(الحلقة 110)
بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه اللّه- (المتوفى 1399هـ / 1979م)
ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)
تراجم خريجي دارالعلوم/ديوبند:
102- الشيخ الدكتور/مصطفى أحسن العلوي رحمه الله:
ولد عام 1897م/1315هـ في أرض «كاكوري» الخصبة من ضواحي مدينة «لكناؤ»، واجتاز مراحل التعليم الأولية على جده من الأم الشيخ محسن الكاكوروي في «مين فوري»، ثم ألحق بندوة العلماء /لكناؤ. وفي عام 1330هـ التحق بدارالعلوم/ديوبند بترغيب من الشيخ الحافظ محمد أحمد رئيس الجامعة. يقول الدكتور العلوي: لازالت محاضرات مشايخي الدراسية ماثلة أمام ناظري. وتذوق الشعر بالجلوس إلى الشيخ تاجور النجيب آبادي إبان دراسته في دارالعلوم/ديوبند، وكان حي الديوان يشهد الأمسيات الشعرية في تلك الأيام، وكان الدكتور العلوي يستخدم نظارة العين يومئذ، فقال بيتًا في هذا الصدد باللغة الأردية ما معناه:
«أقسم بأني لست راغبًا في استخدام النظارة، وإنما دفعني إلى ذلك ضعف بصري».
وهوِي الكتابة النثرية في تلك الأيام بالجلوس إلى الشيخ مناظر أحسن الكيلاني، وتخرج من دارالعلوم/ديوبند عام 1334هـ، وتطوع بالتدريس كمدرس مساعد فيها، ثم قام بالتدريس أيامًا في المدرسة الإمدادية ثم رجع إلى لكناؤ، واجتاز اختبار «المنشي الفاضل» في جامعة بنجاب. وولي تدريس العلوم الدينية في المدرسة الثانوية /إتاوه، ثم عين أستاذا للفارسية في كلية بنارس. ثم عين مدرسًا في كلية لكناؤ في أغسطس عام 1923م/1363هـ، وحضَّر لمرحلة «الماجستير» في الفارسية خلال وظيفته. ثم أعد بحثًا حول الملك الشاه السلجوقي وعهده، ونال درجة الدكتوراه.
وفي عام 1960م/1380هـ منحه رئيس الجمهورية الهندية شهادة فخرية (Certificate of Honour) تحت فئة الشخصيات العربية البارزة في الهند. وتقاعد عام 1963م/1383هـ من جامعة لكناؤ، وعين أستاذًا محققًا، ولايزال يشغل هذا المنصب إلى اليوم.
ألف الدكتور عشرات الكتب في اللغات العربية والأردية والفارسية، وأدرج عدد من مؤلفاته إلى المقررات الدراسية في المدارس والكليات العصرية، واختبارات الألسنة الشرقية. وطبع 15 كتابا من مؤلفاته، ولازال 23 منها غير مطبوع. وعُيِّنَ عضوًا في المجلس الاستشاري بدارالعلوم/ ديوبند منذ عام 1370هـ.
ويجمع الدكتور بين العلم والفضل وبين هواية الشعر، وتحتفظ ذاكرته بكم هائل من الأبيات الشعرية، فإذا تطرق الحديث في المجلس إلى الشعر كان الدكتور لايمل سرد الأبيات الشعرية المتواصلة من ذاكرته.
103- الشيخ وصي الله الأعظمي رحمه الله:
ولد في «فتحفور تال نرجا» بمديرية «أعظم كره»، وحفظ القرآن الكريم في بلده على الحافظ ولي محمد رحمه الله، ثم قرأ الفارسية ومبادئ العربية في مدرسة جامع العلوم/كانفور، ثم التحق بدارالعلوم /ديوبند عام 1335هـ، واستكمل دراسة الحديث بها. وكان ذلك إبان رئاسة تدريس العلامة أنور الشاه الكشميري رحمه الله، وكان الشيخ وصي يحمل ذاكرة قوية جدًّا، تستحضر العلوم كلها.
بعد ما تخرج من دارالعلوم/ديوبند حضر إلى الشيخ أشرف علي التهانوي وانضم إلى حلقة بيعته. واعتزل كل الاعتزال. وكان قلبه عامرا بالرغبة في إصلاح الأعمال والعبادة خلال دراسته. وتعود الاعتزال منذ أيام تحصيله الدراسي، وظل مقطوع الصلة عن الخلق إبان نزوله في الخانقاه الإمدادية، وأكب متوكلا على الله تعالى- على السير في السلوك وتحصيل النسبة. وسرعان ما قطع مدارج التربية الباطنية والتصوف، ونال خرقة الخلافة والإجازة بالبيعة والتلقين. ولم يتزوج إلا بعد سنوات طويلة وبأمر من حكيم الأمة أشرف علي التهانوي عام 1343هـ، ورغم ذلك كان يكثر من النزول في الخانقاه الإمدادية.
وعاد إلى بلده عام1351هـ، واشتغل في التعليم والتربية وإصلاح الخلق. ويعد الشيخ من أجلة خلفاء الشيخ أشرف علي التهانوي، وكان على دأب شيخه في التربية والإصلاح حذو النعل بالنعل والقذة بالقذة.
بدأ بالإقامة في وطنه، ثم تحول منه إلى «كوركفور» عام 1374هـ، وفي نهاية المطاف إلى «إله آباد»، وأنشأ بها الخانقاهَ. وانضم كبار العلماء وأصحاب الثراء إلى حلقته. واستفاض منه آلاف العباد الفيوض الروحية. وقام بخدمات جليلة في إحياء السنة مقتفيًا آثار مشايخه في الطريق، وكان الشيخ يومئذ غنيمة باردة. وتردد إلى «مومباي» في بعض السنوات الأخيرة من عمره، ونشأت فيها حلقة من مريديه وأصحابه، فكم استقام من الناس على الطريق الصالح.
توفي في طريقه إلى الحجاز عام 1387هـ على السفينة، وقد التحق مسافر السفينة هذا بالرفيق الأعلى. ودفن في أحشاء البحر الأحمر.
وكان كثيرا ما يتمثل بشعر الميرزا غالب-شاعر أردي شهير- في آخر عمره لغلبة الكيفيات عليه، ومعناه:
«لقد افتضحنا بالموت، وهلا غرقنا في البحر … فلاتُحمل لنا جنازة، ولايبنى لنا ضريح»؟!
ولعلهم قالوا في مثل هذه المناسبة: ما يقوله القلندر يقوله بحق.
من أعماله ما يلي:
1. الإفادات الوصية.
2. تلاوة القرآن.
3. تعليم وتربية الأولاد.
4. التذكير بالقرآن.
5. التصوف والنسبة الصوفية.
6. وصية الإحسان.
7. وصية الأخلاق.
8. وصية الإخلاص.
9. بستان المعرفة.
10. ديباجة المعرفة.
11. عاقبة الإنكار مع البحث عن المرشد.
12. مفتاح الرحمة.
13. الاعتقاد والإنكار.
14. خمارة الباطن.
15. ملفوظ طريق العمل.
16. سبيل الصفاء.
17. طريقة الإصلاح.
18. المقال الإصلاحي.
19. مقال حول النميمة.
20. الأخوة.
21. توقير العلماء.
22. تحذير العلماء.
23. الجنة.
24. نعم الأمير.
25. الأصول النادرة.
26. الأمر الفارق بين المخلص والمنافق.
27. النعم على خير الأمم.
28. النصيحة للمسترشدين.
29. وصية السالكين.
104- الشيخ المفتي محمد شفيع الديوبندي رحمه الله:
ولد عام 1314هـ/1896م، وسماه الشيخ رشيد أحمد الكنكوهي بـ«محمد شفيع»، وأصله من ديوبند، وتلقى العلوم في دارالعلوم/ديوبند. وتخرج في العلوم وهو ابن 22 عامًا سنة 1336هـ. ثم عين مدرسًا في المراحل الابتدائية في دارالعلوم/ديوبند عام 1337هـ، وسرعان ما قطع أشواط التقدم والرقي حتى انضم إلى الطبقة العليا من الأساتذة. وكان له مناسبة مع الفقه والأدب منذ أول أمره. وولي منصب الإفتاء عام 1350هـ/1922م. وهاجر إلى باكستان عام 1368هـ/1949م، وساعد بها على ترتيب الدستور الإسلامي بصفته عضوًا في المجلس التشريعي للتعليمات الإسلامية. وأنشأ في كراتشي عام 1951م مدرسةً دينيةً سماها «دارالعلوم».
كان الشيخ يتصف بالعلم الواسع العميق، ومن العلماء البارزين في جماعة ديوبند، وكان له كفاءة طيبة في معظم العلوم الدينية المتداولة. وله كتب دينية كثيرة. وكان التصنيف هوايته منذ أول عمره، وخرج من يراعه كم كبير أنفع من المؤلفات في التفسير والحديث والفقه والمناظرة. ويبلغ عدد مؤلفاته صغيرها وكبيرها نحو مئتين. ويبلغ عدد مؤلفاته في الفقه فقط (95) كتابًا. واختص بدراسة النوازل والقضايا المستجدة في الفقه. ويشكل ذلك خزينة غالية من العلوم والمعارف للعامة والخاصة. ويبلغ عدد الفتاوى التي أصدرها نحو مئتي ألفٍ. وكانت إذاعة باكستان تنشر جزءًا من تفسيره المسمى بمعارف القرآن كل أسبوع، ولقي القبول العام. وقد طبع هذا التفسير باسم «معارف القرآن» في ثمانية مجلدات. ويعتبر «تفسير معارف القرآن» عملا عبقريًّا للشيخ محمد شفيع. وله مئات من التلامذة ينتشرون في مختلف البلاد خارج شبه القارة الهندية ويقومون بخدمات دينية. وكان بايع أولًا شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، وبعد وفاته أقبل على الشيخ أشرف علي التهانوي، ونال منه خرقة الخلافة. وكان الشيخ التهانوي يثق ثقة كبيرة بعلم المفتي محمد شفيع وفضله. ومن أبرز ما يمتاز به المفتي محمد شفيع أنه كان أشرب مذاق السلف الصالح، وملئ به إلى مشاشه. وكان يرى من الواجب اتباع السلف في كل الفروع والجزئيات. واشتغل بجانب تدريس العلوم الدينية- بالإفاضة الباطنية. وكان له هواية الشعر أيضًا. وله قصائد ومراثٍ وأبيات في اللغات العربية والفارسية والأردية مطبوعة. ويحتل مكانة «المفتي العام» في باكستان، وبه يدعى.
توفي في ليلة 11/شوال عام 1396هـ/ 1976م.
وأرخوا لوفاته بـ«فقيه الأمة جناب الحاج مولانا مفتي محمد شفيع». وهي عام 1976م.
105- الشيخ السيد ميرك شاه الكشميري رحمه الله:
أصله من «كشمير»، تخرج من دارالعلوم/ ديوبند عام 1336هـ، وكان من أبرز تلامذة العلامة أنور شاه الكشميري. وكان له علم عميق بالمنقول والمعقول. وبعد ما تخرج من دارالعلوم/ ديوبند عمل مدرسًا في عدد من المدارس في «دربنجه»، و«مرادآباد». وعين مدرسًا في دارالعلوم/ديوبند عام 1341هـ، وبجانب التدريس بدارالعلوم/ديوبند أرسلته – دارالعلوم- للدعوة والإرشاد في «ملكانه راجبوت» بمدينة «آغرا» إبان حركة «التحويل إلى الهندوسية» (Shuddhi) وحركة «الاندماج»(1) (Sangthan)، وكان الشيخ ميرك يشرف على الدعاة الذين أرسلهم دارالعلوم/ديوبند إلى مدينة «آغرا» وضواحيها. فقام بأعبائه بجد واجتهاد بالغين. ثم تحول في أواخر عام 1344هـ إلى «لاهور»، وانضم إلى سلك التدريس في الكلية الشرقية. ثم ولي رئاسة التدريس في الجامعة المدنية /لاهور في آخر المطاف. وقام بترجمة كتاب الأسفار الأربعة لصدر الدين الشيرازي لصالح الجامعة العثمانية/حيدر آباد، دكن.
ولم يمض إلا أعوام على وفاته في «لاهور».
============ (1) للاستزادة منه راجع:الباب الثاني من مساعي دارالعلوم/ديوبند للحفاظ على الدين.
(*) أستاذ الحديث واللغة العربية وآدابها بالجامعة.
مجلة الداعي، ذوالحجة 1444هـ = يونيو – يوليو 2023م، العدد: 12، السنة: 47