عقدت رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة في الفترة ما بين الأربعاء – والجمة: 30/ من جمادى الأولى و 2/من جمادى الثانية 1429هـ الموافق 4/ يونيو و 6/ يونيو 2008م في رحاب البيت العتيق المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار. افتتحه ورعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز. وفيما يلي نسرد تقريرًا عن يوم افتتاحه، و يضم كلمة خادم الحرمين وغيره من كبار العلماء والمسؤولين [التحرير] |
رعى خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود حفظه الله الأربعاء 30/ من جمادى الأولى 1429هـ = 6/يونيو 2008م حفل افتتاح المؤتمر الإسلامي العالمي للحوار الذي نظّمته رابطة العالم الإسلامي واستمرّ ثلاثة أيام وذلك بقصر الصفا في مكة المكرمة.
وكان في استقبال خادم الحرمين الشريفين لدى وصوله مقر الحفل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفصيل بن عبد العزيز أمير منطقة مكة المكرمة .
بعد ذلك صافح خادم الحرمين الشريفين المفتي العام للمملكة ورئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء رئيس المجلس التأسيسي لرابطة العالم الإسلامي الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ وسماحة شيخ الأزهر الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام رئيس مجلس الخبراء في الجمهورية الإسلاميّة الإيرانية الدكتور أكبر هاشمي رافسنجاني ومعالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي.
وبعد أن أخذ خادم الحرمين الشريفين مكانه في منصة الحفل بدئ الحفل الخطابي بالقرآن الكريم.
بعد ذلك ألقى خادم الحرمين الشريفين الكلمة التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين:
أيها الإخوة علماء الإسلام ومفكروه:
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته:
من مهبط الوحي، وأرض الرسالة، أرحب بكم أكرم ترحيب، سائلاً المولى – عز وجل – أن يمدنا بعزم لايلين، وقوة لا وهن معها، وأن يجعلنا ممن قال عنهم ﴿وَلاَ تَسْتَوِي الحَسَنَةُ وَلاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِيْ بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌ حَمِيمٌ﴾.
أيها الإخوة الكرام:
إنكم تجتمعون اليوم لتقولوا للعالم من حولنا، وباعتزاز أكرمنا الله به: إننا صوت عدل، وقيم إنسانية أخلاقية، وإننا صوت تعايش وحوار عاقل وعادل، صوت حكمة وموعظة وجدال بالتي هي أحسن تلبية لقوله تعالى ﴿أدْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ﴾ وإنا – إن شاء الله لفاعلون.
أيها الإخوة الكرام:
ما أعظم قدر هذه الأمة، وما أصعب تحدياتها في زمن تداعى الأعداء من أهل الغلو والتطرف من أبنائها وغيرهم على عدل منهجها.
تداعوا بعدوانية سافرة، استهدفت سماحة الإسلام وعدله وغاياته السامية. ولهذا جاءت دعوة أخيكم لمواجهة تحديات الانغلاق، والجهل، وضيق الأفق؛ ليستوعب العالم مفاهيم وآفاق رسالة الإسلام الخيرة دون عداوة واستعداء ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوْا إنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللهِ أَتَقَاكُمْ﴾.
أيها الإخوة الكرام:
سيبقى الإسلام منيعًا بالله – جل جلاله – ثم بوعي علمائه ومفكريه وأبنائه، فعظمة الإسلام أُسِّست لمفاهيم الحوار، وحديث معالم الطريق له، يتجلى ذلك في قوله تعالى ﴿وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَ نْفَضوا منْ حَوْلِكَ﴾. وقلوبنا – بحمد الله – مليئةً بالإيمان والتسامح والمحبة، التي أمرنا بها الخالق – جل جلاله –.
نعم – أيها الإخوة الكرام – سيكون الطريق للآخر من خلال القيم المشتركة التي دعت إليها الرسالات الألهية، والتي أُنْزِلَت من الرب – عز وجل – فما فيه خير الإنسان والحفاظ على كرامته، وتعزيز قيم الأخلاق، والتعاملات التي لا تستقيم والخداع، تلك القيم التي تنبذ الخيانة، وتنفر من الجريمة، وتحارب الإرهاب، وتحتقر الكذب، وتؤسس لمكارم الأخلاق والصدق والأمانة والعدل، وتعزز مفاهيم وقيم الأسرة وتماسكها وأخلاقياتها التي جار عليها هذا العصر وتفككت روابطها، وابتعد الإنسان فيه عن ربه وتعاليم دينه.
أيها الإخوة الكرام:
من جوار بيت الله الحرام بدأنا، ومنه – بإذن الله – سننطلق فيه حوارنا مع الآخر بثقة نتسمدها من إيماننا بالله ثم بعلم ناخذه من سماحة ديننا، وسنجادل بالتي هي أحسن، فيما اتفقنا عليه أنزلناه مكانه الكريم في نفوسنا، وما أختلفنا حوله نحيله إلى قوله سبحانه تعالى ﴿لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِين﴾.
وقبل أن أختم كلمتي هذه يسرني أن أشكر رابطة العالم الإسلامي والإخوة العاملين فيها، ولكل من ساهم في نجاح المؤتمر.
هذا وباسم الله بدأنا، وعليه توكلنا.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
بعد ذلك ألقى سماحة مفتي عام المملكة رئيس هيئة كبار العلماء وإدارة البحوث العلمية والإفتاء الشيخ عبد العزيز بن عبد الله آل الشيخ كلمة أكد فيها أن مما يسر المسلم اجتماع فئة من إخوتنا في الله تربطهم رابطة الدين والعقيدة تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود وفقه الله.. هذا الاجتماع أهميته تدارس هؤلاء النخبة من علماء المسلمين ومفكريهم من أقطار العالم الإسلامي وغيره ليجتمعوا لتفاهم حول موضوع يهم حياتهم ألا وهو الحوار داعياً الله أن يجعل في هذا اللقاء المبارك سببًا لارتباط القلوب واجتماع الكلمة ووحدة الصف وثبات المواقف فيما يعود على الأمة بالخير في دينها ودنياها.
وقال سماحته: (إن الحوار بين البشر من ضروريات الحياة هو وسيلة للتعارف والتعايش وتبادل المصالح بين الأمة وإنّ الخلافَ بين الناس أمر موجود في طبائعهم وأخلاقهم وهم متفاوتون في ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم وعقولهم سنةٌ كونية وإن اختلاف الناس في آرائهم ومعتقداتهم قضية أقرها القرآن).
وبين أن الله تعالى بعث محمد صلى الله عليه وسلم برسالة كافة لجميع الخلق وختم به الرسالات، عقيدتُه وشريعته الدعوة إلى إخلاص الدين لله وتوحيد الله في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته هي عقيدة جميع المرسلين قبلهم.
وأكد أن أصول شرائع الأنبياء واحدة أوحى الله بها إليهم، ودعا سابقهم لاحقهم إليها، والأنبياء دينهم واحد.
وأوضح أن أهمية الحوار في الإسلام تنبع من خلال تقييم الإسلام لهذا الحوار ودعوته إليه للنهوض بالشعوب والأمم ولاسيما في الدعوة إلى الله وإن الحوار طبيعة البشر.
وقال: (من هنا انطلق محمد صلى الله عليه وسلم في حواره مع قومه في دعوته إلى الله وإخلاص الدين لله ونبذ الشرك بجميع صوره وربنا جل وعلا أخبرنا عن حوار الرسل مع أممهم منذ نوح وإبراهيم وهود وصالح وشعيب وموسى عليهم السلام .. أخبر ربنا عن هذا الحوار بين الرسل وأممهم، ولقد سخر الأنبياء والرسل هذا الحوار للدعوة إلى توحيد الله والدعوة إلى أمهات الأخلاق وفضائل الأعمال والنهي عن أمهات الرذائل والخطايا).
وأضاف يقول: (أمة الإسلام نحن في قرن قوي فيه الاتصال، مما أدى إلى ضرورة التحاور والتواصل بين البشر فهو الأصل التلاقي والتدافع الفكري فيجب على عالمنا الإسلامي أن يستقبله بحزم، وأن يتعامل معه بإيجابيات واستغلال في الدعوة إلى الإسلام وتبيين فضائله والسعي فيما ينقذ العالم من الانهيار والفساد والانحراف والتفكك الأسري وغيره من جرائم العصر).
وواصل يقول: (أيها الإخوة الكرام إن الله بعث محمدًا صلى الله عليه وسلم على حين فترة من الرسل وفي الأرض صراع شديد قائم بين أتباع الديانات كلها.. كل أهل دين إذا ظفر بالآخر استحل دمه وقتل الأبرياء؛ فجاءت شريعة الإسلام شريعة الرحمة والإنسانية، جاء محمد صلى الله عليه وسلم فألقى بظلاله الوافر على أهل الأرض وحفظ كرامة الإنسان وحفظ له حقوقه ووسع عدله الجميع مؤمنهم وكافرهم من اتبع هذه الشريعة فاز برضوان الله ونجا من غضبه، ومن أعرض عنها عاش تحت ظل عدالة الإسلام محفوظ له دمه وماله وعرضه في كفالة الإسلام).
وأكد سماحة مفتي عام المملكة أن للحوار أهدافًا من أعظمها الدعوة إلى الله التي أمرنا الله بها وأمر بها جميع رسله ومحمد صلى الله عليه وسلم دعا إلى الله وأرسل كتبًا إلى ملوك الأرض قاطبة يدعوهم إلى توحيد الله وإخلاص الدين له إنه استجابة الأمر الله فقد أمره الله بحوار وجدال أهل الكتاب بالتي هي أحسن.
وأردف سماحته قائلاً: (وإن من أهداف الحوار أيضًا هو أن نزيل كل الشبه التي أُلْصِقت بالإسلام واتُّهِمَ بها والإسلام منها براء.. قالوا عن الإسلام إنه دين إرهاب، وقالوا عنه إنه دين عنف وينتهك حقوق الإنسان كل ذلك من المغالطات؛ فالإسلام دين الرحمة واللين والتسامح وحب الخير احترام الحقوق للصغير والكبير والغني والفقير، احترم حقوق الإنسان بل احترم حق الحيوان.. وجاء بما يحمي البيئة ويؤمن مصالح الناس في حاضرهم ومستقبلهم.. أن كثيرًا من الإعلام الجائر سد الناس عن الإسلام أوأخرج لهم بصورة مشوهة فمن هنا صار الحوار فرصة لنشر مبادئ الإسلام الكريمة).
وتابع يقول: (إخوة الإسلام! إن للحوار ضوابط لابد أن نضبط الحوار بهذه الضوابط نحن أمة خير أمة أُخْرِجَت للناس يقول الله جل وعلا ﴿كُنْتُمْ خَيرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ للنَّاسِ﴾، ويقول جل وعلا ﴿وَلْتَكُن مِّنْكُمْ أُمَّةٌ يَدعُوْنَ إلَى الخيرِ﴾.. دين عمل الأخلاق والفضائل وَما يخلص الشعوب من كل الظلم والعدوان ؛ لكن يجب أن نبين لهم محاسن هذا الدين وفضائله وليكن الحوار بأدب واحترام ولين الجانب).
وأضاف سماحته: (إن عالمنا الإسلامي يا خادم الحرمين الشريفين تتعلق آماله بعد الله بكم ليرى فيكم القوة والنشاط بالسعي لجمع كلمة المسلمين وتوحيد صفوفهم ونبذ شعثهم وتخليصهم من كل ما يعانونه من هذه المصائب والبلايا ونشكركم على سعيكم في الإصلاح بين الأمم وتخليص الناس من ويلات الحروب والظلم والعدوان.. إن أمة الإسلام تُعلِّق بالله ثم بكم آمالها فسيروا بها على بركة الله وعلى خير وآمال، وخلصوها من كل ظلم وعدوان وسعوا إلى تقريب القلوب وجمع الكلمة وتوحيد الصف وبيان فضائل الإسلام وأخلاقه العالية التي إذا فهمها الجميع فسيرون فيها كل خير وصلاح إنه الدين أكمله الله وارتضاه وأتم به النعمة).
عقب ذلك ألقى رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام رئيس مجلس الخبراء في الجمهورية الإسلامية الإيرانية الدكتور أكبر هاشمي رفسنجاني كلمة أعرب فيها عن شكره لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود ولرابطة العالم الإسلامي على إقامة هذا المؤتمر وهذا الحفل الكريم الذي يحمل الكثير من المفاهيم للأمة الإسلامية وذلك في مهبط الوحي.
وقال: (إن النقطة المثيرة التي تبادرت إلى ذهني هي أنه على بعد أمتار من جبل الصفا حيث قام الرسول صلى الله عليه وسلم بعد تكليفه بالرسالة بإعلان دعوته).
وأضاف رافسنجاني يقول: (إخوتنا في المملكة العربية السعودية وبجوار بيت الله الحرام وعلى بعد أمتار من جبل الصفا أطلقوا نداء جديدًا لعالمنا حيث يقدمون رسالة عظيمة لجميع أبناء البشر في العالم وإنني أرجو من جوار بيت الله الحرام ومهبط الوحي وأتباع الرسالة التي جاء بها القرآن الكريم أن نستطيع أن نوصل نداءنا هذا من هذا المركز إلى جميع أنحاء العالم).
وأردف يقول: (تحمل الكثير من العلماء الكبار من البلدان الإسلامية المختلفة وجاءوا إلى هنا واُذيعت الكثير من الأخبار، والكل متعطش لاستماع نداء هذا المؤتمر وإنني أرى من الضروري أن نبتعد عن الكلمات البروتوكولية وأن نتوجه إلى النداء العظيم الذي يمكن أن يقدمه هذا الاجتماع).
ونوه بما ورد من النقاط الجيدة في كلمة خادم الحرمين الشريفين وفي الكلمة القيمة لسماحة مفتي عام المملكة.
وطرح بعض المحاور لإبراز الهدف من إقامة هذا المؤتمر حتى يمكن أن تكون رسالته مؤثرة في عالمنا المعاصر.
وأوضح أن هذا الاجتماع يمكن أن يكون تمهيدًا ومقدمة للحوار بين أتباع الأديان وبين المدارس الرائحة بين البشرية.
وقال: (إننا إذا أردنا الحوار مع أتباع الأديان الأخرى فعلينا أن نبدأ الحوار فيما بيننا وبين أنفسنا وأن نحدد مسيرة إسلامية محددة نتفق عليها ونتفاهم حولها ونسير في هذا الطريق بتوحيد رؤانا ولنعبر عن الرؤية الإسلامية في حوارنا مع الآخرين).
وأكد أن الأمة الإسلامية تعاني اليوم المحنَ والمصاعب التي توجب على العلماء المسلمين أن يوعوا أبناء الأمة الإسلامية بما يكفل لهم التضامن وتعزيز موقفهم بين الأمم الأخرى.
عقب ذلك ألقيت كلمةُ الوفود، ألقاها نيابة عنهم سماحة شيخ الأزهر الشيخ الدكتور محمد سيد طنطاوي رفع فيها باسمه ونيابة عن العلماء المشاركين في المؤتمر خالص الشكر والتقدير لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود راعي المؤتمر سائلاً الله تعالى أن يديم على خادم الحرمين الشريفين الصحة والعافية والسداد والتوفيق في القول والعمل.
وقال: (إن هذا المؤتمر الإسلامي العالمي الذي يرعاه خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز هو وسيلة جديدة لتوثيق روابط التعاون بين أبناء الأمة الإسلامية.. والحوار سنة من سنن الله في خلقه لأن الإنسان لايستطيع أن يعيش منفردًا عن غيره في هذه الحياة لاسيما في هذا العصر الذي أصبح العالم فيه كله مدينة واحدة والحوار متى كان قائمًا على الطيب من القول وعلى النيات الحسنة وعلى المقاصد الشريفة كانت نتائجه كريمة، وكان خير وسيلة للوصول إلى الحقيقة وإلى تقليل الخلافات بين الناس والذي يتدبر القرآن الكريم يراه زاخرًا بأنواع متعددة من حوارات الرسل مع أقوامهم).
وعبر في ختام كلمته عن شكره وتقديره لرابطة العالم الإسلامي ولأمينها العام على هذا الجهد الكبير الذي قدمته الرابطة لإعداد هذا المؤتمر الذي سيكون له بإذن الله أفضل النتائج.
ثم ألقى معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي الدكتور عبد الله بن عبد المحسن التركي كلمة رفع فيها باسم رابطة العالم الإسلامي التي تمثل الشعوب والأقليات الإسلامية شكره وتقديره لخادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود على الجهود الكبيرة التي يبذلها في خدمة الإسلام والمسلمين وبخاصة عنايتُه المتميزةُ في خدمة الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة وتذليلُ أي عقبة أمام الحجاج والمعتمرين وما يُقَدّمُ من دعم لرابطة العالم الإسلامي ومختلف الهيئات والمنظمات الإسلامية وذلك سيرًا على النهج الذي رسمه المؤسس الملك عبدُ العزيز آل سعود رحمه الله وسار عليه أبناؤه من بعده جميعًا حتى أستلم الراية الملك عبدُ الله بنُ عبد العزيز فجعل همَّه الأكبر خدمةَ المسلمين بل خدمةَ الإنسانية كلها.
وعد المؤتمر فرصة تاريخية يجتمع فيها علماء المسلمين وقادةُ الرأي فيهم من مختلف أنحاء العالم بجوار الكعبة المشرفة أقدس بقعة فيه المعمورة .
وقال معاليه: (لقد أدرك خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – ما تعيشه البشريةُ اليوم من أزمات وما يكتنف الأسرة من تفكك وفوضى وما يعيشه البشرُ من بعد عن هدى خالقهم وأهميةَ الحوار والتفاهم والتعاون فيما يجتمع عليه أتباع الرسالات الإلهية والحضارات والثقافات من قيم وَمبادئ أخلاقية مما يخفف من الصراع العالمي ويعيد للأسرة مكانتَها الاجتماعية ويعمقُ قيم العدل والتعاون والتسامح والوسيطة في حياة الناس).
وأشار إلى أنه سيتمّ خلال المؤتمر تدارس المسلمين سبل الحوار مع غيرهم من أجل الاتفاق على رؤية شرعية مبينًا أن الإسلام رسالة موجهة للناس كافة اشتملت على أرقى ما عرفه العقل البشري من القيم والمبادئ المثلى، المهياة لعمارة الأرض بمجتمع إنساني متوائم.
وأضاف معالي الدكتور التركي: (أنه حينما تستنير أمة الإسلام بقيم الإسلام وأحكامه تنفتح بثقافتها على الغير وتملك القدرةَ على الحوار مع أتباع الرسالات الإلهية حيث إن الحوار وسيلة تستمد مشروعيتَها وأهميتَها من مشروعية ما تهدف إليه من خير وصلاح وهو منهج قرآني أصيل وممارسة نبوية وثقافة راسخة في ذاكرة الأمة اصطبغت بها العلاقةُ بين المسلمين وغيرهم منذُ فجر الإسلام وعبر تاريخه الحضاري الطويل وتراثه المتجدد انطلاقًا من سماحة الإسلام وجوهر الشريعة الإسلامية التي يستمد منها المسلمون نهجهم).
وبين أن من وسائل الدفاع عن الإسلام في هذا العصر وإبراز قيمته وحضارته في خضم التداخل الثقافي وتقدم تقنية المعلومات أن يمد المسلمين جسور الحوار مع غيرهم لاسيما وأن عالمية الرسالة الخاتمة ومسؤولية التعريف بها تقتضي التعرف على الآخرين واستكشاف ما لديهم من ثقافات ومفاهيم فالانغلاقُ مناف لسنن الاجتماع البشري والحوارُ من أهم الوسائل في التفاعل مع الوجود كله ضمن سنن التنوع والتدافع لتحقيق التوازن الكوني.
وأبان معاليه أن قدرًا وافرًا من المشكلات التي ترهق المجتمع البشري تُعدُ من المشترك الإنساني الذي يتيح مجالاً للمسلمين للتعريف برصيدهم الثقافي في النظم والتشريعات والإسهام بهذا الرصيد في توجيه الفكر الإنساني من خلال الأطر المفتوحة للتداول بين مختلف الرؤى الحضارية في القضايا الإنسانية كما يتيح لهم فرصًا للتعرف على القيادات المؤثرة في الحياة المعاصرة والتي تبدي استعدادَها للتعاون مع المسلمين وليس ذلك مدرجةً إلى التنازل عن شيء من حقائق الدين الثابتة في العقيدة أو الشريعة أو تعريضها للنقد والمراجعة.
وبعد أن أشار إلى أن الحوار بين المسلمين وغيرهم أمر تقتضيه خصيصةُ الانفتاح التي تتسم بها خاتمةُ الرسالات الإلهية وضرورة التعامل الإيجابي مع متغيرات العلاقات الحضارية بما يحمي الهوية الإسلامية من الذوبان في أتون العولمة الكاسحة أكد معاليه أهمية أن يقف المعنيون بالحوار وقضاياه وقفةَ مراجعة لرصيد التجارب الماضية ينطلقون منها إلى وضع خطة جديدة للعمل في المستقبل تتحدد فيها أهدافُ الحوار وضوابطُه ووسائلُ تنفيذه فيما يعزز الإيمان بالله والإحسان إلى خلقه وتنمية فضائل الأخلاق التي تقوي نوازع الخير وتكبحُ بواعثَ الشر وتؤدي إلى تبادل المصالح بين البشر وهذا أهم ما استهدفه هذا المؤتمر استجابة لتطلعات المهتمين بقضايا الحوار بين اتباع الرسالات والحضارات وإسهامًا في التخفيف من عوائق الحوار ومشكلاته وتأكيدًا على أهمية التجرد للحق والإنصاف مع النفس والآخر.
وشدد الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي على أن المؤتمر رسالة سامية ومهمة جليلة ونقلة نوعية تعلق عليه الأمة آمالاً عريضة في تحقيق مشاريع عمل تُستثمر في مسيرة الحوار وتُوظَّف للخير ونفع المسلمين والإنسانية أجمع من خلال عمل مؤسسي طموح يعزز الحوار ويجلي آفاقه من المسلمين ومع غيرهم.
وقال معاليه: (إن العلماء المسلمين يا خادم الحرمين الشريفين يقدرون جهودكم الكبيرة وهم معكم في إصلاح أحوال المسلمين وإسهام أمة الإسلام بيما لديها من رسالة عالمية عظيمة ورصيد حضاري ضخم في إسعاد البشرية والتخفيف من أزماتها وآمالُهم كبيرةٌ في تأييدكم لما يصدر عن مؤتمرهم هذا ودعمكم لتحقيقه).
عقب ذلك تسلم خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود هدية تذكارية بهذه المناسبة من معالي الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي.
كما شرف خادم الحرمين الشريفين مأدبة الغداء المعدة بهذه المناسبة .
حضر الافتتاح ومأدبة الغداء صاحب السمو الملكي الأمير متعب بن عبد العزيز وزير الشؤون البلدية والقروية وصاحب السمو الأمير بندر بن محمد بن عبد الرحمن وصاحب السمو الملكي الأمير طلال بن عبد العزيز رئيس برنامج الخليج العربي لدعم منظمات الأمم المتحدة الإنمائية وصاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبد العزيز أمير منطقة الرياض وصاحب السمو الملكي الأمير بندر بن خالد بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية وصاحب السمو الملكي الأمير ممدوح بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير مقرن بن عبد العزيز رئيس الاستخبارات العامة وأصحاب السمو الملكي الأمراء وفضيلة رئيس مجلس القضاء الأعلى ومعالي رئيس مجلس الشورى ومعالي الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي وأصحاب المعالي الوزراء وضيوف المؤتمر وكبار المسؤولين من مدنيين وعسكريين. (مع الشكر للجزيرة الرياضية)
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . رجب 1429هـ = يوليو 2008م ، العـدد : 7 ، السنـة : 32