دراسات إسلامية
بقلم : د . محمد سيد محمد
عندما شكّلت “اليونسكو” عام 1977م لجنةً عالميةً لدراسة مشاكل الإعلام المعاصر، طبعت اللجنة تقريرها في كتاب عام 1980م، اتخذت له عنوانًا: “أصوات عدّة وعالم واحد”. وهو انعكاس لظروف التشابك والتعقيد التي يعيشها الإعلام المعاصر.
والإحصاءات الدولية عن الإعلام في العالم تبين لنا – في تطورها السريع – كيف أصبح الإعلام في كرتنا الأرضية كالجهاز العصبي الذي يشدّ أجزاء الجسم برباط واحد. ومن ثمّ سمّيت الكرة الأرضية في لغة الإعلام بالقرية الإعلامية. وفيما بين عامي 1950 و 1975م أصبحت النسب المئوية للزيادة في وسائل الإعلام على النحو التالي:
- الصحافــة (عــدد النسخ من الجـــرائد اليوميــة): + 77٪ .
- الراديو (عدد أجهزة الاستقبال) : + 417٪.
- التليفــزيـون (عدد أجهزة الاستقبال) : +3235٪ .
- الكتب (عدد عناوين الكتب الصادرة سنويًا): + 111٪.
إن السؤال الذي يتبادر إلى ذهن مُتَلَقي الإعلام المسلم، أقصد القارئ أو المستمع أو المشاهد العادي هو: أين يقع الإعلام الإسلامي على الخريطة العالمية للإعلام؟
قبل الإجابة عن هذا السؤال، لابد أن نحدّد مفهوم الإعلام الإسلامي. والمجال لا يتّسع لتفاصيل البحث النظري حول معنى الاتصال، ومعنى الإعلام، وحول مستويات الإعلام المختلفة، من ذاتي، إلى شخصي مباشر، إلى جماهيري بالوسائل التكنولوجية الحديثة، مثل الراديو والتلفزيون وما شابه ذلك. وإنما نسعى إلى تحديد مفهوم الإعلام الإسلامي من الواقع المعاصر للمسلمين. وهنا لابد أن تُفَرِّق بين أصل الموضوع (موضوع الإعلام الإسلامي) في جوهره وحقيقته من جانب، وبين صورته التي هو عليها من جانب آخر؛ ذلك أن المجتمع الإسلامي الذي يطبق الشريعة الإسلامية، مجتمع شمولي من حيث العقيدة، ومتكامل من حيث التنظيم. والإعلام فيه لابد وأن يعكس شمول العقيدة وتكامل البناء الاجتماعي. ومن ثم فإن كل شيء فيه إسلامي، بدءًا من المرح والمزاح والتسلية حتى مواجهة الموت والكوارث. والإعلام في هذه الحالة إسلامي في صدق أخباره، وإسلامي في تعليمه، وإسلامي في شرح الأخبار وتفسيرها، وهكذا.. أما المجتمع الذي يطبق من الشريعة شيئًا ويترك أشياء، أو يتحايل في تطبيقها بالمخالفة، أو المنع، أو الالتفاف، وهو بالرغم من ذلك يُسمّىٰ نفسه مجتمعًا إسلاميًا، أو هو بحكم تعداد السكان المسلمين فيه يُسمّىٰ بالمجتمع الإسلامي؛ فإن الإعلام فيه بصفة عامة يمثل شيئًا مختلفًا مما شاع في إعلام الدول الغربية الرأسمالية المتقدمة، أو الدول الشرقية الشيوعية، أو خليطاً منهما، بالإضافة إلى محاولاته التوليفية والإبداعية أحيانًا. ومن هذا الخليط الإعلامي نجد جانبًا يسمّى الإعلام الديني، أو البرامج الدينية، أو برامج القيم الروحية والدينية، أو ما شابه ذلك من التسميات التي تحتم علينا أن نضع الإعلام الإسلامي في مثل تلك المجتمعات ضمن الإعلام المتخصص وليس الإعلام العام .
بهذا الإطار نجد الإعلام الديني المعاصر يتركز فيما يلي:
1 – المساجد .
2 – الصفحات الدينية في بعض الجرائد اليومية، والأبواب الثابتة فيها، وكذلك في بعض المجلات .
3 – المجلات الأسبوعية الإسلامية المتخصصة.
4 – الكتب والكتيبات .
5 – البرامج الدينية في الراديو .
6 – البرامج الدينية في التلفزيون .
7 – إذاعات القرآن الكريم .
8 – المواد الإعلامية التي تعكس صورًا من الثقافة الإسلامية مثل المسلسلات وبعض البرامج الثقافية .
9 – الإذاعات الحية للمناسبات الدينية .
10 – المواد الإعلامية لشهر رمضان وللأعياد والمواسم، وقرآن الافتتاح والختام في الراديو والتلفزيون .
11 – الأفلام الروائية مثل: الرسالة، والقادسية، وعرم المختار، والأفلام التسجيلية عن الآثار الإسلامية أو المناسك وخاصةً الحج.
وعندما نتجاوز المستوى النظري للإعلام إلى واقع الإعلام الديني المعاصر في البلدان الإسلامية، فإننا نجد أنفسنا أمام ما يسمّىٰ بمشكلة الإعلام الديني. وأول ملامح المشكلة هو الضعف، سواء من حيث الشكل أو من حيث المضمون، برغم الاستثناءات التي نجدها هنا أو هناك؛ هذا الضعف الذي نجده على المستوى المحلي، أي الوطني، ثم على المستوى العالمي أي الدولي، هو انعكاس لظروف التخلف التي تعيشها المجتمعات الإسلامية في واقعها الإقليمي باعتبارها كيانات متفرقة، وما تعيشه الحركة الإسلامية في جملتها من عدم التنسيق أو التعاون أو التكاتف أو الفاعلية، وهذا هو التحدي الحضاري المعاصر، وهذا هو العمل الرائح الذي تؤديه الصحوة الإسلامية المعاصرة في محاولة إيقاظ المجتمعات الإسلامية حتى تنتقل من التخلف إلى التقدم .
ويعكس الواقع المتخلف للمجتمعات الإسلامية المعاصرة صورته في مرآة الإعلام. وهذا الواقع المتخلف هو ذاته واقع الإعلام. إن الإعلام يستطيع أن يؤدي دورًا فعالاً في التقدم؛ ولكن ذلك جزء من صحوة الناس وتقبّلهم – أي استعدادهم – لأن ينفضوا عن أنفسهم وأرواحهم وعقولهم رمال التخلف. ومن ثم يواجه الإعلام الإسلامي العام هموم العالم الثالث برمّتها، ويواجه الإعلام الديني المتخصص هذه الهموم بالإضافة إلى همومه الخاصة.
ولسنا بصدد حصر مشاكل الإعلام في العالم الثالث في مستواه المحلي؛ وإنما نأخذ مشكلة التخطيط باعتبارها قاسمًا مشتركاً لمشكلات الإعلام الإسلامي المحلي المعاصرة. ولنضرب مثلاً من واقع الصحافة الإسلامية: إن السؤال المطروح على مجلة متخصصة أو على الباب الديني في مجلة عامة أو على صفحة الدين في جريدة يومية هو: ما هي الأهداف الرئيسة؟ وما هي خطة العمل؟
ولاشك أن الإجابة عن السؤال لابد وأن تختلف من بلد إلى آخر. فإذا كانت في “مصر” مثلاً فإنها تضع تطبيق الشريعة الإسلامية رأس أهدافها، وإذا كانت في الهند فإنّها تطالب بالحريات الدينية، وإذا كانت في الفلبين فمطلبها منع اضطهاد المسلمين، وتلك أمثلة لاختلاف عناصر الخطة الإعلامية والتخطيط الإعلامي من بلد إلى آخر، وفق ما قطعه البلد من شوط في تطبيق الشريعة الإسلامية وفي التقدم الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، ووفق الظروف الموضوعية المحيطة به داخليًا وخارجيًا.. وبالرغم من ذلك، فإن قواعد التخطيط الإعلامي مشتركة .
كيف يكون التخطيط الإعلامي لوسائل الإعلام الإسلامية؟ ومن الذي يقوم بذلك؟ ومتى؟
إن هذه كلها مهمّة المؤسسات الإعلامية من صحف، وإذاعات، ودور نشر، ومهمة المنظمات الإعلامية من اتحادات ونقابات، ومهمة مراكز البحث العلمي والجامعات، وعلى مستوى القائم بالإعلام. نضرب مثلاً في صيغة سؤال: كم خطيب مسجد في البلدان الإسلامية أمسك بالمفكرة السنوية أي “الأجندة” في أول العام وقلب صفحاتها ليضع خطةً لعمله طوال العام؟ وأجاب لنفسه عن عدة أسئلة مثل: ما هي خطب الجمعة في موضوعات المناسبات؟ وكيف يتناول الموضوعات العامة؟ ثم كيف يترك فرصة للأحداث التي تستجد ليتناولها في حينها إن كانت تستحق التناول؟ هذا التخطيط الذي يمكن لخطيب المسجد أن يقوم به على المحور الزمني، يقابله تخطيط على المحور الكيفي، ونسوق له مثلاً في المراجع والصحف والإذاعات والندوات التي يتزود منها لعمله. إن التخطيط الإعلامي الإسلامي لابد أن يكون سمةً لهذا الإعلام وطريقة تفكير العاملين في حقله، وإن التخطيط الإعلامي الإسلامي ينبغي أن يكون على عدة مستويات: مستوى الوسيلة، جريدةً كانت أو مجلةً أو كتابًا أو إذاعةً أو مسجدًا، والمستوى الجغرافي، والمستوى المحلي أو القومي أو العالمي، ثم التخطيط على المستوى البشري في مجال إعداد الإعلاميين وتدريبهم، ثم التخطيط للقضايا، ثم التخطيط على المدى القصير والتخطيط طويل المدى، وهكذا تتعدد مستويات التخطيط في الإعلام الإسلامي .
وعندما ننتقل من مشكلة الإعلام الإسلامي محليًا إلى مشكلات الإعلام الإسلامي عالميًا، فإن قضية انتماء هذا الإعلام إلى العالم الثالث أول ما يواجهنا. ومن ثم تصبح مشاكل الإعلام في العالم الثالث في المستوى الدولي، هي مشاكل الإعلام الإسلامي. يضاف إلى ذلك الصراع الحضاري في عالمنا المعاصر. وهنا يلح سؤال جدير بالعناية هو: ماذا يواجه الإعلام الإسلامي على الساحة الدولية؟
إن الإعلام الإسلامي يواجه ما يلي:
أولاً: الإعلام الإمبريالي الاستعماري والصهيوني وهو العدو التقليدي للإعلام الإسلامي، وهو الأشد تأثيرًا ونفوذًا بحكم الاستعمار الثقافي.
ثانياً: الإعلام الشيوعي بسبب الخلاف العقيدي الشديد الوضوح .
ثالثاً : الإعلام الوثني أو المختل عقيدياً مثل البوذي والهندوكي وغير ذلك.
رابعًا: إعلام حركات التحريف والتشويه وبثّ الفرقة من داخل المعسكر الإسلامي ..
هذا ما يواجهه الإعلام الإسلامي على الساحة الدولية، إلى جانب ظروف التخلف والتقهقر الحضاري.
ولقد قامت عدة منظمات إسلامية تشتغل بالإعلام، فما هي أهم مشاكلها؟ وكيف تواجه التحدي الحضاري المعاصر؟ يمكن حصر أهم مشاكل منظمات الإعلام الإسلامي فيما يلي:
أولاً: عدم التنسيق فيما بينها، وغيبة الخطة الشاملة والخطط التفصيلية في مختلف المجالات وبمختلف الوسائل. وأعتقد أنه يمكن حلّ هذه المشكلة بإنشاء مركز عالمي للإعلام الإسلامي تكون مهمته الربط والتنسيق والتبادل بين منظمات الإعلام الإسلامي المختلفة .
ثانيًا: عدم التمويل، وهذه الظاهرة تمثل كارثةً في الوعي، فكثيرًا ما توصي المؤتمرات بلزوم أداء الحكومات لأنصبتها في المنظمات دون جدوي .
ثالثاً: ضرورة الاستفادة من المهاجرين المسلمين وإفادتهم في هذا المجال.
رابعًا: ضرورة البعد عن الأغراض السياسية للحكومات وأهوائها، وأن تكون مواقع الإعلامي في المستوى الدولي، يتم الاختيار لها بعيدًا عن الخلافات السياسية والمذهبية وبعيدًا عن الأهواء والنعرات القبلية .
خامسًا: ضرورة إعداد “كوادر” أي “إطارات” بشرية بصفة مستمرة . وهذا بطبيعة الحال من أوليات العمل الإعلامي على النطاق الدولي، ولاشك أن العالم الإسلامي يمتلك من الخبرات والقدرات ما يكفي لذلك ؛ إذا أحسن الاختيار،ووضعت الشروط الموضوعية له. ولكن لابد أن يكون إعداد “الكوادر” أو “الإطارات” بصفة مستمرة. إنني أتصور مثلاً أن يقوم المركز الدولي للإعلام الإسلامي – إذا قدر له الإنشاء – بإجراء مسابقات في كل عام بين المائة الأوائل في الشهادة الثانوية في كل بلدان العالم الإسلامي، ثم يتولى تعليم الفائزين منهم لإعدادهم في مجالات الإعلام الإسلامي. وأن يُمضي بعضهم عشر سنوات أو عشرين عامًا في تعلم لغة وفهمها، ثم يتولّى فريق منهم بعد ذلك ترجمةً جديدةً لمعاني القرآن الكريم بلغات العالم كلها. هذا مجرد مثل بسيط نحتاج إلى عشرات غيره.
ويرتبط بإعداد “الكوادر” أو “الإطارات” البشرية إنشاء بنوك المعلومات، ومراكز البحوث والدراسات، وما شابه ذلك من معطيات الحضارة الحديثة؛ حتى يستطيع الإعلام الإسلامي أن يواجه التحدي ويواكب العصر.
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، محرم – صفر 1431 هـ = ديسمبر 2009 م ، يناير – فبراير 2010م ، العدد : 1-2 ، السنة : 34