أدلة الإنجيل في إثبات صحة رسائل الرسول: رسالة هرقل نموذجًا

بقلم:  الدكتور/عبد الوهاب القرش(*)

         في عام 7هـ/628 م شرع الرسول ﷺ في توسيع نطاق الدعوة الإسلامية، فولى وجهه شطر بلاد العرب وخارجها، وبعث رسلا بكتب إلى ملوك وأمراء البلاد المجاورة يدعوهم إلى الإسلام، والإيمان برسالته، وقد روى البخاري في صحيحه عن أنس بن مالك قال: «لما أراد النبي -ﷺ- أن يكتب إلى الروم، قالوا: إنهم لا يقرؤون كتابًا إلا مختومًا، فاتخذ النبي -ﷺ- خاتمًا من فضة، كأني أنظر إلى وبيصه (أي بريقه)، ونقشه محمد رسول الله»، ويفهم من هذا النص أن استخدام الخاتم كان بتأثير بيزنطي.

         وكان من بين هؤلاء الإمبراطور هرقل، والمقوقس حاكم مصر من قبله، وأمراء الغساسنة. وتروي المصادر الإسلامية أن الإمبراطور هرقل تلقى كتاب النبي ﷺ بقبول حسن، واستقبل سفيره بأدب وحفاوة، وفي الوقت نفسه طلب من رجاله أن يأتوه ببعض التجار العرب المكيين بالشام لسؤالهم عن حال هذا النبي – الذي ظهر من بينهم، وجاءه رجاله بأبي سفيان، الذي كان قد ذهب إلى غزة بأرض فلسطين للتجارة، فسأله هرقل عن نسب الرسول ﷺ وتاريخه وأخلاقه وحال أتباعه، فتحرى أبو سفيان الصدق في كل ما أجاب به، وهنا قال هرقل: «لئن صدقتني ليغلبني على ما تحت قدميّ هاتين»، وتحكي بعض الروايات أن الإمبراطور هرقل أسلم، وتذكر أخرى أنه كاد أن يسلم، وتذكر أخيرة أنه عرض الإسلام على البيزنطيين، ولكنهم رفضوا اعتناق الإسلام، على أية حال فقد كان رد الإمبراطور هرقل على سفير الرسول ﷺ مؤدبًا وكذلك كان رد المقوقس حاكم مصر على الرسول ﷺ بعد أن أكرم وفادة سفيره، ذكرت الروايات العربية أنه أهدى للرسول ﷺ كسوة وبغلة بسرجها وجاريتين.

         وبالرغم من تأكيد المصادر الإسلامية على صحة تلك الرسائل إلا أن رهطًا من المستغربين والمتقولين العرب انقسموا على أنفسهم حول صحة تلك الرسائل وبخاصة تلك الرسالة التي بعثها الرسول ﷺ إلى هرقل إمبراطور الروم إلى فريقين: فريق وصف الرسالة بأنها رسالة إرهابية لأنها تقول: إما أن تسلم وإما أنك ستموت ويقولون: إن المعتقد اختيار شخصي حر للأفراد، وكأن الإسلام انتشر بحد السيف، ويرمون من وراء ذلك إلى تنقية المناهج الدراسية تنقية حرفية من مواطن العزة والحماسة حتى يقضى على جزء كبير من الحقائق الإسلامية من مادة التاريخ.. أما الفريق الثاني فينكر تمامًا بأن الرسول ﷺ لم يرسل برسالة إلى هرقل إمبراطور الروم أو لغيره من الملوك والأمراء، ويُسمّون رسائله تلك بالمزورة، ويستدلون على زعمهم هذا بأنه لم يعثر في المصادر البيزنطية أو مصادر الملوك والأمراء الآخرين أي إشارة إلى هذه الرسالة كما أن رسالته ﷺ إلى كسرى قد مزقت، ويرمون من وراء ذلك إلى التشكيك في حرصه ﷺ على عالمية دعوته بإنكار ما أرسله من كتب إلى كسرى فارس وإمبراطور الروم وغيرهما.

         وفي المقابل قام كثير من الباحثين بجهد مشكور باستنكار ذلك، وحاولوا إثبات صحة الرسالة، وبذلوا في سبيل ذلك جهدًا مضنيًا، ولكن اقتصروا في أدلتهم على ما ورد في المصادر الإسلامية دون النظر إلى الإشارات التي وردت في الإنجيل والتي تؤكد بأن النبي ﷺ خاطب هرقل في رسالته بما قاله عيسى عليه السلام في الإنجيل. وأنى لمحمد ﷺ بذلك الإنجيل إلا أن ما قاله النبي محمد وعيسى عليهما السلام يخرجان من مشكاة واحدة.

         وقد أغراني هذا بالعودة إلى رسالة النبي ﷺ إلى هرقل ومحاولة النظر في مضمونها، وإثبات صحتها من خلال ماورد في الإنجيل وبيان هدفها وأن عبارة الإرهاب لا يمكن بحال من الأحوال أن تنطبق عليها.

محتوى الرسالة:

         هذا نص رسالة الرسول ﷺ إلى هرقل: «بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. مِنْ مُحَمَّدٍ عَبْدِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى هِرَقْلَ عَظِيمِ الرُّومِ، سَلاَمٌ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ، فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ.. ﴿قُلۡ ‌يَـٰٓأَهۡلَ ‌ٱلۡكِتَٰبِ ‌تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾» (آل عمران:64).

إبطال الإدعاءات:

         بداية فإن إنكار رسائل النبي ﷺ إلى هرقل وكسرى وغيرهما من الملوك والأمراء زعم لا يسنده دليل خاصة وأن بعضًا من هذه الرسائل محفوظ إلى يومنا هذا في إستامبول.

         ومفتاح فهمنا للأدلة على إثبات صحة هذه الرسالة هو قول النبي ﷺ إلى هرقل: «فَإِنْ تَوَلَّيْتَ فَإِنَّ عَلَيْكَ إِثْمَ الأَرِيسِيِّينَ».. فمن هم الأريسيون وما هو الأثم الذي سيتحمله هرقل؟

         ومعظم علمائنا العرب مصدر تراثنا قد ذكروا  أن كلمة «الأريسيين» معناها «الفلاحون». ومن المؤرخين العرب الطبري الذي ذكر بأن كلمة «الأكاريين» معناها المزارعون، ومن علماء اللغة ابن منظور الذي أورد بأن كلمة «أرس» بمعنى «أكار».. ومن الفقهاء المسلمين أحمد بن حنبل الذي ذكر بأن «الإكارة» تعني المزارعة.. ويقول النووي: «هم الأكّارون والفلاحون، وهذا كان وصْفًا لعامّة من كان في مملكة هرقل وسلطانه».. وقد ذكر اللفظة البيهقي في كتاب دلائل النبوة: «فإن عليك إثم الأكَّارين»، وفي رواية ابن وهب: «وإثمهم عليك» وقد ذكر أبو عبيد في كتاب الأموال: «وإلا فلا تحل بين الفلاحين وبين الإسلام.. وليس المراد بالفلاحين المزراعين خاصة؛ بل المراد بهم جميع أهل مملكته» وهنا أوضح أبو عبيد بأن العرب يعتبرون أن كل العجم فلاحون لمهارتهم بحرفة حراثة الأرض وزراعتها.. يؤكد ذلك ما ذكره أبو منصور الأزهري: «أحسِبُ الأَرِيسَ والإرِّيسَ بِمَعْنى الأكّار من كَلَام أهلِ الشَّام، وَكَانَ أهلُ السّواد وَمَا صاقَبَها أهلَ فلاحة وإثارَة للأرَضين، وهم رَعِيَّةُ كِسرَى، وَكَانَ أهلُ الرُّوم أهلَ أَثاث وصَنْعَة، وَيَقُولُونَ للمجوسيّ: أَرِيسيٌّ، يُنسَب إِلَى الأرِيس وَهُوَ الأكّار، وَكَانَت الْعَرَب تسمِّيهم الفلاّحين، فأَعلَمَهم النبيُّ ﷺ أنّهم وَإِن كَانُوا أهلَ كتاب فإنّ عَلَيْهِم من الْإِثْم إِن لم يُؤمنُوا بِمَا أُنْزِل عَلَيْهِ مثل إِثْم المَجوس والفلاّحين الّذين لَا كِتَاب لَهُم. وَ الله أعلم».

         ويؤكد ذلك ما ذكره ابن الملقّن في التوضيح أن معاوية رضي الله عنه كتب إلى الطاغية ملك الروم لما بلغه أنه يريد قصد بلاد الشام أيام صفين: «تالله لئن هممت على ما بلغني، وذكر كلامًا، ثم قَالَ: ولأردنك أريسًا من الأراسة ترعى الدوائل. يعني: ذكور الخنازير». ويؤكد الأصفهاني المعنى في كتابه الأغاني بأن الإكاريين – التي جاء بها محرفة –  بمعنى الأسلاف..

         وقيل: إنما ذكروا لأنهم كانوا كالمستخدمين لدى الروم في عهد هرقل، فنصّ على أنّ عليه إثمهم؛ لأنهم من جملة رعاياه وإن كانوا من الفرس.. فحمله إثم الأريسيين الموجودين بكل أنحاء الإمبراطورية حيث قال «فعليك إثم الأريسيين».

         أما مفهوم كلمة الأريسيين عند المؤخين الغربيين فقد انقسموا إلى فريقين، الفريق الأول وهم الكثرة: أنكر بأن الكلمة ليس معناها الفلاحين، ومنهم المؤرخ ديفيد بانث David Baneth الذي ذكر بأن كلمة أريسيين تعني الهراطقة المبتدعين، وأن الكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية عن «Heresy» بمعنى «بدعة». وأما روبرت سرجن Robert Sergran  فقد رأى أن ظاهر هذه الكلمة تعني بدعة أريوس..ويؤيدهما المؤرخ باشير Bashear  الذي أشار إلى أن هذه الكلمة تعني أتباع أريوس.

         أما الفريق الثاني وهم القلة فرفض بأن يكون يقصد بكلمة الإريسيين نسبة إلى أريوس وردوها إلى ما ذكرته المصادر العربية بأنها تعني الفلاحين.. وأن العلماء والفقهاء العرب يعتبرون أن مذهب أريوس(ت 336م) أقرب المذاهب المسيحية للإسلام؛ لأنه يقول بأن «الله واحدٌ فَردٌ غير مولود، لا يشاركه شيء في ذاته تعالى. فكل ما كان خارجًا عن الله الأحَد إنما هو مخلوق من لا شيء، وبإرادة الله ومشيئته»، وقد لعن وطرد من الديانة المسيحية في مجمع نيقية (325م).. فيكف يعتبرهم الرسول ﷺ في رسالته إلى هرقل بأنهم إثم؟!.

         ومن مؤرخي الغرب الذين أثبتوا ذلك جريم Grimme بأن كلمة الإريسيين الواردة في نص الرسالة مفردها «أرس» بمعنى الفلاحين.

         والسؤال هنا لماذا يكون حكم عدم إسلام هرقل بأن عليه إثم الإريسيين للمبتدعين الهراطقة، ولماذا ترتبط سيآتهم به؟

         في الحقيقة لا توجد علاقة بين كلمة «الأريسيين» وبين كلمة «البدعة» حيث إن سياق كلمة «الأريسين» مرتبط بالزراعة، كما أن لفظ «أرس aris» مشتق من الكلمة الآرامية «أريسvar. Arisa , arisha» والتي ورد ذكرها في الكتب اليهودية العهد القديم «الترجوم Tarums» و«التلمود Talmud» و «المدراس Midrash» والتي ورد ذكرها في الترجمة اليونانية لهذه الكتب، وكانت ترجمتها بالفلاح الأجير الذي يزرع أرض غيره مقابل حصوله على قدر معين من المحصول. وهذا خلاف الفلاح الذي يزرع ويدفع إيجارًا ثابتًا، وهذه الكلمة لم تستخدم في نسخ الأناجيل السريانية (سيناتيكوس Sinaaiticus، كوريتونيان Curetonian ، بشيطة Peshitta ، حرقليان Harklean) حيث نجد الفلاحين يشار لهم بكلمة «بيلاحي Pelahe» وهي مقابلة للعربية «فلاحين بالأجرة».

         أما في العهد الجديد فنجد هذه الكلمة في كتاب «الدروس الآرامية الفلسطينية»، ففي الدرس رقم «78» نجد أحد الأمثال عن الفلاحين الذين يشار إليهم بكلمة آريس وأريسين في أربعة مواضع.

         ولكي نفهم الإشارة إلى خطيئة الفلاحين يجب علينا أن نقرأ المثل برؤية إسلامية، ففي كثير من المصادر الإسلامية نجد عبارة : «فعليك إثم الإريسيين» وهي تشير إلى الآية (63) من سورة آل عمران: ﴿فَإِن ‌تَوَلَّوۡاْ ‌فَإِنَّ ‌ٱللَّهَ ‌عَلِيمُۢ ‌بِٱلۡمُفۡسِدِينَ﴾، فهذه الآية القرآنية تسبق الآية الموجودة في خطاب النبي ﷺ إلى هرقل .. ﴿‌قُلۡ ‌يَـٰٓأَهۡلَ ‌ٱلۡكِتَٰبِ ‌تَعَالَوۡاْ إِلَىٰ كَلِمَةٖ سَوَآءِۭ بَيۡنَنَا وَبَيۡنَكُمۡ أَلَّا نَعۡبُدَ إِلَّا ٱللَّهَ وَلَا نُشۡرِكَ بِهِۦ شَيۡـٔٗا وَلَا يَتَّخِذَ بَعۡضُنَا بَعۡضًا أَرۡبَابٗا مِّن دُونِ ٱللَّهِۚ فَإِن تَوَلَّوۡاْ فَقُولُواْ ٱشۡهَدُواْ بِأَنَّا مُسۡلِمُونَ﴾»(آل عمران:64). والعلاقة بين ﴿فَإِن ‌تَوَلَّوۡاْ﴾.. والتي وردت في الخطاب ليست مصادفة، وإثم الأريسين في الخطاب لابد أن يكون مرتبطًا بأولئك الذين يعيثون في الأرض فسادًا، كما ورد في القرآن.

         ونقرأ المثل الذي ورد في الإنجيل حيث حكى المسيح عليه السلام قصة صاحب الأرض قائلًا: (غَرَسَ رَبُّ بَيتٍ كَرْمًا فَسيَّجَه، وحفَرَ فيه مَعصَرَةً وبَنى بُرجًا، وآجَرَه بَعضَ الكرَّامين ثُمَّ سافَر. فلمَّا حانَ وَقتُ الثَّمَر، أَرسَلَ خَدمَه إِلى الكَرَّامينَ، لِيَأخُذوا ثَمَرَه. فأَمسَكَ الكرَّامونَ خَدَمَه فضرَبوا أَحدَهم، وقتَلوا غيرَه ورَجَموا الآخَر. فأَرسَلَ أَيضًا خَدَمًا آخَرينَ أَكثرَ عَددًا مِنَ الأَوَّلينَ، ففَعلوا بِهِم مِثلَ ذلِك. فأَرسَلَ إِليهِمِ ابنَه آخِرَ الأَمرِ وقال: «سيَهابونَ، ابْني». فلَمَّا رَأَى الكرَّامونَ الابنَ، قالَ بَعضُهم لِبَعض: «هُوَذا الوارِث، هَلُمَّ نَقتُلْهُ، ونَأخُذْ مِيراثَه». فأَمسَكوهُ وأَلقَوهُ في خارِجِ الكَرْمِ وقتَلوه. فماذا يَفعَلُ رَبُّ الكَرْمِ بِأُولئِكَ الكَرَّامينَ عِندَ عَودَتِه؟ «قالوا له: يُهلِكُ هؤُلاءِ الأَشرارَ شَرَّ هَلاك، ويُؤجِرُ الكَرْمَ كَرَّامينَ آخَرينَ يُؤَدُّونَ إِليهِ الثَّمَرَ في وَقْتِه»). (متى:21:33-41).

         يُعد إرسال النواب ثلاث مرات من قبل صاحب الأرض وسوء معاملتهم أمرًا مجازيًا حيث إنه في المرة الثالثة أرسل المالك (الله) إلى الفلاحين ابنه أي نبيه (عيسى عليه السلام) وبالتالي توقع نهاية استئجارهم لبستان العنب، فكأن عيسى عليه السلام تنبأ بسقوط الأراضي البيزنطية في يد المسلمين، وفي رسالة النبي محمد ﷺ تأكيد خطيئة الفلاحين الذين ذكروا في المثل الذي ضربه عيسى عليه السلام، وهنا ينبه النبي ﷺ الإمبراطور هرقل بأنه إذا لم يسلم فعليه إثم مثل هؤلاء الفلاحين وسيفقد مملكته ويتسلمها المسلمون.

         كما أن النبي ﷺ قال لهرقل في رسالته «أَسْلِمْ تَسْلَمْ يُؤْتِكَ اللَّهُ أَجْرَكَ مَرَّتَيْنِ» وهو إشارة إلى أنه أي هرقل إذا أسلم فسينال أجره مرتين، وهذا نظير الآية التي وردت في العهد الجديد (الإنجيل): «طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا» (إنجيل يوحنا 20: 29) و«وَطُوبَى لِمَنْ لاَ يَعْثُرُ فِيَّ» (متى 11:6) وقال المسيح عليه السلام «مَنْ آمَنَ وَاعْتَمَدَ خَلَصَ، وَمَنْ لَمْ يُؤْمِنْ يُدَنْ» (مرقص16 :16).

         فمن أخبر النبي ﷺ بما جاء به عيسى عليه السلام في الإنجيل، فالنبي ﷺ لا يتكلم من نفسه؛ بل كل ما يسمع يتكلم به أي لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى ﴿قُلۡ ‌مَا ‌كُنتُ ‌بِدۡعٗا ‌مِّنَ ‌ٱلرُّسُلِ وَمَآ أَدۡرِي مَا يُفۡعَلُ بِي وَلَا بِكُمۡۖ إِنۡ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَىٰٓ إِلَيَّ وَمَآ أَنَا۠ إِلَّا نَذِيرٞ مُّبِينٞ﴾ ﴿‌وَكَذَٰلِكَ ‌أَوۡحَيۡنَآ ‌إِلَيۡكَ ‌رُوحٗا ‌مِّنۡ ‌أَمۡرِنَاۚ مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ وَلَٰكِن جَعَلۡنَٰهُ نُورٗا نَّهۡدِي بِهِۦ مَن نَّشَآءُ مِنۡ عِبَادِنَاۚ وَإِنَّكَ لَتَهۡدِيٓ إِلَىٰ صِرَٰطٖ مُّسۡتَقِيمٖ﴾.

         إن إنكار رسالة النبي ﷺ لهرقل ولغيره من الملوك والأمراء إنكار لا يستند إلى دليل، فبعض الكتب التي أرسلها النبي ما زالت محفوظة إلى يومنا هذا في المتاحف العالمية.. ومثال ذلك وجود رسالة النبي ﷺ للمقوقس في متحف «توب كابي Top Kapi» في إستامبول بتركيا. وقد نشرت صورة الرسالة في مجلة العربي (العدد:110، ص:49)، ويمكن الرجوع إلى هذا العدد. ووجود هذه الرسالة يثبت الرسائل الأخرى، ولكن ليس من المستبعد أن يكون بعض رجال الدين والكهان ورهطهم من المؤرخين المزورين المحترفين قاموا بإخفاء مثل هذه الرسائل تمامًا، لطمس عالمية الإسلام، وعموم الرسالة، ومن أمثال هؤلاء المؤرخ والبطريرك ثيوفان Theophanes، وابن العبري Bar Hebraeus، ونيكتاس خونياتس Nicetas choniates، وغيرهم.

         وكيف يكون سبب معركة مؤتة (8هـ)- بشهادة المستشرقين- قتل الحارث بن أبي شمر الغساني لحامل رسالة رسول الله إلى ملك غسان ثم ينكرون وجود هذه الرسائل؟!!. ولماذا لم يهب هرقل لمحاربة الرسول ﷺ في تبوك؟ ولماذا لم يقد جيوشه للدفاع عن إمبراطوريته التي تتساقط مدينة مدينة في يد المسلمون واكتفى بإدارة المعارك من إنطاكية.          ومن يقرأ نص هذه الرسالة وينعم النظر في ألفاظها وترابطها بما جاء في الكتاب المقدس يجد أن الذي قال به عيسى عليه السلام وخاطب به النبي محمد ﷺ هرقل في رسالته إليه ليخرج من مشكاة واحدة، وقد تنبأ النبيان الكريمان عليهما أفضل الصلاة والسلام بزوال دولة الروم وقد زالت، وليس الأمر من قبيل المصادفة.


(*)         الباحث في التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية

          مدير مركز الطبري للدراسات الإنسانية.

مجلة الداعي، ربيع الآخر 1444هـ = نوفمبر 2022م، العدد: 4، السنة: 47

Related Posts