سنة 1510م، طبقت على المورسكيين ضرائب خاصةً اسمها “الفارضة”. وفي سنة 1511م، جددت الحكومة قرارات بمنع السلاح عنهم، وحرق ما تبقى من الكتب الإسلامية، ومنع ذبح الحيوانات. وجدد ذلك في سنتي 1512م و 1513م. ودام الاضطهاد إلى أن مات فرناندو سنة 1516م، موصيًا خلفه كارلوس الخامس بمتابعة سياسته نحو الإسلام.
واجه كارلوس الخامس المورسكيين بشيء من اللين في أول أمره؛ لكن في سنة 1423م، أصدر مرسومًا جديدًا، يحتم فيه تنصير كل مسلم بقي على دينه، وإخراج كل من أبى التنصير، وعقاب كل من خالف الأمرين، بالرق مدى الحياة. فاشتكى المورسكيون إلى الملك من جور هذا القرار. فانتقل الملك سنة 1526م، إلى غرناطة، لمتابعة الموضوع، وندب محكمة كبرى برئاسة “المفتش العام” لترى فيما إذا كان تنصير المسلمين قسرًا، صحيحًا وملزمًا، أم لا. فقررت المحكمة أن لا مطعن في تنصيرهم. فأصدر الملك قرارًا بمنع خروجهم من أسبانيا،وضرورة تنصير أبنائهم، وقضى بالإعدام على كل من تنكر للنصرانية. وقرر القانون منع التخاطب بالعربية وكتابتها، وأجبر المورسكيين على تعلم الأسبانية، وأمر بهدم الحمامات، وبأن تبقى بيوت المروسكيين مفتوحةً على الدوام، ليرى الجميع ماذا يجري فيها، الخ.. فالتمس المورسكيون من الملك مرةً ثانيةً الرأفة، ودفعوا له من أجل ذلك ثمانين ألف دوقة ذهبية(3). فوافق على تأجيل تنفيذ هذه الإجراءات لمدة أربعين سنةً، مقابل دفع ضريبة سنوية. وهكذا وصل المورسكيون مع كارلوس الخامس إلى توازن؛ لكن محاكم التفتيش واصلت تعسفها، خاصةً في سنة 1529م.
وخلف كارلوس الخامس بعد موته سنة 1555م، ابنه فليبي الثاني الذي كان متعصبًا، ضعيف الشخصية أمام الرهبان. ففي سنة 1560م، منع المورسكيين من اقتناء العبيد.. وفي سنة 1563م، منعهم من جديد من امتلاك الأسلحة. وفي سنة 1564م، ألغى حصانة الذين يقيمون منهم في أراضي النبلاء. وفي سنة 1566م، بعد مضي أربعين سنةً على الاتفاق مع كارلوس الخامس، قرر تطبيق قراره بكل صرامة، وفرض على المخالفين أقصى العقوبات من السجن، والنفي، والتعذيب، والمصادرة، والإعدام حرقًا. فأذيع هذا القانون الغاشم في جميع أنحاء مملكة غرناطة في 1/1/1567م. وتولى إذاعته موكب من قضاة “محاكم التفتيش”، تتبعهم الطبول والزمور. وبدأت الحكومة في تطبيق هذا القانون بكل صرامة، فهدمت الحمامات، وملئت السجون، وتناثرت جثث المسلمين في شوارع غرناطة وقراها. ولم تفد المورسكيين أية شفاعة. فأخذوا يفكرون في الثورة المسلحة من جديد .
أما البرتغال، فتوسعت على حساب الأراضي الإسلامية في الأندلس، من إمارة صغيرة تأسست شمال غرب البلاد. فاحتلت براغة سنة 1040م، ثم قلمرية سنة 1064م حيث نقلت عاصمتها. ثم احتلت الأشبونة سنة 1093م قنقلت إليها العاصمة، ثم يابورة سنة 1166م، وقصر بني دانس سنة 1217م، وشلب، وجميع غربي الأندلس سنة 1249م. وبهذا استقرت حدود البرتغال على ماهي عليه اليوم. وعند احتلال الأراضي الإسلامية، صادر البرتغاليون كل أراضي المسلمين وأملاكهم، فهاجر عدد كبير منهم، واستقر بعضهم الآخر في بلادهم كمدجنين. فلما أعلنت أسبانيا أمرها بتنصير المسلمين سنة 1499م، تبعتها البرتغال سنة 1502م. فهاجر عدد منهم إلى شمال المغرب، وبقي بعضهم الآخر كمسلمين سرًا في البلاد، ثم هاجر عدد كبير آخر سنة 1540م إلى المغرب. وبقي الباقون تحت نفس المصير الذي أصاب إخوانهم داخل الدولة الأسبانية.
ودخل عدد كبير من المسلمين تحت حكم قشتالة كمدجنين بعد سقوط طليطلة سنة 1085م، ثم مرسية، وقرطبة، وإشبيلية، في القرن الثالث عشر الميلادي، فوقع الملك الفونسو الرابع سنة 1258م، قانونًا فرض فيه قيودًا على المسلمين في كل المجالات، وشجع التنصير بينهم دون إرغامهم عليه. فثار المسلمون سنة 1261م، من شريش غرباً، إلى مرسية شرقاً. فقضى القشتاليون بمساعدة الأراضغونيين على الثورة سنة 1266م. وفرقوا في مرسية بين السكان المسلمين والنصارى، حيث ظلّ حي الرشاقة الإسلامي تحت حكم وجهاء بني هود إلى سنة 1308م .
وتوالت القرارات التعسفية ضد المسلمين في قشتالة في سنة 1348م و 1368م، و1371م، منها إجبار المسلمين على وضع شارات مميزة في ثيابهم، ومنعهم من الوظائف النبيلة، ومعاقبة المخالف بالمصادرة والسجن والتعذيب. وفي سنة 1387م، فرقوا في المسكن بين المسلمين والنصارى، وأجبروا المسلمين على الركوع للصليب. وجدد القرار سنة 1388م.وفي سنة 1408م، منعوا المسلمين من الأكل مع النصارى، وعاقبوا المخالفين، وقرروا إجراءات أخرى متشددةً للتفريق بين الفئتين في كل المعاملات. وفي سنة 1422م، أُصدر أمر بالإعدام على من يمنع مسلمًا من اعتناق النصرانية، تبعته قرارات مالية مجحفة بالمسلمين سنة 1435م، و 1438م. وأصدرت الملكة إيسابيلا سنة 1476م مرسومًا تلغي فيه ما تبقى من المحاكم الشرعية، وتحدد ملبس المسلمين.وفي سنة 1480م، أصدرت مرسومًا أكدت فيه استرقاق المسلمين القادمين من غرناطة، وفرقت بين سكن المسلمين والنصارى.
وفي سنة 1502م، قرر الملكان الكاثوليكيان قتل المسلمين الرافضين التنصير في قشتالة، أو طردهم خارج البلاد. كما أصدر أمرًا بمنع مسلمي “قشتالة” من الاتصال بمسلمي مملكة “غرناطة”. ثم أصدرا أمرًا في نفس السنة، بتنصير جميع مسلمي قشتالة، وليون، وإخراج من يرفض التنصير. وفي سنة 1515م، أصدر الملك مرسومًا يحرم فيه على المتنصرين حديثاً، في أية جهة من مملكة قتشالة، أن يخترقوا أراضي مملكة غرناطة، أو يتصلوا بأهلها، وعقوبة المخالف الموت والمصادرة.
وقع أول المسلمين في يد النصارى بمملكة أراغون، عند سقوط برشلونة ومنطقتها، سنة 960م. ثم تكاثروا بعد سقوط سرقسطة سنة 1118م، وميورقة سنة 1220م، ويابسة سنة 1235م، وبلنسية سنة 1238م، ومنورقة بالجزر الشرقية سنة 1286م. ضمنت معاهدة استسلام بلنسية، صيانة المسلمين، وأموالهم، وعقيدتهم، ولغتهم العربية، والشريعة الإسلامية. ولكن ملك أراغون غدر بكل عهوده فور امتلاك المدينة. فصادر مساجدهم، وحولهم إلى شبه ارقاء بعد جمعهم في أحياء خاصة بهم. وفي سنة 1238م، شرع الملك في قوانين مجحفة. فثار المسلمون سنة 1254م، واستولوا على عدد من الحصون بين شاطبة، ودانية، ولقنت. ولم يستطع الملك من القضاء عليهم إلا سنة 1257م، بمساعدة أوروبا كلها، بأمر من البابا. ثم تتالت القوانين المجحفة الظالمة سنة 1268م. فثار المسلمون مرةً ثانيةً عام 1276م، وحرروا أربعين حصنًا وتمركزوا في شاطبة، ودامت الثورة إلى سنة 1277م.
ثم تتابعت القوانين الظالمة: سنة 1283م، تمنع المسلمين من الوظائف النبيلة.. وسنة 1301م، تنزيل بعض الضمانات القانونية التي أعطيت لهم من قبل.. وسنة 1328م، تجعلهم تحت رحمة الإقطاعي النصراني، وكأنهم عبيد له.. وسنة 1342م، و 1370م، تمنعهم من الهجرة إلى غرناطة والمغرب.. وسنة 1371م و 1389م و 1403م تمنعهم من فداء الأسرى المسلمين، وتعاقب المخالفين بالاسترقاء. وفي سنة 1418م، صدر قانون يحدد تحرك المسلمين في المملكة، ويجعل أحياء المسلمين تحت إشراف مراقب نصراني، ويمنع الآذان تحت طائلة الإعدام. وفي سنة 1428م، صدر قانون يجعل القضاء بين المسلمين بين يدي الإقطاعي النصراني، وكذلك التحكم في تحركاتهم .
وبعد سقوط غرناطة، ساءت حالتهم، ولكن الساطة الإقطاعيون عارضوا في إجبارهم على التنصير خوفًا على مصالحهم الزراعية؛ ولكن منذ سنة 1512م، ابتدأت جماعات من النصارى المتعصبين، تغير على القرى الإسلامية، وتقتل، وتحرق، وتسبي، دون رادع، ونصروا قهرًا عدداً كبيرًا من المسلمين. وفي سنة 1525م، قررت الدولة والكنيسة في أراغون، أن الذين أجبروا على التنصير، هم نصارى وجب عليهم أن يعيشوا كذلك، وإلا وجب على “محاكم التفتيش” أن تعاملهم معاملة المرتدين. ثم قرر الملك إجبار جميع المسلمين على التنصير. وبعد أن استرجع المسلمون الملك عن هذا القرار، وافق منحهم مهلة عشر سنين مقابل غرامة قدرها أربعون ألف دوقة ذهبية، وخفف عليهم إبانها شروط التنصير.
لكن اليأس دخل نفوس المسلمين، فثاروا في منطقتي سرقسطة، وبلنسية، إلى ضفاف نهر شقر. فنظمت الدولة الأراغونية جيشًا من المتطوعين النصارى من كل أوروبا لمحاربة المسلمين، وتكوّن جيش ضخم بقيادة الملك كارلوس الخامس نفسه، فقضى على الثورة أواخر سنة 1562م، فقتل الجم الغفير من المسلمين، واسترق عددًا كبيرًا منهم، وأجبر الباقين على التنصير، كما فرّ عدد من المجاهدين إلى الجزائر والمغرب. فتابع الباقون في البلاد حياتهم المزدوجة بين الإسلام في السر، والنصرانية في العلانية.
وعملت الدولة الأسبانية بشطريها، أراغون وقشتالة، على قطع الصلة بين المسلمين في المناطق المختلفة، خاصةً بين مسلمي مملكة بلنسية ومملكة غرناطة. ففي سنة 1541م، حرمت على مسلمي غرناطة النزوح إلى بلنسية، وحرمت الهجرة من بلنسية إلا بترخيص ملكي مقابل غرامة باهظة.
* * *
الهوامش:
- مجهول “نبذة العصر في أخبار ملوك بني نصر”، طبع بالعرائش سنة 1940م، بتحقيق ألفريد البستاني.
- A.C. Lea “history of the Inquisition in Spain” 4 volumes, New York (USA), 1906-7.
- J. Caro Baroja “Ls Moriscos del Reino de Granada” Madrid, 1976.
* * *
* *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، محرم – صفر 1431 هـ = ديسمبر 2009 م ، يناير – فبراير 2010م ، العدد : 1-2 ، السنة : 34