بقلم: الأستاذ/ سيد محبوب الرضوي الديوبندي -رحمه اللّه-

 (المتوفى 1399هـ / 1979م)

ترجمة وتعليق: محمد عارف جميل القاسمي المباركفوري(*)

تراجم خريجي دارالعلوم/ديوبند:

84- الشيخ مظهر الدين الشيركوتي رحمه الله:

         أصله من «شير كوت» بمديرية «بجنور». تخرج من دارالعلوم/ديوبند عام 1326هـ، ثم ولي التدريس بها أيامًا. ثم ولي رئاسة تحرير صحيفة «مدينة» الصادرة في «بجنور»، ثم أصدر – أولا- من دهلي صحيفة «الأمان»، ثم صحيفة «وحدت». كان من مشاهير الخطباء والصحافيين في الهند. عمل عددًا من الروايات التاريخية، التي لقيت قبولًا واسعًا يومئذ.

         له مشاركة فاعلة في حركة الخلافة. وكان من كبار الأنصار للعصبة الإسلامية. وكانت صحيفة «الأمان» من الصحف التي اكتسبت شعبيةً واسعةً في عصرها.

         تعرض لهجوم عليه في مكتب صحيفة «الأمان» عام 1358هـ/1938م، فقضى نحبه.

         جاء في تقرير لجنة «روزلت» عنه: «اشتغل مدرسًا في «دارالإرشاد» في «كالكوته» برئاسة مولانا أبي الكلام آزاد، كما ولي إدارة جريدة «البلاغ». وكان من مريدي الشيخ محمود حسن الديوبندي وأتباعه، وكان له حضور في الاجتماعات السرية في ديوبند».

85- الشيخ فضل ربي البيشاوري رحمه الله:

         من سكان مديرية «بيشاور» تخرج من دارالعلوم/ديوبند عام 1327هـ، ثم اشتغل في التدريس والإفادة في بلده. وهاجر إبان الحرب العالمية الأولى إلى «ياغستان» بإيعاز من شيخ الهند محمود حسن الديوبندي. وقام بتعبئة الناس للمشاركة في حرب التحرير ضد الحكومة البريطانية. ولما حمل الحاج ترنك زئي لواء الجهاد ضد الإنجليز، شاركه في الحرب. وانتهت هذه الحركة، فعاد إلى أفغانستان. وتم تعيينه في مصلحة التعليم في الحكومة الأفغانية نظرًا إلى كفاءاته وقدراته. وشغل عددًا من الوظائف الحكومية المرموقة. وكان الشيخ عضوًا بارزًا في جمعية علماء الهند، قضى معظم حياته في الخدمات العلمية والسياسية.

         جاء في كتاب «تحريك شيخ الهند»: «بعث به الشيخ محمود حسن الديوبندي إلى المناطق الحرة برفقة المولوي سيف الرحمن بهدف الدعوة إلى الجهاد. وإليه يرجع مسؤولية كثير من الحروب عام 1915م، وكان برتبة «الكولونيل» في قائمة الجنود الربانية(1).

86- الشيخ العلامة محمد إبراهيم البلياوي رحمه الله:

         أرخوا لاسمه بـ«غلام كبريا». ولد في عائلة علمية في «بليا» بولاية «أترابراديش» الشرقية عام 1304هـ، وانحدرت عائلته من مديرية «جهنك» في «بنجاب» إلى «جونفور»، ثم استوطنت «بليا» بعد مدة قليلة. تلقى مبادئ الفارسية والعربية في «جونفور» على الطبيب الشهير الحكيم جميل الدين النكينوي. وأخذ كتب المعقولات عن الشيخ فاروق أحمد الجرياكوتي، والشيخ هدايت الله خان- تلميذ الشيخ فضل حق الخير آبادي-، وجلس إلى الشيخ عبد الغفار- أحد أجلة تلامذة العلامة رشيد أحمد الكنكوهي- لدراسة العلوم الدينية، والتحق بدارالعلوم/ديوبند في أواخر عام 1325هـ، وقرأ بها «الهداية»، و«الجلالين» وغيرهما من المقررات الدراسية. وتخرج منها عام 1327هـ.

         وفي العام الذي تخرج في العلوم فيه عُيِّن مدرسًا ثانيًا في المدرسة العالية/فتحفوري، ثم اشتغل مدرسًا في مدرسة قصبة «عمري» بمديرية «مراد آباد» بعض المدة. واستُدعي إلى دارالعلوم/ ديوبند عام 1331هـ. وشغل منصب رئيس هيئة التدريس في كل من مدرسة دارالعلوم/مئو، والمدرسة الإمدادية/دربنجه في ولاية بيهار منذ عام 1340هـ إلى عام1344هـ. وأعيد استدعاؤه إلى دارالعلوم/ديوبند عام1344هـ. وجاء ذكره في تقارير عام 1344هـ بما يلي:

         «المولوي محمد إبرهيم ذو كفاءة وقدرة في العلوم كلها، يقوم بتدريس جميع كتب المعقول والفلسفة على أحسن وجه. ويشتغل في تدريس دروس المرحلة النهائية في علم المنطق والكلام أمثال: «صدرا»، و «الشمس البازغة»، و «قاضي مبارك»، و«حمد الله»، والأمور العامة علاوة على «شرح المطالع»، و«شرح الإشارات»، ونحوهما. ويميل إليه الطلاب ميلًا عظيمًا. وهو حسن العرض والإلقاء. والحاصل أنه مدرس يستحق نهاية التقدير والاستحسان، ونال صيتًا واسعًا».

         واعتزل دار العلوم/ديوبند مرةً أخرى عام 1362هـ، فشغل أولا منصب رئاسة التدريس في الجامعة الإسلامية/دابيل، ثم ولي رئاسة التدريس في بعض المدارس في «هاتهزاري» بمديرية «تشاتكام» بولاية «بنغال». وفي نهاية المطاف عاد إلى ديوبند بشفاعة من الشيخ محمد طيب وبموافقة من المجلس الاستشاري عام 1366هـ. وولي رئاسة التدريس بدارالعلوم/ديوبند عام 1377هـ في أعقاب وفاة الشيخ حسين أحمد المدني رحمه الله. واستمر عليها حتى آخر لحظة من حياته. وتجاوز عدد تلامذته الآلاف، ينتشرون في مختلف بلاد آسيا وإفريقية علاوة على شبه القارة الهندية.

         كان العلامة محمد إبراهيم البلياوي شخصية منقطعة النظير في العلوم والفنون كلها، و خاصة في علم العقائد والكلام. ولامثيل لما قام به من خدمات في التفسير والحديث والعقائد والكلام وغيرها من العلوم. ويستغرق الفترة الزمنية لتدريسه اعتبارًا من 1327هـ إلى 1387هـ ستين سنةً. وكان الطلاب يحضرون دروسه بشوق ونهم كبيرين. ويتمنون الاستفادة من إفاداته العالية. وكانت دروسه تجمع بين الاختصار والشمول. وأسلوبه فيها يعلوه الوقار والرزانة. وكان يحمل ملكةً خاصةً وكمالًا في شرح المسائل وحلها بالطرائف والنكات، والتدقيقات، وسعة النظر. وكان يطبق القصص والحكايات على المسائل تطبيقًا يتجلى به نواحي المسألة كلها. ومما يمتاز به درسه أنه كان يغرس في تلامذته المناسبةَ العميقة مع الفن، وتنفتح لهم أبواب العلم والمعرفة. ولم يكن له نظير في علم العقائد والكلام والمنطق والفلسفة في عصره. وكان يستخدم الدراية أكثر من الرواية في الحديث. وكان ذا نظرة واسعة في علوم الإمام محمد قاسم النانوتوي. و يجمع بين التتلمذ على شيخ الهند ومبايعته.

         ومن أعماله: رسالة في المصافحة، ورسالة في التراويح باللغة الأردية. وله رسالة أنوار الحكمة في الفارسية. وتحوي هذه الرسالة مواد المنطق والفلسفة. وله حاشية «ضياء النجوم على سلم العلوم» باللغة العربية. كما أن له حواشيَ على كل من «الميبذي»، و«الخيالي»، وللأسف تطرق إليها يد الضياع. وبدأ تعليقات على جامع الترمذي، ولكن وافته المنية قبل أن يكملها.

         وكان مريضًا منذ مدة طويلة، ولبى نداء ربه في 24/رمضان 1387هـ، وقت الظهر عن عمر يبلغ (84) عامًا، ودفن في المقبرة القاسمية.

87- الشيخ السيد فخر الدين أحمد رحمه الله:

         أصله من «هافور» وانحدر من آبائه السيد قطب والسيد عالم مع إخوتهما الآخرين من «هرات» إلى دهلي على عهد الملك شاه جهان. وكانوا علماء بارزين في عصرهم. فأنشأ الملك شاهجهان مدرسة في «هافور» ليقوموا بالتدريس والإفادة فيها. وينتهي نسب السيد عالم إلى الإمام حسين رضي الله عنه بـ(26) واسطة.

         ولد عام 1307هـ/1885م في «أجمير»، حيث كان جده السيد عبد الكريم رئيسًا لبعض المخافر في مصلحة الشرطة. بدأ دراسته وهو ابن أربع سنوات. وقرأ القرآن الكريم على والدته، وتلقى الفارسية على أعضاء عائلته، وبدأ قراءة الصرف والنحو وهو ابن اثنتي عشرة سنة على الشيخ خالد – أحد علماء عائلته-، وحدثت نفسُ أبيه خلال ذلك بإحياء المدرسة التي أنشئت لآبائه. وكانت المدرسة قد ذهبت ضحية ثورة عام 1857م. فتلقى الدراسة فيها سنوات، ثم أرسلوه إلى مدرسة منبع العلوم/ كلاؤتهي، فقرأ على الشيخ ماجد علي مختلف الكتب الدراسية. ثم صحب شيخَه ماجد علي إلى دهلي. فقرأ كتب المعقولات في مدارسها. وقدم عام 1326هـ/1908م دارَ العلوم/ديوبند، فاختبره شيخ الهند محمود حسن لقبوله فيها. فنجح فيه بدرجات ممتازة. وأكمل دورة الحديث الشريف في عامين لا في عام واحد امتثالا لرغبة شيخ الهند. وكان شرع تدريس الطلاب كتب المعقول وهو طالب في دارالعلوم/ديوبند.

         وتخرج من دارالعلوم/ديوبند عام 1328هـ/ 1910م وعُيِّنَ مدرسًا بها. ثم أرسله علماء ديوبند في شوال عام 1339هـ/1911م إلى مدرسة شاهي /مراد آباد. فلبث فيها نحو (48) سنة. واكتسب العلم منه خلال هذه المدة التي تقارب نصف قرن من الزمان كثير من طلاب الحديث(2).

         كان الشيخ من خاصة تلامذة كل من شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، والعلامة السيد أنور شاه الكشميري. فكانت دروسه تجمع بين ألوان الشيخين الجليلين. فكانت دروسه في الحديث مبسوطة مفصلة للغاية، تتطرق إلى جميع نواحي الحديث، وتشبعها بحثًا. وكان يسرد مذاهب الفقهاء، ثم يشرح ما يؤيد المذهب الحنفي الفقهي بأدلة قوية، تشرح قلب السامع وتبعث فيه الطمانينة. ولايختلج في ذهنه شيء. وكان يسرد علوم ومعارف مشايخه بجانب نصوص مختلف شروح البخاري في دروسه. وكانت أماليه في دروس الحديث تجمع بين البسط والتفصيل والتسهيل والتأصيل في القلب، مما يوفر فرصة الاستفادة حتى للطلاب القليلي الصلاحية والقدرة. وكان أسلوب تدريسه صافيًا ومتينًا. ويتجلى فيه ميزات جماله الظاهر كلها على أكمل وجهٍ. فكانت دروسه في صحيح البخاري تلقى القبول والشعبية العامة. وحضر نحو ثلاث مئة إلا خمسًا و عشرين طالبًا دروسه في الحديث عام 1390هـ/1970م. واستمر نحو هذا العدد في دورة الحديث الشريف كل عام.

         واختاره أعضاء المجلس الاستشاري لمشيخة الحديث في دارالعلوم/ديوبند بعد وفاة الشيخ حسين أحمد المدني عام 1377هـ/1957م. وسبق أن قام الشيخ بتدريس صحيح البخاري مرتين إبان إسارة الشيخ المدني وترخصه من دارالعلوم/ديوبند.

         وكان له صلة وطيدة مع السياسة الوطنية والقومية بجانب المناشط التعليمية. وتعرض من أجل ذلك لمشقات الأسر والسجن. كما ولي نيابة رئاسة جمعية علماء الهند مرتين إبان رئاسة الشيخ المدني للجمعية. ثم ولي رئاسة الجمعية حتى آخر لحظة من حياته.

         وفي آخر عمره حين فسدت صحته، تم نقله للمعالجة إلى «مراد آباد» للاستجمام حيث كان ذووه نازلين. وقد جاء الأجل المحتوم، فمرض مدةً يسيرةً ليلة النصف من 20/صفر عام 1392هـ [5/أبريل1972م]، وغربت شمس العلم والفضل هذه في أرض مراد آباد للأبد.

88- الشيخ شائق أحمد العثماني رحمه الله:

         ولد في 25/ربيع الأول عام 1311هـ. وأصله من «بوريني» بمديرية «باغلفور». تلقى مبادئ العلم في «بوريني»، و«مونغير»، وأنشئت المدرسة النعمانية فالتحق بها. وكان الشيخ إعزاز علي الأمروهي من أعضاء هيئة التدريس بها. وتأدب على شيخ الأدب أربع سنوات في المدرسة النعمانية. والتحق بدارالعلوم/ديوبند عام 1327هـ. وشارك في دورة الحديث الشريف عام 1328هـ، وفاز بدرجة امتياز. وبايعه شيخ الهند بعد ما تخرج في العلوم. وولي التدريس سنة واحدة في دارالعلوم/ ديوبند عام 1331هـ.

         وأنشأ الشيخ السندي عام 1331هـ مجلس «نظارة المعارف» في دهلي، فصحبه الشيخ شائق أحمد واستفاد منه علوم القرآن ومعارفه بجانب تلقيه التربية السياسية عليه. ولتعرف كيف كانوا يربون الشباب تربيةً سياسيةً اقرأ ما قاله الشيخ شائق أحمد: «كان الشيخ السندي ربما يكلفنا كتابة بحث حول موضوع «كيف تقوم بتدبير شؤون البلاد إن وُلِّيتَ حكم الهند»(3).

         ووصل الشيخ شائق حبله بحبال زاوية «مونغير» بعض المدة، وكانت فتنة القاديانية قد أطلت برأسها يومذاك، فأبلى الشيخ شائق بلاءً حسنًا في ملاحقة ذيول هذه الفتنة وجيوبها. وألف بدوره عددًا من الكتب في الرد على القاديانية، وكلف غيره ذلك. وأنشئت مطبعة لتحقيق هذا الهدف في زاوية «مونغير»، وأصدرت مجلة شهرية كان الشيخ شائق يتولى رئاسة تحريرها(4). و تحول الشيخ شائق إلى «كالكوته» أيام حركة الخلافة. وعُيِّنَ مسؤولا عن قسم النشر والإعلام في لجنة الخلافة. وساهم يومئذ في حركة الخلافة بنشاط عظيم.

         وأصدر الشيخ شائق صحيفةً سماها «عصر جديد» في «كالكوته» في أواخر عام 1921م. ولم يمض على ذلك إلا شهر واحد حتى صدر الحكم ضد الشيخ شائق بالحبس الشاق وفق بند (505) من قانون العقوبات الهندي. وهذا هو البند الذي رفعت قضية على وفقه ضد كل من الشيخ حسين أحمد المدني، وإخوة علي وغيرهم. وقامت صحيفة «عصر جديد» بخدمات رائعة لحركة الخلافة والملة الإسلامية. كما أن نشر فيوض شيخ الهند العلمية من مآثر صحيفة «عصر جديد».

         ظل الشيخ شائق شغوفًا بالقرآن الكريم، وعمل تفسيرًا على الجزئين الأخيرين علاوة على تفسير عدد من السور، لقي قبولًا واسعًا.

         وتحول الشيخ شائق في فبراير عام 1948م من «كالكوته» إلى كراتشي، وأصدر بها صحيفة «عصر جديد»، ولكن لم تستمر هذه الصحيفة في الصدور إلا ثلاث سنوات، ثم توقفت عنه(5).

*  *  *

الهوامش:

(1)    تحريك شيخ الهند،ص 36-37.

(2)    إيضاح البخاري 1/7-12.

(3)    مجلة العلم، كراتشي، العدد: يناير– مارس عام 1960م، ص71.

(4)    مجلة العلم، كراتشي العدد: يناير – مارس عام 1960م، ص73.

(5)    في الوقت الذي نعد فيه تراجم مشاهير علماء دارالعلوم/ديوبند هذه قد توقف التزاور والبريد بين البلدين من جراء الحرب التي نشبت بينهما عام 1972م. فلم نجد سبيلا إلى الوصول إلى تراجم خريجي دارالعلوم/ديوبند في باكستان. ولم نعثر على شيء من أحوال أولئك خلال هذه المدة. *  *  *


(*)      أستاذ الحديث واللغة العربية وآدابها بالجامعة.

مجلة الداعي، شعبان 1444هـ = مارس 2023م، العدد: 8، السنة: 47

Related Posts