كلمة المحرر
في مشارق الأرض ومغاربها تابع المسلمون مشاهدَ خروج قوات الاحتلال الأمريكية المقاتلة من المدن العراقية، كما تابعوا مشاهد احتفال العراقيين بهذه المناسبة وطربهم ورقصهم فرحًا وسرورًا، رغم أنّ ذلك لم يكن إلاّ مجرد مسرحيّة وعمليةَ تغبية للعراقيين، وبالتالي المسلمين في العالم، الذين يعتبرون هذه الإجراءات الأمريكيّة مجرّدَ إعادة انتشار لقوات الاحتلال الأمريكيّة، ويعتقدون حقًّا وبشكل جازم أن استقلال العراق إنما يتحقّق بخروج آخر جندي من جنود الاحتلال الأمريكي من العراق.
ورغم ذلك عند ما رقص العراقيون بكل طوائفهم يوم الثلاثاء: 6/7/1430هـ الموافق 30/يونيو 2009م طربًا بخروج جنود الاحتلال الأمريكيّة من مدن العراق، وتابع أبناء الأمة المسلمة رؤية هذا المشهد عبر قنوات التلفاز ومواقع الإنترنت، تذكّروا طبيعيّا المشهدَ الصناعي الذي تعمّدت أمريكا إنتاجَه: مشهدَ توجيه بعض العراقيين أحذيتَهم إلى تماثيل الرئيس العراقي صدام حسين وجرِّهم لها مشدودةً بالحِبَال والسلاسل. وقد عرضت أمريكا هذا المشهد عبر وسائل الإعلام العالميّة أمام أعين العالم كرمز على فرحة العراقيين الغامرة بإسقاط جنود الاحتلال الأمريكية لحكومة صدام حسين واحتلالها للعراق، وتدميرها الشامل إيّاه.
وعندئذ كنتُ قد كتبتُ في صفحات هذه المجلة ما يؤكّد أن هذا المشهدَ غير حقيقي، وأن هؤلاء عراقيون مرتزقة مخدوعون، يُبْدُون سرورهم بالاحتلال، وسرعانَ ما ينقلبون محزونين للغاية على الاحتلال الأجنبيّ لبلادهم وتدمير القوات الأمريكيّة لها، وسيبكون دماءً لادموعًا على هذه النكبة التاريخية التي يستبشرون بها اليوم في غباء. وقلتُ: إن ذلك لن يكون عواطف وانطباعات جميع العراقيين أو عامتهم، وإنّما هم مجموعة مرتزقة تفعل ما تفعل في بلاهة وستندم عليها عاجلاً.
عندما قذف الشاب الصحفي العراقي “منتظر الزيدي” يوم الأحد: 14/12/2008م = 15/12/1429هـ بحذائيه رأسَ بوش الابن على أرض العراق، خلال المؤتمر الصحفي، كان ذلك ذا مغزى كبير حقًّا، وفي الوقت نفسه كان ردًّا كافيًا و وافيًا؛ بل كيلاً منه الصاعَ صاعين نحو كل المشاهد التي عرضتها أمريكا عبر العالم عن فرحة العراقيين باحتلالها للعراق.
وعندما رقص العراقيون فرحًا بمجرد خروج جنودها المحتلة للعراق من المدن العراقية، واحتفلوا بذلك عبر مسيرات ومواكب وحفلات شعبيّة كبيرة، كان ذلك دليلاً آخر قويًّا على أن مشهد فرحتهم باحتلال العراق كان غير حقيقيّ، وكان مفروضًا عليهم، ومثَّل المرحيَّه عن ذلك بعضُ من تمّ استغباؤهم واستئجارهم لذلك من قبل بوش الابن الداهية .
خلالَ السنوات الست ذاق العراقيون ويلات لا توصف؛ فقد دُمِّرت بلاد العراق عن آخرها، وسقط من العراقيين مئات آلاف من القتلى والجرحى من جميع أطيافهم، وضُيِّعت ثرواتهم، ونُهِبت مقومات حياتهم، وسُرِقت ثرواتهم التاريخيّة عن تعمد من المحتلّ الخبيث، وتمّ اعتقالُ مئات الآلاف من شرفائهم الأبرياء رجالاً ونساءً، وزُجّ بهم إلى سجون الاحتلال والحكومة العميلة الهشّة الموالية للاحتلال غير القادرة على إدارة شؤون البلاد أو على جلب خير للمواطنين.
وقد كشفت الأيام – ولا تزال تكشف، وستظل تكشف – أنه لم يكن هناك أسلحة دمار شامل، ولم تكن لصدام علاقة بتنظيم القاعدة المزعومة، ولم يكن صدام أسوأ قط من “بوش” بكل ما يمكن إجراؤه من المقاييس. وقد اعترفوا مرارًا أنهم كانوا على خطأ، واعترف “بوش” الابن بدوره أن معلومات مخابراته كانت زائفة؛ ولكنه هو ومن تحالف معه من قادة الغرب لم يعتذروا إلى العراقيين ولا إلى المسلمين .
وعلى العراقيين أن يطالبوا العالم بحصر دقيق لجميع الدمار الذي خلفه الاحتلال على العراق بما فيه القتلى والجرحى والمتضررون والمشردون بآلية الدمار الأمريكية، وينبغي أن يتم تقييم الحصر ماديًّا، وإيجابُه دينًا واجبًا تسديدُه على جميع الدول التي شاركت بوش وأمريكا في العدوان على العراق وعلى أمريكا – طبعا – بصفة خاصّة.
ويجب أن يكون هناك تحرك عالمي لمحاكمة بوش وجميع رجال زمرته وجميع من ساهم من قادة العالم والمسؤولين الأمريكيين في الجرائم الحربيّة والإباديّة التي قام بها جنود الاحتلال في العراق .
ويجب أن يتحد العراقيون طوائف وشرائح، وأن لاتخترق وحدتَهم مؤامرةُ الاحتلال الأمريكي الرامية إلى تمزيق العراق من خلال زرع الخلافات العرقية والمذهبيّة في أبناء العراق. وأن يتمسّكوا – كما ظلّوا – بخيار المقاومة ضدّ الاحتلال؛ لأنها هي التي أرغمت قوات الاحتلال على الخروج من المدن، وهي التي سترغمها بومًا على الخروج من كل العراق. [التحرير]
(تحريرًا في الساعة 5 من مساء يوم الثلاثاء : 27/رجب1430هـ الموافق 21/ يوليو 2009م)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1430 هـ = سبتمبر – أكتوبر 2009 م ، العدد : 10-9 ، السنة : 33