كلمة المحرر

       إن الدعوة إلى إبعاد القرآن الكريم عن حياة المسلمين وتجميد آيات منها وتعطيلها ليست فيض الوقت أو حديث الساعة؛ وإنما هي تعكس الخوف الذي يستولي على قلوب أعداء الإسلام من القرآن الكريم كتاب الله الخالد الذي جاء بتوجيهاتٍ إلهيةٍ ساميةٍ نبيلةٍ فاقدةِ النظير متفقةً والطبيعةَ البشريةَ، وتعمُّ كافة جوانب الحياة الإنسانية، وتُغني عن كافة النظم السياسية والاقتصادية والاجتماعية البشرية، وكان الكفار الذين عاشوا نزولَ القرآن الكريم يخشون أن يصطك آذانهم وآذان أتباعهم في غيِّهم وضلالهم صوتُ القرآن الكريم، فينفذ إلى قلوبهم، فكانوايجعلون أصابعهم في آذانهم ويوصون أتباعهم بالحذر كل الحذر من سماعه. حكى الله سبحانه وتعالى ذلك فقال: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ﴾[فصلت:26].

       لقد دأب دعاةُ الضلال والباطل على كبح الحريات والأصوات، وتكميم الأفواه، وقطع الألسن الناطقة بالحق والعدل، بما فيــه خير البشرية كلها، بكل ما يستطيعون من تخويف وتسويل، وترهيب وترغيب؛ خوفًا على سيادتهم للمجتمع الذي يعيشون فيه، وخشيةً من أن يعمّ نور الحق مَن فيهم بقيةٌ من خير و رشد. ولقد أدرك أعداء الإسلام أهمية القرآن الكريم ومكانته ونفوذه في قلوب المسلمين فأتوه من بين يديه ومن خلفه، يسدون طريقه إلى قلوب أتباعهم، وينفخون في أبواق اللغو والجعجعة؛ لعلهم يغلبون بذلك كلامَ الله الحق الأبلج. وهيهات وهيهات.

       وأصحاب الدعوات إلى تجميد وتعطيل القرآن الكريم أو بعض آيات منه هؤلاء يرجعون مطالبتهم بذلك إلى أن القرآن الكريم يتضمن آيات تدعو إلى القتل ومعاقبة اليهود والنصارى و الوثنيين. وهذا فهم خاطئ على طول الخط؛ فإنه -القرآن الكريم- لم يأمر بقتل أحد من الناس– بغض النظر عن دينه وعقيدته وعرقه ولونه – بدون ارتكاب جريمة من الجرائم الموجبة لقتله والتي تبيح دمه.

       نشرت صحيفة «لو باريزان» الفرنسية في الأيام الأخيرة عريضةً وقع عليها الرئيس الفرنسي السابق «نيكولا ساركوزي» و300 شخصية من عامة الناس، تدعو إلى إبطال القرآن الكريم أو آيات منه. وهذه الدعوة غير مبررة وغير منطقية على الإطلاق، وتشكِّل حلقةً من سلسلة الاعتداء على الجالية الإسلامية في فرنسا، وتضييق الخناق عليها، ولن يؤدي ذلك إلا إلى تفاقم الوضع الاجتماعي الفرنسي والاحتراب بين أبناء الوطن الواحد.

     وهذه الدعوة لاتعدو جهلًا مطبقًا لدى أصحابها واللاهثين وراءهم والعالة على فُتاتِهم من المسلمين-عن القرآن الكريم وتعاليمه وتوجيهاته السمحة اللينة التي جاءت لتخرج الناس من الظلمات إلى النور، ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد. وليس الإسلام مسؤولا عن فهمهم الخاطئ الباطل لمعاني القرآن الكريم، بعيدًا عن تفاسير العلماء المختصين بها قديمًا وحديثًا. فَلْيَتَّهِمْ هَؤلاء رأيَهم قبل توجيه السهام إلى كلام رب العالمين. [التحرير]

(تحريرًا في الساعة الرابعة من مساء يوم الثلاثاء: 14/شعبان 1439هـ= غرة مايو 2018م)

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1439 هـ = يوليو – أغسطس 2018م ، العدد : 11 ، السنة : 42

Related Posts