إلي رحمة الله
بقلم : الأستاذ
في 81 من عمره انتقل إلى رحمة الله تعالى المحقق والناقد الأردي الأكبر في شبه القارة الهندية الأستاذ رشيد حسن خان . وذلك بوطنه مدينة «شاهجهانبور» (Shah jahan pur) بولاية «يوبي» بالهند، في الساعة الثانية والدقيقة الأربعين من الليلة المتخللة بين السبت – الأحد: 26-27/ محرم 1427هـ الموافق 25-26/ فبراير 2006م . فإنّا لله وإنّا إليه راجعون . وتم تورية جثمانه بمقبرة «باروزئي» البشاورية بالمدينة في الساعة 5 مساء من يوم الأحد 27/ محرم 1427هـ الموافق 26/ فبراير 2006م .
بموته أَقْفَرَتِ الساحةُ الأدبيةُ الأرديةُ من العملاق الفـــريد في اللغة والأدب والنقد والإملاء الأردي ، الذي كان مجمعَ الفضائل والملكات الأدبيـــة التي كان يتـــوزّعها عدد من عمالقة الأدب والنقــد الأردي فارعي الأقدام ، أمثال مولانا اِمتياز علي عرشي ، وعبد الستار الصديقي ، والقاضي عبد الودود ، ومحمود الرحمن الشيرواني ، ومسعود حسن الرضوي وغيرهم . وكان يفوقهم جميعًا في تـدقيق المتون الأردية ، والاقتدار على صحة الألفاظ ، والعبقرية في فن الإملاء ورموز الكتابــة وتقعيــده وبَلْــوَرَة مبادئـه . وقد أَلَّفَ في هذا الفنّ كتبًا تُعَدُّ – بحق وعن جدارة – مرجعًا لكل دارس وباحث وطالب ومُدَرِّس للغة الأردية وآدابها . وحَقَّقَ عددًا من أمّهات الكتب الأردية ، وقَارَنَ نصوصَها ، وضَبَطَ عباراتها ، وصَحَّحَ كلماتِها ، وحَــدَّدَ التلفّظَ بما فيها من الألفاظ الصعبة ، وأَخْرَجَها بالإملاء الصحيح المُجْمعَ عليه لدى النقّاد الراسخين . وبذلك خَدَمَ الأدبَ الأرديَّ خدمةً غير مسبوقة تستحق التقديرَ والشكرَ ، وتستوجب الأجرَ ، وتخلّد ذكره ، وتسجّل اسمه في سجل الخالدين ، من الأدباء النقاد المخلصين المنقطعين إلى المهنة ، والسهر على حرمة الحرف والكلمة .
وكان الأستاذ رشيد حسن خان مثالاً لأديب عملاق خَرَّجَ نفسَه بنفسه ، حتى أصبح مُخَرِّجًا للأدباء والدكاترة ، ولم يكن هو «دكتورًا» بالمعنى الرسميّ ، وتخرج عليه كثير من الأساتذة ولم يكن «أستاذًا» بصفة رسميّة . وكان كبار الأدباء والكتاب والنقاد يهابونـــه ويخافون قــراءة نصّ أردي أدبي بحضرته عَلَّه يأخذ عليه خطأً في النطق بالكلمة وأداء الجملة. وكان لايأخذه في التصحيح على أحد لومة لائم أو كونه محترمًا وقورًا في الوسط الثقافي . إنه كان لايراعي إلاّ حرمة العلم والأدب وعرض الحرف والكلمة ، الذي كان يراه أكبر من كل كبير.
تَخَرَّج في مدرسة عربية صغيرة في مدينة «شاهجهانبور» حيث لم يقرأ فيها إلاّ مقرراتها الدراسية إلى المرحلة المتوسطة . وحالتُه الاقتصادية المتردية دعته لترك التعليم إلى العمل في مصنع بالمدينة يقوم بإعداد الزيّ العسكري، ثم ترك العمل فيه بعد نحو 8 أعوام إلى العمل مدرسًا في «مدرسة فيض عام» بالمدينة . وبعد فترة أصبح مدرسًا في المدرسة الثانوية العالية الرسمية بالمدينة لمادتي الفارسية والأردية ؛ حيث أمضى نحو سبع سنوات . وخلال ذلك اجتاز امتحان «المولوي» بهيئة العربية والفارسيــة الحكومية لولاية يوبي ، كما أدى امتحان «دبيـر كامل» في جامعة لكهنؤ الحكومية . وبعد ذلك أصبح موظفًا في قسم اللغة الأردية وآدابها بجامعـــة دهلي ؛ حيث ظل يعمل حتى أحيل إلى المعاش عام 1989م . ومكث أعوامًا بدهلي ، ثم انتقل بأغـــراضـــه كلها إلى وطنه يوم 7/ أكتوبر 1997م . وبقى متوفِّرًا على الكتب يقرؤها ، ويـــدوّنها ، ويحققها ، ويصحـــح متونها ، ويصدرها مُتْقَنَــةً لتكون عُدَّةً لكل طالب ومُعَلِّم للغة والأدب .
أَلَّفَ وَحَقَّقَ الأستاذ رشيد حسن خان 32 كتابًا ظلت وستظل أوثق مرجع وأضبط معتمد لكل شاغل بالحرف الفارسي والأدب الأردي . كان الأستاذ خان أكبر رمز في دنيا اليوم بالنسبة إلى النقد والتحقيق . وكانت لاتلامس يدُه كتابًا من الكتب التقليدية في الأردية ، إلاّ ويصبح أوثق كتاب بالنسبة إلى صحة المتن وثقة النصّ . عملُه في مُؤَلَّف ما يزيده قيمةً وغناءً ، حيث آمن القوم بإمامته وريادته في فن التصحيح والضبط والإملاء وتحديد إعراب الكلمة وصورة أدائها . ولئن كان الناس يكسبون العظمة بالشهادات الجامعية ، فإن الشهادات الجامعية كانت تكسب به الاعتبار والعظمة . حقًّا كان رجلاً لم تكبِّره الشهادات ولم تضخِّمه المؤهلات ، ولم ترفعه الترقيات الجامعية ، وإنّما كبّرته الأهلية والإتقان والتعمق والتوسع في الدارسة ، والانقطاع إلى القراءة ، والتفرّغ للتعلم من المهد إلى اللحد . لقد هدم بسلوكه نظريةَ تكبير الذات بالشهادات والمؤهلات الرسمية، وأثبت غناءَ الملكة والتمكن والأهلية الحقيقية المثمرة في تكبير الذات ، وتعظيم الشخصية ، وتثمين الإنسان ، وتقييم الفرد .
موجز من بطاقته الشخصية
اسمه: رشيد حسن خان
اسم والده : أمير حسن خان الذي كان مدير الشرطة على العهد الإنجليزي .
تاريخ ولادته : ديسمبر 1925م (جمادى الأخرى 1344هـ) .
مكان ولادته : مدينـــة «شاهجهانبــور» بولاية «يوبي» .
التعليم الابتدائي والمتوسط : اجتاز المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة في مدرسة «بحرالعلوم» بمدينة «شاهجهانبور» في الفترة ما بين 1934-1939م (1352-1358هـ) ثم اجتهد في الدراسة بنفسه واجتاز امتحانات الفارسية والأردية بجامعات أو هيئات حكومية .
المشوار العملي : حالته العائلية الاقتصادية السيئة أرغمته على ترك التعليم إلى العمل في مصنع مُخَصَّص لإعداد الزي العسكري بمدينة «شاهجهانبور» . وذلك في الفترة ما بين 1939 – 1947م (1358-1366هـ)
- ثــم عُيِّن مـــدرسًا بمــدرسة «فيض عام» بالمدينة ليدرِّس بعض الكتب الدراسية الابتدائية .
- وبعد فتــرة انتخب مــدرسًا في المدرسـة الثانويــة العالية الحكومية بالمدينة حيث عمل في الفترة ما بين 1952-1959م (1371هـ – 1378هـ)
- ثم عُيِّن في أغسطس 1959م (محرم 1379هـ) مُحَقِّقًا مساعدًا بجامعة دهلي .
- ثم رُقِّي إلى محقق زميل . وأحيل إلى المعاش في 31/ ديسمبر 1989م (غرة رجب 1410هـ).
- يوم 7/ أكتوبر 1997م (4/ جمادى الثانية 1418هـ) انتقل إلى وطنه شاهجهانبور ؛ حيث ألقـى عصا التيــار للأبــد . وعكف على الـدراسة والكتابة حتى لفظ أنفاسة الأخيرة .
- مات في الساعة 2 و 40 دقيقه من الليلة المتخللة بين السبت – الأحد : 25-26 فبراير 2006م (26-27/ محرم 1427هـ).
- خلّف وراءه ابنين وهما خورشيد حسن خان وخالد حسن خان وبنتًا وهي نادره بيغم : زوجـــة مقصود حسن خان . والابنان يعملان مدرسين .
وقد ماتت زوجته عنه في مارس 2003م (محرم 1424هـ).
- وقد أُكْرِمَ الأستاذ خان بجوائز وميداليات عديدة من قبل جمعيات ومنتديات ومجامع أدبية ولغويـــة.
بعضُ مُؤَلَّفَاته ومُحَقَّقَاته
1- مقدمة شعر وشاعري (تحقيق) ط: دهلي عام 1969م.
2- انتخاب نظير أكبر آبادي (تحقيق) ط: دهلي عام 1970م.
3- انتخاب شبلي (تحقيق) ط: دهلي عام 1971م.
4- انتخاب مراثي أنيس ودبير (تحقيق) ط: دهلي عام 1971م.
5- ديوان خواجه ميردرد (تحقيق) ط: دهلي عام 1971م.
6- انتخاب سودا (تحقيق) ط: دهلي عام 1972م.
7- انتخاب كلام ناسخ (تحقيق) ط: دهلي عام 1972م . و ط:كراتشي عام 1996م.
8- أردو إملا (تأليف) ط: دهلي عام 1974م.
9- اُردو كیسے لكھیں (كيف أكتب الأردية؟) (تأليف) ط: دهلي عام 1975م.
10- زبان اور قــواعـــد (اللغــة الأردية وقواعدها) (تأليف) ط: دهلي عام 1976-1983م.
11- أدبى تحقيق ، مسائل اور تجزيه (التحقيق الأدبي: قضايا وتحليل) (تأليف) ط: دهلي عام 1978م و ط: لكهنؤ عام 1989م، وط: لاهور عام 1989م .
12- تلاش وتعبير (التحقيق والتعبير) (تأليف) ط: دهلي عام 1988م.
13- فسانه عجائب (تحقيق) ط: دهلي عام 1990م، وط: لاهور عام 1990م ، وط: دهلي عام 1996م .
14- باغ وبهار (تحقيق) ط: دهلي عام 1992م ، وط: لاهور عام 1992م .
15- تفهيم (تأليف) ط: دهلي عام 1993م.
16- إنشا اور تلفظ (تأليف) ط: دهلي عام 1994م.
17- عبارت كیسے لكھیں (كيف أكتب العبارة؟) (تأليف) ط: دهلي عام 1994م.
18- إنشائى غالب (تأليف) ط: دهلي عام 1994م ، وط: كراتشي عام 2001م .
19- مثنوي كلزار نسيم (تحقيق) ط: دهلي عام 1995م.
20- مثنويات شوق (تحقيق) ط: دهلي عام 1998م، كراتشي عام 1998م .
21- تدوين ، تحقيق ، روايت (تأليف) ط: دهلي عام 1999م .
22- إملائى غالب (تأليف) ط: دهلي عام 2000م.
23- مثنوي سحرالبيان (تحقيق) ط: دهلي عام 2000م.
24- مصطلحات تهكي (تأليف) ط: دهلي عام 2002م.
25- زتل نامه (تحقيق) ط: دهلي عام 2003م.
26- كلاسيكي ادب كى فرهنك ج1 (تأليف) ط: دهلي عام 2003م.
27- كنجينه معنى كا طلسم (تأليف) في جزئين وفي 1500 صفحة . وهو تحت الإعداد للطبع والإصدار من أنجمن ترقى أردو هند (الجمعية الهندية لتنمية اللغة الأردية) .
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الثانية – رجب 1427هـ = يوليو – أغسطس 2006م ، العـدد : 6-7 ، السنـة : 30.