خواطر شخصية
بقلم : الأستاذ أشرف شعبان أبو أحمد / جمهورية مصر العربية (*)
لماذا دائمًا وأبدًا نختار الحلول السلبية التي لا تكلّفنا جهدًا ولا تضحيةً طريقًا ومنهجاً لحلّ مشاكلنا؟ لماذا لا نتّخذ غيرَ المحادثات والمباحثات، والمجادلات والمناقشات، وجميعَ مسميات الكلام والعبارات الدالة عليه، وسيلةً للتصدّي لمشاكلنا؟ حتى بات لدينا إن أردنا عدم التعرّض لموضوع مّا بصورة جِدّية وإيجابية، ودفنه نهائيًا، ولا نجعل له أي صدى، حوّلناه للمناقشة والمداولة!. ولماذا نكتفي بالكلام، ولا نُحوّله إلى فعل؟ ومتى وكيف سيحدث ذلك؟!. هل سيحرّر كلامُنا فلسطين، ويُعيد الطهارة إلى الأرض التي دنسها الصهاينة؟ هل سيعيد لنا الجولان؟. بغداد عاصمة العلم والثقافة في عصور الأبطال، هل يُخرجها الكلام من الذّل والخراب الذي تعيشه على أيدي أمريكا؟.
ففي صبيحة كلّ يوم يخرج علينا، تقوم إسرائيل بشنّ اعتداء جديد من سلسلة اعتداءاتها المتكرّرة بصورة شبه يومية على الفلسطينيين، تعتدي على شعب أعزل لايملك إلا الأرضَ والتاريخَ، شعب لايملك حتى السلاح للدفاع عن نفسه، لاسيّما أرواح أبنائه التي يجود بها مُنَفِّذو العمليات الاستشهادية فداءً لقدسهم، وقصاصًا لمن سبقوهم من الشهداء، ليثبتوا أن مازال في فلسطين قلوب تنبض بحبّها وغيرتها على الأرض المقدسة، تعتدي عليهم بشنّ عمليات إبادة جَماعية ضد مُنَفِّذي تلك العمليات وأسرهم، ودك ضواحيهم بل ومدنهم بأكملها، في استعراض وحشيّ وهمجيّ لقوتها. وفي كل يوم تنقل وكالات الأنباء العالمية ومحطات الإرسال الفضائية، صور الفلسطينيين الذين يعتقلهم الجيش الإسرائيلي ويلقي بهم في المعتقلات ليعاملهم معاملة لا ترقى إلى مرتبة الحيوانات، ليشهد العالم كله تَطَرُّفَ هذه الدولة وتجاهلها لحقوق الإنسان، وعدوانها الدائم على الفلسطينيين، واعتداءها على أرواحهم وممتلكاتهم وسبل رزقهم، بما لا يُتِيْحُ لأي فلسطيني حقّ العيش في بلدة بأمان. هذا إلى جانب عدوانها المستمرّ على المقدّسات الدينية بوجه عام، والمسجد الأقصى بوجه خاص بعمليات الحفر والتنقيب تحته، مما يسبّب تصدّع أساساته وتساقط بنيانه. إسرائيل التي لا تنتهي أطماعها في اغتصاب الأراضي ومنابع المياه العربية، وها هي تقرب رويدًا من تحقيق حلم مؤسسيها الأوائل بإسرائيل الكبرى، هل جابهناها بغير الكلام منذ أكثر من ثلاثة عقود، باستثناء حرب لبنان، هل تصدّت سوريا لاعتداءات إسرائيل على أراضيها بغير الكلام، هل مدّ الأخوة العرب الفلسطينيين في محنتهم هذه بغير الكلام. فمتى وكيف نستطيع محاسبة إسرائيل وقد أصبحت القرائن في إدانتها لا تَحْمِلُ الشك؟ وهي تفعل ما تفعله في حماية أمريكا وبترحيب وتشجيع منها؟!.
أمريكا صاحبة الديمقراطية، والمدافعة الأولى عن حقوق الإنسان! أمريكا التي تُخطّط وتُنفّذ مخطّطاتها في نهب ثروات بلادنا العربية والإسلامية، أمريكا التي تُزَيِّفُ الحقائق لمصلحتها، ها هي وقد دخلت العراقَ خائفةً على العالم من الأسلحة النووية التي زعمت امتلاك صدام حسين لها، دخلت لكي تُنْقِذَ الشعب العراقي من ديكتاتور ظالم ينهب حقوقه ويغتصب خيراته، دخلت لكي تُخرج العراقيين من الظلم والقهر إلى الحرية والديمقراطية!!! دخلت العراق وهي واهمةٌ أن يُقابلها الشعبُ العراقي بالورود والرياحين، أي شعب هذا الذي يرضى أن يستبدل حاكمه ابنَ البلد واللغة والدين، مهما بلغ طغيانه، بمُسْتَعْمِرٍ يمقت عقيدتَنا ويكره تقاليدنَا ولا يعرف لغتَنا، وليس لديه سوى لغة الدّمار والفتك، وقد سبق له أن رأى تجربتها التي تشهد بوحشيّتها في أفغانستان، فمن أين يأتي بتصديق مزاعمها؟ ولكن ماذا يفعل الشعب المغلوب على أمره؟ ستدخل أمريكا شاء أم أبى، ستدخل؛ لأنها الوحيدة التي تملك حقَّ اتخاذ القرار وحقّ تنفيذه، وأما حلفاؤها وخصومها أيضًا فلا يملكون سوى موافقتها ولا يقدرون إلاّ على ذلك، يُقَدِّمُوْنَ موافقتهم مع ثمنياتهم بالتوفيق، انتظارًا لنصيبهم من غنائمها. وها هي أمريكا قد دخلت العراق ولكن كيف دخلتْ؟ دخلت على جثث وأشلاء الأطفال والنساء والرجال، هؤلاء ممن كانت تدّعي قدومَها لإنقادهم! دخلت بعد تدمير شامل وكامل لأحياء كثيرة من بلاد الرافدين على رؤوس قاطنيها، دخلت وقد ملأت المعتقلات والسجون بالعراقيين نساءً ورجالاً وأطفالاً، دخلت وقد أذاع العالم كلّه فضائح التعذيب التي تَعَرَّضَ لها العراقيون على يد الأمريكان في سجون العراق، ويا له من تعذيب تَقْشَعِرُّ من سماعه الأبدان، وتَشِيْبُ منه الوِلدان، فما بالكم بوقعه على أجساد العراقيين!. ومن قبل ملأ أسماع العالم ما جرى من تعذيب بَشِعٍ جسديّ ومعنويّ على المعتقلين المسلمين في جوانتاموا على أيدي الأمريكان أيضًا. وإذا كان صدام لديه أسلحة دمار شامل على حد إدّعائها، فلماذا لم يستخدمها في الدفاع عن نفسه وإمبراطوريته من الانهيار؟ ولماذا لم يفتك بها من قبل أن تنال منه؟. وأين هو ذلك السلاح، فلماذا لم تعلن أمريكا عن إيجادها إياه وقد احتلّت العراق عن آخره وفَتَّشَتْ كلَّ أرجائه فوق الأرض وتحتها؟. دخلت أمريكا بغداد وسطَ أعين النساء والأطفال وأنصاف الرجال دخلتْها والجميعُ يعرف الأسباب. نالت أمريكا مطامعها في العراق، وبعدها جاء وقت اللغب والتسلية على هؤلاء الحمقى الذين لايملكون سوى العجز أمامها، فها هي تأخذ بنا لكي نشاهد مسرحيّتها الهزلية في محاسبة صدام وأعوانه ممن أساءوا للشعب العراقي، ها هي تأخذ للشعب حقّه من مجرمي الحرب، وأخذ لك منا مقعده ليشاهد المسرحيةَ التي انفردت أمريكا فيها بإخراج مسرحي بارع فاق كلّ التصورات، إخراج تفوقت فيه على أعظم مُخرجي الأفلام العالمية، وظللنا نشاهدها حتى جاءت النهاية التي اختارتْها أمريكا، قدّمت لنا فيها كبشَ الأضحى، في صباح أول أيام عيدالأضحى، رأس صدام هي أضحيتها ذلك العام هدية للمسلمين في عيدهم، استهزاءً بمشاعر المسلمين وشعائرهم الدينية؛ ولكنها أمريكا التي نَصَبَتْ نفسَها مدعيًا للنيابة وقاضيًا وجلادًا، والتي أعطت لنفسها حقَّ الثواب والعقاب، أمريكا التي أعلنتها صراحةً: من لم يدخل في إطار طاعتها وإتباع أوامرها بحسب على أعدائها ويجهّز نفسه لمعركة غير متكافئة، وقد استطاعت أن تقنع العالم بما تريد وبما تفعل، نعم! هذه هي أمريكا التي يتسابق الحكام العرب في نيل شرف موالاتها والتحالف معها.
وأمام هذا الاستفزاز لمشاعر العرب والمسلمين، لم نر أيًّا من الحكام يتخذ موقفًا جادًّا يَرُدُّ به على أفعالها، يظهر قادتنا على شاشات التليفزيون لِيَشْجَبُوا وَيُنَدِّدُوْ، فهل هانت على ولاة أمورنا كرامتنا وعزّتنا لهذه الدّرجة، ولم يصبحوا يملكون سوى الشَّجَبِ والتَنديد في تصريحاتهم التي تسمعها أمريكا وحلفاؤها كنوعٍ من السخرية على أشباه الرجال الذين لايملكون حقّ اتخاذ القرار، وها هم القادة منهم من ارتضى بما يحدث واقتنع به لمصالحَ شخصيةٍ أو على أمل أن يُصِيْبَه جزء من غنيمة أمريكا، ومنهم من كان من نصيبه الجبن والتّخاذل والخوف أن يحل به لعنتها، ومنهم من اختار العمالة وأن ينول شرف موالاتها، فإن لم يكسب فلن يلحقه ضرر، حكام يخونون أنفسهم وثقة شعوبهم.!!! وبين خوف وتخاذل الحكام، وغليان الشعب العربي، يبدأ القهر لإرادة الشعوب والضغط عليها لكتمان صوتها عن العالم، وكأنهم يخافون أن تسمعه أمريكا.
أي عروبة هذه؟ وأي إسلام هذا الذي ندّعيه؟. فالإسلام بريء منّا ومن عبارات اللّوم والعتاب التي تُواري خلفها الحكام ضعفَهم وتخاذلَهم وخوفهم على كرسيّ الحكم الذي ضاق صبرًا بأفعالهم، فالإسلام بريء من تآمر الأخ على دم أخيه، بريءٌ من صمتنا عن الحق، بريءٌ من نفوسنا الضعيفة التي لا تثق في إيمانها ولا تستطيعُ دفع الظلم عن نفسها، فترتضي الذّل والهوان. حقيقة أنّنا لا نملك حقّ الاعتراض على قرارات أمريكا وإسرائيل وما أسموه “الفيتو”؛ لكننا نملك ما هو أقوى من الفيتو نملك وعدًا بنصر الله، إذا أخذنا بأسبابه، نملك إرادة شعوبنا في النيل لكرامتنا وشرفها واسترداد أراضيها والقصاص من أعدائها، نملك شبابًا يتمنّون التضحيةَ بأرواحهم في سبيل الله؛ ولكننا لا نرى كل هذا! ولتعلموا يا سادةَ العالم العربيّ! يا من لا تكلّفون أنفسكم النظر من نوافذ بروجكم العالية، لتروا الحقيقة، التي مهما تجاهلتموها، ستظل شبحًا يطاردكم، إنّ رأس صدام حسين ليست هي آخرالرؤوس التي ترغب أمريكا في استئصالها، وإن بغداد ليست هي أقصى مطامع أمريكا. وإذا ظلّ حالنا هكذا، وباتت لدينا هذه الروح الأنهزامية، وأن يُفَكِّرَ كل منا في شأنه غيرَ مبال بما يحدث لغيره، ولا يملك سوى توجيه اللوم والعتاب الذي لا يرقى إلى أضعف الإيمان، سيكون الدور علينا آت لا محالة. فلماذا نترك أنفسنا نتفرق لنُيَسر على أعدائنا أن ينالوا منّا فرادى؟ لماذا لا نُوَحِّدُ صفوفَنا ونحتمي بكثرتنا؟ وقتها لن تستطيع أمريكا أو إسرائيل أو أية قوة في العالم قهرنا، ويا أبناءَ العالم العربي والإسلامي! متى نتحرّك عن صمتنا ونستردّ من دعاة حماية حقوق الإنسان حقوقَنا التي سلبوها، وإنسانيتنا التي اغتصبوها وثرواتنا التي نهبوها؟. هل ننتظر ميلادًا جديدًا لصلاح الدين الأيوبي أم ننتظر بعثه .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رجب 1429هـ = يوليو 2008م ، العـدد : 7 ، السنـة : 32
(*) 6 شارع محمد مسعود متفرع من شارع أحمد إسماعيل وابور المياه – باب شرق – الإسكندرية ، جمهورية مصر العربية.
الهاتف : 4204166 ، فاكس : 4291451
الجوّال : 0101284614
Email: ashmon59@yahoo.com