الفكر الإسلامي
الاعتماد على الذات :
إن الاعتماد على الذات يأتي بعد التوكل على الله سبحانه ثم الأخذ بالأسباب وهو المنطلق الوحيد لتحقيق الاستقلال الاقتصادي والخلاص من التبعية المذلة وإثبات للوجود بما تتوصل إليه الدول الإسلامية في تعاونها المخلص من تحقيق التفوق في مختلف مجالات الحياة.
ولايعنى هذا القول أن الدول الإسلامية أوغيرها من الدول وتستطيع الاستغناء عن غيرها استغناء كليًا وإنما يعنى أن لاتكون دولاً استهلاكية لإنتاج غيرها وتقتصر هي على مايدخل عليها من قيمة الموارد التي تستخرجها من أراضيها بجهود غيرها .
والعالم الإسلامي على سعة رقعته وتنوع مواردها وتعداد مواطنيه ، وعلى موقعه الجغرافي، لديه من الإمكانات ومن المواد الطبيعية ما إن أحسن استخراجها واستثمارها، لكان في المستوى الذي يرتجيه ويحلم في تحقيقه.
فهو غني في موارده الطبيعية، والمنتجات الزراعية والحيوانية ومصادر الطاقة والمعادن الصلبة والسائلة والأورانيوم.. لدرجة يستطيع معها تحقيق التكامل الاقتصادي والاكتفاء الذاتي في كثير من هذه الموارد التي يجب أن ينصرف إلى استخراجها واستثمارها بأفراده – ما أمكنه ذلك – وأن لايعهد بها إلى من يشتريها بأبخس الأثمان ، ثم يستغلها ويصنعها ويبيعها لنا بأغلاها.
كما أن العنصر البشري في البلاد الإسلامية غير قليل ، وهم المادة الخام الحقيقية التي يجب أن تنصرف إليها العناية والاهتمام، وإذا ما اعتنى بتأهيل وتدريب الفرد المسلم،مع ما يتحلى به من أخلاق حميدة، ارتفع مستواه الحضاري، لأنه العنصر الفعال في استثمار موارده الطبيعية وفي توفير الثروة المادية التي يستطيع بها أن يتزود بالعلوم النافعة وأن يسابق غيره في حلبة الصراع العالمي ويثبت وجوده وجدارته.
ويمكن الأخذ بمبادئ الإحصاء والتخطيط ودعم التعليم بمختلف مراحله وأقسامه، والتوسع في الاستثمار وتكوين الإطارات الفنية وتأهيل اليد العاملة ضمن خطوط تنموية مرحلية محددة.
ولابد من ملاحظة أن رقعة العالم الإسلامي – على سعتها – يتصل بعضها ببعض ، وتمتد من كلا الاتجاهين (شرق وغرب) بشكل أكبر مما تمتد به من الشمال إلى الجنوب، وتحتل بشكل خاص المناطق المعتدلة والاستوائية، وقليلاً من المناطق الشمالية الباردة.
كما أنه لابد من ملاحظة الأسباب المؤكدة لفشل التجارب الوحدوية العربية، وهو اهتمامها بالمؤسسات السياسية الفوقية دون اعتبار للتنسيق الاقتصادي والاجتماعي والثقافي كدعامة لها.
وإنه يجب علينا أن نلاحظ ونتأكد من أننا في واقع لايشرفنا من حيث كوننا مسلمين، مادمنا في حاجة مستمرة لالتماس معظم حاجياتنا الحيوية من دول ليس بيننا وبينها أية صلة عقائدية أو تاريخية، وأن المحتاج يقف ممن هو في حاجة إليه موقف الأدنى، إن لم يكن موقف الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين.
وهناك نقاط ذات علاقة بالموضوع لابد من التذكير بها وهي:
عصر التسابق العلمي :
إنّ عصرنا الحاضر هو عصر التسابق العلمي على أوسع مدى، وهذا التسابق لايعطي نتائجه إلا لمن ملك أسباب القوة في المال والرجال، واستثمر هذا المال في إعداد الرجال وصقل مواهبهم وإبراز قدراتهم في مختلف المجالات، فهم الثروة الحقيقية التي لاتعادلها ثروة أخرى، ووضع نصب عينيه تحقيق المصلحة العامة التي ترتفع بأفراد الأمة إلى أعلى المستويات، متجاوزًا عن تحقيق الحظوظ الشخصية والمتطلبات الذاتية المفرطة بالأنانية.
وإننا واجدون في التوجيه الإلهي أوامر تفرض علينا جميعًا إعداد القوة دون تخصيص لنوع هذه القوة، لتتمشى مع متطلبات العصر الذي نعيشه.
هذا العصر الذي يتميز عن غيره بأنه عصر التكتلات، كما سبق ذكره، وتجميع القوى وتوحيد الجهود، وأن التعصب الحساس في تكوين هذه التكتلات – بعد إعداد الرجال – هو المال ، وإذا كانت الدول الكبرى الغنية قد احتلت مراكز القوة والسيطرة وفرض النفوذ، فإن مرد ذلك يعود إلى أخذهم بالأسباب دون تواكل أو تسويف، وإنما بذل المال والجهد والدأب في تحقيق ماتصبو إليه هذه الدول، والمحافظة على تفوقها العلمي والتزود منه ما وسعها ذلك.
وإن قيام سوق إسلامية مشتركة سيحقق للدول الأعضاء فيها ما يفقدونه وهم أبعد ما يكونون – في واقعهم – عن مبدأ التعاون المشترك الذي تحرص عليه هذه الدول المتقدمة صناعيًا وماديًا.
ضرورة التغيير للأصلح :
إنا نحن معاشر المسلمين في واقعنا الحاضر نتلمس السبل التي تخفف من تخلفنا أو ترفع من مستوانا، ونتغافل عن السبل التي هي أكثر نفعًا لنا وتحقيقًا لطموحاتنا، وهي التعاون المشترك في مختلف مجالات الحياة، ومن أبرزها وأكثرها فعالية المجال الاقتصادي الذي تدعو إليه منظمة المؤتمر الإسلامي وغيرها من الهيئات العاملة في الحقل الاقتصادي والاجتماعي.
فما أحرانا، وجميعنا يدرك سوء أوضاع العالم الإسلامي – أن نجعل من تفرقنا وحدة، ومن تشتتنا قوة، ومن تجميع إمكاناتنا الطبيعية والاقتصادية والبشرية منطلقًا لنأخذ مكاننا الذي نستأهله في خضم هذا الصراع العالمي الذي يفتقد أمة الإيمان، هذه الأمة التي أعدها الله سبحانه لتكون خير أمة أخرجت للناس ما تمسكت بأوامره وأخذت بتعاليمه وتوجيهاته.
وأمتنا الإسلامية اليوم تعيش مرحلة هامة من تاريخها المعاصر، فهي ليست في المستوى الذي ترتضيه لنفسها فقد تخلص معظم شعوبها من الاستعمار الأجنبي، ولكنها بغالبيتها رضيت أن تكون مع الخوالف، تابعة للمستعمر فكريًا واقتصاديًا واجتماعيًا إلا من رحم ربك.
ومن هؤلاء الذين لم تتغشاهم هذه الهيمنة الفكرية والتبعية الاقتصادية والانبهار الحضاري المادي، صدرت صيحات التحذير بضرورة التنبه إلى مآل هذا الانحدار المخيف، وأن خير طريق للنجاة من هذا المنحدر الخطر، هو سلوك الصراط المستقيم الذي هدانا الله إليه بقوله:
﴿وَأَنَّ هـٰـذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيْمًا فَاتَّبِعُوْه وَلاَ تَتَّبِعُوْا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيْلِه ذٰلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِه لَعَلَّكُمْ تَتَّقُوْنَ﴾ سورة الانعام الآية 153.
الحكمة ضالة المؤمن :
ليس هناك مايمنع الدول الإسلامية من أن تنتفع بتجارب الآخرين، الذين وجدوا المصلحة في تجميع قواهم وتوحيد جهودهم – على اختلاف عقائدهم وأعراقهم – ورفع الحواجز والقيود عن مواطنيهم، وأموال مواطنيهم في أن تستثمر وكأنها في دولة واحدة.
وأن يتحقق في تجمعهم مبدأ التخصص النوعي والمكاني، والحرص على توفير الأمن الغذائي وأن يتمكنوا من هذا المنطلق من فرض وجودهم على أكبر تكتل آخر سبقهم بالوجود، وأن ينافسوه في تخصصه أو في إمكاناته، وأن لايكونوا تبعًا أو فريسة سهلة بسبب تفرقهم لمن هو أقوى منهم، وأن تكون خبراتهم وخيرات بلادهم مرصودة لصالح شعوبهم المشتركة.
بعض عوامل القوة :
إننا إذا نظرنا إلى أبرز عوامل القوة والتفوق في ميادين الحياة، وجدناها لاتخرج عن التعاون الصادق، والتناصح المخلص، والتآزر المجدي . وهذه جميعها عوامل يتداخل بعضها ببعض، وتستتبع عوامل أخرى لاتقل عنها أثرًا في تمتين أواصر المحبة والألفة في سبيل مستقبل أفضل يلفهم جميعًا بظلاله الوارفة ورعايته الشاملة.
وينتفع بآثار هذه العوامل – إذا ما تحققت – أفراد كل دولة من الدول ما أخلص ولاة أمورهم في حسن قيادة الركب إلى الصراط السوي، وكذلك الدول التي ترتبط برباط العقيدة والمصير.
وذلك بضم قوة إلى قوة ، فتتشكل من مجموعتهم قوة هائلة وتكتل ضخم، له من تماسكه ما يستطيع أن يقف أمام تجمعات الدول الأخرى والأحلاف التي تربط فيما بينها موقف الند للند، للمحافظة على مصالح الشعوب الإسلامية ونصرة من يتعرض منهم لهجوم من أعدائهم، وتوفير الرخاء والهناءة والكرامة لأفرادهم، والمسارعة في مديد العون لباقى الشعوب الإنسانية المستضعفة أو المنكوبة.
السوق الإسلامية ضرورة حتمية :
إن الدعوة إلى قيام سوق إسلامية مشتركة لم تعد مجرد فكرة عابرة، وإنما هي رغبة ملحة أخذت تتفاعل في نفوس أولي الأمر، من يوم أن نادى بها خادم الحرمين الشريفين قبل أربعة عشر عامًا عندما كان ولياً للعهد بقوله في 7 صفر من عام 1396هـ:
(إن الأمة العربية ستخوض أي حرب قادمة وستنتصر فيها بإذن الله، وإن الوسائل السليمة لم تعد هي الطريق لاسترداد الحقوق، وإننا يمكن في المستقبل أن نشكل جميعًا وحدة طبيعية لسوق إسلامية مشتركة أعم وأشمل، وإذا تحققت فكرة السوق الإسلامية يمكن أن يتحقق لكل الأشقاء الخير الكثير في الحقل الاقتصادي).
هذه هي النظرة الشمولية لآثار السوق فيما إذا قامت على ساقها وآتت أكلها بإذن ربها.
وقد تبني هذه الدعوة وزادها أيضاحًا من الناحية الموضوعية المؤتمر العالمي الأول للاقتصاد الإسلامي الذي انعقد في مكة المكرمة فيما بين 21-26صفر 1396هـ .
وإن الجهة المختصة والقادرة على المبادرة في تحقيق قيام سوق إسلامية مشتركة هي منظمة المؤتمر الإسلامي، الذي انبثق عنها (البنك الإسلامي للتنمية)، كما انبثقت عنها الاتفاقية العامة للتعاون الاقتصادي والفني بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي، وإن العمل على تنفيذ بنود هذه الاتفاقية سيؤدي بالنتيجة إلى قيام هذه السوق تلقائيًا .
كما أن قادة دول العالم الإسلامي الذين تجمعهم هذه المنظمة، وهم أعضاء في البنك الإسلامي للتنمية، هم أصحاب الكلمة الفصل في اتخاذ الخطوة الإيجابية لتحقيق هذه الرغبة، أو هذه المصلحة المشتركة ذات النفع المحقق للجميع كما قال خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – .
(وإذا تحققت فكرة السوق الإسلامية يمكن أن يتحقق لكل الأشقاء الخير الكثير في الحقل الاقتصادي).
استعراض عوامل الوحدة الإسلامية :
وأخيرًا فإنه لابد من استعراض عوامل الوحدة الإسلامية ومؤيدات قيامها بإيجاز، وهي:
أولاً : أبرز عوامل الوحدة الإسلامية :
1- وحدة العقيدة (الإيمان بما جاء من عند الله).
2- التكوين الذهني والسلوك والقيم المستمدة من مبادئ الإسلام.
3- التاريخ المشترك لدول العالم الإسلامي.
4- اتصال أراضي البلاد الإسلامية بعضها ببعض ووفرة خيراتها وعدد سكانها.
ثانيًا: مؤيدات قيام الوحدة :
1- توليد القناعة لدى شعوب العالم الإسلامي وقادته بضرورة قيام الوحدة، عن طريق المؤسسات العلمية وخطباء الجمعة ووسائل الإعلام المقروءة والمسموعة والمرئية.
2- تقليص النفوذ الأجنبي من مختلف المجالات واستبداله بتعاون مخلص بين دول العالم الإسلامي.
3- تحقيق التنسيق والتكامل والترابط بين الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي فعليًا في جميع الميادين وصولاً إلى وحدتها.
4- توحيد الأنظمة بشكل عام، وبخاصة في الأمور الاقتصادية والمالية والتعليمية والإعلام.
5- مبادرة المخلصين من قادة الأمة الإسلامية إلى العمل المشترك والتعاون الصادق بما تسمح به ظروف كل منهم في مختلف المجالات الحيوية لشعوبهم، لأن التعاون بين دولتين أو أكثر يتطلب حدًا أدنى من التجانس والتعاطف بين السكان والتقارب في تكوينهم الذهني وسلوكهم الاجتماعي.
6- المسارعة من المخلصين من قادة الأمة الإسلامية في نجدة من يصاب من دول العالم الإسلامي بكارثة أو اعتداء.
7- تبادل الزيارات من رجالات العلم والاقتصاد والطلاب، والإكثار من إقامة ندوات علمية ومعارض سنوية ودائمة ومهرجانات رياضية وكشفية.
8- إيجاد مجلس اقتصادي أعلى من منظمة المؤتمر الإسلامي يتولى أمور الاقتصاد وما يتصل بها في دول العالم الإسلامي وتكون له السلطات العليا في هذا الخصوص والكلمة النافذة.
9- السعي إلى تطبيق بنود الاتفاقية الاقتصادية ووضعها موضع التطبيق الشامل ولو كانت ظروف بعض الدول تحول دون ذلك، فيُصَارُ إلى تنفيذ هذه البنود مع الدول الأخرى حتى يُتَاحُ لباقي الدول المشاركة الفعالة .
10- إقامة السوق الإسلامية المشتركة، لتلمس الشعوب الإسلامية آثار التكتل والتعاون في هذا المجال كما تلمسته دول منظمة المؤتمر الإسلامي الأعضاء في (البنك الإسلامي للتنمية).
(الطريق إلى الوحدة الإسلامية)
* * *
مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، الهند . جمادي الأولي 1427هـ = يونيو 2006م ، العـدد : 5 ، السنـة : 30.