بقلم:  الدكتور/ عبد الباسط الغرابلى(*)

         المجتمع به كثير من الناس يحتاجون إلى من يمد لهم يد العون في كل مناحي الحياة، وقد هيمن الإسلام في هذا الجانب بمنهجه السمح على النُظُم السياسية، والاقتصادية والاجتماعية، حيث كانت الحياة الجاهلية في غالب حالها لا تساعد ضعيفًا ولا تغيث ملهوفًا، ولا تطعم جائعًا، ولما ضعف الدين في النفوس، وبخل البعض من الناس بمد يد العون والمساعدة، فقد بخلوا على أنفسهم برحمة الله تعالى عليهم.

         ولا يخفى على كل ذي لب أن المجتمع الذي يقوم على التعاون والتكافل، ويوجد بين أفراده الإيثار والأخوة، هو مجتمع بناء ومتقدم ومتماسك، لا يستطيع أحد أن يهدمه، ولا تضره نكبات الزمان.

         وحينما يطالب الإسلام الناس بالتكافل الاجتماعي فإن ذلك يكون على سبيل الوجوب والإلزام، أو يكون على سبيل الاستحباب والتطوع.

         أولًا: ما كان على سبيل الوجوب والإلزام ومن أمثلته:

         (أ) الزكاة، وهي ركن من أركان الإسلام، والإسلام حين طبقها نجح في تحقيق وإقامة التكافل الاجتماعي ومحاربة الفقر.

         (ب) النذور والكفارات، والنذر قطعه الإنسان على نفسه ويوفى به لمصلحة الفقراء والمحتاجين، والكفارات في قتل الخطإ واليمين والظهار وغير ذلك، وتكون أيضًا في غالب أحوالها لمصلحة الفقراء إطعامًا أو كسوة.

         (ج) صدقة الفطر، في رمضان وهي واجبة على كل مسلم تجاه كل فقير ومحتاج.

         ثانيًا: ما كان على سبيل التطوع والاستحباب وهو كثير في حياة المسلمين.

         أوصانا به القرآن الكريم قال الله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُواْ ‌عَلَى ‌ٱلۡبِرِّ ‌وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَۖ إِنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلۡعِقَابِ﴾ (المائدة:2).

         ويقول الله تعالى: ﴿وَءَاتِ ‌ذَا ‌ٱلۡقُرۡبَىٰ حَقَّهُۥ وَٱلۡمِسۡكِينَ وَٱبۡنَ ٱلسَّبِيلِ وَلَا تُبَذِّرۡ تَبۡذِيرًا﴾ (الإسراء:26).

         والتكافل في الإسلام معناه أن يلتزم الموسر من أفراد المجتمع تجاه أفراده المحتاجين قال الله تعالى في وصف أهل الإيمان والصلاح والتقوى والكرم: ﴿وَٱلَّذِينَ ‌تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلۡإِيمَٰنَ مِن قَبۡلِهِمۡ يُحِبُّونَ مَنۡ هَاجَرَ إِلَيۡهِمۡ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمۡ حَاجَةٗ مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤۡثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمۡ وَلَوۡ كَانَ بِهِمۡ خَصَاصَةٞۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفۡسِهِۦ فَأُوْلَـٰٓئِكَ هُمُ ٱلۡمُفۡلِحُونَ﴾ (الحشر:9).

         ولا شك أن في المجتمع حالات كثيرة من البشر تستدعي الوقوف بجانبها، فهذا جائع يحتاج إلى الطعام وذلك مريض يحتاج إلى علاج، وغيره يحتاج للسكن أو الملبس أو الغطاء أو التعليم. ولا يصح للمسلم أن يمنع خيره عن الناس، قال سبحانه وتعالى: ﴿فَوَيۡلٞ ‌لِّلۡمُصَلِّينَ ٤ ٱلَّذِينَ هُمۡ عَن صَلَاتِهِمۡ سَاهُونَ ٥ ٱلَّذِينَ هُمۡ يُرَآءُونَ ٦ وَيَمۡنَعُونَ ٱلۡمَاعُونَ﴾ (الماعون:4-7).

         وقد سئل ابن مسعود عن الماعون فقال: «هو ما يتعاطاه الناس بينهم من الفأس والقدر وأشباه ذلك».

         وأوصانا رسول الله بالتكافل فيما بيننا حيث روي أن عبد الله بن عمر -¶- قال: قال رسول الله ﷺ: «المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة ومن ستر مسلما ستره الله يوم القيامة» (متفق عليه).

         وعن أبي سعيد الخدري قال: بينما نحن في سفر مع النبي ﷺ إذ جاء رجل على راحلة له، قال: فجعل يصرف بصره يمينًا وشمالًا، فقال رسول الله ﷺ: «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد فليعد به على من لا زاد له، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل» (أخرجه مسلم برقم 4538).

         وقد أكد رسول الله ﷺ مسؤولية المجتمع عن كل فرد محتاج فيه وذلك في عبارة شديدة الإنذار واضحة البيان للفرد والمجتمع حيث قال: «ليس المؤمن بالذي يشبع وجاره جائع إلى جنبه» البخاري في الأدب المفرد.

         وكذلك كان الصحابة يتعاونون ويساند بعضهم بعضًا عند الحاجة، ففي عام الرمادة آخر سنة 17هـ وأول سنة 18هـ في خلافة عمر بن الخطاب حيث اسودت الأرض من قلة المطر حتى عاد لونها شبيها بالرماد، أخرج الطبري من خبر عبد الرحمن بن كعب بن مالك قال: «كانت الرمادة جوعًا شديدًا أصاب الناس بالمدينة وما حولها، حتى جعلت الوحوش تأوي إلى الإنس وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها، وإنه لمقفر» إنها شدة الحاجة والجوع مما جعل الفاروق يقسم ألا يأكل سمنا ولا سمينا حتى تمر هذه الأزمة.

         وقال الحافظ ابن كثير: «وقد روينا أن عمر عسَّ المدينة ذات ليلة عام الرمادة فلم يجد أحدًا يضحك، ولا يتحدث الناس في منازلهم على العادة، ولم ير سائلًا يسأل، فسأل عن سبب ذلك فقيل له: يا أمير المؤمنين، إن السُّؤَّال سألوا فلم يعطوا، فقطعوا السؤال، والناس في هم وضيق فيهم لا يتحدثون ولا يضحكون» انظر البداية والنهاية لابن كثير.

         هذا تصوير لحالة لن ينقذ منها شخص إنما يجب أن تتعاون الأمة للخروج من هذه الأزمة، ولذلك كتب عمر بن الخطاب إلى عمرو بن العاص في مصر: واغوثاه، واغوثاه، واغوثاه، فقال عمرو بن العاص: والله لأرسلن له قافلة من الأرزاق أولها في المدينة وآخرها عندي في مصر, وفعل ذلك كثير من الولاة في الأمصار وهكذا يكون المسلم عند الأزمات والشدائد يعطي ويساعد ويعين وينصر.

         ولقد ضرب النبي ﷺ أروع الأمثلة في حب الخير للناس وفي كفالتهم، فها هي قصته مع جابر ابن عبد الله الصحابي الجليل الذي قتل أبوه في معركة أحد، وخلف له سبع أخوات ليس لهن عائل غيره، وخلف دينًا كثيرًا على ظهر هذا الشاب الذي لا يزال في أول شبابه، وكان جابر دائم الفكر منشغل البال بأمر دينه وأخواته، والغرماء يطالبونه صباحًا ومساءً، خرج جابر مع النبي ﷺ في غزوة ذات الرقاع وكان لشدة فقره على جمل كليل ضعيف ما يكاد يسير به، فسبقه الناس وصار هو في آخر القافلة، وكان النبي ﷺ يسير في آخر الجيش، فأدرك جابرًا وقال له: «ما لك يا جابر؟» قال: يا رسول الله أبطأ بي جملي فقال ﷺ: «أنخه»، فأناخه جابر، ثم قال: «أعطني العصا من يدك، وضرب الجمل بالعصا شيئًا يسيرًا، فنهض الجمل يجري قد امتلأ نشاطًا»، التفت النبي إلى جابر فهو شاب ضحى بمتعته حيث تزول سيدة كبيرة لأجل أخواته، فقال له: «لعلنا إذا أقبلنا إلى المدينة، فتسمع بنا زوجتك، فتفرش لك النمارق فرحًا بك وتبسط فراشها»، فتذكر جابر فقره، وفقر أخواته، فقال: نمارق!! والله يا رسول الله ما عندنا نمارق فقال ﷺ: «إنه ستكون لكم نمارق إن شاء الله، ثم مشيا وقد وهب رسول الله لجابر أربعين درهما» (مسند الإمام أحمد 3/372) وهكذا ساعد رسول الله هذا الشاب المسلم وأعطاه ما يبدأ به حياته، وفي المسلمين من يقتدي بالرسول الكريم ويساعد الشباب والأرامل والمحتاجين.

         وأعمال الخير تكون في الوقف الخيري الذي هو من الصدقات المستحبة والتي يستمر خيرها ويتجدد ثوابها إلى ما بعد الممات. قال ﷺ: «إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له».

         وكذلك الوصية وهي أن يوصي المسلم قبل موته بجزء من ماله لجهات البر والخير والعارية وهي الانتفاع بحوائج الغير مجانًا وهبةً؛ كل ذلك لنفع الناس طمعًا في رحمة الله. قال الله تعالى: ﴿مَا ‌عِندَكُمۡ ‌يَنفَدُ وَمَا عِندَ ٱللَّهِ بَاقٖۗ﴾ (النحل:96).          وأسأل الله أن يصلح حال أمتنا وأن نكون على قلب واحد متحابين متناصرين عونا لكل فقير وضعيف ومريض ومحتاج حتى يعم الخير دنيانا، وصل اللهم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.


(*)      إمام وخطيب بوزارة الأوقاف.

مجلة الداعي، ذوالقعدة 1444هـ = مايو – يونيو 2023م، العدد: 11، السنة: 47

Related Posts