دراسات إسلامية
ملخص البحث:
يتناول البحث دراسة تحليلية للتفسير العثماني لصاحبه العلامة شبير أحمد العثماني من أعيان القرن الرابع عشر الهجري، وقبل الخوض في هذه الدراسة ترجمتُ للمفسر ترجمةً موجزةً من ذكر اسمه، و نسبه، ومولده، ووفاته، ودراسته، وتخرجه، وتدريسه، وأعماله العلمية، ومآثره الخالدة. والعناصر التي تناولتُها بالبحث والدراسة فيما يخص التفسير هي: خلفية تأليف التفسير العثماني، مكانة التفسير العثماني، هل التفسير العثماني تفسير مستقل أوتعليق على تفسير؟ ورع المؤلف وتقواه وحذره وحيطته، بصره بعلوم التفسير وأصوله، علم الحديث وأصوله، تضلعه من الفقه الإسلامي، علمه بالأسرار، نظرته إلى التفسير بالرأي، ومصادره في تفسيره، استقلاليته في التفسير، موقفه من الروايات الإسرائيلية، موقفه من الأقوال المختلفة المروية عن الصحابة -رضي الله عنهم-، الوسطية في بيان المسائل الخاصة بالتفسير، تفسير القرآن بالقرآن، تفسير القرآن بالحديث، تفسير القرآن بأقوال الصحابة، معرفته باللغة ومدى اهتمامه بشرح الغريب، المناسبات بين الآيات القرآنية، الرد على الفرق والاتجاهات المنحرفة، تراجم التفسير العثماني إلى اللغات الأخرى.
المؤلف:
هو شبير أحمد بن فضل الرحمن العثماني (1305-1369هـ/1887-1949م)، ينتهي نسبه إلى سيدنا عثمان -رضي الله عنه-. ولد في ديوبند، وحفظ القرآن الكريم، وقرأ الفارسية على مشايخ المدينة، وشرع في دراسة العربية في دارالعلوم/ديوبند على مشايخها أمثال: الإمام المحدث الفقيه المجاهد في سبيل الله شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، وتخرج في دارالعلوم/ديوبند عام 1325هـ/ 1908م. وبدأ الحياة العلمية بالتدريس في مدرسة الفتحبوري بدهلي، ثم استدعته دار العلوم/ديوبند إليها للتدريس في المرحلة العليا، فمكث بها سنوات عدة، واعتزل دارالعلوم/ ديوبند عام 1346هـ/ 1928م، وغادر إلى «دابيل» بولاية «غجرات»، و ولي رئاسة التدريس بجامعتها عقب وفاة العلامة الكشميري رحمه الله. ثم شغل منصب الرئيس العام لدارالعلوم/ديوبند عام 1354هـ/1936م، وكان من الخطباء المصاقع والأدباء المترسلين المبرزين، ألّف عددًا من الكتب ينمّ عن عمق علمه، وسعة اطلاعه، وطول باعه في العلوم الإسلامية إلى جانب تحركاته ونشاطاته السياسية وبلائه الحسن في تحرير البلاد. وتولّى منصب عضو بارز في حركة الخلافة عام 1333هـ/1914م. وكان من كبار قادة جمعية علماء الهند، ورأسها لمدة من الزمان، وانضمّ عام 1365هـ/1946م إلى العصبة الإسلاميّة. وقبل تقسيم الهند بعام واحد، في عام 1366هـ/1947م انتقل إلى باكستان، التي احتَفَتْ به احتفاءً كبيرًا، وعرف بـ«شيخ الإسلام»، وعين عضوًا في لجنة وضع الدستور ورئيسًا للجنة أيضًا. توفي رحمه الله بمديرية «بهاول بور» بباكستان، و دفن بكراتشي. وله «حواشٍ وتعليقات مفيدة جدًّا على ترجمة أردية للقرآن الكريم للعلامة محمود حسن الديوبندي»- و هوموضوع هذه الدراسة-، قام بطبعها وتوزيعها مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة منذ سنوات، بكميات كبيرة، و «فتح الملهم»- بالعربية، شرح على صحيح مسلم-، وغيرهما من الكتب النافعة المفيدة(1).
التفسير العثماني
خلفية تأليف التفسير العثماني:
قبل الكلام على التفسير العثماني بالتفصيل نقدم خلفية تأليفه. فلايخفى على من له إلمام بتاريخ المسلمين الثقافي العلمي في شبه القارة الهندية أن المحدث الكبير الشاه عبد القادر الدهلوي رحمه الله(2) عمل ترجمة لمعاني القرآن الكريم وبعض التعليقات الخفيفة عليها، وكانت مفيدة جدا رغم وجازتها واختصارها. ثم جاء شيخ الهند محمود حسن الديوبندي رحمه الله(3) وعمل ترجمة لمعاني القرآن الكريم في أسلوب العصر الحاضر، و انتهى الشيخ من عمل الترجمة، فعمل هذه الحواشي من جديد بأسلوبه الخاص، ففصل ما أجمله الشاه عبد القادر من هذه الحواشي فيما تطلب ذلك، كما عمل حواشي وتعليقات إضافية مفيدة كذلك، ولم يصل شيخ الهند في عمله هذا إلى سورة آل عمران حتى اخترمته المنية، وبقيت الفوائد التفسيرية ناقصة.
وقيض الله تعالى الشيخ العثماني لإتمام هذا العمل العظيم الذي بدأه شيخه شيخ الهند، وجعل نصب عينيه أهداف شيخه، وأقبل عليه بكل أدب واحترام ولم يألُ جهدا في ذلك، وواصل عمله حتى أتمه يوم عرفة من عام 1350هـ في ديويند(4).
خصائص التفسير العثماني:
ما يمتاز به التفسير العثماني:
1- يتصف بالجمع والاستيعاب- رغم وجازته واختصاره – بحيث يغني في معظم الأماكن عن مصادر التفسير المطولة.
2- يوضح التناسق والربط بين الآيات القرآنية توضيحًا يجعل القارئ – وهو يقرأ ترجمته –يشعر بالتسلسل المتكامل بينها، دون تفكك وتقطع بينها.
3- يحاول التوفيق بين الآيات المتعارض ظاهرها بتقرير سهل مبسوط.
4- يكشف الشبهات التي تثار في العصر الحاضر ويرد عليها ردًّا وافيًا شافيًا بالإضافة إلى إيراد الأدلة العقلية بأسلوب خلاب يخاطب القلوب ويستسيغه العقول.
5- يورد القول الراجح من أقوال العلم المختلفة في تفسير الآيات مشفوعًا بأسباب الترجيح.
6- يتضمن إشارات علمية لطيفة لأهل العلم ترشد إلى حل المشكلات التي قد تثار في معظم الأماكن.
7- يُعنى عنايةً فائقة بتفسير القرآن الكريم بلغة سهلة ميسورة تنسجم مع الأساليب اللغوية الجديدة، لاتزال لغته حية نابضة رغم مرور أكثر من ثمانين عامًا عليه(5).
مكانة التفسير العثماني:
نستعرض في هذه السطور أقوال العلماء في التفسير العثماني لنتبين قيمة الكتاب وأهميته.
فمما يكشف عن أهميته ومكانته في القلوب أن الشيخ العثماني لقي الشيخَ أشرف علي التهانوي (1280-1362م/1863-1943م)(6) وهو في مرض وفاته في «تهانه بهون» فقال له التهانوي: «قد حبست لله تعالى مصادري وكتبي كلها إلا كتابين أحبهما كثيرا، وهما المصحف الذي عليه تفسيرك– التفسير العثماني- وكتاب جمع الفوائد. وهذا يوحي إلى مكانة التفسير العثماني في قلب التهانوي -رحمه الله- وهو هو في علمه و نبوغه وتجاربه الواسعة وورعه وتقواه.
وقال الشيخ أنور شاه الكشميري (1292-1352هـ/1875-1933م(7): «قد تكرم الشيخ شبير أحمد العثماني على العالم الإسلامي بعمل كتاب التفسير». ولا أروع وأحسن تعليقًا موجزًا على الكتاب من كلمة الكشميري هذه.
وكتب العلامة عبيد الله السندي (1289-1363هـ/1872- 1944م)(8) حين اطلع على الكتاب وهو بمكة المكرمة: «إن التفسير الذي عملتَه يسري فيه روح شيخ الهند وإلا فإن عمل تفسير مثله مما يفوق خيالي وتصوري».
ويقول شيخ الإسلام حسين أحمد المدني رحمه الله (1296-1377هـ/1879-1957م)(9): «قد جعل الله تعالى بمنه وكرمه العلامة المحقق الشيخ شبير أحمد العثماني – زيد مجدهم- كوكبًا من كواكب الإسلام الساطعة، وإن ما يحمل الشيخ من الذكاء الخارق، والخطابة النادرة، والكتابة المنقطعة النظير، والذاكرة الغريبة العجيبة، والتبحر العلمي الفاقد النظير وغيرها من الكمال العلمي لايسع من له عقلية عادلة أن يشك فيه. وإن الله تعالى صرف همة الشيخ إلى تكميل الفوائد وكشف المغلقات، فأقام الحجة البالغة المنقطعة النظير على العالم الإسلامي عامةً وعلى أهل الهند خاصة. ولاشك أن الشيخ المفسر قد أغنى عن كثير من مصادر التفسير المطولة، وجمعَ البحار في كوز واحد(10).
ويقول الخواجه عبد الحي فيه(11): «وهذا كله من نفحات وبركات من يعتد – بحق – تاج المفسرين وأبصرَ الناس بحِكَم القرآن الكريم وبصائره في شبه القارة الهندية. فإن الشيخ شبير أحمد العثماني قد فجر قلمه الرشيق ينابيع من بلاغة القرآن الكريم في جانب، وفي جانب آخر نَثَرَ لآلي ودررًا من المعارف القرآنية على الأوراق».
ويقول الشيخ أحمد سعيد الدهلوي (…-1960م)(12): «لم أطلع على كنز مختصرجامع للمطالب القرآنية باللغة الأردية خيرًا منه حتى الآن».
ويقول مؤرخ الإسلام الشيخ أكبر شاه النجيب آبادي (13)-: «ما يمتاز به الشيخ شبير أحمد العثماني في أوساط علماء ديوبند من الفقه القرآني وتدبره قد حبب الشيخَ إلى قلبي، وجعل تصوره سلوة لفؤادي، فقد عمل الشيخ حواشي مختصرة جامعة مانعة تقريبا لمعاني القرآن الكريم إلى أذهان الأوساط الأردية، فإنه لم يزد على شرح معاني و مطالب الآيات القرآنية بأسلوب سلس مبسط فصيح قريب المنال في الغالب، ولم يَفُتْهُ موضع منغلق إلا شرحه وكشفه».
ويقول السيد سليمان الندوي رحمه الله (1302-1372هـ/1885-1953م(14): «والحق أن حواشيه القرآنية خير مثال على مآثره الكتابية والعلمية في اللغة الأردية، ويتجلى من هذه الحواشي فهمه القرآني، واستيعابه للتفاسير وقدرته على الشرح وتقريبه إلى أذهان العامة مما يفوق الحصر والبيان. وآمل أنها تعود بنفع عظيم على المسلمين».(15)
ويقول الشيخ عبد الماجد الدريابادي– صاحب التفسير الماجدي باللغة الأردية(16) – في التفسير العثماني وترجمة معاني القرآن الكريم: «أود أن أغتبط بالسيد محمد مجيد حسن البجنوري– صاحب صحيفة «أخبار مدينة» وخادم صاحب المدينة-، حيث إنه يجمع لنفسه من سعادة خدمة القرآن الكريم بصورها وألوانها مالا يعلمه إلا الله تعالى؛ فقد مضت أعوام على أن قام بطبع ترجمة شيخ الهند لمعاني القرآن الكريم إلى الأردية، وها هو ذا يطبع اليوم الحواشي على هذه الترجمة لتلميذه شيخ العالم وشيخ الحديث بدارالعلوم/ديوبند سابقا، وشيخ الحديث بجامعة «دابيل» حالا، وهي تشكل هدية منقطعة النظير للمسلمين، فإذا كان إحداهما تمثل إكسيرا لذوي العقليات الجديدة، فريدًا من لونه ونوعه؛ فإن الثانية يعز مثيلها في أسلوبها وعرضها. و إذا كانت اللبنة الأولى تعكس منظر الطور؛ فإن الثانية – من غير شك وريب- تشكل نورًا على نور، وذلك فضل الله، وإذاكانت تعليقات الشيخ شبير أحمد العثماني على صحيح مسلم غزيرة المواد و محققةً على مذهب أهل السنة في جانب، فإنها في جانب آخر تلبي الحاجات، وتشتمل على الحكم والأسرار، فإنك تقرأها والطعون التي أثارها أعداء الإسلام تُجتث جذورها من فوق الأرض مالها من قرار بصورة تلقائية، وتعود الزيوغ التي أحكم أهل الباطل نسجَها هباءً منثورا، أضف إلى أنه لايسمي أحدًا من الخصوم والفرق فضلا عن تسديد سهام الأذى إلى أحد منها».
ويعلق الشيخ ظفر علي خان(17) في مقاله المنشور في صحيفة «زميندار» بتاريخ 14/ديسمبر عام 1949هـ على تفسير الشيخ العثماني بقوله: «وهو– الشيخ شبير أحمد العثماني- من العلماء المعدودين الذين لهم نظرة بالغة في حقائق كتاب الله تعالى ومعارفه، والذين يتمتعون بكفاءة وافية في علم القرآن الكريم وفهمه بعد الشاه عبد العزيز (1159-1239هـ/1746-1823م)(18)، والشاه ولي الله الدهلوي (111-6 117هـ/1702- 1762م)(19)، وشيخ الهند محمود حسن الديوبندي (1268-1339هـ/1851-1920م)».
وجاء في تقريظ علماء فخر المدارس/هرات (كابول) على الطبعة الفارسية من التفسير العثماني ما معناه: «هذا التفسير يحتل محلَّ داعية دينية، ومدرس علمي، و بصير بالفقه، ومعلم أخلاقي. والجهود التي بذلها علماء (أفغانستان) في نقله من الأردية إلى الفارسية التي امتدت على أعوام، وجهود صاحب المطبعة في طبعته؛ كل ذلك يستحق التقدير والتثمين والتحسين. وهذا التفسير يعمل على توحيد عرى الوحدة الملية والقومية، ويحتل مكانةً مرموقة مباركة في المعلومات الدينية والعلمية. هذا التفسير– في رأي علماء مدرسة فخر المدارس- يشكل نشره ومطالعته رائدًا للأوساط العلمية والشعبية بصورة عامة فيما يهمهم في أمر معاشهم ومعادهم. ولن يزيد التمكن من هذا التفسير والرغبة في مطالعته الناس في هذه البلاد إلا احترامًا للأحكام الدينية وصيانةً للحقوق التي بين الخالق والمخلوق، وسيادة العدل بصورة فاعلة. و هذا التفسير يقوم مقام الإرشاد الأخلاقي الديني الصحيح للناس عامة، وعما قريب تترتب آثاره الطيبة التي تنفي اعتداءات الشعب وانتهاك حقوق الناس وظلمهم والفساد الخلقي. وإن معظم الناس في بلدنا على غفلة عن الدساتير الدينية الشرعية بالإضافة إلى الفروع الدينية ومعاني القرآن الكريم. وهذا التفسير يشكل وصفاتٍ مجربةً تجلب الشفاء على المرضى الضعاف الأخلاق وتخلصهم من الأمراض».
وننهي أقوال العلماء في التفسير العثماني بما قاله الشيخ محمد يوسف البنوري(1326-1397هـ/ 1906-1977) في مقدمته على «مشكلات القرآن» لصاحبه العلامة أنور شاه الكشميري، فيما يخص ترجمة شيخ الهند لسورة البقرة وسورة النساء إلى الأردية، وما بقي من التفسير العثماني، حيث قال الشيخ: «ومن أراد حل نظم القرآن الكريم في لغة أردوية هندستانية بأبدع أسلوب وأفصح تعبير في أقصر وقت، فعليه بمطالعة الفوائد التفسيرية على القرآن الكريم لشيخ مشايخنا شيخ العصر العارف مولانا محمود الحسن الديوبندي – ت 1339هـ- المدعو بشيخ الهند-رحمه الله تعالى- ومحقق العصر الحاضر شيخنا و مولانا شبير أحمد العثماني – أطال الله بقاءه وأوفر للأمة رواءه – فإنهما أتيا فيها بعجب العجاب في حل نظم الكتاب، وإفصاح غرض التنزيل بكلمات كلها درر ذات بهاء وغرر ذات سناء. وربما لاتحل عقده من تصفح هذه المجلدات الكبيرة وتفقد هذه المادة الزاخرة وجدها قد حلت بأخصر عبارة أو ألطف إشارة، فشكر الله مسعاهما الجميل»(20).
التفسير العثماني:
علم التفسير أشرف الصناعات التي يتعاطاها الإنسان، فإن شرف صناعة من الصناعات يرجع إلى ثلاثة أشياء: إما شرف موضوعها، أو شرف صورها، وإما إلى شرف أغراضها. وعلم التفسير قد حصل له الشرف من جهاته الثلاث؛ فإن «موضوع المفسركلام الله تعالى: الذي هو ينبوع كل حكمة، ومعدن كل فضلٍ. وصورة فعله: إظهار خفيات ما أودعه مُنْزِلُهُ من أسراره ﴿لِّيَدَّبَّرُوٓاْ ءَايَٰتِهِۦ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُواْ ٱلۡأَلۡبَٰبِ﴾ [ص:29]، وغرضه: التمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، والوصول إلى السعادة الحقيقة التي لافناء لها»(21).
وتحدث الراغب الأصفهاني(ت 502هـ) عن العلوم التي لابد للمفسرمعرفتها بالتفصيل في مقدمة تفسيره ثم لخصها بقوله: «فجملة العلوم التي هي كالآلة للمفسر، ولايتم صناعة إلا بها هذه العشرة: علم اللغة، والاشتقاق والنحو، والقراءات والسير، والحديث، وأصول الفقه، وعلم الأحكام، و علم الكلام، وعلم الموهبة. فمن تكاملت فيه هذه العشرة، واستعملها خرج عن كونه مفسرًا للقرآن برأيه، ومن نقص عن بعض ذلك مما ليس بواجب معرفته في تفسير القرآن، وأحس من نفسه في ذلك بنقصه، واستعان بأربابه، واقتبس منهم واستضاء بأقوالهم لم يكن – إن شاء الله – من المفسرين برأيهم، فإن القائل بالرأي- ههنا – من لم تجتمع عنده الآلات التي يستعان بها في ذلك، ففسره وقال فيه تخمينًا و ظنًا. وإنما جعله النبي-ﷺ- مخطئًا وإن أصاب، فإنه مخبر بما لم يعلمه، وإن كان قوله مطابقًا لما عليه الأمر في نفسه. ألا ترى أن الله تعالى قال: ﴿إِلَّا مَن شَهِدَ بِٱلۡحَقِّ وَهُمۡ يَعۡلَمُونَ﴾ [الزخرف:86]، فشرط مع الشهادة العلم، وكذَّب المنافقين في قولهم: ﴿نَشۡهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّه﴾ [المنافقون:1]، فقال: ﴿وَٱللَّهُ يَشۡهَدُ إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ لَكَٰذِبُونَ﴾ [المنافقون:1]. من حق من تصدى للتفسير أن يكون مستشعرًا لتقوى الله مستعيذًا من شرور نفسه والإعجاب بها، فالإعجاب بالنفس أسُّ كل فساد، وأن يكون اتهامه لفهمه أكثر من اتهامه لفهم أسلافه الذين عاشروا الرسول وشاهدوا التنزيل، وبالله التوفيق(22).
والناظر في التفسير العثماني يتبين أن المؤلف -رحمه الله- كان على حظ عظيم من العلوم التي تشكل آلة للمفسركما نتحدث في الصفحات التالية.
هل التفسير العثماني تفسير مستقل أو تعليق على تفسير:
تعوَّد الناس في شبه القارة الهندية إطلاق «الحواشي أو الفوائد» على التفسير المنشور في هوامش القرآن الكريم، سواء كانت هذه الفوائد مبسوطة مطولة تجمع شتات الموضوع أوكانت موجزة أو متوسطة. وعليه أطلق على التفسير العثماني «الحواشي أو الفوائد»، ويرى بعض الباحثين أن هذا الصنيع غير دقيق؛ فإن تفسير الجلالين رغم وجازته – حتى قالوا: إن حروفه لاتزيد على حروف القرآن الكريم إن لم تكن أقل منها- يطلقون عليه التفسير؛ لأنه نشر في متن الكتاب وفي ثنايا الآيات الكريمة. والتفسير العثماني جاء موجزًا ومتوسطًا ومطولا طبقًا لمقتضيات المقام. فيجب أن ندرجه ضمن كتب التفاسير لا الهوامش التفسيرية. وذلك يدعونا إلى نشره في كتاب مستقل لا كهوامش على القرآن الكريم مع ترجمة شيخ الهند لمعاني القرآن الكريم إلى الأردية مما يوحي إلى أنه ليس تفسيرًا مستقلا، وإنما جاء تعليقا على ترجمة شيخ الهند(23).
ورعه وتقواه وحذره وحيطته:
من الأمور التي يجب أن يتحلى به المفسر: تقوى الله تعالى و ورعه؛ فإن التفسير يتطلب قبل كل شيء أن يكون المفسر على جانب عظيم من الحذر والحيطة في التفسير، ولايقول قولا إلا نابعًا عن دليل مشفوعًا ببرهان. ولايتأتى الحذر والحيطة إلا بعمارة القلب بتقوى الله تعالى و ورعه. والناظر في حياة الشيخ العثماني يجد ذلك واضحًا؛ فإن قلبه كان عامرا بتقوى الله تعالى، يصلي صلاة الخاشع الخاضع المتبتل، رقيق القلب مرهف الحس، يغمر قلبه عظمة الله وكبرياؤه وحب الله ورسوله. وخير دليل على ذلك ما ذكره الشيخ سليمان الندوي- وكان برفقته في رحلة الحج-: «انطلقنا من جدة إلى مكة بـباص، فلما دنت مكة المكرمة غلبت الشيخَ (شبير أحمد العثماني) حالةٌ عجيبة، وكان أهلَّ بالقِران، وكنا أهللنا بالتمتع، وكلما دنت مكة المكرمة ازداد الشيخ حزنًا وقلقًا، وأجهش بالبكاء»(24).
ومن ورعه وتقواه ما يحكيه لنا الشيخ سليمان الندوي رحمه الله حيث يقول: «ذات مرة زارني الشيخ في أعظم كره، وكان نازلا عند بعض الناس، وإنما دخل علي ليزورني فحسب، فقدَّمتُ إليه الشاي، فأبى، ولم أتفطن لسبب رفضه، ثم خُيل إلي أنه إنما رفض شرب الشاي؛ لأن فناجين الشاي كانت من صناعة ألمانية، وعليها صور حيوانات»(25). وذلك يدل على أن الشيخ كان على جانب عظيم من الورع والتقوى.
بصره بعلوم التفسير وعلوم الحديث وأصوله:
مما يدل على بصره بعلوم التفسير وتضلعه منها ما سنورده في الصفحات التالية وهو مثال حي على اتصاف الشيخ بهذه العلوم المساعدة في التفسير:
علم الحديث وأصوله:
خير دليل على تمكنه من علم الحديث وأصوله كتابه «فتح الملهم على صحيح مسلم» ومقدمته عليه، ويتجلى ذلك أيضا في تفسيره، وإليكم بعض النصوص التفسيرية الدالة عليه: يقول عند قوله تعالى: ﴿أَسۡكِنُوهُنَّ مِنۡ حَيۡثُ سَكَنتُم مِّن وُجۡدِكُمۡ﴾ [الطلاق:6]: «على الزوج أن يوفر لزوجته المطلقة بيتا تسكنه إلى العدة، وهو ما يطلق عليه في الشرع: «السكنى». وحيث وجبت عليه السكنى فَلِتَجِبْ النفقة عليه كذلك؛ لأن الزوجة حبست نفسها لهذه المدة لأجله هو، وهذا الحكم بالسكنى والنفقة يعم جميع المطلقات، ولايختص بالرجعية….وأما حديث فاطمة بنت قيس: طلقني زوجي ثلاثًا، فلم يجعل لي رسول الله ﷺ سكنى ولانفقة. فالجواب عنه أولا: أن عائشة وعمر بن الخطاب وغيرهما من الصحابة والتابعين ô أنكروا عليها هذا الحديث، حتى قال عمر بن الخطاب-رضي الله عنه-: لاندع كتاب ربنا وسنة نبينا لقول امرأة لاندري أ حفظت أم نسيت؟ فدل على أن عمر ابن الخطاب كان يستوحي من كتاب الله تعالى أن المطلقة ثلاثا يجب لها النفقة والسكنى، وكان له من صريح السنة ما يؤيد مذهبه هذا، فقد روى الطحاوي وغيره ما يفيد أن عمر صرح بأنه سمع ذلك عن النبي ﷺ، وروى الدارقطني حديثًا صريحًا بذلك عن جابر-رضي الله عنه-، وإن تكلموا في بعض رواته ورفعه ووقفه. وثانيا: ربما لم يجعل لها رسول الله ﷺ السكنى؛ لأنهاكانت بذيئة اللسان على أهلها،كما نص عليه بعض الروايات، فأمرها رسول الله ﷺ بالانتقال من بيت زوجها. وحيث سقطت السكنى وجب أن تسقط النفقة، شانَ الناشزة، (التي تخرج من بيت زوجها نشوزًا وإعراضًا) حتى تعود إليه، وروى الترمذي – في جامعه- وغيره أنه جعل لها أصوُعًا من بر وشعير، فطلبت أكثر مما أعطاها زوجها، فلم يوافقها النبيﷺ على الزائد من ذلك. فالمعنى أن النبيﷺ نفى الزائد على ما يعطيه الرجل زوجته. والله أعلم بالصواب. ولايغيبن عن البال أنه قد روى النسائي و الطبراني وأحمد في المسند عن النبيﷺ صريحا بأن السكنى والنفقة للمرأة إذا كان لزوجها عليها رجعة. و إن لم تكن أسانيد هذه الرويات أقوى، وقد درس الزيلعي ذلك في تخريج أحاديث الهداية.
هذا الكلام يلقي ضوءًا ساطعًا على تضلعه من الحديث وعلومه وعظم مكانته فيها، حيث دَرسَ القضية من ثلاثة جوانب: (1)الحديث (2) أصول الحديث (3)فقه الحديث.
1- أما دراسة الحديث والتحقق منه فقد تكلم المفسر على الحديث كلامَ المحدث الناقد، واستدل على ثبوت السكنى والنفقة باجتهاد عمر و بالآية القرآنية ثم بأقوال الصحابة والتابعين رحمهم الله، و أشار إلى ما أخرجه الدارقطني والترمذي والطبراني وأحمد إشارة خبير بالحديث مما يدل على سمو مكانته في الحديث النبوي الشريف.
2- كما أشار المفسر في كلامه -إشارة سريعة- إلى بعض فروع علوم الحديث، منها: الحكم بما يعارض ظاهر القرآن بناءً على قول امرأة، والإشارة إلى الكلام في بعض رواة حديث جابر الذي رواه الدارقطني، وإلى أن أسانيد رواية النسائي والطبراني وأحمد ليست بالقوية، وإلى أن رفع بعض رواة حديث جابر عند الدارقطني، و وقف بعضهم ينم عن الكلام على الحديث والقدح فيه.
3- الإشارة إلى تخريج الزيلعي فيما يخص السكنى والنفقة، ومذهب الأحناف في ذلك ومعرفته هذه الجزئيات تدل على تضلعه من علم الفقه(26).
تضلعه من الفقه الإسلامي:
تحدث الشيخ عن الفروع الفقهية، وأعرب عن وجهة نظره فيها مما يكشف -بجلاء- تضلعه من الفروع الفقهية واستحضاره واستيعابه، ومن الأمثلة على ذلك:
قوله في تفسير قول الله تعالى: ﴿وَٱلۡمُحۡصَنَٰتُ مِنَ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلۡكِتَٰبَ مِن قَبۡلِكُمۡ﴾ [المائدة:5]: «قرن حكما خاصا بأهل الكتاب بحكم آخر خاص، أي جواز نكاح الكتابية، وحرمة نكاح المشركة. قال تعالى: ﴿وَلَا تَنكِحُواْ ٱلۡمُشۡرِكَٰتِ حَتَّىٰ يُؤۡمِنَّۚ﴾ [البقرة:221]، ولايغيبن عن البال أن نصارى زماننا ليسوا نصارى إلا اسما، لايؤمنون بكتاب ولا دين سماوي، ولايصح إطلاق «أهل الكتاب» عليهم، فليس حكم ذبائحهم ونسائهم حكمَ ذبائح ونساء أهل الكتاب. ويجب أن نلاحظ أن حِلَّ الشيء لايعني إلا أنه لايتضمن – في حد ذاته- ما يدعو إلى تحريمه، إلا أن الأوضاع والعوامل الخارجية إذا كانت تؤدي – حين الانتفاع بهذا الحلال- إلى ارتكاب كثير من المحرمات؛ بل قد يؤدي إلى الكفر، فإنه لايجوز الانتفاع بحلال هذا شأنه. وإن مؤاكلة النصارى ومشاربتهم، والاختلاط بهم من غيرحاجة، والوقوع في حبائل نسائهم في عصرنا هذا؛ كل ذلك مما يجر إلى ما لايخفى على أحد من العواقب الوخيمة، فلا بد من اجتناب الشر وكلِ ما يؤدي إلى الانحراف عن الدين البتة».
أرأيت كتابَ الله تعالى يبيح نكاح الكتابية، وهذا مما لاريب فيه، إلا أن المفسر-رحمه الله- أثار هنا نكتة هامة، وهي أن أهل الكتاب في زماننا ليسوا في الواقع أهل كتاب، وإنما أصبحوا لادين لهم، فلا يجوز نكاح نساء من كان هذا شأنهم. قد صرح الشيخ العثماني بأن الانتفاع بالحلال إذا أدى إلى ارتكاب الحرام أو الكفر وجب الحذر منه. فالفقيه المحنك هو الذي لايخفى عليه حقيقة الحكم، ويسبر غوره ويراعي الأسباب والمتطلبات والنتائج، وينظر فيها نظرة فاحصة بتأنٍّ وروية، ثم يصدر حكما من الأحكام. وهذا ما كان عليه الشيخ العثماني رحمه الله(27).
علم الأسرار:
علم الأسرار من أدق علوم الشريعة وأصعبها إلا على من وفقه الله تعالى لذلك، وكان الشاه ولي الله الدهلوي والشيخ محمد قاسم النانوتوي- رحمهم الله تعالى- من السابقين إلى هذا العلم العظيم، فقد عرض كل منهما لبَ الشريعة وروحها على المسلمين عرضا يستسيغه قلوبهم. والدارس للتفسير العثماني يرى بأم عينيه أن الله تعالى قد أعطى الشيخَ العثماني منه حظًا وافرًا. كما يتجلى ذلك في تفسير قوله تعالى: ﴿إِنَّ ٱلصَّلَوٰةَ تَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِۗ﴾ [العنكبوت:45]؛ فقد كشف المؤلف القناع عن أسرار كثيرة تتضمنها هذه الفريضة الإسلامية العليا، مما خفي على كثير من الناس، فارتابت قلوبهم أوكادت ترتاب في نهي الصلاة عن الفحشاء والمنكر؛ لأننا نرى كثيرًا من المصلين وَالِغِيْنَ فيها. فيقول الشيخ في تفسير هذه الآية الكريمة: «إن نهي الصلاة عن الفحشاء يحتمل معنيين: الأول: بالتسبب، أي أن الله تعالى أودع الصلاةَ تأثيرًا يمنع صاحبها عن الفحشاء والمنكر، كما أن بعض الأدوية تمنع الحمى وغيرها من الأمراض. وهنا يجب أن ننظر أنه لايلزم أن تكون الجرعة الواحدة من هذا الدواء كافيةً في منع المرض و التغلب عليه، فمن الأدوية ما تتوجَّب المواظبة على تناوله بمقدار معين ولمدة بعينها حتى يؤتي ثماره المرجوة وتتجلى آثاره، شريطةَ أن يحذر المريض تعاطي ما ينافي خاصية هذا الدواء. فلا شك أن الصلاة دواء قوي التأثير للغاية، ويشكل إكسيرًا لمنع الأمراض الروحانية والحيلولة دونها، نعم يجب أن يتناوله المريض بكل حذر وحيطة ووقاية وبالمقدار الذي وصفه الأطباء الروحانيون ولمدة لا بأس بها؛ فإن المريض لابد وأن يستشعر حينئذ كيف أن الصلاة تمنع عنه الأمراض المستعصية المزمنة التي مضت عليها أعوام طويلة.
والثاني: يحتمل أن يكون المراد أن الصلاة تمنع عن المنكر على سبيل الاقتضاء أي أن كل هيئة من هيئات الصلاة وكل ذكر من أذكارها يقتضي أن الإنسان خرج -حالًا- من حظيرة القدس بعد أن أظهر عبوديته لله تعالى وطاعته وخضوعه وتضرعه، وبعد اعترافه بربوبية الله تعالى وألوهيته وحكومته وملكه، فهلا يحذر – بعد ما خرج من المسجد – الخيانةَ وارتكاب المعاصي والخروج على حكم ملك الملوك ذلك. فكأن كل حركة من حركات الصلاة تأمر العبد خمس مرات في اليوم والليلة قائلة: يا زاعم العبودية لله تعالى، عِش حياتَك حياة العبيد بمعنى الكلمة. وتطالبه -بلسان حالها- بضرورة الحذر من الفحشاء و المنكر. فالصلاة –لاشك – تمنع عن المرء ذلك وتحجزه عنه، سواء امتنع أم لم يمتنع، كما أن الله تعالى يحذر ويمنع، قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱللَّهَ يَأۡمُرُ بِٱلۡعَدۡلِ وَٱلۡإِحۡسَٰنِ وَإِيتَآيِٕ ذِي ٱلۡقُرۡبَىٰ وَيَنۡهَىٰ عَنِ ٱلۡفَحۡشَآءِ وَٱلۡمُنكَرِ﴾ [النحل:90]. فلا عجب ألا يمسك الشقي- الذي لايمتنع عن المنكر رغم منع الله تعالى إياه وتحذيره منه – عن المنكر والولوغ فيه رغم أن الصلاة تنهاه عنه. ولايغيبن عن البال أن منع الصلاة عن المنكر إنما يتأتى بالقدر الذي يتصف به الصلاة من ذكر الله تعالى، وعدم الغفلة عنه؛ إذ ليست الصلاة عبارة عن مجرد القعود والقيام مرات؛ فإن أهم مكوناتها ذكر الله تعالى، فكلما كان المصلي مستحضرا – خلال أدائه لأركان الصلاة من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح لله تعالى- عظمة الله تعالى وجلاله، و وافق قلبه لسانه؛ استمع قلبُه لنداء الصلاة بالامتناع عن الفحشاء والمنكر، وبقدر ذلك تفعل الصلاة فعلَها في إبعاده عن المنكرات. و أما الصلاة عن قلب لاهٍ غافلٍ فأشبه شيء بصلاة المنافق، الذي ورد فيه قول رسول الله ﷺ: «لايذكر الله فيها إلا قليلا»(28).
نظرته إلى التفسير بالرأي:
لايجوز تفسير القرآن الكريم بالرأي، والمفسر العثماني رغم علو كعبه في الفلسفة والتحقيقات العلمية يحذر التفسير بالرأي، ويتمشى مع سلفه الصالح في تفسير القرآن الكريم، فلايخرج عليهم في المعتقدات الخاصة إلا أنه يتصف بالندارة في العرض واتباع الأسلوب الأمثل والجدة في توجيهاته و استدلالاته. وصرح في تفسير بعض الآيات بأنه لاعبرة بتفسير يخالف ظاهر تفسير السلف الصالح المتفق عليه، فيقول عند قوله تعالى: ﴿وَٱعۡتَصِمُواْ بِحَبۡلِ ٱللَّهِ جَمِيعٗا وَلَا تَفَرَّقُواْۚ﴾ [آل عمران:103]: «أي اجتَمِعُوا على التمسك بالقرآن الكريم الذي هوحبل الله المتين، وهذا الحبل يستحيل أن يتقطع إلا أنه قد يفلت من يد المرء، ولايعني التمسك بالقرآن الكريم أن يجعله المرء عرضةً لآرائه وأهوائه. وإنما يُعتبر ويؤخذ من تفسير القرآن الكريم ومعناه ما لايعارض أحاديث رسول الله ﷺ، وما اتفق السلف الصالح على التصريح به»(29).
وإلى هذا المعنى يشير الشيخ العثماني في مقدمته على الطبعة الفارسية بقوله: «ورؤيتي في هذا الصدد أن أقوم – رغم قلة بضاعتي وضآلة كفاءتي– بعرض معاني القرآن الكريم ومطالبه متقيدا بالأحاديث النبوية وأقوال السلف الصالح في أسلوب سلس منطقي خلاب يستهوي قلوب عباد الله الرحمن الرحيم إلى المعارف والبصائر القرآنية بصورة خاصة».
مصادره في تفسيره:
استفاد المفسر في تفسيره من كثير من المصادر التفسيرية والحديثية وغيرهما من كتب العلوم و الفنون. والنظرة العابرة على تفسيره توحي إلى أنه واسع الاطلاع عليها وكثير الاحتكاك بها، ومن أهم مصادره:
صحيح البخاري، وجامع الترمذي، والطحاوي، ومعجم الطبراني، و إكمال إكمال المعلم لمحمد بن خلفه بن عمر الأبي، و تخريج أحاديث الهداية للزيلعي، و مسند الإمام أحمد، والمستدرك للحاكم، وتلخيص الحبير لابن حجر العسقلاني، و التفسير العزيزي، و الدر المنثور للسيوطي، وتفسير ابن كثير، وتفسير الرازي، وروح المعاني للآلوسي، وفتح القدير، وتفسير الجلالين، وبيان القرآن للتهانوي، و موضح القرآن للشاه عبد القادر، والبحرالمحيط لأبي حيان، والتفسير الحقاني، ومدارك التنزيل، وأحكام القرآن لأبي بكر الرازي الحنفي، والشامي لابن عابدين، والجواب الصحيح لابن تيمية، والفارق بين المخلوق والخالق لعبد الرحمن بك باجه جي زاده، والسيرة لابن إسحاق، ودائرة المعارف لفريد وجدي، ومعجم البلدان لياقوت الحموي، والسيرة لمحمد بن إسحاق، وتاريخ فرشته لمحمد فرشته، وقبله نما للشيخ محمد قاسم النانوتوي، والأسفار الأربعة لصدر الدين محمد بن إبراهيم الشيرازي المتوفى سنة 1050هـ، وعقيدة المسيح للشاه أنور الكشميري، وأرض القرآن للسيد سليمان الندوي، وحجة الله البالغة للشاه ولي الله الدهلوي، وآب حيات للشيخ محمد قاسم النانوتوي، و القول البديع في الصلاة على الحبيب الشفيع للإمام محمد بن عبد الرحمن السخاوي الشافعي، و كتاب الفصل لابن حزم، وكليات أبي البقاء، واليواقيت والجواهر لعبد الوهاب الشعراني، وبدائع الفوائد لابن القيم، والخفاجي، والتوراة، و الإنجيل.
استقلاليته في التفسير:
يتصف التفسير العثماني بالاستقلالية فيرجح من أقوال المفسرين قبلَه ما ترجح لديه في تفسير كلمة أوآية من الآيات القرآنية، ويميز الغث من الثمين منها كما أنه يثني على أقوال المفسرين بما يستحق الثناء، ويخالف ما يستحق الخلاف، ومن الأمثلة الواضحة على ذلك:
يقول عند قوله تعالى: ﴿وَلَوۡ نَشَآءُ لَأَرَيۡنَٰكَهُمۡ فَلَعَرَفۡتَهُم بِسِيمَٰهُمۡۚ وَلَتَعۡرِفَنَّهُمۡ فِي لَحۡنِ ٱلۡقَوۡلِۚ﴾ [محمد:30] – وهويشير إلى ترجمة شيخ الهند للآية إلى الأردية -: تشير ترجمة شيخ الهند للآية إلى أن معنى الآية: لوأردنا لعرفناك بالمنافقين بأسمائهم، وبإمكانك أن تعرفهم بوجوههم، وستعرفهم بسيماهم مستقبلا. وذهب بعض المفسرين في الآية إلى معنى آخر يخالف ما ذهب إليه شيخ الهند في تفسير الآية، وهو أن المعنى: لو أردنا أن نريكهم لأريناكهم، فتعرفهم بالنظر إلى صورهم (أي لمَـَّا عرفتهم).
وأيد الشيخ العثماني ما ذهب إليه شيخ الهند في تفسير الآية حيث يقول: «تنبيه: لم يجعل المترجم المحقق قدس الله روحه قوله: ﴿فلعرفتهم﴾ تحت قوله: ﴿لونشاء﴾، وذهب عامة المفسرين إلى جعله تحته و فرعوا عليه قوله: ﴿لأريناكهم﴾ أي لوشئنا لعرفناكهم، فتعرفهم بصورهم…. وأرى – أي العثماني- أن ما ذهب إليه شيخ الهند في تفسير الآية ألطف وأدق».
وساق العلامة العثماني كلام الشاه عبد العزيز الدهلوي في تفسيره، واستحسنه، فمثلا: يقول المفسر– وهو يشير إلى كلام الشاه عبد العزيز الدهلوي– عند قوله تعالى: ﴿وَيَحۡمِلُ عَرۡشَ رَبِّكَ فَوۡقَهُمۡ يَوۡمَئِذٖ ثَمَٰنِيَةٞ﴾ [الحاقة:17]: «بحث في «التفسير العزيزي» -بحثًا دقيقًا مبسطًا- الحكمةَ في هذا العدد، و حقائق هؤلاء الملائكة، فمن شاء فليرجع إليه»(30).
وقال العثماني -رحمه الله- وهو يتحدث عن المتشابهات في تفسير قوله تعالى: ﴿يَوۡمَ يُكۡشَفُ عَن سَاقٖ﴾ [القلم:42]: «فسر الشاه عبد العزيز آية كشف الساق تفسيرًا قيمًا، وعلق على المتشابهات تعليقا أعجب»(31).
كما يكثر الشيخ العثماني من سوق أقوال الشاه ولي الله الدهلوي في تفسير الآيات، ويُثَمِّنُها و يرفع من قدرها، فيقول عند قوله تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيۡهِ عَلَى ٱلۡعَرۡشِ وَخَرُّواْ لَهُۥ سُجَّدٗاۖ﴾ [يوسف:100]: «التعظيم غير العبادة، و تعظيم غير الله تعالى ليس محرما على الإطلاق، وأما عبادة غير الله تعالى فشرك جلي، لم تحل ولن تحل أبدًا ولو كلمح بالبصر. و سجود العبادة أي الإيمان بأن غيره تعالى يستقل بالنفع و الضر لحد ما والسجود له من الشرك الجلي، لم تُبِحْه ملة من الملل السماوية حينا من الدهر، نعم سجود التحية والتعظيم أي الخالي من العقيدة السابقة ولمجرد التعظيم والتوقير كان مباحًا في الشرائع السابقة، و اجتثته الشريعة المحمدية. فليراجع ما بحثه الشاه ولي الله الدهلوي في «حجة الله البالغة» من أقسام الشرك بحثا دقيقا».
فأشار العثماني – في قضية سجود العبادة وسجود التحية لغير الله تعالى – إلى ما قاله الشاه ولي الله الدهلوي واعتبره بحثًا قيمًا دقيقًا وأيده وصوبه(32).
والحاصل أن الشيخ العثماني يورد في تفسيره أقوال أهل العلم من قبله، ويؤيده منها ما يستحق التأييد والتثمين، وربما خالفهم حتى شيخه وأستاذه شيخ الهند محمود حسن الديويندي- دون أن يفلت منه جانب الاحترام اللائق بهم- إذا رأى ذلك، ومن الأمثلة على ذلك:
حمل شيخ الهند «الصدقة» في قوله تعالى: ﴿خُذۡ مِنۡ أَمۡوَٰلِهِمۡ صَدَقَةٗ تُطَهِّرُهُمۡ وَتُزَكِّيهِم بِهَا﴾ [التوبة:103] على الزكاة. ويقول العثماني: «حمل شيخ الهند «صدقة» على الزكاة، ولوحملها على العموم – الذي يشمل الزكاة والصدقات النافلة كلها- لكان أحسن؛ فإن الآية نزلت –كما تفيد معظم الروايات- فيمن حضر بالصدقة بعد قبول توبته، استكمالا لها». فلاشك أن سبب نزول الآية يؤيد ما ذهب إلىه العثماني رحمه الله(33).
قال الشيخ العثماني عند قوله تعالى: ﴿يَـٰٓأَيُّهَا ٱلنَّاسُ قَدۡ جَآءَتۡكُم مَّوۡعِظَةٞ مِّن رَّبِّكُمۡ وَشِفَآءٞ لِّمَا فِي ٱلصُّدُورِ وَهُدٗى وَرَحۡمَةٞ لِّلۡمُؤۡمِنِينَ﴾ [يونس:57]: «هذه كلها صفات للقرآن الكريم، فهو موعظة من أوله إلى آخره، يمنع الناس مما يهلكهم ويضرهم، وشفاءٌ لأمراض القلوب، ويهدي إلى طريق الوصول إلى الله تعالى ورضاه، و يجعل كل من آمن به حقيقًا برحمة الله تعالى يوم القيامة. وذهب بعض المحققين إلى أن الآية الكريمة تشير إلى مراتب الكمال الإنساني أي فاز بهذه المراتب كلها كل من تمسك بالقرآن الكريم: (1) تطهير المرء ظاهره عن فعل مالاينبغي، وإليه تشير كلمة «موعظة». (2) يفهم من قوله ﴿شِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُوْرِ﴾ تجريد الباطن من العقائد الفاسدة والملكات الرديئة. (3) تحلية النفس بالعقائد الحقة و الأخلاق الفاضلة ويناسبها «هدى». (4) فيضان أنوار الرحمة الإلهية على النفس بعد إصلاح الظاهر و الباطن. فما قرره الرازي- رحمه الله- يتضمن الإشارة بهذه الكلمات الأربع إلى الشريعة والطريقة و الحقيقة والنبوة والخلافة مرتبةً، وليس هذا موضع تفصيله، و لا أن مثل هذه المضامين والمعاني تدخل في نطاق التفسير الخالص».
فأنت ترى الشيخ العثماني يفسر القرآن تفسيرًا بسيطًا لايشوبه شيء من التكلف كما ترى، ثم أشار إلى تفسير الرازي تفسيرًا صوفيًّا وردَّ عليه، ونَبَّه على أنه لاينبغي إدخال التفسير الصوفي في التفسير الخالص للقرآن الكريم كما يرى العلماء. والحاصل أنه خالف الرازي في هذا المقام(34).
وكثيرًا ما يسوق الشيخ العثماني الأقوال والتحقيقات من تفسير ابن كثير، وينوه بتفسيره التحقيقي، ولم يمنعه ذلك عن مخالفته في مواضع كثيرة، فمثلا يقول عند قوله تعالى: ﴿أَلَآ إِنَّ أَوۡلِيَآءَ ٱللَّهِ لَا خَوۡفٌ عَلَيۡهِمۡ وَلَا هُمۡ يَحۡزَنُونَ﴾ [يونس:62]: «ذهب ابن كثير – بناءً على الأحاديث المروية في ذلك – إلى أن المعنى: أن أولياء الله تعالى لاخوف عليهم من أهوال المحشر ولا هم يحزنون على فوات الدنيا يوم القيامة. وأرى أن المراد به أن أولياء الله لاينزل بهم ما يخافونه (من هلاك أو ضرر يذكر) لا في الدنيا ولا في الآخرة. وأما تعرضهم للضرر في الدنيا صورةً فبما أنه – مآلا- يؤدي إلى نفع عظيم في حقهم، فلايجوز اعتباره ضررًا يذكر ويعتد به. وأما تعرضهم للخوف لسبب دنيوي أو أخروي في وقت من الأوقات فإنه لاينافي تقرير الآية هذا؛ لأن الآية إنما أخبرت بأنهم لاينزل بهم ما يخافونه، ولم تخبربأنهم لايتعرضون للخوف أبدًا، ولعل في إيثار «لاخوف عليهم» على «لايخافون» – المناسب لقوله: ﴿لايحزنون﴾ إشارة إلى هذه النكتة. وأما قوله ﴿لايحزنون﴾ فإنما يخص – فيما أرى- المستقبلَ أي لايحزنون حين الموت وبعده».
فما ذهب إليه الشيخ العثماني في تفسير الآية مناسب للغاية؛ فإنه يحل المشكلات كلها، و يتلاشى الطعن في تعرض أولياء الله تعالى للمشقات الدنيوية ويذهب هباءً منثورًا، وهذا ما تخلص منه ابن كثير ولم يعرج عليه(35).
نتخلص من هذه العجالة إلى أن الشيخ العثماني يتصف بالاستقلالية في التفسير فيرجح ويؤيد و يخالف تفاسير أهل العلم إذا رأى ذلك، وقد خالف شيخه شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، والشاه عبد القادر، والشاه ولي الله الدهلوي(36).
موقفه من الروايات الإسرائيلية:
لايعتمد الشيخ العثماني الروايات الإسرائيلية والأساطير الواهية مما تسرب إلى بعض كتب التفسير ويعارضه الدراية أيضًا، ولايعضده حديث من الأحاديث النبوية، ومن الأمثلة على ذلك أن المفسرين الذين يعتمدون الروايات الإسرائيلة ذكروا عند قوله تعالى: ﴿وَهَلۡ أَتَىٰكَ نَبَؤُاْ ٱلۡخَصۡمِ إِذۡ تَسَوَّرُواْ ٱلۡمِحۡرَابَ ٢١ إِذۡ دَخَلُواْ عَلَىٰ دَاوُۥدَ فَفَزِعَ مِنۡهُمۡۖ قَالُواْ لَا تَخَفۡۖ خَصۡمَانِ بَغَىٰ بَعۡضُنَا عَلَىٰ بَعۡضٖ فَٱحۡكُم بَيۡنَنَا بِٱلۡحَقِّ وَلَا تُشۡطِطۡ وَٱهۡدِنَآ إِلَىٰ سَوَآءِ ٱلصِّرَٰطِ ٢٢ إِنَّ هَٰذَآ أَخِي لَهُۥ تِسۡعٞ وَتِسۡعُونَ نَعۡجَةٗ وَلِيَ نَعۡجَةٞ وَٰحِدَةٞ فَقَالَ أَكۡفِلۡنِيهَا وَعَزَّنِي فِي ٱلۡخِطَابِ﴾ [ص:21-23]، يذكر معظم المفسرين في هذه الآية قصة زوجة أوريا حيث وقع نظر داود -عليه السلام- عليها فوقعت في نفسه، وأراد أن يتزوجها فأرسل أوريا –أحد جنوده – إلى جبهة ساخنة من الحرب ليقاتل فقُتِلَ فعلًا فتزوج زوجه، فعرضت عليه قضية تشبهها ليؤخذ داود بقوله هو، والقصة معروفة، ومأخوذة من الإسرائيليات، ومنافية لعصمة الأنبياء ومكانتهم السامية، وإنما حمل المفسرين على هذا القول في تفسير الآية، الآيةُ التالية وهو قوله: ﴿فَٱسۡتَغۡفَرَ رَبَّهُۥ وَخَرَّۤ رَاكِعٗاۤ وَأَنَابَ﴾ [ص:24]. فلاشك أنه لم يستغفر إلا بعد زلة وقع فيها، فغفر الله تعالى: ﴿فَغَفَرۡنَا لَهُۥ ذَٰلِكَۖ﴾ [ص:25]. ولم يجدوا في سياق الآيات زلة وقع فيها داود عليه السلام وتاب منها، فحملوا الآية على هذا المعنى.
وأما الشيخ العثماني فلم يرتض هذا المعنى في الآية، وتوصلت دراساته وتحقيقاته إلى ما يؤيد ما ذهب إليه بعض المفسرين في تفسير الآية، فيقول: «لقد حكى المفسرون قصصًا طويلةً فيما يخص الزلة التي صدرت من داود، والتي تشير إليه هذه الآيات، ويقول ابن كثير فيها: «قد ذكر المفسرون ههنا قصة أكثرها مأخوذ من الإسرائيليات، ولم يثبت فيها عن المعصوم حديث يجب اتباعه». وقد شدد الحافظ ابن حزم في كتاب «الفصل» النكير على هذه القصص، وأما ما ذهب إليه أبوحيان وغيره في تفسير الآية بعيدًا عن هذه القصص؛ فلايخلو من تكلف.
ونرى أن الأصل فيه ما روي عن ابن عباس -رضي الله عنهما- أنه قال: «ما أصاب داود ما أصابه بعد القدر إلا من عجب عجب به من نفسه، و ذلك أنه قال: يا رب، ما من ساعة من ليل ولا نهار إلا وعابد من آل داود يعبدك يصلي لك، أو يسبح، أو يكبر (وذلك لأنـــــــه جزأ الأربع والعشرين ساعـــــــــة من الليل والنهارعلى أهله يتناوبون في العبادة، لئلا يخلو معبده من عبادة الله تعالى وقتًا من الأوقات) وذكر أشياء (ربما كان يخص حسن تدبير الملك)، فكره الله ذلك فقال: «يا داود، إن ذلك لــم يكـــــــــن إلا بي، فلولا عوني ما قويت عليه (أي بالغا ما بلغت من الجهد والتعب)، وجلالي لأكلنك إلى نفسك يوما» (أي أصــرف عنك عوني فأرى مدى استمرارك في العبادة وحسن التدبير). قال: يا رب، فأخبرني به فأصابته الفتنة ذلك اليوم». أخرج هذا الأثر الحاكم في المستدرك [3620]، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وأقره الذهبي في التلخيص.
تفيد هذه الرواية أن إصابته يجب أن تقتصر على القدر الذي يحول دون عبادته وتدبير ملكه مهما بالغ في الاجتهاد والعمل له؛ فقد سبق أن قرأتَ كيف تسور نفر المحرابَ عليه بصورة عشوائية، ضاربين عرض الحائط بكافة الآداب المرعية في مثل هذه الحالات، فأفزعوا داود وصرفوه عن عمله الخاص، إلى نزاع شجر بينهم، ولم يمنعهم عن الوصول إليه ما أقيم له من الحرس الشديد والتدابير اللازمة، وحينئذ ظن داود أن الله تعالى إنما ابتلاه بهذه الفتنة لأجل ادعائه هذا الخ(37).
موقفه من الأقوال المختلفة المروية عن الصحابة -رضي الله عنهم-:
ويحاول العثماني -رحمه الله- التطبيق بين مختلف أقوال الصحابة ما وسعه ذلك، وإلا سكت عليه أو رجح ما ترجح لديه. فمثلا روي عن ابن عباس أن النبيﷺ رأى ربه ليلة الإسراء ونفت عائشة ذلك، وحاول العثماني التطبيق بين القولين فقال: «حصلت للنبيﷺ ليلة المعراج رؤية خاصة من نوعها فيما يقول ابن عباس، ولايشاركه في هذه الخصوصية والميزة غيره ﷺ، وبالنظر إلى ما في هذه الأنوار و التجليات من التفاوت والتنوع يمكننا القول بأنه لا تعارض بين ما قاله ابن عباس وما قالته عائشة -رضي الله عنها-، فلعلها تنفي الرؤية في درجة، وهو يثبتها في درجة أخرى»(38).
ومن أمثلة سكوته على الأقوال المختلفة المروية عن الصحابة -رضي الله عنهم- ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠ يَغۡشَى ٱلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ [الدخان:11-12]، حيث حكى في المراد بالدخان قول ابن عباس – وهو الدخان قرب القيامة – وقول ابن مسعود – أن المراد بالدخان دخان القحط والمجاعة، الذي ترتب على دعاء النبي ﷺ على قريش بسبب طغيانها وعتوها – ثم سكت عليه(39).
الوسطية في بيان المسائل الخاصة بالتفسير:
يسلك العلامة العثماني في بيان المسائل الخاصة بالتفسير مسلكًا وسطًا لايطيل من غير فائدة و لايوجز إيجازًا يُخِل، ويلتزم جانب الحيطة والحذر في تفسير الآيات كلها. ومن الأمثلة على ذلك أنه فسر قوله تعالى: ﴿إِنَّكَ لَا تَهۡدِي مَنۡ أَحۡبَبۡتَ﴾ [القصص:56]، ثم تحدث عن أبي طالب حديثًا وسطًا في غاية من الحيطة والحذر وبقدر الحاجة، حيث قال: «يقول الشاه -يعني الشاه عبد القادر-: إن النبيﷺ سعى سعيه لإيمان عمه – أبي طالب- ليقول كلمة التوحيد، ولكنه أبى، فنزلت الآية.اهـ كلام الشاه.
ثم يقول العثماني: «أي الذي تحبه حبا طبيعيا ويود قلبك أن يهتدي فلان من الناس ليس من اللازم أن يتحقق ذلك، وإنما عليك إراءة الطريق ثم ليس لك أن يتخذ من شاء سبيل الحق ويصل إلى منزله، ومن يأبى ذلك. وإنما ذلك بيد الله تعالى، فمن شاء وفقه لقبول الحق والوصول إلى المطلوب».
فكأن تفسير العلامة العثماني أعم من تفسير الشاه عبد القادر؛ حيث خص الشاه أبا طالب بالذكر، ثم قال العثماني: «تنبيه: ما قاله الشاه ثبت بالأحاديث الصحيحة، ومن غير اللازم تجاوز ذلك واتخاذ إيمان أبي طالب وكفره موضع نقاش وبحث، ويستحسن كف اللسان عن الخوض في مثل هذه المباحث التي لاطائل تحتها بجانب ما فيها من الخطورة»(40).
تفسير القرآن بالقرآن:
المنهج الصائب الذي رضيه المحققون من العلماء في تفسير القرآن الكريم يتمثل في تفسير القرآن بالقرآن نفسه؛ فإن كثيرًا من الآيات القرآنية يفسر بعضها بعضًا، ويشرح بعضها بعضًا؛ فما أجمل في مكان، قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان قد بسط في موضع آخر، وقد يطلق في موضع و يلحقه التقييد في موضع آخر، وقد يرد العام وتخصصه آية أخرى وهكذا. قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: «فإن قال قائل: فما أحسن طرق التفسير؟ فالجواب: أن أصح الطرق في ذلك أن يفسر القرآن بالقرآن. فما أجمل في مكان، فإنه قد فسر في موضع آخر، وما اختصر في مكان فقط بسط في موضع آخر(41).
فمن اللازم لمن يتصدى للتفسير أن يبدأ بالنظر في كتاب الله تعالى؛ فإن صاحب الكلام أعلم بكلامه ومراده منه. وخلال دراستنا للتفسير العثماني تبين أن المؤلف سلك هذا المسلك ما أمكنه ذلك، فإن وجد من الآيات ما يساعده على إيضاح المعنى وبيانه فسره به، وهو الغرض الذي يرمي إليه الشيخ من تفسيره. وأي إيضاح وبيان أعظم من بيان القرآن للقرآن؟
ومن الأمثلة على ذلك قوله عند قوله تعالى: ﴿وَلَقَدۡ كَتَبۡنَا فِي ٱلزَّبُورِ مِنۢ بَعۡدِ ٱلذِّكۡرِ أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ ٱلصَّـٰلِحُونَ﴾ [الأنبياء: 105]: «وعد الله عباده الكمل الأوفياء بأنه يقدر لهم النجاح في الدنيا والآخرة، ويورثهم هذه الأرض وأرض الجنة، حيث قال تعالى: ﴿إِنَّ ٱلۡأَرۡضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَآءُ مِنۡ عِبَادِهِۦۖ وَٱلۡعَٰقِبَةُ لِلۡمُتَّقِينَ﴾ [الاعراف:128]، وقال تعالى: ﴿إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلَنَا وَٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ فِي ٱلۡحَيَوٰةِ ٱلدُّنۡيَا وَيَوۡمَ يَقُومُ ٱلۡأَشۡهَٰدُ﴾ [غافر:51]، وقال تعالى: ﴿وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ءَامَنُواْ مِنكُمۡ وَعَمِلُواْ ٱلصَّـٰلِحَٰتِ لَيَسۡتَخۡلِفَنَّهُمۡ فِي ٱلۡأَرۡضِ كَمَا ٱسۡتَخۡلَفَ ٱلَّذِينَ مِن قَبۡلِهِمۡ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمۡ دِينَهُمُ ٱلَّذِي ٱرۡتَضَىٰ لَهُمۡ﴾ [النور:55]. وهذا وعد من الله تعالى محتوم، مما أخبره في كتبه الشرعية وكتبه القدرية، قد كتب هذا الوعد في اللوح المحفوظ وأم الكتاب، وأعلنه مرات على ألسنة أنبيائه، وجاء في كتاب داود: الزبور 29-37: «سيرث الصادقون الأرض، وقد يبسطوا الملك السماوي في مشارق الأرض ومغاربها، ونصبوا راية العدل والإنصاف، و نشروا دين الحق في آفاق الأرض الأربعة. وتمت هذه البشرى على لسان نبينامحمدﷺ حيث قال: «إن الله تعالى زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها وإن أمتي سيبلغ ملكها مازوي لي منها»(42).
ففسر العلامة العثماني قوله تعالى: ﴿أَنَّ ٱلۡأَرۡضَ يَرِثُهَا﴾ الآية بثلاث آيات وحديث واحدٍ، فأعطى التفسير حقه(43).
تفسير القرآن بالحديث:
الحديث شارح لكتاب الله تعالى، فإذا أَعْيىٰ المفسر كتاب الله تعالى، فعليه بالسنة؛ فإنها شارحة للقرآن وموضحة له، وتقرر نصوص القرآن، وتكشف معانيه كشفا مفصلا وتقرب المراد منه، وقال الإمام أبو عبد الله محمد بن إدريس الشافعي: «كل ما حكم به رسول الله ﷺ فهو مما فهمه من القرآن». و نجد الشيخ العثماني يهتم بهذا الأساس من أسس تفسير القرآن الكريم فيقول عند قوله تعالى: ﴿ثُلَّةٞ مِّنَ ٱلۡأَوَّلِينَ ١٣ وَقَلِيلٞ مِّنَ ٱلۡأٓخِرِينَ﴾ [الواقعة:13-14]: «قال الشاه – عبد القادر-: «الأولين» الأمم السابقة، و«الآخرين» هذه الأمة -المحمدية-، أوالمراد بالأولين والآخرين من هذه الأمة. فالسابقون كثيرون في أولها. وقليلون في آخرها».اهـ
ثم قال العثماني: «تنبيه: معظم المفسرين ساقوا هذين الاحتمالين في تفسير الآية، ورحج الحافظ ابن كثير الثاني، وساق في روح المعاني ما رواه الطبراني وغيره عن أبي بكر بإسناد حسن عن النبي ﷺ: هما جميعا من هذه الأمة. والله أعلم. وذهب ابن كثير إلى معنى ثالث في الآية أعجبني، وهو أنه يعم جميع الأمة بحسبها؛ فإن السابقين الأولين في طبقتها الأولى أكثر من طبقتها المتأخرة كما قال ﷺ: «خَيْرُ الْقُرُونِ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ». فإن صح حديث أبي بكر تعين ذلك المعنى كما لايخفى».
تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة:
وينتقل المؤلف العثماني إلى تفسير القرآن الكريم بأقوال الصحابة إذا أعياه الكتاب والسنة. ومن الأمثلة على ذلك ما جاء في تفسير قوله تعالى: ﴿فَٱرۡتَقِبۡ يَوۡمَ تَأۡتِي ٱلسَّمَآءُ بِدُخَانٖ مُّبِينٖ ١٠ يَغۡشَى ٱلنَّاسَۖ هَٰذَا عَذَابٌ أَلِيمٞ﴾ [الدخان:11-12]، حيث ساق المؤلف في تفسيره قول ابن عباس، وقول ابن مسعود كما سبق.
معرفته باللغة ومدى اهتمامه وشرح الغريب:
ويهتم العثماني -رحمه الله- بشرح الغريب من الكلمات إذا تسرب الخلاف إلى المعنى المراد بها، وهنا يتجلى تضلعه من علم اللغة وامتلاكه ناصيته، ومن الأمثلة على ذلك كلمة «التنور» الواردة في قوله تعالى: ﴿وَفَارَالتَّنُّورُ﴾ [هود:40] في قصة طوفان نوح عليه السلام، فيقول العثماني: «اختلفوا في معنى التنور، فقيل: تنور أهله يخبزون فيه، وقيل: إنه تنُّور آدم عليه السلام، وهبه الله لنوح، فقيل له: إذا فار الماء منه، فاحمل ما أمرت به. وقيل: هو عين بعينها في الكوفة أو الجزيرة، وقيل: تنوير الصبح وضوؤه، أي إذا تنور الصبح كثيرا. وقيل: فار التنور كناية عن ظهور العذاب وشدة الهول. وروي عن ابن عباس: التنور وجه الأرض. وقدمنا هذا المعنى في التفسير كما سبق(44).
المناسبات بين الآيات القرآنية:
من خصائص هذا التفسير أن المؤلف يشير إلى المناسبات بين الآيات ومعانيها بعضها مع بعض، مما يغيب عن بال كثير من ذوي النظرة البادئة. ومن الأمثلة على ذلك أن مبدأ سورة الإسراء يتحدث عن إسراء النبيﷺ من بيت الله تعالى في مكة المكرمة إلى بيت المقدس في الشام، قال تعالى: ﴿سُبۡحَٰنَ ٱلَّذِيٓ أَسۡرَىٰ بِعَبۡدِهِۦ لَيۡلٗا مِّنَ ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡحَرَامِ إِلَى ٱلۡمَسۡجِدِ ٱلۡأَقۡصَا ٱلَّذِي بَٰرَكۡنَا حَوۡلَهُۥ لِنُرِيَهُۥ مِنۡ ءَايَٰتِنَآۚ إِنَّهُۥ هُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلۡبَصِيرُ﴾ [سورة الإسراء:1]، ويعقبه مباشرة قوله تعالى: ﴿وَءَاتَيۡنَا مُوسَى ٱلۡكِتَٰبَ وَجَعَلۡنَٰهُ هُدٗى لِّبَنِيٓ إِسۡـرَـٰٓءِيـلَ أَلَّا تَتَّخِذُواْ مِن دُونِي وَكِيلٗا﴾ [الإسراء:2]، والناظر-نظرة بادئة – في هاتين الآيتين يفقد المناسبة و التناسق، فنجد المؤلف لايغيب عن باله بيان التناسق والمناسبة بين الآيتين بيانا يشرح الصدر، فلم يتجاوزها إلى الآيات الأخرى حتى شرحها وبينها بيانًا واضحًا شافيًا. فقال: «ذَكَرَ فضلَ النبيﷺ وشرفه و أتبعه بنقل السياق إلى موسى عليه السلام؛ فإن الإسراء تضمن الرحلة إلى بيت المقدس، فذكر فيما يأتي المسجد الأقصى، و ما مرَّ على سدنته القدماء- بني إسرائيل- من عهود عدة، وذلك تذكرة للمسلمين أنفسهم، وذكرى لبني إسرائيل. فهذه الآية توطئة وتمهيد لذلك. وقصة الإسراء تشير إلى أن أمة الرسول الحجازي هي التي ستحوز الأمانة الإلهية التي أودعها الله تعالى أرض الشام المباركة. فهذه الآيات تنبه بني إسرائيل على ضرورة اتباع الرسول العربيﷺ إذا ما أرادوا الخير لأنفسهم، وإلا سيحرمون ولاية المسجد الأقصى(45).
الرد على الفرق والاتجاهات المنحرفة:
من الأساليب الحكيمة في تفسير القرآن الكريم، التي اتبعها العلامة العثماني في تفسيره أنه لايمر بآية تتناول قضية خلافية إلا أشبعها بحثًا ودراسةً وبيانًا للمذهب الحق من غير تصريح بأسماء هذه الفرق التي تناولها بالرد، مما يقطع دابر شبهاتها. ومن الأمثلة على ذلك:
1- القاديانية وختم النبوة:
يقول الشيخ عند قوله تعالى: ﴿وَمَن يَبۡتَغِ غَيۡرَ ٱلۡإِسۡلَٰمِ دِينٗا فَلَن يُقۡبَلَ مِنۡهُ﴾ [آل عمران:85]: «حيث وصل دين الله تعالى الإسلام في صورته الصحيحة فلن يقبل دين كاذب أومستحيل، ومن العبث وغاية الحمق إنارة المصباح الطيني أوالبحث عن نور الغاز أو الكهرباء والكواكب بعد ما طلعت الشمس بنورها الساطع. لقد ولى عهد النبوات والهدايات المحلية، ولم يبق إلا الاستنارة من النبوة والهداية العالمية العظمى؛ فإنها خزانة الأنواركلها، انضمت إليها الأنوار السابقة كلها واندمجت». فقد رد المؤلف في هذا النص على القاديانية من غير تصريح باسمها.
2- الشيعة وآية مودة القربى:
يقول الشيخ في تفسير قوله تعالى: ﴿قُل لَّآ أَسۡـَٔلُكُمۡ عَلَيۡهِ أَجۡرًا إِلَّا ٱلۡمَوَدَّةَ فِي ٱلۡقُرۡبَىٰۗ﴾ [الشورى:23]: المعنى: أتحفكم هذه الثروة الغالية وهي القرآن الكريم، وأهديكم إلى الطريق المؤدي إلى النجاة الأبدية، وأبشركم بالجنة؛ وكل ذلك لمجرد وجه الله تعالى وابتغاء مرضاته، ولا أطلب منكم على هذا النصح والمنة شيئا، وإنما أريد منكم أمرا واحدًا، وهو ألا تغفلوا نسبي وقرابتي فيكم على أقل تقدير، وكيف تعاملون أقاربكم وذوي قرباكم، ألستم تساندونهم وتنصرونهم في غير موضعه؟ فأمسكوا عن الاعتداء علي و النيل مني مراعاة للقرابة والرحم بيني وبينكم على أقل تقدير، و دعوني أبلغ العالم رسالة ربي، ألست أستحق حتى هذا القدر من المودة والحب المطبوع عليه البشر. و ذهب بعض أهل العلم إلى أن المراد بـ«المودة في القربى» مودة أهل بيت النبوة، والمعنى حينئذ: لا أسألكم على الدعوة أجرًا، وإنما أود أن تحبوا قرابتي». ولاشك أن حب أهل بيت النبوة واحترامهم ومعرفة ما لهم من الحقوق من واجب الأمة وجزء من الإيمان، وحبهم حسب منازلهم متفرع على حب النبيﷺ، وأما تفسير الآية به فمما ينافي سبب نزول الآية والأحاديث الصحيحة، بالإضافة إلى أنه يحط من مكانة النبي ﷺ السامية»(46).
3- البريلوية والبشرية:
لايكفر العلامة العثماني الفرق الإسلامية ما وسعه ذلك، اللهم إلا أن ينحرف عن أصول الدين وكَفَرَ. ويرد العثماني في الآية التالية على أتباع أحمد رضا خان أي البريلوية- الذين يكفِّرون كل من جعل النبي ﷺ بشرًا- بأسلوب لطيف، من غير تصريح باسم هذه الفرقة، حيث قال عند قوله تعالى: ﴿ذَٰلِكَ بِأَنَّهُۥ كَانَت تَّأۡتِيهِمۡ رُسُلُهُم بِٱلۡبَيِّنَٰتِ فَقَالُوٓاْ أَبَشَرٞ يَهۡدُونَنَا فَكَفَرُواْ وَتَوَلَّواْۖ وَّٱسۡتَغۡنَى ٱللَّهُۚ وَٱللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٞ﴾ [التغابن:6]: «أي هل بعث بشر مثلنا هاديا فهلا بعث ملكا من السماء، كأنهم ظنوا أن بين البشرية والرسالة منافاة، فكفروا، وأبوا طاعة الرسول.
(تنبيه): الاستدلال بهذه الآية على أن القائل ببشرية الرسول كافر، في غاية من الجهل. وعلى العكس من ذلك لو قال قائل: إن الآية تدل على كفر من أنكر بشرية الرسل من بني آدم، لكان هذا الادعاء أقوى من الادعاء السابق»(47).
4- الطبيعيون والمعجزات:
ويرد المفسر العثماني على الفرقة الطبيعية التي تنكر الجن وشق القمر والمعجزات في كثير من الآيات من غير تصريح باسمها، منها قوله عند قوله تعالى: ﴿ٱقۡتَرَبَتِ ٱلسَّاعَةُ وَٱنشَقَّ ٱلۡقَمَرُ﴾ [القمر:1]: «كان النبيﷺ في منى قبل الهجرة في جمع من كفار مكة فطلبوا منه آية، فقال لهم: «انظر إلى السماء؛ إذ انشقت شقين: شقة في المغرب وأخرى في المشرق، وبينهما الجبل، فرآه الناس جميعا كل الرؤية، فقال الكفار:سحرنا محمد. وهذه المعجزة يطلق عليها «شق القمر». وكان ذلك نموذجًا أو آيةً على الساعة، وأن كل شيء سينشق مثله في المستقبل. وادعى الطحاوي وابن كثير وغيرهما تواتر هذه الحادثة، ولم يثبت استحالة أمثال هذه الأحداث بدليل عقلي إلى يومنا هذا، ولايسع رد أمر مقطوع ثبوته مثله بمجرد الاستبعاد؛ بل الاستبعاد مما يلزم الإعجازَ، وهل يصف أحد الأحداث العادية بـالمعجزة ؟ وأما القول بأن حادث شق القمر لو كان وقع فهلا تعرض له التاريخ؟ فاعلم أن الحدث وقع ليلا، ومن الدول ما صادفه النهار وقتئذ لاختلاف المطالع، ومنها ما صادفه نصف الليل، والناس نيام، وحيث كانوا أيقاظا، وفي ظل السماء فإنه لايستلزم عادةً أن يكونوا كلهم ناظرين إلى السماء. ولايضر انشقاق القمر شقين ضوءَ القمر المنتشر في الأرض شريطة أن يكون المطلع صافيًا. ثم إنه لم يلبث إلا قليلا من الزمن. وكم نشاهد خسوف القمر، و يمتد لمدة طويلة لابأس بها، دون أن يطلع عليه مئات الآلاف من البشر. أضف إلى ذلك أن التدابير المتكاملة الموسعة من المراصد الجوية وغيرها مما نشاهده في هذا العصر لم تكن متوفرة يومئذ، ولم تكن التقاويم منتشرة انتشارها اليوم. وحاصل القول أن عدم تعرض التاريخ له لايستلزم تكذيبه، ثم إن صاحب «تاريخ فرشته» وغيره من أصحاب كتب التواريخ قد تحدثوا عنه. ويقولون: إنه دعا ملك «مالابار» من بلاد الهند إلى الإسلام»(48).
تراجم التفسير العثماني إلى اللغات الأخرى:
تم نقل التفسير العثماني إلى عدة لغات ونشره فيها، أهمها ما يلي:
1- إلى اللغة الفارسية: قامت حكومة أفغانستان بنقله إلى اللغة الفارسية ونشره عام 1940م.
2- إلى لغة بشتو: تم نقله إلى لغة بشتو في أفغانستان كذلك.
3- إلى اللغة الغجراتية: نشرت ترجمته إلى اللغة الكجراتية.
4- إلى اللغة الإنجليزية: نقله إلى الإنجليزية السيد محمد أشفاق – متخرج من جامعة علي كره الإسلامية-، وانتهى منه في 18/9/1980م، و وضع له مقدمة مفصلة عن مباحث العقيدة والإيمان مما يعين القارئ على فهم التفسير ويعم نفعه. فقال المترجم: «من مآثر العلامة شبير أحمد العثماني حواشيه التفسيرية على القرآن الكريم، قد استقى فيها المؤلف من بضعة عشر تفسيرا وأودعه خلاصتها. والعالم الغربي متعطش لمعرفة أصل رسالة القرآن الكريم، فحاول كاتب هذه السطور تعريفه – العالم الغربي- بهذا التراث التفسيري العظيم. ومن شروط التفسير الأساسية أمران: (1)تزكية النفس، (2) الجمع بين العلوم العقلية والنقلية. والمؤلف العثماني يتصف بهما على أتم وجه وأكمله. فسعيت لنقله إلى الإنجليزية ليتجلى للعالم الغربي التفسير الصحيح للقرآن الكريم، وذلك ليعلم مشيئة الله تعالى الحقة، وماهو المطلوب منا؟ وقدر الله تعالى سعادة نشر هذا التفسير لـ«دارالإشاعة»، فجاءت به في حلة قشيبة تجمع بين المحاسن ما ظهر منها وما بطن»(49).
* * *
مصادر البحث:
1- أكابر علماء ديوبند للشيخ محمد أكبر شاه البخاري، ط: إدارة الإسلاميات، لاهور، باكستان.
2- انا ر كے سایے تلے (تحت ظل شجرة الرمان) للشيخ محمد منصور، ط: مكتبة الشهداء، كراتشي، باكستان.
3- پچاس جليل القدر علماء- خمسون عالما جليلا- للحافظ محمد أكبر شاه البخاري، ط: مكتبة الميزان للنشر والتوزيع، لاهور، باكستان.
4- تاريخ دارالعلوم/ديوبند للشيخ سيد محبوب الرضوي الديوبندي رحمه الله، ط: مكتبة دارالعلوم /ديوبند.
5- تذكره وسوانح علامه شبير أحمدعثمانی عدد خاص من مجلة «القاسم» الصادرة عن جامعة أبي هريرة، نوشهره، باكستان.
6- تفسير الراغب الأصفهاني، ت: د. محمد عبد العزيز بسيوني، ط:كلية الآداب- جامعة طنطا، مصر.
7- التفسير العثماني (جامعة أشرفية المكتبة الإلكترونية).
8- صحيح مسلم للإمام مسلم بن الحجاج القشيري (المكتبة الشاملة)
9- كاروان رفته للشيخ أسير الأدروي، ديوبند: دارالمؤلفين.
10- كمالات عثماني للشيخ حمد أنوار الحسن نور القاسمي، ط: إدارة التأليفات الأشرفية، باكستان.
11- مشاهير علماء دارالعلوم/ديوبند للمفتي ظفير الدين، الناشر: مكتب الحفل المئوي لدارالعلوم/ديوبند.
12- مقدمة في أصول التفسير للإمام ابن تيمية، بيروت: دارمكتبة الحياة.
الهوامش:
(1) للاستزادة من ترجمته راجع: تاريخ دارالعلوم/ديوبند 2/239-244؛ مشاهير علماء ديوبند1/209 وما بعدها؛ أكابر علماء ديوبند للشيخ محمد أكبر شاه البخاري ص 104؛ مشاهير علماء دار العلوم/ديوبند للمفتي ظفير أحمد ص 69؛ تذكره وسوانح علامه شبير أحمدعثماني، مجلة القاسم، العدد الخاص، الصادرة في جامعة أبي هريرة، نوشهره باكستان؛ انا ر كے سایے تلے للشيخ محمد منصور ص 124؛ پچاس جليل القدر علماء (خمسون عالما جليلا) للبخاري ص 66.
(2) هو المحدث الكبير الشاه عبد القادر بن أحمد ولي الله الدهلوي (1167-1230هـ = 1753-1814م): عالم زاهد فاضل عابد ذو ورع في الدين، صادق الفراسة حسن التوسم. أخذ عنه جماعة أجلهم الشيخ/ فضل الحق العمري الخير آبادي. قام بالتدريس مدة من الزمان في المدرسة الكبيرة في «دلهي»، التي قلعها الإنكليز عام 1273هـ، فلم يبق لها عين ولا أثر. ومن أعظم ما منَّ الله سبحانه عليه أنه وفق لترجمة القرآن الكريم وتفسيره في لغة أهل الهند، وقد اعتنى بها العلماء. راجع: الهند في العهد الإسلامي للعلامة عبد الحي ص 433-434 ط: دائرة المعارف النعمانية حيدرآباد الهند، وأبجد العلوم 3/241 وما بعدها.
(3) محمود حسن بن ذو الفقارعلي الديوبندي المعروف بـ«شيخ الهند» (1268-1339هـ/1851-1920م)، أعلم العلماء في العلوم النافعة وأحسن المتأخرين ملكة في الفقه وأصوله وأعرفهم بنصوصه وقواعده، وصحب الإمام محمد قاسم مدةً طويلةً وانتفع به كثيرًا حتى برع في العلوم، وضع خطة محكمة لتحرير الهند من مخالب الاستعمار الإنجليزيّ عام 1323هـ/ 1905م، وكان يودّ أن يستعين بالحكومة الأفغانية والخلافة العثمانية. وقد هيّأ لذلك جماعة من تلاميذه تمتاز بالإيمان القوي، والطموح، والثقة بالنفس، و التوكل على الله، والحزم وثقوب النظر. وكان الاتصال يتم بينه وبين أصحابه المناضلين عن طريق الرسائل التي كانت تُكْتَب على الحرير الأصفر، ومن هنا عُرِفَ نضاله ضدّ الاستعماربـ«حركة الرسائل الحريرية»، وسجن هو أصحابه في مالطة بعد انكشاف أمر الرسائل، من آثاره: «ترجمة معاني القرآن الكريم إلى الأردية وقد قام مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بالمدينة المنورة بطباعتها، و«تعليقات لطيفة على سنن أبي داود» و«جهد المقل في تنزيه المعز والمذل» و«الأدلة الكاملة». راجع: موسوعة علماء ديوبند.
(4) تذكره وسوانح علامة شبير أحمد العثماني ص 307.
(5) تذكره وسوانح علامة شبير أحمد العثماني ص 308.
(6) أشرف علي بن عبد الحق التهانويّ المعروف في شبه القارة الهندية بـ«حكيم الأمة»، تخرج من الجامعة الإسلامية دارالعلوم/ ديوبند عام 1299هـ/1882م، كان من كبار العلماء والمشايخ الصالحين، والعلماء الفقهاء الأذكياء الربّانيين الذين نفع الله الخلق بمؤلفاتهم ومواعظهم و تربيتهم نفعا كبيرا. يبلغ عدد مؤلفاته نحو ألف مؤلف، منها نحو اثني عشر كتابًا بالعربية. كان مثالاً في ضبط الأوقات وحسن توزيعها بين الله وبين العباد وبين شؤونه الشخصية والعائليّة، من آثاره: «بهشتي زيور»، كما أشرف على إعداد موسوعة حديثية معروفة بـكتاب «إعلاء السنن». راجع: موسوعة علماء ديوبند.
(7) محمد أنور شاه بن معظم شاه الحسيني الكشميري: أحد كبار الفقهاء وعلماء الحديث الأجلاء. ولما سافر شيخه العلامة محمود حسن إلى الحجاز سنة 1333هـ استخلفه في تدريس الحديث وولاه رئاسة التدريس في «جامعة ديوبند» وانتهت إليه رئاسة تدريس الحديث في الهند مع تحقيق وإتقان وتوسع في نقل المذاهب ودلائلها واستحضار للنقول واطلاع على دواوين السنة وشروح الحديث وكتب المتقدمين و قد نفع الله بدرسه خلقا كثيرا، ومن آثاره: «تعليقات على فتح القدير لابن الهمام»، و«عقيدة الإسلام في حياة عيسى عليه السلام» و«إكفار الملحدين في ضروريات الدين»، و«مشكلات القرآن» و«العرف الشذى»، و«فيض الباري». راجع: موسوعة علماء ديوبند.
(8) عبيد الله السندي، أحد العلماء المشهورين، ولد في بيت وثني، وأسلم، وأخذ الحديث عن العلامة شيخ الهند محمود حسن الديوبندي وتفقه عليه ثم ولي التدريس بمدرسة «دارالرشاد» في السند، ثم لما نشبت الحرب الكبرى سافر إلى حدود أفغانستان مختفيا بإيعاز من شيخه العلامة الديوبندي يحمل رسالة الجهاد والثورة على الإنجليز إلى خاصة تلاميذه. ولعب دورا ملموسا في تحرير الهند من الاستعمار البريطاني. و كان مفرط الحب والانتصار لشيخ الإسلام ولي الله بن عبد الرحيم الدهلوي عظيم الشغف بكتبه وعلومه لا يكاد يعدل به أحدا من حكماء الإسلام، جعل كتابه حجة الله البالغة وتحقيقاته في كتبه أساس فكره وجهده. راجع: موسوعة علماء ديوبند.
(9) السيد حسين أحمد بن حبيب الله المدني الفيض آبادي المعروف بـ«شيخ الإسلام»، وأخذ الحديث عن العلامة محمود حسن الديوبندي وتفقه عليه ولازمه مدةً، وتصدر تدريس الحديث والفقه والتفسير في مدينة الرسولﷺ محتسبا، أُسِر مع شيخه شيخ الهند في سجن مالطة. ودرس الحديث الشريف ويربي النفوس ونفخ في الناس روح الأنفة والإباء وحب الحرية في المدينة المنورة قرابة ستة عشر عامًا، وانتفع به خلائق لا تحصى. و حميت حركة التحرير والثورة السياسية في الهند فخاضها. ومن أبرز تلامذته الشيخ عبد الحميد باديس (1308-1359هـ/1889-1940م)- رائد حركة الإصلاح وتحرير الجزائر من الاستعمار الفرنسي-، والشيخ محمد البشير الإبراهيمي الجزائري (1306-1385هـ/1889-1965م). من آثاره: «الشهاب الثاقب» و«سفرنامة مالطه»، و«نقش حياة». راجع: موسوعة علماء ديوبند.
(10) محمد أنوار الحسن نور القاسمي، كمالات عثماني (باكستان: إدارة التأليفات الأشرفية) ص 103.
(11) الخواجه عبد الحي الفاروقي (…-1385هـ/…-1965م): من سكان غورداس فور، تخرج في جامعة علي كره، وتخرج في الحديث في دارالعلوم/ديوبند عام 1329هـ على شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، كان له حلقة تفسير القرآن الكريم في لاهور، عرف بتقيده الشديد بالشعائر الإسلامية، كان على صلة بالشيخ عبيد الله السندي، وشارك في حركة تحرير البلاد التي شنها شيخ الهند محمود حسن الديوبندي، كما عمل أستاذا ورئيسا للقسم الديني بها مدة من الزمان، من أبرز أعماله: «الخلافة الكبرى» و«سبيل الرشاد»، و«صراط مستقيم». للاستزادة من ترجمته راجع: تاريخ دارالعلوم/ديوبند 2/110؛ موسوعة علماء ديوبند.
(12) أحمد سعيد الدهلوي، المعروف بـ«سحبان الهند»، تلقى العلم على مشايخ عصره، وخاض ميدان السياسة حين برزت حركة «الخلافة» عقب الحرب العالمية الأولى (1914-1918م)، وأنشئت جمعية علماء الهند فتولى نظارتها ثم رئاستها، وزج به في السجن لنشاطاته الفاعلة في حركة الخلافة ثم في الحرب ضد الاستعمار البريطاني. من آثاره «تيسير القرآن»، و«تسهيل القرآن» -ط: في مجلدين-، و«حديث عن الحجاب». راجع: موسوعة علماء ديوبند.
(13) أكبر شاه خان النجيب آبادي(1274-1356هـ/1857-1938م): من سكان نجيب آباد بولاية أترابراديش، كان واسع الأفق في التاريخ الإسلامي، كان على صلة بالقاديانية أيامًا، ثم تاب عنها وتبرأ منها، خلد ذكرَه كتابه الماتع: «تاريخ الإسلام». راجع: الأدروي، أسير، كاروان رفته (ديوبند: دارالمؤلفين) ص39.
(14) السيد سليمان بن الحكيم أبي الحسن الندوي، أصله من ولاية بيهار الهندية، نشأ في بيت علم ومعرفة، تلقى دراسته في ندوة العلماء لكناؤ، من الكتاب الإسلاميين الشهيرين، ولي يبابة رئاسة مجلة الندوة، من أبرز أعماله «تكملة سيرة النبي»، و«سيرة عائشة» و «رحمة عالم». للاستزادة من ترجمته راجع: بيس بڑے مسلمان (عشرون من عظماء المسلمين) ص 102 ما بعدها.
(15) مجلة معارف أبريل 1950 ص 306-307.
(16) عبد الماجد الدريا آبادي (1309-1398هـ/1892-1977م): كاتب إسلامي، مفسر وصحفي شهير، رأس تحرير عدة صحف وجرائد طيبة السمعة، منها: «صدق»، و«صدق جديد»، و«سج»، تربى في السلوك على العلامة حكيم الأمة أشرف علي التهانوي رحمه الله، من أبرز أعماله: «التفسير الماجدي» – يمتاز بجمع المعلومات الحديثة في التفسير- و«آپ بيتي» -حياته-، و«حكيم الأمة». للاستزادة من ترجمته راجع: كاروان رفته ص183.
(17) ظفر علي خان (1290-1376هـ/1873-1956م): من العلماء الفضلاء والخطباء المصاقع، مالك ومدير صحيفة أردية: «زميندا» التي كانت أوسع الصحف والجرائد في عصرها انتشارا، وكان له نشاطات سياسية واسعة، وهو أبو عذر الشعر الصحفي وبه انتهى، بَديهَ الشعر ومكثره، توفي في «غوجرانواله» بباكستان، للاستزادة من ترجمته راجع: كاروان رفته ص142.
(18) الشاه عبد العزيزبن ولي الله الدهلوي أوسع الناس علماً وأعلاهم منزلة في عصره، وما قام به من خدمة للكتاب والسنة لايوجد مثيله في العصر الإسلامي الهندي الذي سبقه. فلا تجد شبرًا من أشبار الهند إلا وألفيتَ فيه من تتلمذ عليه وأخذ عنه. واستكمل ما بدأ به الشاه ولي الله الدهلوي من نشر العلوم العلوم الدينية من جديد، وقام بخدمة العلوم الدينية طوال ستين عاما بالإضافة إلى وضع كتبٍ عديدةٍ من أهمها وأبرزها: «فتح العزيز»، و«بستان المحدثين»، و«التحفة الاثناعشر ية». وهو كتاب يعدُّ من الأعمال العبقرية التي قام بها الشاه عبدالعزيز. للاستزادة من ترجمته راجع: نزهة الخواطر 7/1015؛ واليانع الجني في أسانيد الشيخ عبد الغني للشيخ محسن بن يحيىٰ البكري الترهتي ص 38.
(19) أحمد بن عبد الرحيم، المعروف بشاه ولي الله الدهلوي، الهندي، العمري، الحنفي، شيخ الإسلام وإمام المجددين في الهند، جمع بين العلم والتصوف وبلغ في كل منهما شأوا عظيمًا. قام بترجمة معاني القرآن الكريم ولم يبال بالمعارضين له. حاول إنقاذ حالة الحكم الإسلامي من الضعف ومن تلاعب الملوك ولهوهم. ولد وتوفي في دهلي. له تصانيف في غاية من السمو العقلي و الديني، منها: «فتح الخبير بما لابد منه حفظه في التفسير»، و«حجة الله البالغة»، و«الإنصاف في بيان سبب الاختلاف»، و«عقد الجيد في أحكام الاجتهاد و التقليد»، و«الفوز الكبير في أصول التفسير». راجع: الأعلام للزركلي1/272؛ وإيضاح المكنون 1/65، وما بعدها، وتاريخ الإسلام في الهند للنمر ص322.
(20) كمالات عثماني ص 200.
(21) مقدمة تفسير الراغب الأصفهاني، ت: د. محمد عبد العزيز بسيوني (مصر: كلية الآداب – جامعة طنط) 38-40.
(22) نفس المصدر.
(23) كمالات عمثاني ص 116.
(24) نفس المصدر ص 118.
(25) نفس المصدر ص 117.
(26) نفس المصدر ص 122.
(27) نفس المصدر ص 122.
(28) التفسير العثماني ص 531، ف 2. والحديث رواه مسلم في صحيحه برقم 622.
(29) تفسير عثماني80؛ كمالات عثماني ص 148.
(30) التفسير العثماني ص 738 ف 4.
(31) التفسير العثماني ص734 ف3.
(32) كمالات عثماني ص 156.
(33) كمالات عثماني ص 157.
(34) كمالات عثماني ص 158.
(35) مقالات عثماني ص 158.
(36) للاستزادة من ذلك راجع: كمالات عثماني ص 159 وما بعدها.
(37) التفسير العثماني ص 589 ف 6.
(38) التفسير العثماني ص682، ف 12.
(39) كمالات عثماني ص 168.
(40) كمالات عثماني ص 168.
(41) ابن تيمية، مقدمة في أصول التفسير (بيروت: دار مكتبة الحياة) ص 29.
(42) رواه مسلم في صحيحه برقم 2889.
(43) كمالات عثماني ص170.
(44) التفسير العثماني 292 سورة هود.
(45) كمالات عثماني ص 198.
(46) كمالات عثماني ص 173.
(47) التفسير العثماني ص721 ف 5.
(48) التفسير العثماني ص721 ف 5.
(49) تذكره وسوانح علامه شبير أحمدعثمانی ص 297.
مجلة الداعي، جمادى الآخرة – رجب1444هـ = يناير- فبراير2023م، العدد:6-7، السنة: 47