الأدب الإسلامي
بقلم :معالي الدكتور عبد العزيز عبد الله الخويطر / الرياض
وزير الدولة وعضو مجلس الوزراء السعودي
الذكاء نعمة من الله يهبها لمن يشاء من عباده، وهي إضاءة ذهنية تشع على الأشياء؛ فتكشف خفاياها لصاحبها، ويعرف بها خبايا الأمور، وطبائعها، وما يلزمها، وما يتبعها، أو يأتي منها؛ فيكون بذلك على بصيرة بالتصرف الذي يقتضيه الأمر، وتستوجبه المعالجة. فيأتي الفعل حميدًا، بنتيجة حسنة، وتتطابق الأجزاء حتى النهاية ولا تتنافر.
والناس يتفاوتون في نصيبهم من هذه النعمة، وقد تتوفر في أغلب الجوانب، وقد تكون واضحةً قارحةً فقط في بعضها، ثم تزيد بالتغذية، وتنقص بالإِهمال، وقد تختفي فترةً، ثم تظهر فجأةً عند الحاجة الملحة، وكأنها كمين أعد ليظهر في وقت معين، ولدرجة من الحاجة محدودة .
ويأتي خلاف الذكاء الغباء والحمق، وإذا كان صاحب الذكاء يأتي بالمتوقع، والمعقول، وما ألفه الناس، فالغبي على خلافه، يأتي بما لم يعهده الناس، مما هو خلاف العقل والمنطق؛ وتكون المفاجأة لما يقوله، أو يفعله، كاملةً، لأنه لايُعرف من أين أتت ولا كيف أتت، ولا يُدرَى عنها حتى تقع أو تقال.
والغبي الأحمق بهذا مسلوب النعمة في هذا الجانب؛ لأنه يضيع عليه شيء كثير في حياته الطويلة، وما لم يضع فإنه يعاني منه، ويكابد نتيجةً لاعوجاج المسلك الذي يتخذه الأحمق، مجانبًا للطريق السوي، الذي يسلكه الناس، والهدف الواضح المفيد الذي يتجهون إليه ويقصدونه. وإذا كسب من وراء غبائه أو حمقه، فكسبه جاء بالصدفة وغالبًا ما يغلف ذلك دُرفةٌ جاءت، دون أن يقصدها، وملحة لمعت دون أن يكون له فضل في التخطيط لها؛ وقد تكون طرافتها جاءت من أنها مخالفة لما تعارف عليه الناس، واتفقوا على نهجه، وتعودوا على مظهره، وحفروا جادةً واضحةً في الطريق الذي يسلكون إليه، فلا يضلون عنه، ولا يقصر دون غايته فيهم إلا غبي، أبعد في قصور عقله، عن مستوى ذكاء المجموعة، التي يعيش بينها.
والغباء يأتي أحيانًا خلقةً، ويولد الشخص ناقص الذكاء، أو ملتوي الفهم، وقد يكون هذا فيه وراثةً من الأبوين، أو من أحدهما؛ وقد يتولد الغباء من العيش بين أناس مستواهم الفكري متدنٍّ، وثقافتهم محدودة، فتكون شرارة الاحتكاك معهم ضعيفةً، لا توصل التغذية الكافية من المعرفة إلى أذهانهم.
وقد يتعمق الغباء في بيئة، ويزداد حدةً مع الزمن، لانعزال ذلك المجتمع، وانقطاعه عن الاتصال بعالم آخر، فتتقلص المعلومات فيه، وتقتصر على التصرف اليومي، وحدود الحِرَف المعدودة الضرورية. ولو اضطر هذا المجتمع من أجل الحياة، وضرورة البقاء، أن يتصل ببيئة أخرى، لفعل ذلك باقتضاب، وعلى استحياء.
والغبي لا يستفيد منه مجتمعه كثيرًا، لضعف الاعتماد على عقله، الذي يحكم تصرفه، وقد تكون الاستفادة منه في مجال، يدوي، أو جسمي محدود، وقد يحدث هذا تحت مراقبة لصيقة، وعين يقظة، وفي أعمال لاتحتاج دقةً وعنايةً، وحسن تصرف.
والتفاوت في الغباء، هو الذي لفت نظر الأدباء القدامى، والكتاب الذين سجلوا التراث، فدونوا ما شاهدوه من بعض الأغبياء من تصرف أحمق، وأعمال عوجاء. وكان أغلب ما اجتذبهم إلى هذه الفئة من الناس بعض الطرائف التي اتسمت بها أقوالهم، أو أفعالهم، ووجد الكتّاب فيها ما يوجب التدوين، إما للعظة، أو للترفيه والترويح.
وقد وجد الكتّاب في هذا مجالاً للنحل والتلفيق، فزادوا قصصًا من تأليفهم، واختراعهم، وركّبوها على أناس، إفرادًا، أو جمعًا، بل إن بعض المدن لم تخل من تركيب أخبار غباء كاذبة على مدينة أخرى لصقت بها، أملاً في أن تلعب الملحة دورها، في تثبيت التبكيت عليها، والهزء بها. والحرب بين مجتمعات المدن في اللسان تكاد تخرج عن القدرة على الإِحصاء، فالتنافس بين بعض المدن وبعض، أوجد مجالاً للنحل كذبًا وبهتانًا، وقد وجد هذا رواجاً؛ لأن التهمة ترد بمثلها أو أشد منها، والحرب تزيد ولا تنقص. ونحن نرى اليوم هذه الحرب أو بعض آثارها بين مدن حاضرة، وتكون أحيانًا من بين أحاديث المجالس الطريفة.
والغباء مرحلة بين الذكاء والجنون، ويتحدد نوعه بقربه من هذا أو ذاك؛ وقد يتغابى الشخص قصدًا ليكسب من وراء ذلك، فيقبل الناس منه ذلك، حتى لو عرفوا أنه يتصنع؛ لأن مظهر الغباء، صدقًا أو كذبًا، يأتيهم بطرفة، يتمتعون بها في وقتها، ويروونها فيما بعد، وقد تزيد أو تنقص أو تعدل، خاصةً إذا عرفوا أنها منذ أن ولدت وهي مركبة .
وقد تولد عن هذا المختلق فنون عدة أحدها الطرائف (النكت) التي تؤلف في المناسبات، أو الحوادث الطارئة، تقال على ألسنة أناس عرفوا بالغباء، سواء كانوا أشخاصًا معينين، أو جنسًا من الأجناس، أو خلقًا خرافيًا لم يعرف.
وأحيانًا يأتي الغباء والحمق على ألسنة الحيوانات، وتكون طرافته عندما يقرن ذكاؤه بغباء الإِنسان، ويلمح إلى المقارنة التي توجب الابتسامة. وحب أخبار الغباء تجعل المجال واسعًا أمام من يريد أن يعرض فكرةً طرأت له، تمثل الغباء، وما يأتي منه من ملح مسلية .
وقد يتبين الغباء بداهةً، يتبرع به صاحبه دون أن يطلب منه، وقد يأتي جوابًا على سؤال وجه للغبي أو للأحمق؛ فيكون ذلك استثارةً له، واستدراجًا لما عنده، مما عرف به، وتواتر عنه.
وقد يأتي موقف غباء من ذكي، وقد يأتي موقف ذكاء من غبي، فلا يترك الناس الفرصة تفوتهم، يشنعون بهذا، ويشيدون بذلك؛ وهم رصد لما يأتي من الناس، وما يقولون؛ لأن في هذا تغذية لإِنتاجهم، وقد يزيدون على ما يسمعون، ويُجَهِّمون ما لم يكن متجهمًا، ويقلبون المتجهم باسمًا.
وقلة الاعتماد على الغبي تبينها القصة التالية:
“قيل لعبيد الله بن الحسن العنبري:
أتجيز شهادة رجل عفيف تقي أحمق؟
قال: لا، وسأريكم. أدعوا لي أبا مودود، حاجبي فلما جاء قال له:
أخرج حتى تنظر ما الريح؟
فخرج ثم رجع فقال:
شمال يشوبها شيء من الجنوب.
فقال: أتروني مجيزًا شهادة مثل هذا؟”(1).
لم تشفع لأبي مودود هذا عفته ولا تقواه، لأن هذه لها اعتبار يختلف عن اعتبار الشهادة، وشروطها، وما يلزم لها. فلقد عجز أبو مودود عن أن يحدد مجرى الرياح، فكيف يعتمد عليه في شهادة، سوف يتقرر فيها حق لشخص على آخر.
وقاض آخر مر عليه ما يوجب منه رفض أخذ أخبار من جارية لا يعتمد على قولها، لصغر عقلها وحمقها. والقصة كما يلي:
“رد رجل على رجل جارية اشتراها منه؛ فخاصمه إلى إياس بن معاوية فقال له: بم تردها؟
قال له: بالحمق.
فقال لها إياس: أي رجليك أطول؟
فقالت: هذه.
فقال: أتذكرين ليلة ولدت؟
قالت: نعم.
فقال إياس: ردّ، ردّ”(2).
إياس معروف بالذكاء، ويضرب به المثل في ذلك، وقد أدخل الجارية اختبارًا تدرج فيه، من السهل إلى الصعب، ومن سؤال يؤمل أن يكون الحمق قليلاً، إلى سؤال أراد أن يكشف عمق الحمق، بعد أن ثبت وجوده. فلما تبين له أنه متناه في درجته، أدرك الغبن في البيع، فأمره بردها، مؤكدًا على ذلك، وملمحًا إلى شدة قناعته، واستنكاره البيع.
وبعض الأغبياء اشتهر عند العرب حتى صار مضرب المثل؛ فيقولون عن “باقل” أنه كان عييًا، ويضربون به المثل، ويقولون: إنه يتصرف بحمق، ويروون عنه روايات، من أهمها، وهو ما يسوقونه في كتب الأمثال عن غبائه، القصة التالية:
“قال أبو عبيدة:
بلغ من عي (باقل) أنه اشترى ظبيًا بأحد عشر درهمًا، فلقيه شخص، وهو معه، فقال: بكم اشتريته؟
ففتح كفّيه، وفرّق أصابعه، وأخرج لسانه، يشير بذلك إلى أحد عشر. فهرب الظبي من كفه”(3).
فهل كانت كمية الذكاء المتوافرة في ذهنه غير كافية للتفكير في الإِجابة، والمحافظة على الظبي، ولو فكر في الإثنين لنطق بالرد على السؤال، فلم يفته الظبي؟ لعله نسي الظبي كليةً عند السؤال، والتفكير في الرد. المهم أن غفلة (باقل) هذه أدخلته التاريخ، وما أكثر الناس في زمننا الذين يريدون أن تسلط عليهم الأضواء؛ حتى ولو كان في أمر مشين مثل هذا، لأنهم يركضون خلف الشهرة مهما كانت، والعامة تلمز إلى هؤلاء، فتقول: “فلان يحب أن يعرف ولو بإحداث في المسجد”!!
وليس (باقل) وحده الذي يغيب عنه جانب في قوله، أو فعله، فيأتيه اللوم والنقد من هذا الجانب، فهناك رجل مثله، فطن لجانب، ونسي جانبًا آخر، فدخل عليه الخلل متلصصًا من هذه الثغرة، والقصة كمايلي:
“دعا أبو سالم القاص يومًا على المنبر بنصيبين، فقال:
“اللهم امسخهم كلابًا، وامسخنا ذئابًا، حتى نقرض جلودهم”(4).
“القصُّ” وعظ انتشر بين الناس في العصور الإِسلامية الأولى، ودخل فيه أناس لا يليق أن يدخلوا فيه؛ لأنهم جهلة بالدين، ويدخلون فيه ما ليس منه، وقصة الخليفة علي بن أبي طالب رضي الله عنه معروفة؛ عندما مرّ بقاص، لعله سمع منه ما أوجب الريبة فيه، وسأله إن كان يعرف الناسخ والمنسوخ، فلما أخبره أنه لايعرف فيه شيئًا، قال له: هلكت وأهلكت.
هذا والرجل يعتمد على القرآن، وليس من الذين يقتبسون الإِسرائيليات، ويأتون من عندهم بما يظنون أنه يلين القلوب، ويجذب الناس إلى الدين، ويوعدهم الجنة، ويخوفهم من النار؛ فيبتدعون القصص، ويؤلفون الأحداث، ويدعون ادعاءات، جعلت سمعة القصاص عرضةً للتبكيت والهزء، وأصبح ما يؤخذ على واحد منهم يعمم عليهم كلهم.
وأبو سالم هذا يبدو أنه رجل مشهور بمثل هذه الأقوال؛ المنتقدة في قصهِ؛ لأن الرواية عنه، دون التعريف به، توحي بذلك. ورجل يريد أن ينقلب ذئبًا ليخدش جلود الكلاب الذين كانوا رجالاً ونساءً ومسخوا، لابد أن له سوابق، وليست هذه بيضة الديك بينها.
ولعل هؤلاء القصاص وجدوا في وقت من الأوقات أن لهم سوقًا، فهم بصورة خفية يعضدون فريقًا على فريق، وساء كان التعضيد فيما يخص العقيدة، أو الحكم، أو الجنس، والتعصب له.
وقد يأتي الغباء للمرء من حيث أراد الذكاء، فيخطئ الهدف، دون أن يدري، ويكون المدخل عليه اجتهاده، وعلته شدة تحريه، والقصة الآتية فيها شيء من هذا:
“وجه رجل ابنه إلى السوق، ليشتري حبلاً للبئر، ويكون عشرين ذراعًا، فانصرف من نصف الطريق وقال:
يا أبي في عرض كم؟
قال: في عرض مصيبتي فيك”(5).
لا نستطيع أن نقول أن الأب قد وَرَّث ابنه الغباء، أما غيره من العائلة فلا ندري عنه. ولابد أن الحبل كان متينًا معروفًا مما لا يحتاج إلى سؤال، وإلا لو كانت الحبال مختلفةً، فحينئذ يكون الابن على حق في سؤاله، ويكون خطؤه في اختيار الكلمة، ولو قال: ما متانته، أو دقته، لزال اللبس، وارتفع الغباء.
وهناك أمر يقع كثيرًا في كل زمان، وهو اختيار الكلمات المناسبة عند عيادة المريض، والحرص على قول ما يُسرِّي عنه، وانتقاء الكلمات التي تسره، والمعاني التي تطمئنه، وتوحي له بالشفاء، وضرب الأمثال بمن تعرضوا لماتعرض له، وشفوا، ولكن بعض الناس لا يوفق في هذا، فيأتي بما يزيد غم المريض، ويقول ما يزعجه ويرعبه، فيزيده مرضًا على مرضه، بثقل جلسته، وبرود أقواله، والقصة التالية فيها مثل على ذلك:
“عاد رجل رقبةً، فنعى رجالاً اعتلوا مثل علته، فقال له رقبة: إذا دخلت على مريض، فلا تنع إليه الموتى، وإذا خرجت من عندنا فلا تعد إلينا”(6).
والخلل جاء من أن هذا الرجل قال ما لا يجب أن يقال، وترك ما كان يجب عليه أن يختاره. وبمجرد حديثه عمن مات فإن المريض يدرك أنه أجال في ذهنه حالته، وقاس عليها آخرين ماتوا، وأنه يتوقع له الموت مثلهم. والمريض سريع التأويل والتفسير عما يخص مرضه.
وقد أحسن رقبة إلى الرجل، وإلى نفسه، وإلى كل مريض، سوف يزوره هذا الرجل، فقد نصحه النصيحة النافعة، وأراح نفسه منه، ومن أقواله المفزعة، وأسدى معروفًا ضافيًا على المرضى، فلعل عند الرجل من بقية الذكاء ما يجعله يمتنع عن تكرار سخفه.
ويبدو أن ابن الجصاص فيه غفلة وغباء؛ لأن له ردًا عندما عُزِّي بإنسان توفي له، يدل على ذلك:
“قيل لابن الجصّاص، وقد مات له إنسان:
لا تجزع، واصبر، فقال:
نحن قوم لم نتعود الموت”(7).
وقد يأتي الغباء ثقيلاً ليس فقط في عيادة المريض، ولكن في مضايقة السجين؛ والسجين نفسه، مثل المريض، في عناء، فيزيده الغبي عناءً على عنائه، وهناك قصة عن هذا:
“أُدخل مالك بن أسماء سجن الكوفة، فجلس إلى رجل من بني مرة، فاتكأ المري عليه يحدثه، حتى أكثر وغمّه، ثم قال: هل تدري كم قتلنا منكم في الجاهلية؟
قال مالك: أما في الجاهلية فلا، ولكني أعرف من قتلتم منا في الإِسلام.
قال المري: ومن قتلنا منكم في الإِسلام؟
قال: أنا، قد قتلتني غمًا”(8).
إذا صحت هذه الرواية، ولم تكن مما يؤلف على بعض القبائل، من قبيلة أخرى منافسةً، وهو ما يقع كثيرًا، فإنه تلاقى في هذا السجن غبي وذكي. والغبي لم يدرك ثقله على قلب جليسه إلا أنه نُبِّهَ زبرًا على ذلك.
ولعل السبب أن مالكاً أدخل السجن حديثًا، ولم يمل السكوت بعد، ولا البحث عمن يتحدث إليه، ولو حديثًا غبيًا مثل هذا الحديث، والمرّي قد ملّ السكوت، وفرح برجل مثل مالك، خصوصًا إذا علم أن قومه أصحاب يد عليا على أصحاب رفيقه. أو لعل المرّي هو الحديث على السجن، ولم يطق السكوت منذ أن دخل، ومالك من طول البقاء أظلمت نفسه، بعد أن رأى من يدخل، ومن يخرج، وملّ الحديث الذي لا جدوى من ورائه.
ويأتي الغباء متناهيًا عندما يحاول الغبي أن يكون ذكيًا، فيبدي للأذكياء ما يكشف عن غبائه. والقصة قد تحتاج إلى أن تؤخذ بحذر، فقد تكون مختلقة، وتدخل ضمن ما يختلق إشباعًا لعنصرية بين أفراد، أو قبائل، أو مدن:
“قعد قدّام زياد رجل ضائعي – من قرية باليمن، يقال لها “ضياع” – وزياد يبني داره، فقال له:
أيها الأمير، لو كنت عملت باب مشرقها قِبَل مغربها، وباب مغربها من قِبل مشرقها!
فقال: إنى لك هذه الفصاحة؟
قال: إنها ليست من كتاب ولا حساب، ولكنها من “ذكاوة” العقل.
فقال: ويلك! الثاني شر”(9).
لقد أراد هذا المسكين أن يقول شيئًا يقربه من زياد، فجاءه غباؤه بما يبعده، وأراد أن يضيء فأظلم؛ وكانت كل خطوة غشماء يخطوها تغرس رجله في الطين أكثر فأكثر.
ورجل غبي آخر وضع رأسه في المصيدة دون أن يُدعى، وجاء ما جاء منه تبرعًا واختيارًا؛ وليته لم يفعل! لأنه كشف عن غباء بما نطق به، ولكثرة ترادف علامات الغباء عنده، يبدأ الشك يتسرب إلينا في أن القصة مختلقة، وأنه أريد بها التبكيت على هذا الرجل بعينه؛ على أي حال ما قيل، صح أو لم يصح، يدل على غباء، ويمثل بابًا من أبوابه:
“قال أبو حاتم:
سأل رجل أبا عبيدة عن اسم رجل، فقال:
ما أعرف اسمه.
فقال كيسان: أنا أعرف الناس به: هو خِراش أو خِداش، أو رِياش، أو شيء آخر.
فقال أبوعبيدة: ما أحسن ما عرفته؟!
فقال: أي والله، هو قرشي أيضًا.
قال: وما يدريك؟
قال: أو ما ترى احتواءه على الشين من كل جانب”(10).
* * *
الهوامش:
عيون الأخبار: 1/139.
عيون الأخبار: 1/112.
سرح العيون: 378.
البصائر: 3/89.
البصائر: 4/76.
عيون الأخبار: 3/52.
البصائر: 1/15.
البيان والتبيين: 2/181.
البيان والتبيين: 3/240.
البصائر: 3/42.
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دارالعلوم ديوبند ، رمضان – شوال 1430 هـ = سبتمبر – أكتوبر 2009 م ، العدد : 10-9 ، السنة : 33