ظلّ الغرب – ولا يزال – في جميع حروبه ضد العالم الإسلامي مدفوعًا بالروح الصليبية

كلمة العدد

       رغم مخالفة الأمم المتحدة ومخالفة العالم كله كانت قد شَنَّت أمريكا الحرب على أفغانستان بحجة مكافحة الإرهاب واستئصال القاعدة، وخاضها مُدَمِّرةً كلَّ شيء فيها من الإنسان والحيوان والجمادات والنباتات. وذلك في الفترة ما بين 7/أكتوبر 2001م و28/ديسمبر 2014م (19/رجب 1421-5/ربيع الأول 1436هـ).

       وإلى جانب مواصلتها للحرب الجهنمية في أفغانستان، شَنَّت الحرب على العراق، وخاضتها رغم الاحتجاجات والمظاهرات ضدها في أرجاء العالم. وذلك في الفترة ما بين 19/مارس 2003 و18/ديسمبر 2011م (15/المحرم 1423-22/المحرم 1433هـ). وكانت حربها على العراق حسبَ إعلانها بحجة أن الرئيس العراقي صدام حسين (1356-1427هـ = 1937-2006م) يُنتج الأسلحةَ ذات الدمار الشامل بكمية كبيرة، وبعد أعوام عندما لم يتم العثور على أي نوع من الأسلحة ذات الدمار الشامل، بدأت أمريكا تقول في وقاحة منقطعة النظير: إن حربها على العراق إنما هي لإقامة الديموقراطية في العراق واقتلاع الدكتاتورية التي رَسَّخَها صدام حسين في أرض العراق.

       وبقطع النظر عن الويلات التي صَبَّتْها أمريكا على البلدين، وبغض النظر عن قتلها مئات الآلاف من المسلمين فيهما في وحشية منقطعة النظير، بجانب مئات الآلاف الآخرين من الجرحى الذين صارت حياتهم وبالًا عليهم أشد من الموت.

       بقطع النظر عن هذا وذاك، صنعت أمريكا لتعذيب وإهانة المسلمين من الفظائع ما قد يكون لم يخطر ببال الشيطان الرجيم؛ فقد أقامت في أفغانستان سجونًا عديدة للتعذيب الوحشي الذي تسربت أنباء عنه إلى العالم، كان على رأسها سجن «بغرام» أو «باغرام» الذي فضائحُ التعذيب فيه أفضحت أمريكا في عين العالم، ولم يَعُدْ لديها مبرر لتدّعي أنها تؤمن وتعمل بالديموقراطية وحقوق الإنسان؛ فقد روى السجناءُ أنه مُورِسَ معهم جميعُ أساليب الإهانة والتعذيب، حتى قام المستجوبون والحراس بالممارسات الجنسيّة، واقتلاع الأظافر، وإطفاء السيجارات في المقاعد، وملامسةُ كل جزء من أجسامهم في استهزاء وسخرية غريبة، وتسليط أضواء شديدة على العيون، وإقامتهم طوال النهار أو الليل مُكَبَّلَةً أيديهم، ووضعهم في زنزانات ضيقة لأسبوع أو أسبوعين، وتسهيرهم طوالَ الليالي، وتجويعهم لفترات طويلة، وتعريتهم كاملًا وتصويرهم في هذه الحالة، وإرغام بعضهم على ممارسة الجنس مع بعضهم، وإلّا إنزال العذاب عليهم أشد من ذي قبل.

       أما سجن «أبوغريب» في العراق، فقد كشف وجهَ أمريكا القبيح الذي ظلت تحجبه بِحُجُب الديموقراية والحضارة الغربية وحقوق الإنسان، فقد عمت عن السجن قصص انتهاكاتٍ جسدية ونفسية وإساءة جنسية؛ حيث إن الشرطة العسكرية الأمريكية التابعة لجيش الولايات المتحدة بالإضافة إلى رجال منتمن إلى وكالات سِرِّيَّة أخرى. إنه قد جربت فيه – السجن – عمليات اغتصاب منظمة للنساء المسلمات، وهتك لأعراض الرجال، إضافة إلى استخدام الكهرباء والكلاب، وجميع الوسائل المعينة على التعذيب، فضلًا عن منع المُعْتَقَلين من النوم لأيام طويلة، في محاولة لإجراء عمليات غسيل مخّ لهم، مما أدّى إلى موت كثير من السجناء في كل من أفغانستان والعراق، نتيجة التعذيب والإهانة.

       ففي التقارير التي نشرها المحققون المُكَلَّفُون بالتحقيق في قضية فضيحة تعذيب السجناء في العراق وَرَدَت نتائج مُرْعِبَة للغاية؛ فقد قال التقرر: إن الجنود الأمريكيين مارسوا 13 طريقة في تعذيب المُعْتَقَلِين العراقيين، تبدأ من الصفع على الوجه والضرب على الجسم، وتنتهي بالاعتداء الجنسي واللواط، وترك السجناء والسجينات عرايا لعدة أيام، وإجبار المُعْتَقَلين العرايا الرجال على ارتداء ملابس داخلية نسائية، والضغط على السجناء لإجبارهم على ممارسة العادة السِرِّيَّة وممارسة أفعال جنسية شاذّة وتصويرها بالفيديو.

       وجاء في التقرير: أن الجنود الأمريكيين أَجْبرُوا السجناء العرايا على التكدّس بعضهم فوق بعض، ثم القفز فوقهم، أو وضع سجين فوق صندوق وتوصيل أجزاء من جسده بالكهرباء، كما قاموا بوضع سلسلة جرّ للكلاب حول أعناق السجناء، وسحبهم من قبل إحدى المُجَنَّدَات، وتصوير الموقف، واستخدام الكلاب البوليسية المُدَرَّبَة لإثارة الذعر والهجوم على السجناء.

       وتضمنت عمليات التعذيب الوحشية، كسرَ أنابيب الإضاءة الكيميائية، وحسب محتوياتها من الفوسفور، على الأجساد العارية للسجناء وتهديدهم بالأسلحة، وصبّ الماء البارد على أحسادهم العارية، وضربهم بالعصي والكراسي.

       وصرح التقرير بأن قادة أمريكيين مدنيين وعسكريين في مراتب عليا – بينهم وزير الدفاع الأمريكي «دونالد رامسفيلد» والمدير السابق لوكالة الاستخبارات الأمريكية المركزية «جورج تينيت»، والفريق «ريكاردو سانشيز» القائد الأعلى السابق في العراق، و«اللورد جفري ميللر» القائد السابق لمعسكر الاعتقال في خليج جوانتانامو في كيوبا – قد اتخذوا بأنفسهم قرارات بهذه التعذيبات، وأصدروا سياسات تُسهِّلُ ارتكاب انتهاكات خطيرة و واسعة النطاق للقانون، والظروفُ تُؤَكِّد بأنهم كانوا يعلمون ما كان يُرْتَكب من الانتهاكات، والدليلُ على ذلك أنهم عندما ووُجِهُوا بأن سوء المعاملة مستمرّ في الحدوث حقًّا، تَقَاعَسُوا عن اتخاذ أي إجراء لاستئصاله.

       عندما قرأ العالم أو شاهد هذه الصورَ الفظيعةَ لتعذيب الإنسان الذي لا يحتمله أيُّ إنسان ذي ضمير حيِّ لحق الحيوان، تَعَجَّبَ العددُ الكبيرُ من سكّان العالم ممن في صدورهم قلوب تخفق، وتساءلوا: هل الإنسان ينحطّ إلى هذه الدرجة من القساوة والوحشية التي جعلته يمارس أمثال هذه المعاملات مع إخوانه بني الإنسان. إن كثيرًا منهم قالوا: لا نتصور أن يتجرأ الإنسان على مثل هذه الوحشية إلا أنه قد تجرد كليًّا من الإنسانية، وصار حيوانًا مفترسًا ضاريًا. وذلك فضلًا عن سجن «غوانتانامو» الذي يُعْرَفُ بالإنجليزية بـ«Guantanamo Bay Detention Camp». ومعتقلُ «غواتانامو» يقع في خليج «غوانتانامو» بـ«كوبا» وذلك المعتقل فاق في سوء السمعة جميعَ السجون والمعتقلات على الكرة الأرضية، وقد استعملته أمريكا منذ سنة 2002 لسجن من اشْتَبَهَتْ في كونهم إرهابيين، ولا ينطبق عليه أيُّ شيء من قوانين حقوق الإنسان لحد أنه قالت منظمة العفو الدولية: إن مُعْتَقَلَ «غوانتانامو» الأمريكي يُمَثِّل همجية العصر.

       حتى إن المعتقلين لم تُوَجَّهْ إليهم تُهَمٌ مُحَدَّدَة يسوغ بها إدانتهم. وهذا المُعْتَقَل أضاع ماءَ وجه أمريكا لآخر الحدود، ولو كانت عندها ذرة من الحياء أو الضمير لاعتذرت فورًا إلى العالم كله عن الانتهاكات الصارخة التي مارستها في المعتقل بحق السجناء، حتى إن جميع الذين أُطْلِقَ سراحُهم قالوا بأساليبهم: إنهم وُلِدُوا من جديد أو أُعِيدَتْ حياتُهم بعد الموت.

       فقد جمع هذا المُعْتَقَلُ جميعَ الانتهاكات التي مارستها أمريكا مع السجناء المسلمين والعرب في جميع المعتقلات السرّيّة والعلنية بما فيها سجن «باغرام» في أفغانستان وسجن «أبو غريب» في العراق.

       إن الأساليب الوحشية الهمجية التي استخدمتها أمريكا لتعذيب المُعْتَقَلِين الذين كانوا كلهم مسلمين عربًا وعجمًا شَفَّت بالتأكيد عن أنها لم تُعَذِّب بها «إرهابيين» مزعومين؛ بل إنها أرادَتْ بها أن تُشْبِع روحَها الصليبيّةَ والصهيونيةَ، حتى تثير هذه العملياتُ البالغةُ مدى القساوة ردَّ فعل سلبي عنيف لدى المُعْتَقَلِين خصوصًا ولدى المسلمين في العالم عامة، ويُفَكِّروا أن دينهم الإسلام إذا يتطلب هذه التضحية الباهظة غير القابلة للاحتمال، فلا حاجة – ونعوذ بالله من ذلك – إليه. فَلْنَدَعْ ربقته عن أعناقنا، وَلْنَعِشْ ملحدين أو يهوديين أو نصرانيين.

       ولكن الحمد لله عز وجلّ أن هذه التعذيبات الشيطانية كلها لم تَفُتَّ في أعضاد هؤلاء المسلمين الأبرياء الذين لم يرتكبوا ذنبًا إلّا أن آمنوا بالله ربًّا وبالإسلام دينًا وبمحمد –صلى الله عليه وسلم- نبيًّا ورسولًا، وثبّت اللهُ بفضله الواسع ورحمته الغامرة أقدامَهم على الإسلام، ولم يُؤْثَرْ عن أيّ منهم أن ردود الفعل السلبية لديه تمثلت بتنكره لدينه الذي من أجله اُنْتُقِمَ منه وعُذِّب هذا التعذيبَ الذي تَقْشَعِرُّ لمجرد ذكره وتصوره الجلودُ.

       لو أن جميع أهل الأرض تَجَمَّعُوا في مكان واحد وحلفوا بلغاتهم التي لا تُعَدُّ أن أمريكا وأذنابها من الدول الأوربيّة اعتقلتْ هؤلاء المسلمين لتأديبهم، وتهذيبهم من الإرهاب، وتخليتهم من صفاتهم السيئة من الجرائم الكبيرة التي ارتكبوها بحق بلادهم أو بحق سُكَّان العالم أو بحقّ أمريكا بالذات، لما سَلَّمْتُ شخصيًّا، مهما أعملوا من أساليب الإقناع التي يعرفونها، كما لن يُسَلِّم المسلمون في الدنيا كلّها أن أمريكا عن طريق هذه الحرب على العالمين العربي والإسلامي أرادت مكافحةَ الإرهاب، وبسطَ الديموقراطية، واستئصالَ الدكتاتورية، وإقامةَ العدل والأمن، وإراحة الإنسانية.

       إن المَطِّلَع على هذه العذابات غير المتصورة التي صَبَّتْهَا أمريكا على المسجونين المساكين المسلمين في مُعْتَقَلاتها السِرِّيَّة وسجونها العلنية في داخل البلاد المسلمة والعربية المتحلة، وفي خارجها في كثير من الأمكنة وعلى رأسها معتقل «غوانتانامو» بـ«كوبا» لن يُصَدِّق أبدًا أن أمريكا الغاشمة الممتلئة حقدًا على الإسلام والمسلمين أرادت من وراء العمليّات العسكريّة العدوانيّة ضد البلاد الإسلامية والاعتقال العشوائي للأبرياء من سكانها.. نَوَتِ الخير لها ولهم وللعالم.

       أساليبُ الهجوم العسكري على كلٍّ من أفغانستان والعراق، دلّت صارخةً على أن هذه الدولة التي تُدْعَىٰ بالولايات المتحدة، ارتكبتِ الإرهابَ ضد الإسلام والمسلمين علنًا وجهارًا، وأن المسلمين إنما صبروا على عدوانها ضدهم لضعفهم وعجزهم عسكريًّا واقتصاديًّا وعلى جميع المستويات، إلى جانب تشتت شملهم وتمزق صفهم الذي صنعه الاستعمار الأمريكي الغربي الذي لا يزال يُسَيْطِر على البلاد الإسلاميّة وبقوة ودهاء أكثر من ذي قبل.

       المتابع لنوعية العلاقات بين الغرب وشعوب الإسلام، ظلّ يلاحظ أن الغرب ظلّت صدورُه دائمًا مملوءةً بالحقد المرير لدرجة الجنون ضد الإسلام والمسلمين، وذلك لأن الغرب ظَلَّ يخاف خوفًا رهيبًا من الإسلام ما انفكّ يمسُّ النفسيّةَ الأوربيَّةَ في أعماقها.

       والحقدُ ضد الإسلام كان دائمًا من أبرز العوامل التي بَلْوَرَتْ مواقف الحضارة الغربيّة من الأمة الإسلامية. وهذا الحقدُ الأسودُ ظل يَتَبَدَّىٰ من مواقف وأقوال قادة الغرب عبر التاريخ، ويُؤَكِّد أن الغرب يقف من الإسلام موقفًا مُوَحَّدًا ثابتًا لايتغيّر، يتمثل في محاولته الدائمة المتصلة المُكَثَّفَة المُنَوَّعَة لتدمير الإسلام و زرع صخور لا تُزَال في طريق المَدِّ الإسلامي.

       لابدّ أن يتأكد المسلمون أن الغرب دائمًا ينطلق في مواقفه كله معنا من الحقد علينا، وروح الصليبية لديه، ومُخَطَّط تدمير الإسلام والمسلمين، وجميعُ الحروب التي شنّها علينا، إنما كانت تدفعه إليها الروح الصليبية المتأججة في صدره. وفي الوقت الحاضر تَطَعَّمَتِ الصليبيةُ بالصهيونيةِ، وصارت قوةً مُوَحَّدَةً في مواجهة الإسلام.

       يقول «يوجين روستو» (Eugene Rostow) رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأمريكية ومساعد وزير الخارجية الأمريكية ومستشار الرئيس «جونسون» لشؤون الشرق الأوسط حتى عام 1967م:

       «يجب أن ندرك أن الخلافات القائمة بيننا وبين الشعوب العربية ليست خلافات بين دول أو شعوب؛ بل هي خلافات بين الحضارة الإسلامية والحضارة المسيحية».

       إن الظروف التاريخية كلها تُؤَكِّد أن أمريكا جزء مكمل للعالم الغربي بفلسفته وعقيدته ونظامه. وذلك يجعلها تقف معادية للعالم الشرقي الإسلامي بفلسفته وعقيدته المتمثلة بالدين الإسلامي. ولاتستطيع أمريكا إلّا أن تقف هذا الموقفَ في الصف المعادي للإسلام وإلى جانب العالم الغربي والدولة الصهيونية؛ لأنها إن فعلت عكس ذلك، فإنها تتنكر للغتها وفلسفها وثقافتها ومؤسساتها. إن «روستو» المذكور حَدَّدَ أن هدف الاستعمار في الشرق الأوسط هو تدمير الحضارة الإسلامية، وأن قيام إسرائيل جزء من هذا المُخَطَّط، وأن ذلك ليس إلّا استمرارًا للحروب الصليبية. (معركة المصير، ص:87-94 باختصار).

       وقال «راندولف تشرشل» لدى سقوط القدس عام 1967م:

       «لقد كان إخراج القدس من سيطرة الإسلام حلم المسيحيين واليهود على السواء. إن سرورَ المسيحيين لا يَقِلّ عن سرور اليهود. إن القدس قد خرجت من أيدي المسلمين، وقد أَصْدَرَ الكنيستُ اليهوديُّ ثلاثةَ قرارات بضمها إلى القدس اليهودية، ولن تعود إلى المسلمين في أية مفاوضات مُقْبِلَة ما بين المسلمين واليهود». (راندولف تشرشل، حرب الأيام الستة، ص:129 من الترجمة العربية)

       وقبل حرب 1967م قام أعوانُ الصهيونية وأنصارها بمظاهرات في «باريس» تحمل لافتات مكتوبًا عليها وعلى جميع صناديق التبرعات لإسرائيل: «قاتلوا المسلمين». مما جعل الحماسَ الصليبيَّ في الغرب يلتهب، فتبرع الفرنسيون بألف مليون فرنك خلال أربعة أيام فقط، كما طبعت إسرائيل بطاقات مُعَايَدَات كتبت عليها «هزيمة الهلال» بيعت بالملايين. وذلك لتقوية الصهاينة الذين يواصلون رسالة الصليبية الأوربية في المنطقة، وهي محاربة الإسلام وتدمير المسلمين. (طريق المسلمين إلى الثورة الصناعية، ص:20-21).

       ويقول «غلايتون»:

       «مادام هذا القرآن موجودًا فلن تستطيع أوربا السيطرة على الشرق، ولا أن تكون هي نفسها في أمان». (الإسلام على مفترق الطرق، ص:39)

       ويقول المبشر «وليم جيفورد»:

       «متى تَوَارَىٰ القرآنُ ومدينةُ مكة عن بلاد العرب، يمكننا جينئذ أن نرى العربيَّ يَتَدَرَّجُ في طريق الحضارة الغربية بعيدًا عن محمد وكتابه» (جذور البلاء، ص:201).

       ويقول المبشر «تاكلي»:

       «يجب أن نستخدم القرآن – وهو أمضى سلاح في الإسلام – ضد الإسلام نفسه، حتى نقضي عليه تمامًا، يجب أن نُبَيِّن للمسلمين أن الصحيحَ في القرآن ليس جديدًا، وأن الجديدَ فيه ليس صحيحًا». (التبشير والاستعمار، ص:40)

       وقال الحاكم الفرنسي في الجزائر بمناسبة مرور مئة عام على احتلالها: «يجب أن نُزِيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسانَ العربيَّ من ألسنتهم، حتى ننتصر عليهم». (المنار، عدد1962م)

       ومن الطريف أنه قامت حكومة فرنسا في الجزائر بتجربة عملية من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر، فقامت بانتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات أَدْخَلَتْهُنَّ الحكومةُ الفرنسيةُ في المدارس الفرنسية، وأَلْبَسَتْهُنَّ الملابسَ الفرنسيّةَ، ولَقَّنَتْهُنَّ الثقافةَ الفرنسية، وعَلَّمَتْهُنَّ اللغةَ الفرنسيةَ، فأصبحنْ كالفرنسيات تمامًا.

       وبعد أحد عشر عامًا من الجهود هَيَّأتْ لهن حفلةَ تَخَرُّج رائعةً دُعِيَ إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون، ولما ابتدأت الحفلَةُ، فوجئ الجميعُ بالفتيات الجزائريات يدخلن الحفلة بلباسهن العربي الجزائري الإسلامي. فثارت ثائرةُ الصحف الفرنسية، وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر بعد مرور مئة عام وثمانية وعشرين عامًا؟؟.

       أجاب «لاكوست» وزير المُسْتَعْمَرَات الفرنسي: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟!. (جريدة الأيام، عدد778، الصادر بتاريخ 6/ديسمبر1962م).

       ولتدمير الإسلام والمسلمين انطلاقًا من الروح الصليبية والصهيونية نَصَحَ رئيسُ تحرير جريدة «التايم» في كتابه «سفر آسيا» يجب على الحكومة الأمريكية أن تنشئ في البلاد الإسلامية دكتاتوريات عسكرية للحيلولة دون عودة الإسلام إلى السيطرة على الأمة الإسلامية، وبالتالي الانتصار على الغرب وحضارته واستعماره. (جند الله، ص:29).

       ويقول المستشرق الأمريكي و. ك. سميث الخبير بشؤون باكستان:

       «إذا أُعْطِيَ المسلمون الحريّةَ في العالم الإسلامي، وعاشوا في ظل أنظمة ديموقراطية، فإن الإسلام ينتصر في هذه البلاد، وبالدكتاتوريات وحدها يمكن الحيلولة بين الشعوب الإسلامية ودينها» (جند الله، ص:29).

       وحَاوَلَ الغربُ دائمًا الحيلولةَ دون وصول القادة المسلمين الأقوياء المُؤَهَّلِين إلى استلام الحكم والسلطة في البلاد الإسلامية، حتى لا تتمهد السبيلُ إلى نهضتها.

       قال المستشرق البريطاني «منتجومري وات» في جريدة «التائمز» اللندنية في مارس 1908م:

       «إذا وُجِدَ القائدُ المناسبُ الذي يَتَكَلَّم الكلامَ المناسبَ عن الإسلام، فإنّ من الممكن لهذا الدين أن يظهر كإحدى القوى السياسية العظمى في العالم مرة أخرى» (الحلول المستوردة، ص:11)

       وقال «صموئيل زويمر» رئيس جمعيات التبشير في مؤتمر القدس للمُبَشِّرِين المنعقد عام 1935م:

       «إن مهمة التبشير التي نَدَبَتْكُم دولُ المسيحية للقيام بها في البلاد المحمدية، ليست في إدخال المسلمين في المسيحية؛ فإن في هذا هدايةً لهم وتكريمًا. إن مهمتكم أن تُخْرِجُوا المسلمين من الإسلامِ ليُصْبِحُوا مخلوقًا لا صلةَ له بالله، وتكونوا بعملكم هذا طليعةَ الفتح الاستعماري في الممالك الإسلامية» (جذور البلاء، ص:275).

       لقد قدّمنا في السطور الماضية نماذج قليلة جدًّا تُؤَكِّد تمسكهم – الغربيين – بالصليبية بشدة وقوة، في جميع المواقف التي يقفونها نحو الإسلام والمسلمين، ولاسيما العرب الذين يعلمون عن دراسة وخِبْرَة أنهم مادة الإسلام، وأنهم متى يَصْحُوا يَصْحُوا للإسلام.

       ولكي تتعرف على نوعيّة البغض والحقد الشديدين المُتَنَاهِيَيْنِ، اقرأ ما قاله «فيليب فونداسي» ينصح فرنسا:

       «إن من الضروري لفرنسا أن تقاوم الإسلام في هذا العالم، وأن تنتهج سياسةً عدائيةً للإسلام، وأن تحاول على الأقل إيقاف انتشاره» (الاستعمار الفرنسي في إفريقيا السوداء، تاليف: «فيليب فوندانسي» ص:2).

       واقرأ ما قاله المستشرق الفرنسي «كيمون» في كتابه: «باثالوجيا الإسلام»:

       «إن الديانة المحمدية جذامٌ تَفَشَّىٰ بين الناس، وأخذ يفتك بهم فتكًا ذريعًا، بل هو مرضٌ مُرِيع، وشَلَلٌ عامٌّ، وجنون ذُهُولِيٌّ يبعث الإنسانَ على الخمول والكسل، ولا يوقظه من الخمول والكسل، إلّا ليدفعه إلى سفك الدماء والإدمان على مُعَاقَرَة الخمور وارتكاب جميع القبائح. وما قبُر محمد إلّا عمودًا كهربائيًّا يبعث الجنونَ في رؤوس المسلمين، فيأتون بمظاهر الصرع والذهول العقلي إلى مالا نهاية، ويعتادون على عادات تنقلب إلى أصيلة، ككراهة لحم الخنزير والخمر والموسيقي.

       ويُضِيف قائلًا: أعتقد أن من الواجب إبادة خُمُس المسلمين، والحكم على الباقين بالأشغال الشاقة، وتدمير الكعبة، و وضع قبر محمد وجثته في متحف اللوفر» (الاتجاهات الوطنية، ج1، ص:321)

       ومتحف اللوفر (Louvre) بفرنسا من أهم متاحف العالم الفنيّة.

       وينبغي أن لاينسى المسلمون والعرب في كل مكان أن الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن – ولا يزال حيًّا يُرْزَق – أعلن على مرأى ومسمع من العالم لدى شنّه الحربَ على أفغانستان إثر تفجير المركز التجاري العالمي بأمريكا الذي قامت به «الماسونية» العالمية بتنسيق مع مسؤولي الإدارة الأمريكية الداخلية كما صَرَّحت بذلك كثير من الأبحاث والدراسات في ضوء الدلائل والشواهد الواضحة التي لا تقبل التكذيب والتأويل:

       أعلن قائلًا: إننا بسبيل خوض «حرب صليبية» غير تقليدية سنستخدم فيها جميع الأسلحة التقليدية وغير التقليدية. والهجماتُ الأمريكيةُ المباشرة وغير المباشرة على العالم العربي والإسلامي التي لا تزال لا تنتهي وتؤكد الملابسات أنها لن تنتهي، دراسةُ طريقةِ دورانِها تُؤَكِّد أنها حربُ تدمير ضد الإسلام والمسلمين تعمل فيها الروح الصليبية التي تُذْكِيها وتُؤَيِّدها وتتكاتف معها الروح الصهيونية العدوانية القاسية التي لا تعرف رحمةً تجاه الإسلام والمسلمين منذ يومها الأوّل.

       فالواجب على المسلمين أن يتعاملوا مع الغرب ولاسيّما أمريكا التي تقود اليوم الغرب واضعين في الاعتبار أن الغرب المحارب ظل في جميع الحروب العسكرية والثقافية والاقتصادية والصناعية – ولا يزال – مدفوعًا بالروح الصليبية الحاقدة التي تَطَعَّمَتِ اليومَ بالروح الصهيونية المتناهية.

(تحريرًا في الساعة الحادية عشرة من نهار يوم السبت: 12/رجب 1439هـ الموافق 31/مارس 2018م).

نور عالم خليل الأميني

nooralamamini@gmail.com

مجلة الداعي الشهرية الصادرة عن دار العلوم ديوبند ، ذوالقعدة 1439 هـ = يوليو – أغسطس 2018م ، العدد : 11 ، السنة : 42

Related Posts